طروادة ملحمة سينمائية مدهشة بصريا

وضعت ليدا، امرأة تينداراوس، ملك إسبارطة بنتا أسمتها هيلانة، فلما ترعرعت فاقت نساء الأرض جمالا، وتزوجت من مانيلا بن أتريد، وعاشت معه حياة رغيدة، مدة من الزمن، وضعت خلالها ابنة أسمتها هرميونة، ثم نزل فاريس الابن الثاني لفريام ملك الطرواديين ضيفا على مانيلا، ملك اسبارطه آنذاك فأحسن مانيلا وفادته، ولكن فاريس قابل الإحسان بالإساءة، إذ حمل معه الحسناء هيلانة، امرأة مضيفه، ومعها الكثير من متاع الملك، فهب عند ذلك مانيلا، ومعه أخوه الأكبر، اغا مَمْنُون سيد الإغريق جميعا، يطوفان بالزعماء، ويطلبون منهم العون للانتقام من المعتدي الأثيم.

بهذه المقدمة يبدأ الكاتب سعد جمعة قراءته لفيلم (طروادة) الذي يعرض حاليا في السينمات المحلية والعالمية ويحقق نجاحا بارزا من خلال نجم الفيلم (براد بيت).. ثم يواصل الكاتب:

تبدأ قصة اندلاع الحرب بين الإغريق والطرواديين في ملحمة الالياذه لهوميروس، والتي استمرت عشر سنوات.
المخرج الألماني »فولفجانغ بترسن« حاول من خلال اقتطاف شيء من هذه الملحمة الشعرية العظيمة لأحد أعظم شعراء الأرض »هوميروس« واستطاع أن يقدمها بواقعية مقبولة وبتدخل مشروع، لأنه من المستحيل تجسيد هذه الملحمة الكبيرة في فيلم مدته ساعتان أو ثلاث، ذلك لصعوبة تجسيد المشاهد الخرافية التي يقدمها »هوميروس« في الإلياذة من طيران، إلى مخلوقات خرافية إلى آلهة تتجسد في أشكال حيوانات وبشر.

ولقد نجح المخرج في تقديم فيلم مدهش بصريا، ليس فقط بسبب الإنتاج الضخم واستخدام التقنية الحديثة بل بالعقلية الجميلة التي تم فيها إدارة وضع هذا الفيلم الذي يقدم سقوط وحريق طروادة، ويقدم الحب في نموذجين مختلفين وسط صهيل الخيول وقرقعة السيوف وصخب الجيوش ودوي الأرض من وقع أقدامهم ذات السيقان المحزمة بقطع الجلد والكتل البشرية الثقيلة التي تحمل الدروع والسيوف والخوذات.

في تصريح للمخرج عند العرض الأول لفيلمه في ألمانيا حاول أن يروج للفيلم إعلاميا بقوله انه يعكس الخداع الذي استخدم في الحرب على العراق، إلا انه لم يوفق في هذا التصريح لأنه ليس في الفيلم ما يشير إلى أنه يعكس الوضع السياسي الدولي،، هناك قيم إنسانية وهناك دلالة بان الخداع هو دائما ما يميز أسباب الحروب.

من جانب آخر تعرض الفيلم إلى نقد سلبي من المطبوعات الفنية الأميركية خاصة حول تنفيذ المعارك وشبهتها بمباريات الرجبي، وان الدراما ضعيفة. ومن هنا نقول إن مباريات الرجبي هي شكل من أشكال الحروب البدائية، أما عن الدراما فأن قصة بحجم الإلياذة من غير المنطقي تقديمها بكل سيرها وتصاعدها الدرامي.

يقدم الفيلم المشهد الأول في وضح النهار في الصباح الباكر، حيث يلتقي جيشان كبيران وتتم المساومة الأولية ـ التحدي ـ لكسب الحرب دون قتال وهنا يأتي أخيل الجميل والأنيق والمتناسق الأطراف، ويجسد دوره الممثل المبدع »براد بيت« صاحب العديد من الأفلام المتميزة ومنها فيلمه الرائع »الموت« والذي قام بتمارين رياضية شاقه لأشهر من اجل هذا الدور، كما اقلع عن التدخين ويعلق براد بت على معاناته في الإقلاع عن التدخين بأنه كان ضجرا إلى الدرجة التي كان فيها يمكن أن يقتل.

ينطلق أخيل في هذا المشهد بشعره الطويل والذي تصفه الإلياذة بأرشق أبناء الأرض قدما، ينطلق إلى مبارزه في فريق الخصم بسرعة لا يمكن رصدها سوى بالعين، وبقفزة استعراضية مدهشة يطعن بخنجره خصمه بين العنق والكتف ليسقط هذا الخصم القوي جدا، كأن جيشا بأكمله قد سقط.

تقول الأسطورة اليونانية أن هيلانة كانت أجمل بنات الأرض، حيث طلب يدها الكثيرون وهي فتاة، وكان عريسها المختار هو مانيلا، ملك إسبارطة، وأخ أغا مِمنْون الذي كان ملك مسينا قرب أزإُوس.

وفي احتفال بمناسبة السلام بين الطرواديين والإسبارطيين، تقع هيلانة في حب فاريس الابن الثاني لملك طروادة والذي يبادلها بدوره الحب، ويقرر الاثنان بأن يكونا معا إلى الأبد، حيث ترحل هيلانة مع فاريس الذي يحملها بالخفاء في أحد سفنهم المغادرة في صباح اليوم التالي بعد حفل السلام إلى طروادة، ولم يستطع أخوه الأكبر هكطور من ثنيه عن قراره، ويبدأ بعدها التصاعد الدرامي الجميل والمدهش للفيلم العملاق، ويستنجد ملك اسبارطه بأخيه الملك أغامِمنْون لاستعادة زوجته جميلة الجميلات.

أخيل في الحرب

أدرك الملك أغاممنون أن دخوله طروادة لابد له من مقاتلين أشداء وكان من ضمن الذين وقع عليهم اختياره أخيل، هذا الفتى المحارب الذي تقول الأسطورة إن ألإلهه يونان تحرسه، في كل الحروب وتتدخل كذلك لتحيل كفة النصر له، ويوافق أخيل على المشاركة في القتال ولكن ليس من أجل الملك ولا من اجل هيلانة ولا من اجل أحد، فقط يوافق على القتال من اجل نفسه كي يبقى اسمه على مر الأزمان.

يقدم المخرج مشهد إبحار السفن الأغريقيه بقيادة ملك الملوك أغا ممنون إلى طروادة بشكل مهيب، حيث تنتشر السفن في البحر إلى درجة أن تغطي كل مساحته ولا تلحظ سوى الجنود والسفن والرايات المرفرفة.

يستقل أخيل تقدمه على جميع السفن وينطلق في مشهد ملفت يتقن فيه المخرج تمثيل عملية اختراق صفوف فرقة من الجيش الطروادي مهمتها حماية أحد المعابد، حيث يأمر أخيل في هذا المشهد جنوده بتشكيل جدار من الدروع، يتحرك بشكل بطيء لصد السهام، إلى أن تمكن أخيل وجنوده من الالتحام بالخصوم، وبعد احتلال المعبد ينهب رجال أخيل كل ما في المعبد من ذهب ويسلبون فتاة هي أحد أقرباء ملك طروادة ـ في الإلياذة يشار إليها على إنها ابنة الملك ـ، وتوضع الفتاة في خيمة أخيل، إلا أن ملك الملوك يخطفها ويساوم أخيل الذي يرفض المشاركة في الهجوم الثاني من الحرب وهو الهجوم الكبير لاختراق حصن طروادة، يرفض أخيل المشاركة ويلتقي الجيشان العملاقان في تصوير سينمائي مذهل وكالعادة تجرى المساومة قبل القتال ويعرض فاريس على ملك اسبارطه وزوج هيلانه القتال ومن يربح تكون له هيلانه وتنتهي الحرب، إلا أن الملك اغا ممنون يرفض، ويقبل بعد إلحاح من أخيه، لانه وعده بقتل الأمير فاريس،، يتنازل الاثنان إلا ان فاريس يجرح ويزيد الأمر سوءا بأن يهرب إلى أخيه هكطور الذي لم يتوان في طعن ملك اسبارطه عند ما كاد الأخير أن يقتل فاريس، وتنشب المواجهة الجبارة بين الجيشين، إلى أن يتمكن جيش طروادة بقيادة الأمير هكطور من جعل ملك الملوك ينسحب.

في اللحظة التي يقرر فيها أخيل عدم المشاركة في الحرب والانسحاب لأنه وقع فعلا في حب الفتاة التي سبيت، يتمكن قريبه وحبيبه فَطرْقُل من أن يتنكر بزي أخيل ويدخل المعركة وسط تأييد الجنود وتشجيعهم ظنا منهم انه أخيل، ويقع في مواجهه مع هكطور حيث يموت قتيلا في النزال بضربة سيف في عنقه.

وهنا تثور ثائرة أخيل وينطلق وحيدا أمام حصن طروادة وعند بوابتها الكبيرة تماما يصرخ طالبا القصاص من خلال مبارزة هكطور الذي كعادة كل المقاتلين الشرفاء لم يستطع رد طلب أخيل في المبارزة، وهنا تقدم الالياذة شرحا مفصلا قبل وبعد المبارزة من إغراء الالهه أثينا لهكطور على المبارزة، إلى وقوفها مع أخيل ونصرته في المنازلة التي تعد من أروع أحداث إلياذة هيمروس، حيث تضرع الملك فريام لابنه بأن لا يقاتل أخيل، كما انتحبت أمه من أعلى السور وكشفت عن صدرها تعرضه لأنظاره آملة أن تحرك شفقته إلا أن كل تضرع الأب وألام إلى ولدهما لم يجدي وكان كله عبثا.

ويتقابل الاثنان في مشهد غاية في الجمال والحركات والقتال الفاتن بالرمح والسيف والخنجر والدرع، إلى أن يسدد أخيل له طعنة نافذة بالرمح عند عظمة التروقة، حيث ملتقى العنق بالكتف وبهذه الضربة يسقط هكطور حسب الإلياذة، إلا أن المخرج فولفجانج بترسن يضيف إليها طعنة يوجهها أخيل بخنجره مباشرة في قلب هكطور الذي يخر بعدها صريعا على وجهه.

تقبيل يد القاتل

يقوم أخيل بسحب جثة هكطور بالرغم من أن هكطور قال لأخيل قبل المنازلة » إذا أعطاني زفس النصر عليك، فإني لن أقدم على الاستهانة بجسدك، بل آخذ سلاحك وأرجع الجسد إلى الإغريق،، فعدني بأن تفعل كذلك«ولكن أخيل يجيبه: لا تكلمني بالمواثيق يا هكطور، فإن الرجال والأسود لا يبرمون بينهم عهدا، وليس بين الخراف والذئاب أي ميثاق.

ويجر أخيل جثة هكطور خلف عربته التي يجرها حصان إلى أن يضعه عند خيمته، وهنا يهرع الملك فريام ملك طروادة متخفيا في جنح الليل ويدخل خيمة أخيل ويقبل يديه راجيا أن يسلمه أبنه لكي تقام له جنازة تليق بأمير، ويتخلل هذا المشهد حوار في غاية الجمال فيه من شعر همروس المبهر، حوار بين الممكن واللاممكن، بين ملك، ابنه جثة هامدة متسخة بالرمل ومبللة بالدم في أرضه وقرب خيمة عدوه، ملك يلح ويترجى ويتوسل ويقبل يد القاتل أخيل حوار تتخلله القيمة الميتة بين الجلاد والضحية
ويحدث أخيل قائلا: لم يؤت أحد من الشقاء ما أوتيت، ذلك بأن أقبل اليدين اللتين فتكتا بولدي.
ثم يوافق أخيل ويلف الجثة بالدثار ويبكي عليها ويعده على اللقاء بعد الموت

حصان طروادة

بعد أن أصبحت طروادة عصية على الخصوم وكان من المستحيل اختراق حصنها تقول الأسطورة إن أوذيس الذي حذق فنون الحرب كما حذق وضع الخطط والحيل، هو من أبتكر حيلة حصان طروادة، حيث يحكي في إلياذة هوميروس:لقد صنع حصانا عظيما أجوف من الخشب وأدخلوا إلى جوفه أشجع المقاتلين ورحلوا عن ساحة القتال ولشدة فرح الطرواديين بانتصارهم بعد انسحاب جيش ملك الملوك أغاممنون، جروا الحصان إلى داخل المدينة، وجعلوه في عمق طروادة واحتفلوا بالنصر، ولما جن الليل خرج المقاتلون من الحصان فاستولوا على أبواب المدينة وأدخلوا صحبهم الذين انسلوا راجعين وأقاموا ينتظرون خارجا إلى أن فتحت بوابة طروادة فعاثوا فيها قتلا ونهبا واحرقوها.

هذا المشهد قدمه المخرج فولفجانج بترسن بشكل متقن من حيث التصوير والحركة والإضاءة وخاصة مشهد إدخال حصان طروادة الخشبي الأجوف والمليء بالمقاتلين.

أخيل ينقذ حبه ويموت

بالرغم من أن أخيل صاحب قلب من حديد إلا انه يقع في الفيلم في حب الفتاة المستباه والتي أعادها أخيل مع جثة هكطور إلى الملك. وعندما قرر أخيل دخول طروادة لم يكن يفكر بأي شيء سوى أن ينقذ حبيبته من المدينة التي يعلم إنها سوف تباد عن بكرة أبيها. فمجرد أن خرج من جوف الحصان الخشبي أندفع يهيم بحركة ممثل متقنة عن حبيبته إلى أن يجدها بين يدي ملك الملوك أغا ممنون الذي كان يهم بقتلها، فينقذها أخيل وبحركة سريعة جدا يقتل ملك الملوك، إلا أن الأمير فاريس الذي شاهد الفتاة بين يدي أخيل في لقطة عاطفية، رمى بجهل عدة سهام من قوسه، فسكن السهم الأول في رجل أخيل، ثم في بطنه ثم في قلبه النابض بالحب، ويتمكن من جعل حبيبته تلوذ بالفرار ويسقط أخيل الشجاع على الأرض ميتا كما أراد ومخلدا اسمه في كل الثقافة اليونانية التي اجتاحت العالم القديم والجديد.