مـــــــــــــــــــــواعظ
من فضل الله على عباده تتابع مواسم الخيرات ومضاعفة الحسنات فالمؤمن يتقلب في ساعات عمره بين أنواع العبادات والقربات فلا يمضي من عمره ساعة إلا ولله فيها وظيفة من وظائف الطاعات وما أن يفرغ من عبادة إلا ويشرع في عبادة أخرى ولم يجعل الله حدا لطاعة العبد إلا انتهاء عمره وانقضاء أجله.
وبعد ان اتم الله لنا نعمة اكمال شهر الصيام والقيام ورتب عليه عظيم الأجر والثواب صيام ست أيام من شوال التي ثبت في فضائلها العديد من الأحاديث منها ما رواه الإمام مسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال : ( من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر
المواضيع الأخيرة
بطاقات اسلامية
أدعية رمضانــــــــــية
الأدب الشعبي الجزائري و مناحي التجديد و الإبداع
صفحة 1 من اصل 1
الأدب الشعبي الجزائري و مناحي التجديد و الإبداع
الأدب الشعبـي الجزائري ومناحي التجديد الإبداعي
لعلّ الذي يقال في بداية هذا المداخلة، هو أنّ الأدب الشعبي كان ولا يزال مرآة صادقة تعكس تاريخ مجتمع من المجتمعات، بل نتعرّف من خلاله على حضارة شعب من الشعوب، وبذلك حاول ولا يزال أن يكون صورة ناطقة متحرّكة، تعبّر عن ثقافة الشعب وطموحاته وتطلّعاته وآماله وآلامه التي أضحى يصوّرها بصدق وجدية، حتى أصبح المجتمع صغيره وكبيره يتطلّعون إلى هذا الأدب بشتى أشكاله وألوانه التعبيرية (قصة، سيرة، أو قصائد شعرية، ألغاز أو أمثال شعبية) ، فمن منا لا يحفظ بيتاً أو بيتين من الشعر الشعبي، إن لم نقل قصائد بل روائع شعريـة، كقصيدة حيزيـة لابن قيطون، أو قصيدة قمر الليل للشاعر الشعبي عبد الله بن كريو، ومن منا لا يوظف في حديثه مثلاً شعبياً أو قصة شعبية.
من جهة أخرى، يعد التراث الشعبي وبخاصة الأدبي منه نمطا فكريا يبرز حقائق الحياة، بل ويجعلها قطبه تدور حوله الثقافة والتفكير، "الأدب الشعبي ينبعث من عمل أجيال عديدة من البشرية ومن ضرورات حياتها وعلاقاتها، من أفرادها وأخرانها، وأما أساسه العريض فقريب في الأرض التي تشقّها الفؤوس، وأمّا شكله النهائي عن وضع الجماهير المغمورة المجهولة... ومن أولئك الذين يعيشون نصق الواقع "، من جهة أخرى نقول إنّ للتراث الشعبي أصالة وقيمة حضارية، ففيه الكثير من الكنوز والأسرار المخفية والمحفّزة لتطوّرنا واستمرارنا عبر المراحل المستقبلية، والتراث الشعبي للأمة العربية متّصل يؤثّر فيه الماضي عبر الحاضر .
وما نلمسه من بعض النظرات الاستصغارية التي تصدر من بعض الدارسين لا تعبر في الحقيقة عن فهم عميق لهذا الأدب وصانعيه، ومن جهة أخرى نلمس تنكّر كثير من النقّاد لهذا الأدب، متأثّرين بالنزعة اللغوية، وهذا الإنكار ذكره ابن خلدون في كتاب "العبـر" منذ نيف وخمسمئة عام، والكثير من المنتحلين للعلوم لهذا العصر وخصوصاً علم اللسان يتنكّر لهذه الفنون ويفقدون قيمتها.
ولا يضير الأدب الشعبي أن يحرمه الباحثون من الدراسة، فهو موجود بوجودهم أو حتى موجود قبلهم ويتذوّثه جمهوره وينفعل به ويحرص عليه فقد تعجب قصيدة بدوية أحد باحثي الأدب في وصفها للآثار.
فابن خلدون رغم أنّه عاش قبل علوم النقد والدراسات الشعبية وعلوم اللغات الحديثة لمئات السنين، لم يقع في الخطأ والتعصّب، وقد أنكر كثير من الدارسين الأدب الشعبي وقالوا : "أنّه تخلّف وجهل لأنّه يصوّر تعابير وأحاسيس ومشاعر قائله من عامة الناس".
إنه لمن المؤسف أن يعمد كثير من الدارسين إلى التقليل من أهمية الدراسات الشعبية أو إلى هدم هذا الأدب وأشكاله التعبيرية المختلفة، على الرغم من الاعتراف به وبجمالياته وطنياً وعالميـاً.
كما ظلّت النظرة إلى دراسة الأدب الشعبي على الرغم من غزارة إنتاجه نظرة توجّس وروية، لأنّه كان يمثّل في نظر أو تصوّر الكثيرين تنفيذاً لأفكار الشرقيين وأعداء الأمة، ولم يكن ينظر إليه على أنّه مكمّل للتراث الثقافي الوطني، وله جمالياته الخاصة التي يصعب فهمها في الكثير من الأحيـان.
إنّ دراسة التراث الشعبي علم، شأنه شأن العلوم الإنسانية الأخرى، هو ليس ترهات وأباطيل وشعوذات - كما يزعمون - بل هو علم له أصوله ويدرس إبداع الإنسان الشعبي بمختلف ألوانه ونشاطاته، وفي هذا السياق يقول لطفي الخوري : "إنّ التراث الشعبي سجل أمين لخصائص ومواصفات البيئة التي أنتجته، على هذا يكون الاهتمام بالتراث الشعبي ليس مجرد نزوة عابرة أو تقليد أعمى، كما أنّه ليس للتسلية كما يحلو للبعض أن يصفه، بل هو الاهتمام بعلم متكامل مبني على أسس علمية وواقع اجتماعي ملموس، متأت من الإيمان بأنّ الشعب هو صانع للتاريخ وهو الذي وضع الأسس الحضارية للمجتمع الذي يعيش فيـه".
يقول الباحث عبد الحميد محمد في كتابه "روح الأدب"، "الأدب الشعبي رباط وثيق بكل أمة يولد معها ويترعرع بجوارها ويتربى في تربتها ويرضع من ثديها ويجتر كلّ الحياة حلّوها ومرها بلا تباطؤ، فإذا هو بعد ذلك أدب شعبي يصف بهذه الأمة، مكين في روحياناتها متشبّث في قاعدتها، فيصير ترجمة لها وعنوانـاً".
و يعرّفه محمد المرزوقي في كتابه "الأدب الشعبي" قائلاً : "إنّ الأدب الشعبي هو ذلك الأدب الذي استعار له الشرقيون من أدب كلمة فولكلور، على خلاف صحة إطلاق هذه الكلمة على ما نسميه بالأدب الشعبي بالضبط"، ولعلّ أحسن تعريف ما ضبطه الدكتور حسين نصار بقوله : "الأدب الشعبي هو الأدب مجهول المؤلّف، عامي اللغة، المتورط جيلاً بعد جيل بالرواية الشفوية، إنّ هذا التعريف يشمل أربعة شروط هي : جهلنا لمؤلفه، عامية لغته، مرور عدّة أجيال عليه، ووصوله إلينا بالرواية الشفوية.
إنّ هذه التعريفات ورغم تعدّدها وتباينها إلاّ أنّها تتّحد في محور دلالي ثابت، وهو أنّ الأدب الشعبي هو ذلك الأدب الذي أنتجه فرد بعينه ثم ذاب في ذاتيته الجماعة التي ينتمي إليها مصوراً همومها وآلامها في قالب شعبي جماعي يتماشى ونظرتها ومستواها الفكري والثقافي واللغوي.. إنّ الأدب الشعبي ارتبط بحياة الإنسان عبر عصوره بتطور هذا الإنسان فبحاء وعاء فنياً مصوراً لحياته بأفراحها وأتراحها وآلامها وآمالهـا.
على مسيرة شعب وحضارة قديمة أو حديثة " فالآداب الشعبية لعراقتها تحفظ لنا ذخيرة وافية نستطيع بدراستها أن نعرّف الحياة الذهنية والروحية لأسلافنا الأقدمين، وكذلك نستطيع بواسطتها أن نضبط التاريخ الاجتماعي لهذه المراحل الأولى...".
إنّ الأدب الشعبي، مهما كان مستواه الفني، ومهما كانت بنيته الدلالية فهو مرتبط شكلاً ومضموناً بقضايا الشعب والواقع، وما تلك التحليقات الخيالية في عوالم الغرابة والعجائبية إلاّ قراءة بطريقة شعبية لهذا الواقع المتناقض تارة والمنسجم تارة أخرى، التعس تارة، والمفرح تارة أخرى.
"إنّ الأدب الشعبي اجتماعي وجماعي في شكله ومضمونه، إنّ مبدعه الأول سرعان ما يذوب في الإبداع الجماعي وذلك لاقترانه بالقضايا الجماعية التي ينتمي إليها"، بل ويستمد مادته من محيطها النفسي، الاجتماعي، الثقافي، السياسي والاقتصادي، فالأدب الشعبي إذن اجتماعي المضمون وجماعي الإبداع.
وفي هذا السياق جدير بنا طرح السؤال الذي مفاده : "أليس الشعب هو مبدع الحضارات على مر العصور؟"، "أوليست تجارب الشعوب الجماعية تخلد في المأثورات الشعبية؟".
- إنّ الدراسات الشعبية تسهم وبدور فعّال في تطوّر الروح القويمة في بلادنا وليست كما يدعون (شعوبية)، إنها تقويم جديد للتراث الأدبي الشعبي، كل تقويم من هذا القبيل أضحى اليوم رد فعل ضد التداخل الثقافي الغربي الذي أمسى في نظر البعض أحد متطلبات العمل الحضاري الذي تجسده العولمة بكل أبعادها وصورهـا.
- فالدراسات التراثية الشعبية تحفظ لنا الكثير من عادتنا وتقاليدنا الشعبية - التي توارثناها عن الآباء والأجداد - المضطهدة بالضياع والاندثار والتلاشي نتيجة التقدم الحضاري والعلمي.
- كما يمكننا القول أيضا أنّ الأدب الشعبي ومن خلال أشكاله التعبيرية هو أدب الحياة، يصوّرها أحسن تصوير ويعكس مختلف جوانبها بكل مظاهرها المحسوسة، ولا غرابة في ذلك، فهو أدب الممارسات اليومية لهذا الشعب، حيث يرصد نشاطات الناس الاجتماعية والفكرية الثقافية بدقة وأمـانة.
- لقد امتطى الأدب الشعبي صهوة مختلف أغراض الشعر العربي ووظّف مختلف أساليب البيان، وذلك يعود بالأساس إلى تعدّد فنونه وتنوّع وسائله التعبيرية، وهي فنون ووسائل أكثر عددا وتنزعاً ومجالها أرحب وأوسع من فنون الأدب التقليدي لا لشيء إلاّ لبساطة معانيه وفطرتها، وهي أقل تعقيداً وأخصب خيالاً وأقدر على التصوير البديع، لأنّها وبكلّ بساطة تفي جوانب حياة الإنسان طرحاً ومعالجـة.
- وفي سياق آخر، نجد بعض العلماء يعلقون أهمية كبيرة على الصيغ القديمة للأثر الأدبي في إبداع الشعب، وتظهر لنا هذه الأهمية خصوصاً في الدلالة على التواصل الفكري والثقافي والحضاري للأمم.
- ومن جهة أخرى، نلمس أن أهم ما يميز المأثورات الشعبية عامة هو قدرتها على الاستمرار في عملية الخلق والإبداع مع تتابع الأجيال و الأجناس، فيتحوّل بذلك المورث الثقافي والحضاري إلى مأثور ثقافي وفكري، حيث يظهر من خلال التواصل الدائم المستمر مع القوى الإبداعية التي تنسج مختلف الفنون والآداب، وذلك طبعاً في إطار من الرؤية العلمية والفنيـة.
- ولا شك أيضاً في أنّ الأدب الشعبي عموما والجزائري على وجه الخصوص الذي يجري في حياة أفراد المجتمع وعلى ألسنتهم، وكذلك من خلال سلوكهم وتصرّفاتهم وما يقومون به يومياً، هو جزء والأساسي من التراث العربي، لأنّه وكما يعلم المجتمع أنّ الحاضر لا يمكن أن يكون إلاّ امتدادا طبيعياً للماضي القريب أو البعيد على حدّ سواء، وسنحاول من خلال ما نكتبه أن نبرز للقارئ مدى توسع العلاقة وامتدادها وجذورها خاصة بين الأدب الشعبي الجزائري والآداب والفنون العربية، وحتى الأوربية إن لم نقل العالمية، وذلك يعود بالأساس إلى وجود مواطن التقاء عديدة يطرحها أبناء الشعب من خلال إبداعاتهم (نثرية بكل أشكالها وألوانها أو شعرية بكل أغراضها وفنونها).
- فمن فقه الدين الإسلامي وتشريعه وفلسفته ضربوا أمثالهم واتّخذوا حكمهم من مثل (الضرورات تبيح المحظورات)، فهذا القول نص فقهي صريح، ومن القرآن الكريم يقتبس الأدب الشعبي، بل يوظّف آيات قرآنية بنصها الحرفي، وأحيانا يذكر الشاعر الشعبي بعض الآيات الكريمة ضمن أشعاره أو حتى مأثوراته الشعبية مع تحريف لغوي بزيادة حرف أو أحداث تعبيرات صوتية أو لغوية كالنحت والإبـدال.
- ومن جهة نجد الدارس للأدب العربي القديم وجود من قبل علماء العرب القدامى وأدبائهم حياة العرب الجاهلية، إذ نجد الدارس من خلال تصفحه للمورث الشعبي لدى الجاهلين تنوعها من جهة وتنوّع مصادرها من جهة أخرى، كما أنّها مرتبطة بمعتقداتهم وحياتهم الاجتماعية، كما انتشرت فيها بينهم القصص والحكايات".
- كما ظهرت مؤلّفات كثيرة تضمّنت مواد تراثية شعبية منها : ما قدمه الجاحظ (ت 255 هـ) في كتابه "البيان والتبيين" و "الحيـوان" من مرويات عامية وشعبية وما ألّفه ابن قتيبـة (ت 276 هـ) من كتب تراثية شعبية مثل "الحكاية والمحكي" وكذلك ما كتبه النويري ( ت 735 هـ) من خلال كتابه "نهاية الأرب في فنون الأدب".
- وعلى هذا الأساس نقول : إنّ التراث العربي القديم شعبيه وفصيحه مصدر هام وأساسي من مصادر الإبداع الثقافي الشعبي، فهو بذلك يعطينا للتراث الشعبي أصالة وقدما وعراقـة.
- وهكذا نقول أنّ الأدب الشعبي بشتى أشكاله وألوانه أداة خفية وصورة فنية لتفاعل التيارات الحضارية القديمة و الحديثة.
ومهما يكن من أمرٍ، فإنّ الدراسات على اختلاف رؤاها ومناهجها وأهدافها تبقى مهمة في كونها أثبتت واعترفت بشيء اسمه الأدب الشعبي كموضوع يستحق الدراسة، لقيمته الثقافية والفكرية وكإنتاج فكري وثقافي أنتجه الشعب، غنيّ بدلالته وأبعاده الثقافية والنفسية والاجتماعيـة.
كما أنّ هذه الدراسات تكشف عن قيمة هذه المادة وقدرتها على فرض نفسها على ساحة البحث والثقافة بالرغم من الحصار المعرفي المفروض عليهـا.
لعلّ الذي يقال في بداية هذا المداخلة، هو أنّ الأدب الشعبي كان ولا يزال مرآة صادقة تعكس تاريخ مجتمع من المجتمعات، بل نتعرّف من خلاله على حضارة شعب من الشعوب، وبذلك حاول ولا يزال أن يكون صورة ناطقة متحرّكة، تعبّر عن ثقافة الشعب وطموحاته وتطلّعاته وآماله وآلامه التي أضحى يصوّرها بصدق وجدية، حتى أصبح المجتمع صغيره وكبيره يتطلّعون إلى هذا الأدب بشتى أشكاله وألوانه التعبيرية (قصة، سيرة، أو قصائد شعرية، ألغاز أو أمثال شعبية) ، فمن منا لا يحفظ بيتاً أو بيتين من الشعر الشعبي، إن لم نقل قصائد بل روائع شعريـة، كقصيدة حيزيـة لابن قيطون، أو قصيدة قمر الليل للشاعر الشعبي عبد الله بن كريو، ومن منا لا يوظف في حديثه مثلاً شعبياً أو قصة شعبية.
من جهة أخرى، يعد التراث الشعبي وبخاصة الأدبي منه نمطا فكريا يبرز حقائق الحياة، بل ويجعلها قطبه تدور حوله الثقافة والتفكير، "الأدب الشعبي ينبعث من عمل أجيال عديدة من البشرية ومن ضرورات حياتها وعلاقاتها، من أفرادها وأخرانها، وأما أساسه العريض فقريب في الأرض التي تشقّها الفؤوس، وأمّا شكله النهائي عن وضع الجماهير المغمورة المجهولة... ومن أولئك الذين يعيشون نصق الواقع "، من جهة أخرى نقول إنّ للتراث الشعبي أصالة وقيمة حضارية، ففيه الكثير من الكنوز والأسرار المخفية والمحفّزة لتطوّرنا واستمرارنا عبر المراحل المستقبلية، والتراث الشعبي للأمة العربية متّصل يؤثّر فيه الماضي عبر الحاضر .
وما نلمسه من بعض النظرات الاستصغارية التي تصدر من بعض الدارسين لا تعبر في الحقيقة عن فهم عميق لهذا الأدب وصانعيه، ومن جهة أخرى نلمس تنكّر كثير من النقّاد لهذا الأدب، متأثّرين بالنزعة اللغوية، وهذا الإنكار ذكره ابن خلدون في كتاب "العبـر" منذ نيف وخمسمئة عام، والكثير من المنتحلين للعلوم لهذا العصر وخصوصاً علم اللسان يتنكّر لهذه الفنون ويفقدون قيمتها.
ولا يضير الأدب الشعبي أن يحرمه الباحثون من الدراسة، فهو موجود بوجودهم أو حتى موجود قبلهم ويتذوّثه جمهوره وينفعل به ويحرص عليه فقد تعجب قصيدة بدوية أحد باحثي الأدب في وصفها للآثار.
فابن خلدون رغم أنّه عاش قبل علوم النقد والدراسات الشعبية وعلوم اللغات الحديثة لمئات السنين، لم يقع في الخطأ والتعصّب، وقد أنكر كثير من الدارسين الأدب الشعبي وقالوا : "أنّه تخلّف وجهل لأنّه يصوّر تعابير وأحاسيس ومشاعر قائله من عامة الناس".
إنه لمن المؤسف أن يعمد كثير من الدارسين إلى التقليل من أهمية الدراسات الشعبية أو إلى هدم هذا الأدب وأشكاله التعبيرية المختلفة، على الرغم من الاعتراف به وبجمالياته وطنياً وعالميـاً.
كما ظلّت النظرة إلى دراسة الأدب الشعبي على الرغم من غزارة إنتاجه نظرة توجّس وروية، لأنّه كان يمثّل في نظر أو تصوّر الكثيرين تنفيذاً لأفكار الشرقيين وأعداء الأمة، ولم يكن ينظر إليه على أنّه مكمّل للتراث الثقافي الوطني، وله جمالياته الخاصة التي يصعب فهمها في الكثير من الأحيـان.
إنّ دراسة التراث الشعبي علم، شأنه شأن العلوم الإنسانية الأخرى، هو ليس ترهات وأباطيل وشعوذات - كما يزعمون - بل هو علم له أصوله ويدرس إبداع الإنسان الشعبي بمختلف ألوانه ونشاطاته، وفي هذا السياق يقول لطفي الخوري : "إنّ التراث الشعبي سجل أمين لخصائص ومواصفات البيئة التي أنتجته، على هذا يكون الاهتمام بالتراث الشعبي ليس مجرد نزوة عابرة أو تقليد أعمى، كما أنّه ليس للتسلية كما يحلو للبعض أن يصفه، بل هو الاهتمام بعلم متكامل مبني على أسس علمية وواقع اجتماعي ملموس، متأت من الإيمان بأنّ الشعب هو صانع للتاريخ وهو الذي وضع الأسس الحضارية للمجتمع الذي يعيش فيـه".
يقول الباحث عبد الحميد محمد في كتابه "روح الأدب"، "الأدب الشعبي رباط وثيق بكل أمة يولد معها ويترعرع بجوارها ويتربى في تربتها ويرضع من ثديها ويجتر كلّ الحياة حلّوها ومرها بلا تباطؤ، فإذا هو بعد ذلك أدب شعبي يصف بهذه الأمة، مكين في روحياناتها متشبّث في قاعدتها، فيصير ترجمة لها وعنوانـاً".
و يعرّفه محمد المرزوقي في كتابه "الأدب الشعبي" قائلاً : "إنّ الأدب الشعبي هو ذلك الأدب الذي استعار له الشرقيون من أدب كلمة فولكلور، على خلاف صحة إطلاق هذه الكلمة على ما نسميه بالأدب الشعبي بالضبط"، ولعلّ أحسن تعريف ما ضبطه الدكتور حسين نصار بقوله : "الأدب الشعبي هو الأدب مجهول المؤلّف، عامي اللغة، المتورط جيلاً بعد جيل بالرواية الشفوية، إنّ هذا التعريف يشمل أربعة شروط هي : جهلنا لمؤلفه، عامية لغته، مرور عدّة أجيال عليه، ووصوله إلينا بالرواية الشفوية.
إنّ هذه التعريفات ورغم تعدّدها وتباينها إلاّ أنّها تتّحد في محور دلالي ثابت، وهو أنّ الأدب الشعبي هو ذلك الأدب الذي أنتجه فرد بعينه ثم ذاب في ذاتيته الجماعة التي ينتمي إليها مصوراً همومها وآلامها في قالب شعبي جماعي يتماشى ونظرتها ومستواها الفكري والثقافي واللغوي.. إنّ الأدب الشعبي ارتبط بحياة الإنسان عبر عصوره بتطور هذا الإنسان فبحاء وعاء فنياً مصوراً لحياته بأفراحها وأتراحها وآلامها وآمالهـا.
على مسيرة شعب وحضارة قديمة أو حديثة " فالآداب الشعبية لعراقتها تحفظ لنا ذخيرة وافية نستطيع بدراستها أن نعرّف الحياة الذهنية والروحية لأسلافنا الأقدمين، وكذلك نستطيع بواسطتها أن نضبط التاريخ الاجتماعي لهذه المراحل الأولى...".
إنّ الأدب الشعبي، مهما كان مستواه الفني، ومهما كانت بنيته الدلالية فهو مرتبط شكلاً ومضموناً بقضايا الشعب والواقع، وما تلك التحليقات الخيالية في عوالم الغرابة والعجائبية إلاّ قراءة بطريقة شعبية لهذا الواقع المتناقض تارة والمنسجم تارة أخرى، التعس تارة، والمفرح تارة أخرى.
"إنّ الأدب الشعبي اجتماعي وجماعي في شكله ومضمونه، إنّ مبدعه الأول سرعان ما يذوب في الإبداع الجماعي وذلك لاقترانه بالقضايا الجماعية التي ينتمي إليها"، بل ويستمد مادته من محيطها النفسي، الاجتماعي، الثقافي، السياسي والاقتصادي، فالأدب الشعبي إذن اجتماعي المضمون وجماعي الإبداع.
وفي هذا السياق جدير بنا طرح السؤال الذي مفاده : "أليس الشعب هو مبدع الحضارات على مر العصور؟"، "أوليست تجارب الشعوب الجماعية تخلد في المأثورات الشعبية؟".
- إنّ الدراسات الشعبية تسهم وبدور فعّال في تطوّر الروح القويمة في بلادنا وليست كما يدعون (شعوبية)، إنها تقويم جديد للتراث الأدبي الشعبي، كل تقويم من هذا القبيل أضحى اليوم رد فعل ضد التداخل الثقافي الغربي الذي أمسى في نظر البعض أحد متطلبات العمل الحضاري الذي تجسده العولمة بكل أبعادها وصورهـا.
- فالدراسات التراثية الشعبية تحفظ لنا الكثير من عادتنا وتقاليدنا الشعبية - التي توارثناها عن الآباء والأجداد - المضطهدة بالضياع والاندثار والتلاشي نتيجة التقدم الحضاري والعلمي.
- كما يمكننا القول أيضا أنّ الأدب الشعبي ومن خلال أشكاله التعبيرية هو أدب الحياة، يصوّرها أحسن تصوير ويعكس مختلف جوانبها بكل مظاهرها المحسوسة، ولا غرابة في ذلك، فهو أدب الممارسات اليومية لهذا الشعب، حيث يرصد نشاطات الناس الاجتماعية والفكرية الثقافية بدقة وأمـانة.
- لقد امتطى الأدب الشعبي صهوة مختلف أغراض الشعر العربي ووظّف مختلف أساليب البيان، وذلك يعود بالأساس إلى تعدّد فنونه وتنوّع وسائله التعبيرية، وهي فنون ووسائل أكثر عددا وتنزعاً ومجالها أرحب وأوسع من فنون الأدب التقليدي لا لشيء إلاّ لبساطة معانيه وفطرتها، وهي أقل تعقيداً وأخصب خيالاً وأقدر على التصوير البديع، لأنّها وبكلّ بساطة تفي جوانب حياة الإنسان طرحاً ومعالجـة.
- وفي سياق آخر، نجد بعض العلماء يعلقون أهمية كبيرة على الصيغ القديمة للأثر الأدبي في إبداع الشعب، وتظهر لنا هذه الأهمية خصوصاً في الدلالة على التواصل الفكري والثقافي والحضاري للأمم.
- ومن جهة أخرى، نلمس أن أهم ما يميز المأثورات الشعبية عامة هو قدرتها على الاستمرار في عملية الخلق والإبداع مع تتابع الأجيال و الأجناس، فيتحوّل بذلك المورث الثقافي والحضاري إلى مأثور ثقافي وفكري، حيث يظهر من خلال التواصل الدائم المستمر مع القوى الإبداعية التي تنسج مختلف الفنون والآداب، وذلك طبعاً في إطار من الرؤية العلمية والفنيـة.
- ولا شك أيضاً في أنّ الأدب الشعبي عموما والجزائري على وجه الخصوص الذي يجري في حياة أفراد المجتمع وعلى ألسنتهم، وكذلك من خلال سلوكهم وتصرّفاتهم وما يقومون به يومياً، هو جزء والأساسي من التراث العربي، لأنّه وكما يعلم المجتمع أنّ الحاضر لا يمكن أن يكون إلاّ امتدادا طبيعياً للماضي القريب أو البعيد على حدّ سواء، وسنحاول من خلال ما نكتبه أن نبرز للقارئ مدى توسع العلاقة وامتدادها وجذورها خاصة بين الأدب الشعبي الجزائري والآداب والفنون العربية، وحتى الأوربية إن لم نقل العالمية، وذلك يعود بالأساس إلى وجود مواطن التقاء عديدة يطرحها أبناء الشعب من خلال إبداعاتهم (نثرية بكل أشكالها وألوانها أو شعرية بكل أغراضها وفنونها).
- فمن فقه الدين الإسلامي وتشريعه وفلسفته ضربوا أمثالهم واتّخذوا حكمهم من مثل (الضرورات تبيح المحظورات)، فهذا القول نص فقهي صريح، ومن القرآن الكريم يقتبس الأدب الشعبي، بل يوظّف آيات قرآنية بنصها الحرفي، وأحيانا يذكر الشاعر الشعبي بعض الآيات الكريمة ضمن أشعاره أو حتى مأثوراته الشعبية مع تحريف لغوي بزيادة حرف أو أحداث تعبيرات صوتية أو لغوية كالنحت والإبـدال.
- ومن جهة نجد الدارس للأدب العربي القديم وجود من قبل علماء العرب القدامى وأدبائهم حياة العرب الجاهلية، إذ نجد الدارس من خلال تصفحه للمورث الشعبي لدى الجاهلين تنوعها من جهة وتنوّع مصادرها من جهة أخرى، كما أنّها مرتبطة بمعتقداتهم وحياتهم الاجتماعية، كما انتشرت فيها بينهم القصص والحكايات".
- كما ظهرت مؤلّفات كثيرة تضمّنت مواد تراثية شعبية منها : ما قدمه الجاحظ (ت 255 هـ) في كتابه "البيان والتبيين" و "الحيـوان" من مرويات عامية وشعبية وما ألّفه ابن قتيبـة (ت 276 هـ) من كتب تراثية شعبية مثل "الحكاية والمحكي" وكذلك ما كتبه النويري ( ت 735 هـ) من خلال كتابه "نهاية الأرب في فنون الأدب".
- وعلى هذا الأساس نقول : إنّ التراث العربي القديم شعبيه وفصيحه مصدر هام وأساسي من مصادر الإبداع الثقافي الشعبي، فهو بذلك يعطينا للتراث الشعبي أصالة وقدما وعراقـة.
- وهكذا نقول أنّ الأدب الشعبي بشتى أشكاله وألوانه أداة خفية وصورة فنية لتفاعل التيارات الحضارية القديمة و الحديثة.
ومهما يكن من أمرٍ، فإنّ الدراسات على اختلاف رؤاها ومناهجها وأهدافها تبقى مهمة في كونها أثبتت واعترفت بشيء اسمه الأدب الشعبي كموضوع يستحق الدراسة، لقيمته الثقافية والفكرية وكإنتاج فكري وثقافي أنتجه الشعب، غنيّ بدلالته وأبعاده الثقافية والنفسية والاجتماعيـة.
كما أنّ هذه الدراسات تكشف عن قيمة هذه المادة وقدرتها على فرض نفسها على ساحة البحث والثقافة بالرغم من الحصار المعرفي المفروض عليهـا.
توفيق- عضو متميز
- عدد الرسائل : 425
نقاط : 1075
تاريخ التسجيل : 09/09/2009
مواضيع مماثلة
» مختارات من الأدب الصغير و الأدب الكبير لابن المقفع
» هل أعلمه الأدب أم أتعلم منه قلة الأدب ?
» التجديد الأخلاقي د. عبد الكريم بكار
» مع الشعبي والفصيح الحيط صحيح
» ضفاف الإبداع ...في ثوب جديد
» هل أعلمه الأدب أم أتعلم منه قلة الأدب ?
» التجديد الأخلاقي د. عبد الكريم بكار
» مع الشعبي والفصيح الحيط صحيح
» ضفاف الإبداع ...في ثوب جديد
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة أبريل 12, 2024 4:10 pm من طرف سعداوي ربيع
» المتألقه ياسمين ابراهيم
الثلاثاء أكتوبر 10, 2023 8:54 pm من طرف سعداوي ربيع
» إستمتع بخدمة ultimate game pass لجهاز الإكسبوكس و الحاسوب
الخميس نوفمبر 24, 2022 10:35 pm من طرف lmandoo
» ربيع المؤمـــــــــــــــــــن
الثلاثاء نوفمبر 08, 2022 8:11 am من طرف سعداوي ربيع
» مشروع واحة الشاطيء شقق للبيع في مدينة دبي للاستديوهات
الخميس نوفمبر 03, 2022 9:21 pm من طرف lmandoo
» شركة حلول ميج للاستشارات وتطوير الأعمال
الثلاثاء أكتوبر 18, 2022 11:26 am من طرف lmandoo
» نانا اليوم اقوى الخصومات على كل المنتجات
الأربعاء أكتوبر 12, 2022 11:28 pm من طرف lmandoo
» مرام مالك فنانة غنائية سعودية
الإثنين سبتمبر 05, 2022 5:12 am من طرف lmandoo
» موقع تعليمي سعودي لتغطية كافة المناهج
الخميس أغسطس 25, 2022 11:44 pm من طرف lmandoo
» يونيريم للرعاية المنزلية UNIREM Home Care
الأربعاء أغسطس 17, 2022 3:49 am من طرف lmandoo
» ايه افضل بيوتى صالون فى حدئق الاهرام واكتوبر وزايد
السبت أغسطس 13, 2022 3:57 am من طرف lmandoo
» اشطر جراح عام دكتور عبد الوهاب رأفت
السبت أغسطس 13, 2022 2:21 am من طرف lmandoo
» اشطر جراح عام دكتور عبد الوهاب رأفت
الثلاثاء أغسطس 09, 2022 1:47 am من طرف lmandoo
» ايه افضل بيوتى صالون فى حدئق الاهرام واكتوبر وزايد
الثلاثاء أغسطس 09, 2022 1:37 am من طرف lmandoo
» مصممة الازياء رنا سمعان من نينوى العراق إلى العالمية
الإثنين أغسطس 08, 2022 3:45 am من طرف lmandoo