مـــــــــــــــــــــواعظ
من فضل الله على عباده تتابع مواسم الخيرات ومضاعفة الحسنات فالمؤمن يتقلب في ساعات عمره بين أنواع العبادات والقربات فلا يمضي من عمره ساعة إلا ولله فيها وظيفة من وظائف الطاعات وما أن يفرغ من عبادة إلا ويشرع في عبادة أخرى ولم يجعل الله حدا لطاعة العبد إلا انتهاء عمره وانقضاء أجله.
وبعد ان اتم الله لنا نعمة اكمال شهر الصيام والقيام ورتب عليه عظيم الأجر والثواب صيام ست أيام من شوال التي ثبت في فضائلها العديد من الأحاديث منها ما رواه الإمام مسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال : ( من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر
المواضيع الأخيرة
بطاقات اسلامية
أدعية رمضانــــــــــية
تابع أدب الخيال في رسالة الغفران
صفحة 1 من اصل 1
تابع أدب الخيال في رسالة الغفران
ولما مارس المعري تقنيات القص بكل عناصرها الفنية... كان يميل إلى قانون دون آخر مما ذكرناه؛ فقانون التصوير التخيلي لا يماثل قانون الإخبار.. ففي التصوير الخيالي الموحي يعمد إلى إغفال التفصيلات غير المرغوب فيها؛ أو يهمل ذكر العديد من الأسماء التي لا تلبي فكرته وغايته؛ بينما يكون حريصاً أحياناً على ذكر الاسم فقط ولو لم يعرض لفكرة ما عنه... كما نراه في مطلع القسم الأول من رسالة الغفران حين انتقل من (الأَسْود) إلى الشعراء السود... وربما يحشد عدداً غَيْر قليل منها إذا رأى أنها متساوقة مع السياق والفكرة... وقد يعزف عن الحوار لحساب التصوير أو الوصف السردي كما نراه في قوله حين تحدث عن بشار بن بُرْد، وتفضيله لإبليس على آدم، فلما أقره إبليس على تفضيله قال: "لقد قال الحق، ولم يزل قائله من الممقوتين" ثم صور حالة ابن القارح في حواره مع إبليس في النار فقال: "فلا يسكُتُ من كلامه؛ إلا ورجُل في أصناف العذاب يُغَمّض عينيه حتى لا ينظر إلى ما نزل به من النِّقَم، فيفتحهما الزَّبَانية بكلاليب من نار؛ وإذا هو بشار بن برد قد أعطي عينين بعد الكَمَه؛ لينظر إلى ما نزل به من النكال".(24)
فالإسهاب في التصوير يوفر للمعري القدرة على رسم فن التخيّل أو التخييل وفق الشكل الذي يرغب فيه؛ دون أن تحجزه حواجز الفن القصصي، أو حواجز العرض المسرحي المشهدي؛ في الوقت الذي يستطيع أن يحشد فيه مخزونه الثقافي الأدبي، ثم اللغوي... والفني، وأن يقدم فيه آراءه الفكرية والفلسفية. وهذا كله نتمثله في لقاء بطل الغفران للشاعر الجاهلي عدي بن زيد، فبعد حوار شائق بينهما حول أبيات لعدي يخاطب فيها صاحبه... يقول: "ويحك!! أما علمتَ أن الجنة لا يُرْهب لديها السَّقم؛ ولا تنزل بساحتها النِّقَم؟!. فيركبان سابحين على خيل الجنة؛ مَرْكُب كل واحد منهما لو عُدل بممالك العاجلة الكائنة من أولها إلى آخرها لرجح بها، وزاد في القيمة عليها. فإذا نظر إلى صُِوارٍ ترتع في دَقاريّ الفردوس-والدقاري: الرياض-صوَّب مولاي الشيخُ المِطْردَ-وهو الرُّمْح القصير-لأَخنسَ ذَيَّال، قد رتع هناك طويل أيام وليالٍ؛ فإذا لم يبق بين السِّنان وبينه إلا قيد ظُفْرٍ قال: أَمْسِك-رحمك الله-فإني لست من وحش الجنة التي أنشأها الله-سبحانه-ولم تكن في الدار الزائلة؛ ولكني كنت في محلّة الغُرور أَرود في بعض القفار، فمَرَّ بي ركب مؤمنون قد كرَى زادهم، فصرعوني واستعانوا بي على السفر، فعوّضني الله-جَلَّت كلمته-بأن أسكنني في الخلود. فيكفُّ عنه مولاي الشيخ الجليل".(25)
لنتأمل المشهد القصصي الوصفي التصويري البديع؛ ولنترك-الآن-ما يتعلق بالزمن الخَطي والتعاقبي بانتقال الثور من الأزل إلى الأبد؛ ومن ثم لنترك الزمن النفسي للشخصية العجائبية (الثور)، وكذلك لنُهمل الأبعاد الزمانية الثلاثية المحققة في هذا المشهد.. إذ لا يعنينا-الآن-الزمن الميقاتي الموضوعي في البيئات المتنوعة في القفار ثم في الجنة؛ ولكن الذي يعنينا هذا التصوير التخييلي القائم على السرد الذاتي العجائبي الذي يقدم بين يديه فكرة المكافأة عن الحرمان في الدنيا، والتعويض عنها بمسكن الخلود في الجنة... ولهذا لا يجوز للإنسان-بطل الغفران-أن يصرعه مرة أخرى وهو في حمى الرحمن؛ فكفَّ عنه الشيخ.
فالبناء التخييلي العجائبي للثور الوحشي-وإن أَخذ خطوط تصويره له من ثقافة المعري-إنما يعزز لدينا مفهومه الفلسفي في أكل لحم الحيوان... فضلاً عن أنه يعزز لدينا فكرة الحكايات الخرافية العجائبية المحكمة النسج الفني، وهي حكايات سبق بها المحدثين الذين يزعمون بأنهم روادها؛ علماً بأن بعض الشعراء الجاهليين عرفوها ونظموا أشكالاً لها في أشعارهم مثل تأبط شراً والنابغة الذبياني.(26)
ولذلك كله نشدد مرة أخرى على أن المعري كانت تتملكه شهوة التهكم من ابن القارح فيما ادَّعاه من معارف وعلوم وآداب وأخبار وأشعار... وشهوة تحدي المبصرين في الإتيان بما لا يستطيعون عليه. فهذه الحكايات الخرافية العجائبية المبنية في إطار الفن القصصي، أو فن المشهد المسرحي؛ قصر المشهد أم طال؛ إنما يعبر عن ذلك كله، ويدل على أنه نسج علائي خالص لا صلة له بما عرفته الأمم الأخرى من حكايات خرافية كالهند والفرس، أو اليونان.. ولا ضَيْر علينا أن نتوقف عند مثال آخر، وإن امتدت الأمثلة على طول قصة الغفران، وهو مشهد تصوير أنهار الجنة؛ حيث يقول: "فأما الأَنهار الخَمْرية، فتلعب فيها أسماك هي على صور السمك؛ بَحْرية ونَهْرية؛ وما يسكن منه في العيون النَّبْعيَّة؛ ويظفر بضروب النبت المَرْعيَّة، إلا أنه من الذهب والفضة، وصنوف الجوهر؛ المقابَلةِ بالنُّوْر الباهر. فإذا مدَّ المؤمن يده إلى واحدة من ذلك السمك شرب من فيها عَذْباً لو وقعت الجُرعة منه في البحر الذي لا يستطيع ماءَه الشارب لحَلَّت منه أَسافلُ وغوارب، ولصار الصَّمَر كأَنه رائحة خزامى سَهْلٍ طلَّتْهُ الداجنةُ بدَهْلٍ-والدهل: الطائفة من الليل-أو نشر مُدَامٍ خَوَّارة سيَّارة في القُلَل سَوَّارة".(27)
فقانون التصوير جسَّد هذا الوصف البصري التخييلي بعين العقل والقلب معاً؛ لذلك وجدنا الأَفعال القلبية تزاحم الأفعال البصرية في فن أدب الخيال لديه. وهي أفعال تدل على ما كان عليه المعري من حرمان لنعمة البصر، مما جعله يعوض نفسه عن ذلك فيَرُدّ البصر إلى بشار بن بُرْد (الأعمى)، وإلى الأعشين (ضعاف البصر) ليشاهدوا الأحداث بهذه الحاسة العظيمة في رحلته إلى عالم الآخرة.(28) وبهذا كله استطاع-وبقدرة فنية عالية-إيهام المتلقي بأن قصصه ومشاهده إنما تمثل الزمن الطبيعي الواقعي الحقيقي للجنة والنار؛ وتجسد المكان المألوف والمعروف للناس... بينما هي في الواقع الفني مبنية على أساس التخيل والتخييل العجائبي الذي لا يستطيع أحد غيره أن يتصوّره... فالشكل الفني المتخيل للغفران المعتمد على قانون السرد الوصفي التصويري قام في ذاكرة المعري وخياله؛ وإن ساقه في إطار التصوير الممكن والواقعي المستمد من البيئة الطبيعية، ومن البيئة الاجتماعية والثقافية للناس في زمنه أو في الأزمنة السابقة له.. فاكتسب-بكل جدارة-صفة الفن الأدبي التخيلي المبدع. وهذا كله ينفي عنه ما قاله بطرس البستاني في وصف (رسالة الغفران) بأنها ليست "غنية بالأوصاف والصور والألوان"(29).
ولعل المرء قد أغفل كثيراً من التفصيلات المتعلقة بقانون التصوير، فلم يشر-مثلاً-إلى خصائصه، أو تقنياته بشكل كبير؛ ولم يوضح كيفية ظهوره عند المعري وحجمه، ومن ثم طبيعته-وهذا وحده يحتاج إلى بحث خاص به، على ما ذكرناه ونذكره. ولهذا فالمعري مَعْنيٌّ بفكرة التخييل والتخيل المنتزعة من التشخيص المادي الحسي المستند إلى الأفعال البصرية خاصة؛ ولا سيما أنه-غالباً-كان مشغولاً بها لعوامل نفسية وفكرية ذاتية لديه، على الرغم من أن مقام الترسل يناسبه مقام السمع أكثر من مقام البصر... بيد أنه عدل عن نظام الترسل-غالباً-إلى نظام القص والمشهدية الذي ينسجم مع قانون الإخبار والتصوير العقلي... وما كان منه هذا إلا ليثبت-على مدار الزمن-أنه كان أكثر قدرة على البناء الفني التصويري البصري من الأحياء المبصرين؛ {فإنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} (الحج 22/46).
ويحق للباحث أن يستطيل بهذا الجانب من البحث لأنه أساس أدب الخيال في رسالة الغفران؛ وباعتبار أن التخييل صار نمطاً فنياً وفكرياً في الإيحاء الرمزي القائم على الإيهام؛ مما يجعل المعري متميزاً به. فقد عني بكل ما من شأنه أن يجعل فن التصوير كاملاً عنده؛ ودقيق التوزيع والتناسق في اللوحة المشهدية للقصة. فالأحجام والأبعاد والألوان والحركات متناهية الدقة في تناسقها الموزع على اللوحة الفنية، من جهة، وعلى الحواس من جهة أخرى. فالخطوط اللونية-مثلاً-دلت على مهارة فائقة لديه في انسجامها وتناغمها مع العناصر الفنية الأخرى؛ وإن قيل: إنه لم يكن يدرك من الألوان إلا الأحمر... فعناصر أي قصة أو مشهد تتشكل من ألوان عدة تناسب مقام التصوير الجميل والموحي، ثم يتحرك المشهد في وسط مكاني واجتماعي وثقافي متكامل النسق والتنسيق. وإذا كانت الأمثلة السابقة تعبر عن ذلك كله فإنه يمكننا أن نقدم مشهداً حيّاً آخر يصور لقاء ابن القارح لصبية جميلة عجائبية في الجنة؛ وهو مشهد فني راقٍ يتجاوز بإتقانه أي مشهد مسرحي نراه في عالمنا؛ وفيه يقول عن ابن القارح: "فإذا ضرب في غيطان الجنة لقيته الجارية التي خرجت من تلك الثمرة؛ فتقول: إني لأنتظرك منذ حِيْن؛ فما الذي شَجَنك عن المزار؟ ما طالت الإقامةُ معك؛ فأُمِلَّ بالمحاورة مَسْمعك. قد كان يَحقُّ لي أن أُوثَر لديك على حَسَب ما تنفرد به العروس؛ يخصها الرجل بشيء دون الأزواج. فيقول: كانت في نفسي مآرب من مخاطبة أهل النار؛ فلمّا قضيت من ذلك وَطَراً عُدْتُ إليك؛ فاتبعيني بين كُثُب العَنْبر وأَنْقاءِ المسك. فيتخلل بها أَهاضيب الفردوس؛ ورمال الجنان، فتقول: أيها العبد المرحوم؛ أظنك تحتذي بي فِعال الكِنْديّ في قوله:
فقمتُ بها أَمشي، تجرُّ وراءَنا *** على إِثرنا أَذيال مِرْطٍ مُرَحَّلِ
فلمّا أَجزْنا ساحة الحيّ، وانتحى *** بنا بَطْنُ خَبْتٍ ذي قِفافِ عَقَنْقلِ
هَصَرْت بفَوْدَي رأسها فتمايلَتْ *** عليَّ هَضيمَ الكَشْحِ ريَّا المُخَلْخَلِ
فيقول: العجب لقدرة الله!! لقد أَصَبْتِ ما خطر في السُّوَيْداء، فمن أين لك علم بالكندي، وإنما نشأت في ثمرة تبعدك من جنٍّ وإنس؟!، فتقول: إن الله على كل شيء قدير".(30)
سأَترك ما يدل عليه المشهد من مفهوم التعويض المعبر عما حرم منه المعري في حياته؛ فهو لم يشهد مغامرة غزلية بالمعنى الدقيق-على ما حكي عنه في شغفه بإحدى الصبايا-ولم يتزوج؛ فاتخذ حياة ابن القارح في جنته سبيلاً إلى تحقيق ذلك، وجعل له زوجات شرعيات؛ فضلاً عن عروسه العجائبية... وسأترك مسألة ثقافته العربية التي تمثلت برواية شعر امرئ القيس... وكذلك سأهمل الحديث عن الحوار الخارجي الدقيق ولكني لن أترك أو أتغافل عن مسألة التصوير الفني القائمة على أساس التشخيص البصري العجائبي... فالجارية تخرج من ثمر شجر الجنة؛ فهي ليست جنية ولا إنسية؛ غير أنها تحمل خصائص الشهوة الإنسية ورغباتها الاجتماعية؛ ومن ثم تغدو-في إطار الزمن التعاقبي، والنفسي-زوجاً شرعياً؛ وكأنه يأبى أن تكون علاقته بالمرأة علاقة غير نظيفة، ولو كان ذلك في الجنة... ويمضي الزمن التعاقبي المتخيل ليرسم فيه لوحة بصرية فريدة حين يطوف بعروسه بين الكثبان؛ ولكنها من عنبر ومسك، لا من رمال كما هي كثبان امرئ القيس؛ بعد أن قطع أرضاً ملأى بالشجر الكثيف والعظيم... ثم جعل للفردوس هضاباً ورمالاً يتخللها، فأسقط الصورة الأرضية على صورة الجنة...
فالتصوير التشخيصي البصري المتخيل ماثل بكل أبعاده وأحجامه وألوانه وحركاته... فاللون-مثلاً-تجسد بالأسود الممثل بالعنبر والمسك؛ وبالأخضر المعبر عنه بشجر الغيطان؛ وبالأصفر الذي أوحى به لون الرمال... وظهر في صميم ذلك التوشية اللونية المشكلة بصور الرحل... فالمشهد أصبح بين أيدينا صورة مرئية ذات ألوان مثيرة، وهي تتشح بكل عناصر التألق والحركة، ولا سيما حين مزج بين المشهد الممكن المقنع، وبين المشهد العجائبي المستحيل غير المقنع، وفق مفهوم المشيئة الكامن في قدرة الله-سبحانه-كما جاء في جواب تلك الثمرة، ووفق قانون الاحتمال الذي يصوره خيال المعري.
وليس هناك من يرتاب في أن المعري قد وظّف ثقافته التراثية، والدينية لبناء نسيجه الفني المتخيل في رسالة الغفران، فقامت بصيرته مقام بصره الذي فقده؛ فأبدع ما أبدع، مؤكداً طابعه الخاص في كل أشكاله القصصية... وعلى الرغم من ذلك يصفه بعض القوم بالأعمى {ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم} (البقرة 2/20). ففقدان بصره صار أداة حيوية في التشخيص، ومنارة في القياس والمثاقفة الذاتية التي تجلت في رسالة الغفران صوراً بديعة متميزة تحلق على جناح الخيال.(31)
فالمعري قدّم لنا درساً لا ينسى في الزاد الثقافي التراثي-على حين يتغافل كثير منا عن تراثهم؛ أو يهجرونه؛ باعتباره ليس ذا قيمة؛ كما يزعمون، لجهلهم به-فقد جعل التراث وسيلة فنية تصويرية في أدب الخيال في رسالة الغفران؛ في الوقت الذي سَخَّره لمقاصده ورغباته، فسبق بذلك ابن رشيق (ت 456ه) وحازم القرطاجني (683ه) الذي عُني كثيراً بربط الطبيعة الفنية للنص بالمقاصد والوظائف.(32)
________________________________________
(1) انظر الفن ومذاهبه في النثر العربي 275.
(2) رسالة الغفران-26-27 و404 على الترتيب؛ الشقور: الحاجة والهم، والمفرد منه شَقْر. العُجَر والبُجَر: العيوب والهموم، وقولهم: أفضيت إليك بعُجَري وبُجَري: أي أَمري كله.
(3) رسالة الغفران 168-169 وانظر رسالة التوابع والزوابع 7 وما بعدها.
(4) رسالة الغفران 140 وانظر جديد في رسالة الغفران 61-62 وراجع حاشية (28و44و84).
(5) رسالة الغفران 432 وانظر فيها 310 وما بعدها، وراجع حاشية (58) مما يأتي.
(6) انظر رسالة الغفران 510 و492-على الترتيب-وراجع فيها 457-499.
(7) انظر مثلاً على ذلك في رسالة الغفران 285-287، وانظر مضمون حاشية (71).
( رسالة الغفران 142-143. الذائمة: العاتبة. وأبو الهندي هو عبد المؤمن بن عبد القُدُّوس؛ شاعر فصيح أدرك الدولتين، واستفرغ شعره بصفة الخمرة، وشغف بها.
(9) رسالة الغفران 153، الموم: الشمع. وانظر في الميزان الجديد 138 وما بعدها.
(10) رسالة الغفران 367.
(11) انظر رسالة الغفران 368.
(12) انظر رواية الأصوات-د. التلاوي، ومجلة الآداب الأجنبية 58، و262-264/ عدد 110.
(13) انظر مجلة الآداب الأجنبية 81-82/ عدد 109 والحكاية الخرافية 101 وتاريخ المسرح الحديث 29-30 و96-135.
(14) رسالة الغفران 182-183. الجَنيَّة: الطازجة. الوَنِيَّة، والوَنَاة: اللؤلؤة أو الدرة.
(15) انظر مثلاً لذلك في (رسالة الغفران 175 و228 و251 و280 و286 و297 و304 –305 و333 و381).
(16) انظر رسالة الغفران 289-304.
(17) انظر رسالة الغفران 305-306، وراجع مضمون حاشية (46 و47) مما تقدم.
(18) انظر الفن ومذاهبه في النثر العربي 275.
(19) راجع مضمُون حاشية (29 و34 و35 و36 و37 و46...) مما تقدم.
(20) رسالة الغفران 381.
(21) رسالة الغفران 257. العِتْرة: ولد الرجل وذريته، أو عشيرته ممن مضى. المنتجبين: المصطفين؛ انتجب الشيء: اصطفاه واختاره. وانظر دلالة ما قاله في الفرق التي قدَّست الإمام علي وذريته (سلام الله عليهم أجمعين) رسالة الغفران 493-494.
(22) رسالة الغفران 370 –371. هَكَر: اشتد عجبه. وانظر مضمُون الحاشية (34 و37 و38).
(23) انظر رسالة الغفران 307-خبر الحطيئة، و308 خبر الخنساء.
(24) انظر رسالة الغفران 310، وراجع مضمُون حاشية (44 و76) من البحث.
(25) انظر رسالة الغفران 197 – 198. الصوار: البقر الوحشي. الأخنس: أي الثور الوحشي.
(26) انظر رسالة الغفران (359-360): قصة الغول وتأبط شراً-و (364-366) قصة الحية الصفراء والنابغة، وانظر الحاشية (87) مما يأتي.
(27) رسالة الغفران 168. الصَّمَر: النتن. الخزامى: نبتٌ زَهْره من أطيب الأزهار ورائحة. خَوّارة: من خار؛ وهي التي تؤدي إلى الاشتعال والقَدْح لا الفتور والضَّعف-عند المعري. سَوّارة: من السَّوْرة؛ وهي الحِدَّة والنشاط. القُلل: الرؤوس.
(28) راجع مضمُون الحاشيتين (65و66) ففيهما دليل آخر على عملية التصوير البصري المتخيل.
(29) انظر ما ورد في مقدمة (رسالة التوابع والزوابع 83).
(30) رسالة الغفران 372-373. الكِنْديُّ: هو الشاعر المشهور امرؤ القيس. شجنك: حبسك وشغلك عن المجيء. المِرْط: كل ثوب من خَزّ، وغير مخيط. المُرَحَّل: المزين بصور الرحل. القِفاف: الحجارة التي جمع بعضها إلى بعض-وهنا-الرمال التي ركب بعضها بعضاً. العقنقل: المعقد. الخبت: بطن الأرض، وبطن الرمل وغيره. هصرت: جذبت. الفَوْد: جانب الرأس. المخلخل: موضع الخلخال. السويداء: كناية عن حبة القلب.
(31) انظر ما ورد في رسالة الغفران عن روضة الحيَّات-مثلاً-360- 367؛ أو ما ورد في ردّ المعري على ابن القارح-450-500.
(32) انظر العمدة 1/119 – 121 ومنهاج البلغاء وسراج الأدباء 77 و302-303، وراجع ما أوردناه في بحثنا (كيفية قراءة النص الأدبي 288-289و292).
لهذا كله فمن يتأمل أي قصة من الغفران يدرك أنها انتظمت في وظيفة ما، وهي مرسومة بعناية فائقة توازي ما يدور في نفس المعري وفكره وحياته... وأي قصة أو مشهد إنما يحمل أبعاداً دلالية بمقدار ما يبنى عليه من شكل فني في رحلة الخيال المفترضة إلى الجنة أو النار، قصر حجمه أو طال. وكنا قد أشرنا من قبل إلى عدد من أنماط التصوير المتخيل التي تقدم طبيعتها الفنية رغبات المعري وأفكاره؛ وآراءه؛ كما رأينا في التجاء ابن القارح إلى العترة النبوية(1) أو في إدخاله إبليس النار، لأن كلمة الله حقت فيه؛ لعصيانه أمر الله... وكذلك جعل الملحدين والزنادقة حطباً لسعير جهنم.(2)
وبهذا كله تجلت قدرة المعري على المزج بين الوظيفة التي يرغب فيها للتصوير الفني القصصي المتخيل وبين المفاهيم الإسلامية التي ثقفها وعرفها، دون أن يغفو لحظة واحدة عن المشيئة الربانية في إدخال هذا الجنة وذاك النار.(3) ومن هنا أخذت الناسَ شبهة في أبي العلاء المعري؛ إذ تجرأ على التدخل في تحديد مصائر الناس ولا سيما الشعراء واللغويين والفقهاء والقراء... و... والله وحده من بيده ملكوت كل شيء...(4)
ولا مراء في هذا كله؛ لكن المعري ما عقد شيئاً إلا بمشيئة الله؛ ومن هنا فإن تصوراته وآراءه وتحليلاته كلها كانت منضوية تحت تلك المشيئة، وبها حاول أن يلبي رغباته كلها... وقد ساعده على هذا ثقافة إسلامية واسعة لم يتحيَّف عليها، أو يغمز منها... وعضد هذه الثقافة بعقل حصيف وقّاد وعالم؛ ورؤية نفسية وفكرية موضوعية... فجاء البناء الفني المتخيل نسيج ذلك كله. ولعل من بين المشاهد القصصية الموحية بما قلناه حكايته عن الأخطل التغلبي الذي أدخله النار... وكان ابن القارح يطوف فيها؛ "وإذا برجل يتضوّر؛ فيقول: مَنْ هذا؟! فيقال: الأَخطل التغلبي. فيقول له: ما زالت صِفَتك للخمر حتى غادرتْك أُكُلاً للجمر؛ كم طَرِبَت السادات على قولك!!"؛ وأنشد قصيدة له منها:
فلذَّتْ لمرتاحٍ، وطابت لشارب *** وراجعني منها مِراحٌ، وأَخيَلُ
فما لبثتنا نَشوة لحقَتْ بنا *** توابعُها مِمَّا نُعَلُّ ونُنْهَلُ
"فقال التغلبي: إني جَررت الذَّارع، ولقيت الدارع؛ وهجرتُ الآبدة، ورجوت أن تدعى النفس العابدة، ولكن أَبَت الأَقضية. فيقول-أَحلَّ الله الهلكة بمبغضيه: أخطأت في أمرين؛ جاء الإسلام فعجَزْت أن تدخل فيه، ولزمت أَخلاق سفيه؛ وعاشرت يزيد بن معاوية؛ وأطعت نفسك الغاوية؛ وآثرت ما فني على باقٍ؛ فكيف لك بالإباق؟!!. فيزفر الأَخطل زفرة تعجب لها الزبانية".(5)
فالمشهد الفني السابق بنيت عناصره على أساس العلاقة الواقعية التاريخية؛ والمفاهيم الدينية بين ما كان عليه الأخطل وبين المصير الذي آل إليه في مفهوم المعري... فالمتعة الفنية لم تتحصل فقط من القدرة على توظيف الثقافة التاريخية والدينية لتغدو حدثاً يدور عليه النص، ويحقق عناصر التخيّل المفترض من دخول الأخطل النار حتى تعجب الزبانية من زفيره.. بل تحققت أيضاً بفكرة التعليل والبرهان العقلي التي سُخّرت لإبراز ذلك... والبرهنة العقلية والتعليل مذهب الفلاسفة والمفكرين وهما مذهب المعري في توظيف ما لديه لخدمة أدب الخيال في رسالة الغفران.
وأختم هذا الجانب من عملية توظيف العناصر المكونة للقصة الخيالية في رسالة الغفران بمشهد التقاء إبليس بابن القارح، الذي يدل على الوظيفة النفسية لديه وبما يوحي به من التهكم والسخرية بابن القارح... فلما اطّلع على إبليس في نار جهنم والزبانية تأخذه؛ قال: "الحمد لله الذي أمكن منك يا عدو الله وعدو أوليائه!!. لقد أهلكت من بني آدم طوائف لا يعلم عددها إلا الله. فيقول: مَنِ الرجل؟ فيقول: أنا فلان ابن فلان من أهل حلب، كانت صناعتي الأَدب، أتقرب بهِ إلى الملوك!!!. وإنها لَمَزَلَّةٌ بالقدم؛ وكم أهلكتْ مِثلَك،!! فهنيئاً لك إذ نجوْتَ؛! فأَولى لك ثم أَولى".(6)
فالمعري لم يبدع هذه الحكايات الخيالية العجائبية لمجرد الإمتاع الفني فقط؛ وإنما جعلها أنماطاً فنية بديعة موظفة لدلالات كثيرة ذاتية واجتماعية وثقافية... وإيحاءات معنوية وفنية لا حصر لها. وكانت كل وظيفة تنبع من سياق كل قصة أو مشهد تخيلي أو تخييلي سواء قام على التصوير أم مزجه بالبرهنة والتعليل؛ وسواء عرضه بشكل مباشر أم قدَّم بين يديه الإضاءة المناسبة لفكرته...
فالمعري نقل المتلقي-بكل جدارة-إلى أفق توقع ما يرغب فيه من وظائف مرسومة بعناية ومهارة بوساطة التصوير التخيلي، وقانون الإخبار ذي الظلال الدلالية المكثفة والجمالية...
هكذا ترسَّخ في الذهن أن رسالة الغفران ذات بناء فني خيالي متميز؛ سبق به كثيراً من المبدعين شرقاً وغرباً... وقد أكدت ذاتها بأنها أداة كشف وإثراء لأفكار كثيرة؛ ووسيلة إلهام لقراءات إبداعية عديدة... وإذا لم نستطع وضع أنفسنا موضع المكتشف المجدد فإننا لن ندرك أبعادها الفنية؛ وإيحاءاتها الفكرية والتاريخية والأدبية... والدينية... ولا سيما ما يقال عنده عن المشاهد العجائبية والخرافية وقصص شياطين الشعراء وروضة الحيَّات... إذ يبقى المعري أحد أعمدة الروّاد الذين عالجوا أنماطاً فنية من الحكايات الخرافية سواء كانت ذات منهج ثقافي تاريخي، أو ديني أو نقدي أم كانت ذات منهج فني قصصي مشهدي... فقد اعتمد مفهوم القص التخيلي الذهني المفترض، فأنتج لنا أدباً خيالياً متميزاً صبغته علائية شخصية تنهل ملامحها من نسيج خياله، ولحمة مادته من الرؤى الفكرية المختزنة لديه ثقافة وتخيلاً... فحقق لنفسه قدراً من القبول في عقول الناس ومشاعرهم.
لهذا لا يمكن أن تكون رسالة الغفران منفصلة في الرؤية عن العديد من الكتب الأخرى؛ مثل (الصاهل والشاحج) أو (زجر النابح)... أو... فهي صنعة عقل جبار أبدع فيها طريقة ومادة... وجسَّدت في الوقت نفسه ثقافة عربية وإسلامية متميزة في اللغة والأدب والنقد والشعر والفلسفة والدين... وعبَّرت عن تجارب شخصية لا حصر لها.. فكل ما في الغفران صادر عن ذلك كله؛ فقد أشارت-مثلاً-إلى مذاهب إسلامية عديدة كالمُرْجِئَة والجَبْريّة والقَدَريّة... وحوت وصف الجنة والنار كما ذكر في القرآن؛ فضلاً عن أسمائها القرآنية؛ فقد سمى دار العذاب بالنار والجحيم وجهنم وسقر والسعير، واستعمل لفظ الزبانية والأغلال والسلاسل... أما شياطين الشعر فهي من التراث العربي الخالص الذي عرفه الجاهليون وكتب فيه بعض الباحثين كأبي زيد القرشي... وتعلق المعري بهذه الفكرة ولكنه ساقها بشكل فني خيالي جديد لا عهد للعرب به. ولا بأس علينا أن نثبت شيئاً من حكاية الجني (أبي هَدْرش) الذي ساق على لسانه جملة من الأشعار والأخبار، كما فعل السابقون قبله؛ لكنه تفرد عنهم حين جعله يتحوّل من شكل إلى آخر، متأثراً بكل ما عرف في القرآن عن الجن والشياطين؛ ثم قال: "لله دَرُّك يا أبا هَدْرشَ!! لقد كنت تمارس أوابد ومُنْديات، فكيف ألسنتكم؟! أيكون فيكم عرب لا يفهمون عن الروم، وروم لا يفهمون عن العرب؛ كما نجد في أجيال الإنسان؟! فيقول: هيهات أيها المرحوم!! إنا أهل ذكاء وفطنٍ؛ ولا بد لأحدنا أن يكون عارفاً بجميع الأَلسُن الإنسية، ولنا بعد ذلك لسان لا يعرفه الأَنيس. وأنا الذي أنذرت الجن بالكتاب المنزل..." ثم يشير إلى الآية الثانية من سورة (الجن) التي استمع فيها الجن إلى القرآن الكريم لمَّا نزل على قلب النبي الكريم فآمن به طائفة من الجن وكفرت طائفة؛ ومن ثم كُفُّوا عن استراق السمع ورجموا بشهب حارقة...(7)
لهذا يختلف النسق التأليفي لذكر الشياطين والجن في البناء الفني الخيالي عما ورد عند غيره؛ كابن شُهَيْد الأندلسي وأبي زيد القرشي؛ كما يختلف عما نستشعره من نسيج فني متخيل في القصص الاجتماعية الواقعية الساخرة التي عرفناها عند الجاحظ (ت 255ه) في (البخلاء) و(رسالة التربيع والتدوير) وعند بديع الزمان الهمذاني (ت 398ه) والحريري (ت 516ه) في حكايات المقامات.(
فرسالة الغفران قصة تتجاوز الزمان أو المكان، أو الأجيال صيغت صياغة علائية عربية إسلامية خالصة وفريدة في منهجها التاريخي والثقافي والفني.(9) واستحق خيال المعري أن يصبح مرآة نفسه وفكره ورغباته، فالخيال الفني مثَّل لديه ظِلَّ كل شيء في ذهنه-كما تقول اللغة-فالخيال لكل شيء تراه كالظل؛ وهو الشخص والطيف... فخياله جسَّد عالمه في تأملاته ومعاناته؛ به حطم قواعد الترسل ونظام الرسائل أياً كان نوعها، وأدخلها في نظام فني قصصي مسرحي جديد لا عهد لها به... ثم تعاونت الأنماط الفنية الثلاثة فيما بينها بشكل أنيق ومتآلف دون تنافر أو خلل أو ضَعف.
وما من باحث يتعرض لأدب الخيال في رسالة الغفران يمكنه أن يهمل الإشارة إلى أسبقية التأليف فيه، ومن ثم لا يستطيع إغفال ذكر الحكايات الخرافية عند العرب وغيرهم من الأمم الأخرى.
ومن هنا سنُلِمُّ بسرعة في الحديث عن ذلك؛ دون التفصيل فيه؛ لأن بابه في الدراسة المقارنة من باب التأثر والتأثير. ولعل المتصوفة كانوا سباقين إلى التأليف في أدب الخيال المستند إلى الرحلة من عالم الأزل (الدنيا) إلى عالم الأبد (الآخرة)؛ متأثرين بهذا بمشاهد يوم القيامة في القرآن الكريم، وبأوصاف الجنة والنار... ويعد المحاسبي (ت 243ه/ 857م) في طليعتهم؛ إذ صنف كتاب (التوهم) ورسالة (البعث والنشور) في هذا الاتجاه.(10)
فإذا جئنا إلى الأدب والنقد واللغة وجدنا المعري (ت 449ه) قد ألف رسالة الغفران سنة (424ه) بينما ألف معاصره ابن شُهَيْد (ت 426ه) رسالة التوابع والزوابع نحو سنة (418ه)، وكلتاهما رحلة إلى العالم الآخر.
وعلى الرغم من أنهما أفادا من فكرة شياطين الشعراء المعروفة للعرب في الجاهلية والإسلام، والتي عرض لها أبو زيد القرشي في مقدمته لجمهرة أشعار العرب، فإن طريقة كل واحد منهما في مادة شياطين الشعراء تختلف فيما بينهما؛ وإن تبنيا فكرة التأليف المعتمدة على رحلة خيالية من عالم الدنيا إلى عالم الآخرة...
فالتشابه الظاهري في الفكرة، أو في الشخصية المفتاح كمنطلق للدخول في الرحلة الخيالية لا يعني أن المعري أخذ من ابن شهيد، أو تأثر به...(11)
وإذا كانت هذه الإشارة قد لزمتنا؛ فإن هناك إشارة أخرى تلزمنا بالوقوف عندها؛ فاليونان-أيضاً-عرفوا التأليف في أدب الخيال وبنوا بعضه على أساس الرحلة إلى العالم الآخر؛ العالم السفلي، ولا سيما مصنفاتهم المسرحية، كمسرحية (أرستوفان) أو كرحلة (أودسيوس) إلى العالم السفلي. فإذا عرفنا أن المسرح اليوناني لم يترجم إلا بعد القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي(12) رجحنا عدم اطلاع المعري عليه، ولو حصل ذلك لصرح به، ولظهر تأثره به، مثلما ظهر أثر المعري والثقافة الإسلامية في (الكوميديا الإلهية) للشاعر الإيطالي (دانتي 1265-1321م)... الذي تنكر لمصادره، ولكن خفي أمره إلى حين...(13)
وأخيراً لا بد لنا من إشارة برقية أخرى تختص بالحكايات الخرافية، فالعرب عرفوا منذ القديم الحكايات الخرافية؛ ونقلوا كثيراً منها عن الأمم الأخرى كالهند وفارس، كما فعل ابن النديم في الفهرست بينما لم يذكر شيئاً عن الحكايات الخرافية أو كتب الأَسمار عند اليونان.(14)
وبناء على ما تقدم يتضح لنا أن الحرف الإبداعي قد تعذَّب هو الآخر كما تعذَّب صاحبه من قبل؛ ولكن ألقه وقدرته على الإبداع الأدبي الخيالي في التخيل والتخييل دفعا الباحثين في كل زمان ومكان إلى قراءته قراءة واعية حرّة ومتأملة تؤسس لرؤى لا حصر لها... وكل رؤية تؤكد أن (رسالة الغفران) تتميز بنزوع عربي إسلامي خالص في التعبير، والمادة، والمنهج. فمنهجها منهج نظام الرسائل بشكله العام وإن طوّره أبو العلاء؛ بإدخاله في نظام تأليفي ثلاثي جديد متخيل تخيلاً علائياً لا يماثله نظام آخر. فهو بناء ترسلي قصصي مسرحي عقلي بسيط وواضح قام على المناداة بالرجوع إلى العقل لمناقشة أي قضية مهما كانت شائكة...
وكل من يقرأ (رسالة الغفران) بموضوعية وحياد ونزاهة، ويتصل بها بقلب مفتوح؛ وعقل واعٍ وحر فإنها تحقق له طبيعة التفاعل السامي الكاشف، وتثير عواطفه على مشاعر ومعانٍ عظيمة مختزنة في كل قصة أو مشهد، مهما كثر أو قل، صغر أو كبر. ولا زال الزهو يأخذنا كلما قرأناها لريادتها المبدعة والفريدة في التأليف الأدبي الخيالي القصصي والمسرحي، وفي تبني منهج خيالي لرحلة سماوية؛ أو تبني منهج علمي لرحلة خيالية ترود عالم المجهول، وهو ما يحدث في عالمنا اليوم(15).
وسيبقى لها هذا الأثر المتجذر فينا لتفردها دون غيرها بمادة خيالية أدبية ولغوية ونقدية وفلسفية ودينية تراثية... تهتدي بسنَنها، ونتمثلها لتطوير حياتنا؛ وفننا ومنهجنا... وهذا يعني أنه هدية عظيمة أبدية للإنسانية قبل أصحابها؛ لأنها رادت مناطق من الفكر والفلسفة والنفس والخيال لم يرتق إليها أحد إلا أبو العلاء... إذ ما زال يثبت رسوخ قدمه فيها. فلم يستسلم للهزيمة والوقوف خلف أسوار القدر حين ابتلاه بالعمى؛ ولم ينزوِ عقله خلف أسوار بيته وإن رهن نفسه فيه... فقد انطلق باحثاً عن المصير والخلود فحقق بخياله عالمَه الحر البعيد عن كل عُقد مجتمعه...
فرسالة الغفران باعتبارها رحلة في أدب الخيال الذهني الصافي دعوة مستمرة على ذوي العقول الحرة المبدعة للنجاة من الجهل والتخلف الفكري والاجتماعي؛ وللتحرر من أوهام التملق والنفاق والزيغ والضلال والجشع والطمع والانحراف... ولتخطي العجز والضَّعف والعاهات الجسدية والنفسية. إنها السفير الخالد في عالم التأليف الخيالي والعجائبي للتعبير عن الأفكار العظيمة في تأمل المصير الإنساني، لأنها تمثل نمطاً فلسفياً متميزاً في الوجود والكون والثقافة واعتماد البرهنة والتعليل لذلك.
ولذلك كله خلدت؛ ومنها انبثقت رحلتنا إلى أدب الخيال، فعسى نكون قد رُدْنا مناطق جديدة فيها، ورؤىً تحثُّ العقل على التفكير... وإلا فعزاؤنا أننا عشنا معها رحلة عظيمة الإمتاع والفائدة. ولعلنا نفرد بحثاً آخر يرود آفاق التأثر والتأثير فيها. "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى... وأن سعيه سوف يُرى"؛ والحمد لله على نعمة القول.
المصادر والمراجع
1- أسرار البلاغة-عبد القاهر الجرجاني-تصحيح محمد رشيد رضا-دار المعرفة للطباعة-بيروت-لبنان-1978م.
2- الأعلام-خير الدين الزركلي-دار العلم للملايين-بيروت-ط7-1986م.
3- تاريخ الأدب العربي-بلاشير-ترجمة د. إبراهيم الكيلاني-بيروت-ط2-1984م.
4- تاريخ المسرح الحديث-جنفييف سيرّو-ترجمة د. بدر الدين القاسم-مطبعة جامعة دمشق-وزارة التعليم العالي-1974م.
5- تاريخ النقد الأدبي عند العرب-د. إحسان عباس-دار الثقافة-بيروت-ط4-1992م.
6- تجديد ذكرى أبي العلاء-د. طه حسين-دار الكتب المصرية-القاهرة-1944م.
7- جديد في رسالة الغفران-د. عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ)-دار الكتاب العربي-بيروت-ط1-1972م.
8- جمهرة أشعار العربي-أبو زيد محمد بن أبي الخطاب القُرشي-تحقيق علي محمد البجاوي-دون دار طباعة ولا مكان-ولا تاريخ.
9- الحكاية الخرافية-فردريش فون ديرلاين-ترجمة نبيلة إبراهيم-مراجعة د. عز الدين إسماعيل-مكتبة غريب-القاهرة-د/ت.
10- الحيوان في الشعر الجاهلي-تأليف د. حسين جمعة-دار دانية للطباعة-دمشق-ط1-1989م.
11- رجعة أبي العلاء-عباس محمود العقاد-دار الهلال-مصر-د/ت.
12- الرثاء في الجاهلية والإسلام-د. حسين جمعة-دار معد للنشر-دمشق-ط1-1991م.
13- رسالة التوابع والزوابع-ابن شُهيد-تحقيق بطرس البستاني-دار صادر-بيروت-لبنان-1967م.
14- رسالة الصاهل والشاحج-المعري-تحقيق د. عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ)-دار المعارف بمصر-1984م.
15- رسالة الغفران-المعري-تحقيق د. عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ)-دار المعارف بمصر-ط8-1990م.
16- رسالة الغفران-نقد وتعليق علامة الشام المرحوم أحمد راتب النفاخ على تحقيق د. بنت الشاطئ-(انظر حاشية 15)-مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق-مج 32-ج4-ص685 لعام 1957م/ ومج33-ج1-ص146 لعام 1958.
17- رواية الأصوات-د. محمد نجيب التلاوي-اتحاد الكتاب العرب بدمشق-2001م.
18- زجر النابح للمعري-تحقيق د. أمجد الطرابلسي-مجمع اللغة العربية بدمشق
ط2-1982م.
19- السخرية في الأدب العربي-د. نعمان طه-دار التوفيقية بالأزهر-القاهرة-ط1-1979م.
20- سقط الزند-المعري-دار صادر-بيروت-1980م.
21- عبث الوليد-المعري-تحقيق د. ناديا علي الدولة-المطبعة التعاونية-دمشق-
1978م.
22- أبو العلاء ناقد المجتمع-زكي المحاسني-دار المعارف-بيروت-1947م.
23- أبو العلاء زوبعة الدهور-دار مارون عبود-بيروت-ط3-1970م.
24- العمدة-ابن رشيق-حققه محمد محيي الدين عبد الحميد-دار الجيل-بيروت-1972م.
25- فلسفة أبي العلاء-حامد عبد القادر-القاهرة-1950م.
26- الفن ومذاهبه في النثر العربي-د. شوقي ضيف-دار المعارف بمصر-1971م.
27- الفهرست-ابن النديم-دار المعرفة للطباعة والنشر-بيروت-لبنان-د/ت.
28- في الميزان الجديد-د. محمد مندور-دار نهضة مصر-القاهرة-1973م.
29- كليلة ودمنة-ابن المقفع-دار صادر-بيروت-ط1-2000م.
30- كيفية قراءة النص الأدبي-د. حسين جمعة-مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق-مج 74-ج2-نيسان/ أبريل 1999م.
31- اللزوميات (لزوم ما لا يلزم)-المعري-دار صادر-بيروت-د/ت.
32- اللسان (لسان العرب)-ابن منظور-دار صادر-بيروت-1955- 1956م.
33- مجلة الآداب الأجنبية-اتحاد الكتاب العرب بدمشق-العدد 109/ والعدد 110-لعام 2002م.
34- محاورات طه حسين-د. توفيق أبو الرب-وزارة الثقافة-عمان-1994م.
35- مصطلحات نقدية من التراث الأدبي العربي-تأليف محمد عزام-وزارة الثقافة-دمشق-1995م.
36- معجم الأدباء-ياقوت الحموي-دار إحياء التراث العربي-بيروت-د/ت.
37- مع أبي العلاء في سجنه-د. طه حسين-القاهرة-1939م.
38- مقدمة للشعر العربي-أدونيس-دار العودة-بيروت-ط3-1979م.
39- من حديث الشعر والنثر-د. طه حسين-دار المعارف بمصر-ط10-1969م.
40- منهاج البلغاء وسراج الأدباء-حازم القرطاجني-تحقيق محمد الحبيب ابن الخوجة-دار الغرب الإسلامي-بيروت-ط2-1981م.
41- نقد الشعر في آثار أبي العلاء-د. ناديا علي الدولة-دمشق-1998م.
42- وفيات الأعيان-ابن خلكان-تحقيق د. إحسان عباس-دار صادر/ ودار الثقافة-بيروت-1971م.
________________________________________
(1) راجع مضمُون حاشية (62) مما تقدم.
(2) انظر رسالة الغفران 309-313.
(3) راجع ما تقدم حاشية (28 و45 و46).
(4) انظر جديد في رسالة الغفران 77.
(5) رسالة الغفران 345-347. الأَخْيَل:-هنا-من الخيلاء. النَّهَل: الشربة الأولى؛ والعَلُّ: الشربة الثانية. وانظر باقي القصيدة في الرسالة.
(6) رسالة الغفران 309 وانظر فيه 252.
(7) رسالة الغفران 296. وكان أبو زيد محمد بن أبي الخطاب القرشي-أحد علماء القرن الثالث الهجري-قد فتح باب التأليف عن شياطين الشعراء في مقدمة كتابه (جمهرة أشعار العرب 47-63) ثم عرض لها ابن شُهيد في رسالته التوابع والزوابع (91-114) وهو معاصر للمعري، ولكن المعري لم يطلع على عمله-على الأغلب-وانظر الحيوان في الشعر الجاهلي-شياطين الشعراء-159-165 وراجع مضمُون حاشية (65).
( انظر ما ورد في (من حديث الشعر والنثر 56 و60 –63 و65-66 والفن ومذاهبه في النثر العربي 154-188 و238-254 و292 و304).
(9) انظر في الميزان الجديد 152-153 والحكاية الخرافية 63 وما بعدها و86 وما بعدها، وتأمل ما ورد في رسالة الغفران 289 وما بعدها و364 وما بعدها.
(10) انظر وفيات الأعيان 2/57 والأعلام 2/153 وراجع مضمون حاشية (26).
(11) انظر وفيات الأعيان 1/116 ورسالة التوابع والزوابع 7 و63 و67-70 و74-83 والفن ومذاهبه في النثر العربي 321-324 وفي الميزان الجديد 135-414 و152 وراجع حاشية (44 و45).
(12) انظر في الميزان الجديد 140-141 وتاريخ المسرح الحديث (ج-د-ه) من المقدمة، والحكاية الخرافية 108 و114 و129 و179، أما صاحب الفهرست فلم يذكر كتاباً واحداً في المسرح اليوناني ترجم إلى العربية، بينما ذكر كليلة ودمنة، المترجمة عن الفارسية، ونشر مرات عديدة.
(13) انظر في الميزان الجديد 152-154 والفن ومذاهبه في النثر العربي 276.
(14) انظر الفهرست 342 و422-425 وتاريخ الأدب العربي-بلاشير-886-890 و922 والحكاية الخرافية 179 وراجع حاشية (67) مما تقدم.
(15) انظر من حديث الشعر والنثر 20.
مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العدد 90 - السنة الثالثة والعشرون - حزيران "يونيو" 2003 - ربيع الآخر 1424
انتهى
فالإسهاب في التصوير يوفر للمعري القدرة على رسم فن التخيّل أو التخييل وفق الشكل الذي يرغب فيه؛ دون أن تحجزه حواجز الفن القصصي، أو حواجز العرض المسرحي المشهدي؛ في الوقت الذي يستطيع أن يحشد فيه مخزونه الثقافي الأدبي، ثم اللغوي... والفني، وأن يقدم فيه آراءه الفكرية والفلسفية. وهذا كله نتمثله في لقاء بطل الغفران للشاعر الجاهلي عدي بن زيد، فبعد حوار شائق بينهما حول أبيات لعدي يخاطب فيها صاحبه... يقول: "ويحك!! أما علمتَ أن الجنة لا يُرْهب لديها السَّقم؛ ولا تنزل بساحتها النِّقَم؟!. فيركبان سابحين على خيل الجنة؛ مَرْكُب كل واحد منهما لو عُدل بممالك العاجلة الكائنة من أولها إلى آخرها لرجح بها، وزاد في القيمة عليها. فإذا نظر إلى صُِوارٍ ترتع في دَقاريّ الفردوس-والدقاري: الرياض-صوَّب مولاي الشيخُ المِطْردَ-وهو الرُّمْح القصير-لأَخنسَ ذَيَّال، قد رتع هناك طويل أيام وليالٍ؛ فإذا لم يبق بين السِّنان وبينه إلا قيد ظُفْرٍ قال: أَمْسِك-رحمك الله-فإني لست من وحش الجنة التي أنشأها الله-سبحانه-ولم تكن في الدار الزائلة؛ ولكني كنت في محلّة الغُرور أَرود في بعض القفار، فمَرَّ بي ركب مؤمنون قد كرَى زادهم، فصرعوني واستعانوا بي على السفر، فعوّضني الله-جَلَّت كلمته-بأن أسكنني في الخلود. فيكفُّ عنه مولاي الشيخ الجليل".(25)
لنتأمل المشهد القصصي الوصفي التصويري البديع؛ ولنترك-الآن-ما يتعلق بالزمن الخَطي والتعاقبي بانتقال الثور من الأزل إلى الأبد؛ ومن ثم لنترك الزمن النفسي للشخصية العجائبية (الثور)، وكذلك لنُهمل الأبعاد الزمانية الثلاثية المحققة في هذا المشهد.. إذ لا يعنينا-الآن-الزمن الميقاتي الموضوعي في البيئات المتنوعة في القفار ثم في الجنة؛ ولكن الذي يعنينا هذا التصوير التخييلي القائم على السرد الذاتي العجائبي الذي يقدم بين يديه فكرة المكافأة عن الحرمان في الدنيا، والتعويض عنها بمسكن الخلود في الجنة... ولهذا لا يجوز للإنسان-بطل الغفران-أن يصرعه مرة أخرى وهو في حمى الرحمن؛ فكفَّ عنه الشيخ.
فالبناء التخييلي العجائبي للثور الوحشي-وإن أَخذ خطوط تصويره له من ثقافة المعري-إنما يعزز لدينا مفهومه الفلسفي في أكل لحم الحيوان... فضلاً عن أنه يعزز لدينا فكرة الحكايات الخرافية العجائبية المحكمة النسج الفني، وهي حكايات سبق بها المحدثين الذين يزعمون بأنهم روادها؛ علماً بأن بعض الشعراء الجاهليين عرفوها ونظموا أشكالاً لها في أشعارهم مثل تأبط شراً والنابغة الذبياني.(26)
ولذلك كله نشدد مرة أخرى على أن المعري كانت تتملكه شهوة التهكم من ابن القارح فيما ادَّعاه من معارف وعلوم وآداب وأخبار وأشعار... وشهوة تحدي المبصرين في الإتيان بما لا يستطيعون عليه. فهذه الحكايات الخرافية العجائبية المبنية في إطار الفن القصصي، أو فن المشهد المسرحي؛ قصر المشهد أم طال؛ إنما يعبر عن ذلك كله، ويدل على أنه نسج علائي خالص لا صلة له بما عرفته الأمم الأخرى من حكايات خرافية كالهند والفرس، أو اليونان.. ولا ضَيْر علينا أن نتوقف عند مثال آخر، وإن امتدت الأمثلة على طول قصة الغفران، وهو مشهد تصوير أنهار الجنة؛ حيث يقول: "فأما الأَنهار الخَمْرية، فتلعب فيها أسماك هي على صور السمك؛ بَحْرية ونَهْرية؛ وما يسكن منه في العيون النَّبْعيَّة؛ ويظفر بضروب النبت المَرْعيَّة، إلا أنه من الذهب والفضة، وصنوف الجوهر؛ المقابَلةِ بالنُّوْر الباهر. فإذا مدَّ المؤمن يده إلى واحدة من ذلك السمك شرب من فيها عَذْباً لو وقعت الجُرعة منه في البحر الذي لا يستطيع ماءَه الشارب لحَلَّت منه أَسافلُ وغوارب، ولصار الصَّمَر كأَنه رائحة خزامى سَهْلٍ طلَّتْهُ الداجنةُ بدَهْلٍ-والدهل: الطائفة من الليل-أو نشر مُدَامٍ خَوَّارة سيَّارة في القُلَل سَوَّارة".(27)
فقانون التصوير جسَّد هذا الوصف البصري التخييلي بعين العقل والقلب معاً؛ لذلك وجدنا الأَفعال القلبية تزاحم الأفعال البصرية في فن أدب الخيال لديه. وهي أفعال تدل على ما كان عليه المعري من حرمان لنعمة البصر، مما جعله يعوض نفسه عن ذلك فيَرُدّ البصر إلى بشار بن بُرْد (الأعمى)، وإلى الأعشين (ضعاف البصر) ليشاهدوا الأحداث بهذه الحاسة العظيمة في رحلته إلى عالم الآخرة.(28) وبهذا كله استطاع-وبقدرة فنية عالية-إيهام المتلقي بأن قصصه ومشاهده إنما تمثل الزمن الطبيعي الواقعي الحقيقي للجنة والنار؛ وتجسد المكان المألوف والمعروف للناس... بينما هي في الواقع الفني مبنية على أساس التخيل والتخييل العجائبي الذي لا يستطيع أحد غيره أن يتصوّره... فالشكل الفني المتخيل للغفران المعتمد على قانون السرد الوصفي التصويري قام في ذاكرة المعري وخياله؛ وإن ساقه في إطار التصوير الممكن والواقعي المستمد من البيئة الطبيعية، ومن البيئة الاجتماعية والثقافية للناس في زمنه أو في الأزمنة السابقة له.. فاكتسب-بكل جدارة-صفة الفن الأدبي التخيلي المبدع. وهذا كله ينفي عنه ما قاله بطرس البستاني في وصف (رسالة الغفران) بأنها ليست "غنية بالأوصاف والصور والألوان"(29).
ولعل المرء قد أغفل كثيراً من التفصيلات المتعلقة بقانون التصوير، فلم يشر-مثلاً-إلى خصائصه، أو تقنياته بشكل كبير؛ ولم يوضح كيفية ظهوره عند المعري وحجمه، ومن ثم طبيعته-وهذا وحده يحتاج إلى بحث خاص به، على ما ذكرناه ونذكره. ولهذا فالمعري مَعْنيٌّ بفكرة التخييل والتخيل المنتزعة من التشخيص المادي الحسي المستند إلى الأفعال البصرية خاصة؛ ولا سيما أنه-غالباً-كان مشغولاً بها لعوامل نفسية وفكرية ذاتية لديه، على الرغم من أن مقام الترسل يناسبه مقام السمع أكثر من مقام البصر... بيد أنه عدل عن نظام الترسل-غالباً-إلى نظام القص والمشهدية الذي ينسجم مع قانون الإخبار والتصوير العقلي... وما كان منه هذا إلا ليثبت-على مدار الزمن-أنه كان أكثر قدرة على البناء الفني التصويري البصري من الأحياء المبصرين؛ {فإنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} (الحج 22/46).
ويحق للباحث أن يستطيل بهذا الجانب من البحث لأنه أساس أدب الخيال في رسالة الغفران؛ وباعتبار أن التخييل صار نمطاً فنياً وفكرياً في الإيحاء الرمزي القائم على الإيهام؛ مما يجعل المعري متميزاً به. فقد عني بكل ما من شأنه أن يجعل فن التصوير كاملاً عنده؛ ودقيق التوزيع والتناسق في اللوحة المشهدية للقصة. فالأحجام والأبعاد والألوان والحركات متناهية الدقة في تناسقها الموزع على اللوحة الفنية، من جهة، وعلى الحواس من جهة أخرى. فالخطوط اللونية-مثلاً-دلت على مهارة فائقة لديه في انسجامها وتناغمها مع العناصر الفنية الأخرى؛ وإن قيل: إنه لم يكن يدرك من الألوان إلا الأحمر... فعناصر أي قصة أو مشهد تتشكل من ألوان عدة تناسب مقام التصوير الجميل والموحي، ثم يتحرك المشهد في وسط مكاني واجتماعي وثقافي متكامل النسق والتنسيق. وإذا كانت الأمثلة السابقة تعبر عن ذلك كله فإنه يمكننا أن نقدم مشهداً حيّاً آخر يصور لقاء ابن القارح لصبية جميلة عجائبية في الجنة؛ وهو مشهد فني راقٍ يتجاوز بإتقانه أي مشهد مسرحي نراه في عالمنا؛ وفيه يقول عن ابن القارح: "فإذا ضرب في غيطان الجنة لقيته الجارية التي خرجت من تلك الثمرة؛ فتقول: إني لأنتظرك منذ حِيْن؛ فما الذي شَجَنك عن المزار؟ ما طالت الإقامةُ معك؛ فأُمِلَّ بالمحاورة مَسْمعك. قد كان يَحقُّ لي أن أُوثَر لديك على حَسَب ما تنفرد به العروس؛ يخصها الرجل بشيء دون الأزواج. فيقول: كانت في نفسي مآرب من مخاطبة أهل النار؛ فلمّا قضيت من ذلك وَطَراً عُدْتُ إليك؛ فاتبعيني بين كُثُب العَنْبر وأَنْقاءِ المسك. فيتخلل بها أَهاضيب الفردوس؛ ورمال الجنان، فتقول: أيها العبد المرحوم؛ أظنك تحتذي بي فِعال الكِنْديّ في قوله:
فقمتُ بها أَمشي، تجرُّ وراءَنا *** على إِثرنا أَذيال مِرْطٍ مُرَحَّلِ
فلمّا أَجزْنا ساحة الحيّ، وانتحى *** بنا بَطْنُ خَبْتٍ ذي قِفافِ عَقَنْقلِ
هَصَرْت بفَوْدَي رأسها فتمايلَتْ *** عليَّ هَضيمَ الكَشْحِ ريَّا المُخَلْخَلِ
فيقول: العجب لقدرة الله!! لقد أَصَبْتِ ما خطر في السُّوَيْداء، فمن أين لك علم بالكندي، وإنما نشأت في ثمرة تبعدك من جنٍّ وإنس؟!، فتقول: إن الله على كل شيء قدير".(30)
سأَترك ما يدل عليه المشهد من مفهوم التعويض المعبر عما حرم منه المعري في حياته؛ فهو لم يشهد مغامرة غزلية بالمعنى الدقيق-على ما حكي عنه في شغفه بإحدى الصبايا-ولم يتزوج؛ فاتخذ حياة ابن القارح في جنته سبيلاً إلى تحقيق ذلك، وجعل له زوجات شرعيات؛ فضلاً عن عروسه العجائبية... وسأترك مسألة ثقافته العربية التي تمثلت برواية شعر امرئ القيس... وكذلك سأهمل الحديث عن الحوار الخارجي الدقيق ولكني لن أترك أو أتغافل عن مسألة التصوير الفني القائمة على أساس التشخيص البصري العجائبي... فالجارية تخرج من ثمر شجر الجنة؛ فهي ليست جنية ولا إنسية؛ غير أنها تحمل خصائص الشهوة الإنسية ورغباتها الاجتماعية؛ ومن ثم تغدو-في إطار الزمن التعاقبي، والنفسي-زوجاً شرعياً؛ وكأنه يأبى أن تكون علاقته بالمرأة علاقة غير نظيفة، ولو كان ذلك في الجنة... ويمضي الزمن التعاقبي المتخيل ليرسم فيه لوحة بصرية فريدة حين يطوف بعروسه بين الكثبان؛ ولكنها من عنبر ومسك، لا من رمال كما هي كثبان امرئ القيس؛ بعد أن قطع أرضاً ملأى بالشجر الكثيف والعظيم... ثم جعل للفردوس هضاباً ورمالاً يتخللها، فأسقط الصورة الأرضية على صورة الجنة...
فالتصوير التشخيصي البصري المتخيل ماثل بكل أبعاده وأحجامه وألوانه وحركاته... فاللون-مثلاً-تجسد بالأسود الممثل بالعنبر والمسك؛ وبالأخضر المعبر عنه بشجر الغيطان؛ وبالأصفر الذي أوحى به لون الرمال... وظهر في صميم ذلك التوشية اللونية المشكلة بصور الرحل... فالمشهد أصبح بين أيدينا صورة مرئية ذات ألوان مثيرة، وهي تتشح بكل عناصر التألق والحركة، ولا سيما حين مزج بين المشهد الممكن المقنع، وبين المشهد العجائبي المستحيل غير المقنع، وفق مفهوم المشيئة الكامن في قدرة الله-سبحانه-كما جاء في جواب تلك الثمرة، ووفق قانون الاحتمال الذي يصوره خيال المعري.
وليس هناك من يرتاب في أن المعري قد وظّف ثقافته التراثية، والدينية لبناء نسيجه الفني المتخيل في رسالة الغفران، فقامت بصيرته مقام بصره الذي فقده؛ فأبدع ما أبدع، مؤكداً طابعه الخاص في كل أشكاله القصصية... وعلى الرغم من ذلك يصفه بعض القوم بالأعمى {ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم} (البقرة 2/20). ففقدان بصره صار أداة حيوية في التشخيص، ومنارة في القياس والمثاقفة الذاتية التي تجلت في رسالة الغفران صوراً بديعة متميزة تحلق على جناح الخيال.(31)
فالمعري قدّم لنا درساً لا ينسى في الزاد الثقافي التراثي-على حين يتغافل كثير منا عن تراثهم؛ أو يهجرونه؛ باعتباره ليس ذا قيمة؛ كما يزعمون، لجهلهم به-فقد جعل التراث وسيلة فنية تصويرية في أدب الخيال في رسالة الغفران؛ في الوقت الذي سَخَّره لمقاصده ورغباته، فسبق بذلك ابن رشيق (ت 456ه) وحازم القرطاجني (683ه) الذي عُني كثيراً بربط الطبيعة الفنية للنص بالمقاصد والوظائف.(32)
________________________________________
(1) انظر الفن ومذاهبه في النثر العربي 275.
(2) رسالة الغفران-26-27 و404 على الترتيب؛ الشقور: الحاجة والهم، والمفرد منه شَقْر. العُجَر والبُجَر: العيوب والهموم، وقولهم: أفضيت إليك بعُجَري وبُجَري: أي أَمري كله.
(3) رسالة الغفران 168-169 وانظر رسالة التوابع والزوابع 7 وما بعدها.
(4) رسالة الغفران 140 وانظر جديد في رسالة الغفران 61-62 وراجع حاشية (28و44و84).
(5) رسالة الغفران 432 وانظر فيها 310 وما بعدها، وراجع حاشية (58) مما يأتي.
(6) انظر رسالة الغفران 510 و492-على الترتيب-وراجع فيها 457-499.
(7) انظر مثلاً على ذلك في رسالة الغفران 285-287، وانظر مضمون حاشية (71).
( رسالة الغفران 142-143. الذائمة: العاتبة. وأبو الهندي هو عبد المؤمن بن عبد القُدُّوس؛ شاعر فصيح أدرك الدولتين، واستفرغ شعره بصفة الخمرة، وشغف بها.
(9) رسالة الغفران 153، الموم: الشمع. وانظر في الميزان الجديد 138 وما بعدها.
(10) رسالة الغفران 367.
(11) انظر رسالة الغفران 368.
(12) انظر رواية الأصوات-د. التلاوي، ومجلة الآداب الأجنبية 58، و262-264/ عدد 110.
(13) انظر مجلة الآداب الأجنبية 81-82/ عدد 109 والحكاية الخرافية 101 وتاريخ المسرح الحديث 29-30 و96-135.
(14) رسالة الغفران 182-183. الجَنيَّة: الطازجة. الوَنِيَّة، والوَنَاة: اللؤلؤة أو الدرة.
(15) انظر مثلاً لذلك في (رسالة الغفران 175 و228 و251 و280 و286 و297 و304 –305 و333 و381).
(16) انظر رسالة الغفران 289-304.
(17) انظر رسالة الغفران 305-306، وراجع مضمون حاشية (46 و47) مما تقدم.
(18) انظر الفن ومذاهبه في النثر العربي 275.
(19) راجع مضمُون حاشية (29 و34 و35 و36 و37 و46...) مما تقدم.
(20) رسالة الغفران 381.
(21) رسالة الغفران 257. العِتْرة: ولد الرجل وذريته، أو عشيرته ممن مضى. المنتجبين: المصطفين؛ انتجب الشيء: اصطفاه واختاره. وانظر دلالة ما قاله في الفرق التي قدَّست الإمام علي وذريته (سلام الله عليهم أجمعين) رسالة الغفران 493-494.
(22) رسالة الغفران 370 –371. هَكَر: اشتد عجبه. وانظر مضمُون الحاشية (34 و37 و38).
(23) انظر رسالة الغفران 307-خبر الحطيئة، و308 خبر الخنساء.
(24) انظر رسالة الغفران 310، وراجع مضمُون حاشية (44 و76) من البحث.
(25) انظر رسالة الغفران 197 – 198. الصوار: البقر الوحشي. الأخنس: أي الثور الوحشي.
(26) انظر رسالة الغفران (359-360): قصة الغول وتأبط شراً-و (364-366) قصة الحية الصفراء والنابغة، وانظر الحاشية (87) مما يأتي.
(27) رسالة الغفران 168. الصَّمَر: النتن. الخزامى: نبتٌ زَهْره من أطيب الأزهار ورائحة. خَوّارة: من خار؛ وهي التي تؤدي إلى الاشتعال والقَدْح لا الفتور والضَّعف-عند المعري. سَوّارة: من السَّوْرة؛ وهي الحِدَّة والنشاط. القُلل: الرؤوس.
(28) راجع مضمُون الحاشيتين (65و66) ففيهما دليل آخر على عملية التصوير البصري المتخيل.
(29) انظر ما ورد في مقدمة (رسالة التوابع والزوابع 83).
(30) رسالة الغفران 372-373. الكِنْديُّ: هو الشاعر المشهور امرؤ القيس. شجنك: حبسك وشغلك عن المجيء. المِرْط: كل ثوب من خَزّ، وغير مخيط. المُرَحَّل: المزين بصور الرحل. القِفاف: الحجارة التي جمع بعضها إلى بعض-وهنا-الرمال التي ركب بعضها بعضاً. العقنقل: المعقد. الخبت: بطن الأرض، وبطن الرمل وغيره. هصرت: جذبت. الفَوْد: جانب الرأس. المخلخل: موضع الخلخال. السويداء: كناية عن حبة القلب.
(31) انظر ما ورد في رسالة الغفران عن روضة الحيَّات-مثلاً-360- 367؛ أو ما ورد في ردّ المعري على ابن القارح-450-500.
(32) انظر العمدة 1/119 – 121 ومنهاج البلغاء وسراج الأدباء 77 و302-303، وراجع ما أوردناه في بحثنا (كيفية قراءة النص الأدبي 288-289و292).
لهذا كله فمن يتأمل أي قصة من الغفران يدرك أنها انتظمت في وظيفة ما، وهي مرسومة بعناية فائقة توازي ما يدور في نفس المعري وفكره وحياته... وأي قصة أو مشهد إنما يحمل أبعاداً دلالية بمقدار ما يبنى عليه من شكل فني في رحلة الخيال المفترضة إلى الجنة أو النار، قصر حجمه أو طال. وكنا قد أشرنا من قبل إلى عدد من أنماط التصوير المتخيل التي تقدم طبيعتها الفنية رغبات المعري وأفكاره؛ وآراءه؛ كما رأينا في التجاء ابن القارح إلى العترة النبوية(1) أو في إدخاله إبليس النار، لأن كلمة الله حقت فيه؛ لعصيانه أمر الله... وكذلك جعل الملحدين والزنادقة حطباً لسعير جهنم.(2)
وبهذا كله تجلت قدرة المعري على المزج بين الوظيفة التي يرغب فيها للتصوير الفني القصصي المتخيل وبين المفاهيم الإسلامية التي ثقفها وعرفها، دون أن يغفو لحظة واحدة عن المشيئة الربانية في إدخال هذا الجنة وذاك النار.(3) ومن هنا أخذت الناسَ شبهة في أبي العلاء المعري؛ إذ تجرأ على التدخل في تحديد مصائر الناس ولا سيما الشعراء واللغويين والفقهاء والقراء... و... والله وحده من بيده ملكوت كل شيء...(4)
ولا مراء في هذا كله؛ لكن المعري ما عقد شيئاً إلا بمشيئة الله؛ ومن هنا فإن تصوراته وآراءه وتحليلاته كلها كانت منضوية تحت تلك المشيئة، وبها حاول أن يلبي رغباته كلها... وقد ساعده على هذا ثقافة إسلامية واسعة لم يتحيَّف عليها، أو يغمز منها... وعضد هذه الثقافة بعقل حصيف وقّاد وعالم؛ ورؤية نفسية وفكرية موضوعية... فجاء البناء الفني المتخيل نسيج ذلك كله. ولعل من بين المشاهد القصصية الموحية بما قلناه حكايته عن الأخطل التغلبي الذي أدخله النار... وكان ابن القارح يطوف فيها؛ "وإذا برجل يتضوّر؛ فيقول: مَنْ هذا؟! فيقال: الأَخطل التغلبي. فيقول له: ما زالت صِفَتك للخمر حتى غادرتْك أُكُلاً للجمر؛ كم طَرِبَت السادات على قولك!!"؛ وأنشد قصيدة له منها:
فلذَّتْ لمرتاحٍ، وطابت لشارب *** وراجعني منها مِراحٌ، وأَخيَلُ
فما لبثتنا نَشوة لحقَتْ بنا *** توابعُها مِمَّا نُعَلُّ ونُنْهَلُ
"فقال التغلبي: إني جَررت الذَّارع، ولقيت الدارع؛ وهجرتُ الآبدة، ورجوت أن تدعى النفس العابدة، ولكن أَبَت الأَقضية. فيقول-أَحلَّ الله الهلكة بمبغضيه: أخطأت في أمرين؛ جاء الإسلام فعجَزْت أن تدخل فيه، ولزمت أَخلاق سفيه؛ وعاشرت يزيد بن معاوية؛ وأطعت نفسك الغاوية؛ وآثرت ما فني على باقٍ؛ فكيف لك بالإباق؟!!. فيزفر الأَخطل زفرة تعجب لها الزبانية".(5)
فالمشهد الفني السابق بنيت عناصره على أساس العلاقة الواقعية التاريخية؛ والمفاهيم الدينية بين ما كان عليه الأخطل وبين المصير الذي آل إليه في مفهوم المعري... فالمتعة الفنية لم تتحصل فقط من القدرة على توظيف الثقافة التاريخية والدينية لتغدو حدثاً يدور عليه النص، ويحقق عناصر التخيّل المفترض من دخول الأخطل النار حتى تعجب الزبانية من زفيره.. بل تحققت أيضاً بفكرة التعليل والبرهان العقلي التي سُخّرت لإبراز ذلك... والبرهنة العقلية والتعليل مذهب الفلاسفة والمفكرين وهما مذهب المعري في توظيف ما لديه لخدمة أدب الخيال في رسالة الغفران.
وأختم هذا الجانب من عملية توظيف العناصر المكونة للقصة الخيالية في رسالة الغفران بمشهد التقاء إبليس بابن القارح، الذي يدل على الوظيفة النفسية لديه وبما يوحي به من التهكم والسخرية بابن القارح... فلما اطّلع على إبليس في نار جهنم والزبانية تأخذه؛ قال: "الحمد لله الذي أمكن منك يا عدو الله وعدو أوليائه!!. لقد أهلكت من بني آدم طوائف لا يعلم عددها إلا الله. فيقول: مَنِ الرجل؟ فيقول: أنا فلان ابن فلان من أهل حلب، كانت صناعتي الأَدب، أتقرب بهِ إلى الملوك!!!. وإنها لَمَزَلَّةٌ بالقدم؛ وكم أهلكتْ مِثلَك،!! فهنيئاً لك إذ نجوْتَ؛! فأَولى لك ثم أَولى".(6)
فالمعري لم يبدع هذه الحكايات الخيالية العجائبية لمجرد الإمتاع الفني فقط؛ وإنما جعلها أنماطاً فنية بديعة موظفة لدلالات كثيرة ذاتية واجتماعية وثقافية... وإيحاءات معنوية وفنية لا حصر لها. وكانت كل وظيفة تنبع من سياق كل قصة أو مشهد تخيلي أو تخييلي سواء قام على التصوير أم مزجه بالبرهنة والتعليل؛ وسواء عرضه بشكل مباشر أم قدَّم بين يديه الإضاءة المناسبة لفكرته...
فالمعري نقل المتلقي-بكل جدارة-إلى أفق توقع ما يرغب فيه من وظائف مرسومة بعناية ومهارة بوساطة التصوير التخيلي، وقانون الإخبار ذي الظلال الدلالية المكثفة والجمالية...
هكذا ترسَّخ في الذهن أن رسالة الغفران ذات بناء فني خيالي متميز؛ سبق به كثيراً من المبدعين شرقاً وغرباً... وقد أكدت ذاتها بأنها أداة كشف وإثراء لأفكار كثيرة؛ ووسيلة إلهام لقراءات إبداعية عديدة... وإذا لم نستطع وضع أنفسنا موضع المكتشف المجدد فإننا لن ندرك أبعادها الفنية؛ وإيحاءاتها الفكرية والتاريخية والأدبية... والدينية... ولا سيما ما يقال عنده عن المشاهد العجائبية والخرافية وقصص شياطين الشعراء وروضة الحيَّات... إذ يبقى المعري أحد أعمدة الروّاد الذين عالجوا أنماطاً فنية من الحكايات الخرافية سواء كانت ذات منهج ثقافي تاريخي، أو ديني أو نقدي أم كانت ذات منهج فني قصصي مشهدي... فقد اعتمد مفهوم القص التخيلي الذهني المفترض، فأنتج لنا أدباً خيالياً متميزاً صبغته علائية شخصية تنهل ملامحها من نسيج خياله، ولحمة مادته من الرؤى الفكرية المختزنة لديه ثقافة وتخيلاً... فحقق لنفسه قدراً من القبول في عقول الناس ومشاعرهم.
لهذا لا يمكن أن تكون رسالة الغفران منفصلة في الرؤية عن العديد من الكتب الأخرى؛ مثل (الصاهل والشاحج) أو (زجر النابح)... أو... فهي صنعة عقل جبار أبدع فيها طريقة ومادة... وجسَّدت في الوقت نفسه ثقافة عربية وإسلامية متميزة في اللغة والأدب والنقد والشعر والفلسفة والدين... وعبَّرت عن تجارب شخصية لا حصر لها.. فكل ما في الغفران صادر عن ذلك كله؛ فقد أشارت-مثلاً-إلى مذاهب إسلامية عديدة كالمُرْجِئَة والجَبْريّة والقَدَريّة... وحوت وصف الجنة والنار كما ذكر في القرآن؛ فضلاً عن أسمائها القرآنية؛ فقد سمى دار العذاب بالنار والجحيم وجهنم وسقر والسعير، واستعمل لفظ الزبانية والأغلال والسلاسل... أما شياطين الشعر فهي من التراث العربي الخالص الذي عرفه الجاهليون وكتب فيه بعض الباحثين كأبي زيد القرشي... وتعلق المعري بهذه الفكرة ولكنه ساقها بشكل فني خيالي جديد لا عهد للعرب به. ولا بأس علينا أن نثبت شيئاً من حكاية الجني (أبي هَدْرش) الذي ساق على لسانه جملة من الأشعار والأخبار، كما فعل السابقون قبله؛ لكنه تفرد عنهم حين جعله يتحوّل من شكل إلى آخر، متأثراً بكل ما عرف في القرآن عن الجن والشياطين؛ ثم قال: "لله دَرُّك يا أبا هَدْرشَ!! لقد كنت تمارس أوابد ومُنْديات، فكيف ألسنتكم؟! أيكون فيكم عرب لا يفهمون عن الروم، وروم لا يفهمون عن العرب؛ كما نجد في أجيال الإنسان؟! فيقول: هيهات أيها المرحوم!! إنا أهل ذكاء وفطنٍ؛ ولا بد لأحدنا أن يكون عارفاً بجميع الأَلسُن الإنسية، ولنا بعد ذلك لسان لا يعرفه الأَنيس. وأنا الذي أنذرت الجن بالكتاب المنزل..." ثم يشير إلى الآية الثانية من سورة (الجن) التي استمع فيها الجن إلى القرآن الكريم لمَّا نزل على قلب النبي الكريم فآمن به طائفة من الجن وكفرت طائفة؛ ومن ثم كُفُّوا عن استراق السمع ورجموا بشهب حارقة...(7)
لهذا يختلف النسق التأليفي لذكر الشياطين والجن في البناء الفني الخيالي عما ورد عند غيره؛ كابن شُهَيْد الأندلسي وأبي زيد القرشي؛ كما يختلف عما نستشعره من نسيج فني متخيل في القصص الاجتماعية الواقعية الساخرة التي عرفناها عند الجاحظ (ت 255ه) في (البخلاء) و(رسالة التربيع والتدوير) وعند بديع الزمان الهمذاني (ت 398ه) والحريري (ت 516ه) في حكايات المقامات.(
فرسالة الغفران قصة تتجاوز الزمان أو المكان، أو الأجيال صيغت صياغة علائية عربية إسلامية خالصة وفريدة في منهجها التاريخي والثقافي والفني.(9) واستحق خيال المعري أن يصبح مرآة نفسه وفكره ورغباته، فالخيال الفني مثَّل لديه ظِلَّ كل شيء في ذهنه-كما تقول اللغة-فالخيال لكل شيء تراه كالظل؛ وهو الشخص والطيف... فخياله جسَّد عالمه في تأملاته ومعاناته؛ به حطم قواعد الترسل ونظام الرسائل أياً كان نوعها، وأدخلها في نظام فني قصصي مسرحي جديد لا عهد لها به... ثم تعاونت الأنماط الفنية الثلاثة فيما بينها بشكل أنيق ومتآلف دون تنافر أو خلل أو ضَعف.
وما من باحث يتعرض لأدب الخيال في رسالة الغفران يمكنه أن يهمل الإشارة إلى أسبقية التأليف فيه، ومن ثم لا يستطيع إغفال ذكر الحكايات الخرافية عند العرب وغيرهم من الأمم الأخرى.
ومن هنا سنُلِمُّ بسرعة في الحديث عن ذلك؛ دون التفصيل فيه؛ لأن بابه في الدراسة المقارنة من باب التأثر والتأثير. ولعل المتصوفة كانوا سباقين إلى التأليف في أدب الخيال المستند إلى الرحلة من عالم الأزل (الدنيا) إلى عالم الأبد (الآخرة)؛ متأثرين بهذا بمشاهد يوم القيامة في القرآن الكريم، وبأوصاف الجنة والنار... ويعد المحاسبي (ت 243ه/ 857م) في طليعتهم؛ إذ صنف كتاب (التوهم) ورسالة (البعث والنشور) في هذا الاتجاه.(10)
فإذا جئنا إلى الأدب والنقد واللغة وجدنا المعري (ت 449ه) قد ألف رسالة الغفران سنة (424ه) بينما ألف معاصره ابن شُهَيْد (ت 426ه) رسالة التوابع والزوابع نحو سنة (418ه)، وكلتاهما رحلة إلى العالم الآخر.
وعلى الرغم من أنهما أفادا من فكرة شياطين الشعراء المعروفة للعرب في الجاهلية والإسلام، والتي عرض لها أبو زيد القرشي في مقدمته لجمهرة أشعار العرب، فإن طريقة كل واحد منهما في مادة شياطين الشعراء تختلف فيما بينهما؛ وإن تبنيا فكرة التأليف المعتمدة على رحلة خيالية من عالم الدنيا إلى عالم الآخرة...
فالتشابه الظاهري في الفكرة، أو في الشخصية المفتاح كمنطلق للدخول في الرحلة الخيالية لا يعني أن المعري أخذ من ابن شهيد، أو تأثر به...(11)
وإذا كانت هذه الإشارة قد لزمتنا؛ فإن هناك إشارة أخرى تلزمنا بالوقوف عندها؛ فاليونان-أيضاً-عرفوا التأليف في أدب الخيال وبنوا بعضه على أساس الرحلة إلى العالم الآخر؛ العالم السفلي، ولا سيما مصنفاتهم المسرحية، كمسرحية (أرستوفان) أو كرحلة (أودسيوس) إلى العالم السفلي. فإذا عرفنا أن المسرح اليوناني لم يترجم إلا بعد القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي(12) رجحنا عدم اطلاع المعري عليه، ولو حصل ذلك لصرح به، ولظهر تأثره به، مثلما ظهر أثر المعري والثقافة الإسلامية في (الكوميديا الإلهية) للشاعر الإيطالي (دانتي 1265-1321م)... الذي تنكر لمصادره، ولكن خفي أمره إلى حين...(13)
وأخيراً لا بد لنا من إشارة برقية أخرى تختص بالحكايات الخرافية، فالعرب عرفوا منذ القديم الحكايات الخرافية؛ ونقلوا كثيراً منها عن الأمم الأخرى كالهند وفارس، كما فعل ابن النديم في الفهرست بينما لم يذكر شيئاً عن الحكايات الخرافية أو كتب الأَسمار عند اليونان.(14)
وبناء على ما تقدم يتضح لنا أن الحرف الإبداعي قد تعذَّب هو الآخر كما تعذَّب صاحبه من قبل؛ ولكن ألقه وقدرته على الإبداع الأدبي الخيالي في التخيل والتخييل دفعا الباحثين في كل زمان ومكان إلى قراءته قراءة واعية حرّة ومتأملة تؤسس لرؤى لا حصر لها... وكل رؤية تؤكد أن (رسالة الغفران) تتميز بنزوع عربي إسلامي خالص في التعبير، والمادة، والمنهج. فمنهجها منهج نظام الرسائل بشكله العام وإن طوّره أبو العلاء؛ بإدخاله في نظام تأليفي ثلاثي جديد متخيل تخيلاً علائياً لا يماثله نظام آخر. فهو بناء ترسلي قصصي مسرحي عقلي بسيط وواضح قام على المناداة بالرجوع إلى العقل لمناقشة أي قضية مهما كانت شائكة...
وكل من يقرأ (رسالة الغفران) بموضوعية وحياد ونزاهة، ويتصل بها بقلب مفتوح؛ وعقل واعٍ وحر فإنها تحقق له طبيعة التفاعل السامي الكاشف، وتثير عواطفه على مشاعر ومعانٍ عظيمة مختزنة في كل قصة أو مشهد، مهما كثر أو قل، صغر أو كبر. ولا زال الزهو يأخذنا كلما قرأناها لريادتها المبدعة والفريدة في التأليف الأدبي الخيالي القصصي والمسرحي، وفي تبني منهج خيالي لرحلة سماوية؛ أو تبني منهج علمي لرحلة خيالية ترود عالم المجهول، وهو ما يحدث في عالمنا اليوم(15).
وسيبقى لها هذا الأثر المتجذر فينا لتفردها دون غيرها بمادة خيالية أدبية ولغوية ونقدية وفلسفية ودينية تراثية... تهتدي بسنَنها، ونتمثلها لتطوير حياتنا؛ وفننا ومنهجنا... وهذا يعني أنه هدية عظيمة أبدية للإنسانية قبل أصحابها؛ لأنها رادت مناطق من الفكر والفلسفة والنفس والخيال لم يرتق إليها أحد إلا أبو العلاء... إذ ما زال يثبت رسوخ قدمه فيها. فلم يستسلم للهزيمة والوقوف خلف أسوار القدر حين ابتلاه بالعمى؛ ولم ينزوِ عقله خلف أسوار بيته وإن رهن نفسه فيه... فقد انطلق باحثاً عن المصير والخلود فحقق بخياله عالمَه الحر البعيد عن كل عُقد مجتمعه...
فرسالة الغفران باعتبارها رحلة في أدب الخيال الذهني الصافي دعوة مستمرة على ذوي العقول الحرة المبدعة للنجاة من الجهل والتخلف الفكري والاجتماعي؛ وللتحرر من أوهام التملق والنفاق والزيغ والضلال والجشع والطمع والانحراف... ولتخطي العجز والضَّعف والعاهات الجسدية والنفسية. إنها السفير الخالد في عالم التأليف الخيالي والعجائبي للتعبير عن الأفكار العظيمة في تأمل المصير الإنساني، لأنها تمثل نمطاً فلسفياً متميزاً في الوجود والكون والثقافة واعتماد البرهنة والتعليل لذلك.
ولذلك كله خلدت؛ ومنها انبثقت رحلتنا إلى أدب الخيال، فعسى نكون قد رُدْنا مناطق جديدة فيها، ورؤىً تحثُّ العقل على التفكير... وإلا فعزاؤنا أننا عشنا معها رحلة عظيمة الإمتاع والفائدة. ولعلنا نفرد بحثاً آخر يرود آفاق التأثر والتأثير فيها. "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى... وأن سعيه سوف يُرى"؛ والحمد لله على نعمة القول.
المصادر والمراجع
1- أسرار البلاغة-عبد القاهر الجرجاني-تصحيح محمد رشيد رضا-دار المعرفة للطباعة-بيروت-لبنان-1978م.
2- الأعلام-خير الدين الزركلي-دار العلم للملايين-بيروت-ط7-1986م.
3- تاريخ الأدب العربي-بلاشير-ترجمة د. إبراهيم الكيلاني-بيروت-ط2-1984م.
4- تاريخ المسرح الحديث-جنفييف سيرّو-ترجمة د. بدر الدين القاسم-مطبعة جامعة دمشق-وزارة التعليم العالي-1974م.
5- تاريخ النقد الأدبي عند العرب-د. إحسان عباس-دار الثقافة-بيروت-ط4-1992م.
6- تجديد ذكرى أبي العلاء-د. طه حسين-دار الكتب المصرية-القاهرة-1944م.
7- جديد في رسالة الغفران-د. عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ)-دار الكتاب العربي-بيروت-ط1-1972م.
8- جمهرة أشعار العربي-أبو زيد محمد بن أبي الخطاب القُرشي-تحقيق علي محمد البجاوي-دون دار طباعة ولا مكان-ولا تاريخ.
9- الحكاية الخرافية-فردريش فون ديرلاين-ترجمة نبيلة إبراهيم-مراجعة د. عز الدين إسماعيل-مكتبة غريب-القاهرة-د/ت.
10- الحيوان في الشعر الجاهلي-تأليف د. حسين جمعة-دار دانية للطباعة-دمشق-ط1-1989م.
11- رجعة أبي العلاء-عباس محمود العقاد-دار الهلال-مصر-د/ت.
12- الرثاء في الجاهلية والإسلام-د. حسين جمعة-دار معد للنشر-دمشق-ط1-1991م.
13- رسالة التوابع والزوابع-ابن شُهيد-تحقيق بطرس البستاني-دار صادر-بيروت-لبنان-1967م.
14- رسالة الصاهل والشاحج-المعري-تحقيق د. عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ)-دار المعارف بمصر-1984م.
15- رسالة الغفران-المعري-تحقيق د. عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ)-دار المعارف بمصر-ط8-1990م.
16- رسالة الغفران-نقد وتعليق علامة الشام المرحوم أحمد راتب النفاخ على تحقيق د. بنت الشاطئ-(انظر حاشية 15)-مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق-مج 32-ج4-ص685 لعام 1957م/ ومج33-ج1-ص146 لعام 1958.
17- رواية الأصوات-د. محمد نجيب التلاوي-اتحاد الكتاب العرب بدمشق-2001م.
18- زجر النابح للمعري-تحقيق د. أمجد الطرابلسي-مجمع اللغة العربية بدمشق
ط2-1982م.
19- السخرية في الأدب العربي-د. نعمان طه-دار التوفيقية بالأزهر-القاهرة-ط1-1979م.
20- سقط الزند-المعري-دار صادر-بيروت-1980م.
21- عبث الوليد-المعري-تحقيق د. ناديا علي الدولة-المطبعة التعاونية-دمشق-
1978م.
22- أبو العلاء ناقد المجتمع-زكي المحاسني-دار المعارف-بيروت-1947م.
23- أبو العلاء زوبعة الدهور-دار مارون عبود-بيروت-ط3-1970م.
24- العمدة-ابن رشيق-حققه محمد محيي الدين عبد الحميد-دار الجيل-بيروت-1972م.
25- فلسفة أبي العلاء-حامد عبد القادر-القاهرة-1950م.
26- الفن ومذاهبه في النثر العربي-د. شوقي ضيف-دار المعارف بمصر-1971م.
27- الفهرست-ابن النديم-دار المعرفة للطباعة والنشر-بيروت-لبنان-د/ت.
28- في الميزان الجديد-د. محمد مندور-دار نهضة مصر-القاهرة-1973م.
29- كليلة ودمنة-ابن المقفع-دار صادر-بيروت-ط1-2000م.
30- كيفية قراءة النص الأدبي-د. حسين جمعة-مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق-مج 74-ج2-نيسان/ أبريل 1999م.
31- اللزوميات (لزوم ما لا يلزم)-المعري-دار صادر-بيروت-د/ت.
32- اللسان (لسان العرب)-ابن منظور-دار صادر-بيروت-1955- 1956م.
33- مجلة الآداب الأجنبية-اتحاد الكتاب العرب بدمشق-العدد 109/ والعدد 110-لعام 2002م.
34- محاورات طه حسين-د. توفيق أبو الرب-وزارة الثقافة-عمان-1994م.
35- مصطلحات نقدية من التراث الأدبي العربي-تأليف محمد عزام-وزارة الثقافة-دمشق-1995م.
36- معجم الأدباء-ياقوت الحموي-دار إحياء التراث العربي-بيروت-د/ت.
37- مع أبي العلاء في سجنه-د. طه حسين-القاهرة-1939م.
38- مقدمة للشعر العربي-أدونيس-دار العودة-بيروت-ط3-1979م.
39- من حديث الشعر والنثر-د. طه حسين-دار المعارف بمصر-ط10-1969م.
40- منهاج البلغاء وسراج الأدباء-حازم القرطاجني-تحقيق محمد الحبيب ابن الخوجة-دار الغرب الإسلامي-بيروت-ط2-1981م.
41- نقد الشعر في آثار أبي العلاء-د. ناديا علي الدولة-دمشق-1998م.
42- وفيات الأعيان-ابن خلكان-تحقيق د. إحسان عباس-دار صادر/ ودار الثقافة-بيروت-1971م.
________________________________________
(1) راجع مضمُون حاشية (62) مما تقدم.
(2) انظر رسالة الغفران 309-313.
(3) راجع ما تقدم حاشية (28 و45 و46).
(4) انظر جديد في رسالة الغفران 77.
(5) رسالة الغفران 345-347. الأَخْيَل:-هنا-من الخيلاء. النَّهَل: الشربة الأولى؛ والعَلُّ: الشربة الثانية. وانظر باقي القصيدة في الرسالة.
(6) رسالة الغفران 309 وانظر فيه 252.
(7) رسالة الغفران 296. وكان أبو زيد محمد بن أبي الخطاب القرشي-أحد علماء القرن الثالث الهجري-قد فتح باب التأليف عن شياطين الشعراء في مقدمة كتابه (جمهرة أشعار العرب 47-63) ثم عرض لها ابن شُهيد في رسالته التوابع والزوابع (91-114) وهو معاصر للمعري، ولكن المعري لم يطلع على عمله-على الأغلب-وانظر الحيوان في الشعر الجاهلي-شياطين الشعراء-159-165 وراجع مضمُون حاشية (65).
( انظر ما ورد في (من حديث الشعر والنثر 56 و60 –63 و65-66 والفن ومذاهبه في النثر العربي 154-188 و238-254 و292 و304).
(9) انظر في الميزان الجديد 152-153 والحكاية الخرافية 63 وما بعدها و86 وما بعدها، وتأمل ما ورد في رسالة الغفران 289 وما بعدها و364 وما بعدها.
(10) انظر وفيات الأعيان 2/57 والأعلام 2/153 وراجع مضمون حاشية (26).
(11) انظر وفيات الأعيان 1/116 ورسالة التوابع والزوابع 7 و63 و67-70 و74-83 والفن ومذاهبه في النثر العربي 321-324 وفي الميزان الجديد 135-414 و152 وراجع حاشية (44 و45).
(12) انظر في الميزان الجديد 140-141 وتاريخ المسرح الحديث (ج-د-ه) من المقدمة، والحكاية الخرافية 108 و114 و129 و179، أما صاحب الفهرست فلم يذكر كتاباً واحداً في المسرح اليوناني ترجم إلى العربية، بينما ذكر كليلة ودمنة، المترجمة عن الفارسية، ونشر مرات عديدة.
(13) انظر في الميزان الجديد 152-154 والفن ومذاهبه في النثر العربي 276.
(14) انظر الفهرست 342 و422-425 وتاريخ الأدب العربي-بلاشير-886-890 و922 والحكاية الخرافية 179 وراجع حاشية (67) مما تقدم.
(15) انظر من حديث الشعر والنثر 20.
مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العدد 90 - السنة الثالثة والعشرون - حزيران "يونيو" 2003 - ربيع الآخر 1424
انتهى
توفيق- عضو متميز
- عدد الرسائل : 425
نقاط : 1075
تاريخ التسجيل : 09/09/2009
مواضيع مماثلة
» تابع أدب الخيال في رسالة الغفران
» أدب الخيال في رسالة الغفران
» بين الكوميديا الالهية لدانتي و رسالة الغفران للمعري
» كتاب رسالة الغفران لأبي العلاء المعري
» حقائق اغرب من الخيال
» أدب الخيال في رسالة الغفران
» بين الكوميديا الالهية لدانتي و رسالة الغفران للمعري
» كتاب رسالة الغفران لأبي العلاء المعري
» حقائق اغرب من الخيال
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة أبريل 12, 2024 4:10 pm من طرف سعداوي ربيع
» المتألقه ياسمين ابراهيم
الثلاثاء أكتوبر 10, 2023 8:54 pm من طرف سعداوي ربيع
» إستمتع بخدمة ultimate game pass لجهاز الإكسبوكس و الحاسوب
الخميس نوفمبر 24, 2022 10:35 pm من طرف lmandoo
» ربيع المؤمـــــــــــــــــــن
الثلاثاء نوفمبر 08, 2022 8:11 am من طرف سعداوي ربيع
» مشروع واحة الشاطيء شقق للبيع في مدينة دبي للاستديوهات
الخميس نوفمبر 03, 2022 9:21 pm من طرف lmandoo
» شركة حلول ميج للاستشارات وتطوير الأعمال
الثلاثاء أكتوبر 18, 2022 11:26 am من طرف lmandoo
» نانا اليوم اقوى الخصومات على كل المنتجات
الأربعاء أكتوبر 12, 2022 11:28 pm من طرف lmandoo
» مرام مالك فنانة غنائية سعودية
الإثنين سبتمبر 05, 2022 5:12 am من طرف lmandoo
» موقع تعليمي سعودي لتغطية كافة المناهج
الخميس أغسطس 25, 2022 11:44 pm من طرف lmandoo
» يونيريم للرعاية المنزلية UNIREM Home Care
الأربعاء أغسطس 17, 2022 3:49 am من طرف lmandoo
» ايه افضل بيوتى صالون فى حدئق الاهرام واكتوبر وزايد
السبت أغسطس 13, 2022 3:57 am من طرف lmandoo
» اشطر جراح عام دكتور عبد الوهاب رأفت
السبت أغسطس 13, 2022 2:21 am من طرف lmandoo
» اشطر جراح عام دكتور عبد الوهاب رأفت
الثلاثاء أغسطس 09, 2022 1:47 am من طرف lmandoo
» ايه افضل بيوتى صالون فى حدئق الاهرام واكتوبر وزايد
الثلاثاء أغسطس 09, 2022 1:37 am من طرف lmandoo
» مصممة الازياء رنا سمعان من نينوى العراق إلى العالمية
الإثنين أغسطس 08, 2022 3:45 am من طرف lmandoo