* خواطر رمضانية ( 2 ) .

خواطـــــر رمضانية :
بقلم : أ ـ محمد بن زعبار .
( 2 )
• هلال رمضـــــــان

ـ أفادت وزارة الشؤون الدينية عندنا بوجوب الصيام اعتبارا من يوم غد " الأربعاء " لثبوت رؤية الهلال ، وقد ثبتت رؤية الهلال فعلا في أكثر من مكان، فمعظم الدول العربية هذا العام أجمعت على هذه الرؤية .. بخلاف بعض المخالفين الشاذين عن قاعـــــــدة الجماعة وهم قلــــــة .
هذا الاجماع ذكرني بالاختلاف البائن في تحديد يوم الصيام من عدمه ، وفي الإقرار برؤية الهلال من عدمها ـ في السنوات الماضية ـ ، فأذكر في سنوات أواخر الثمانينات أن الكثير من أصحابنا قد شذوا عن قاعدة الجماعة ورموا جانبا تحديد بلدهم الأصلي لميقات الصوم ورأوا بأن الرؤية قد ثبتت فعلا طالما وأن بلاد الحجاز مثلا قد أعلنت عن ثبوت الرؤيــــة ، فبدأوا الإمساك والصيام تماشيا مع تلك البلاد ، وحصل أن صلوا صلاة العيد في الخلاء تماشيا مع تلك البلدان أيضا ، في حين أن أهلهم وعشيرتهم لايزالون ينافحون ضد العطش والجوع في يومهم المتم الثلاثين ، فمما لازال ملتصقا بتلافيف ذاكراتي مشهد صلاة العيد لشباب من قريتي ممن فضلوا الركون إلى تحديد " المملكة العربية السعودية " لميقات الصوم وكذا لميقات الإفطار ، .. ركنوا غير بعيد وصلوا صلاة العيد ، .. تبادلوا التهاني ونعموا بما احضروه في الأوانــــــــــي، وكان يوما مشهودا ، تكرر لأكثر من مرة .
لقد كنا في تلك الفترة مذبذبين فعلا ، وكان العنت يركبنا على الدوام ، بخلاف ما نشهده الآن من تعقل .
ربما بعض الناس ـ في تلك الأيام ـ قد ثقل عليهم فعلا أمر الاختلاف ، ورأوا واجب التوحيد للرؤية ، حتى تبقى الأمة العربية وكذا الإسلامية مهابة الجانب ، فالتوحيد للكلمة وللرؤية هو توحيد للصف ، والأمة الموحدة المتحدة في قراراتها حتما ستحظى بالمنعة ، وتكون شوكتها قوية ، وبذلك تستطيع أن تجابه من يعاديها ، وكانوا يرون ـ أي هؤلاء الناس ـ بأنه إذا لزم الأمــــر أوكلوا المهمة لبلد يكون محل ثقة وإجماع جميع الدول ، وأحاطوه بتقنيات الرصد الحديثــــــة ، و ألزموا كامــــــل الأمة بعد ذلك بضرورة إتباع ذلك البلد على سبيل التوحيد للرؤيـــــة ، ومن ثم توحيد الصف ، وكان الإجماع ساريا عندهم على تحديد " مـــكــــة " مثلا لتكون ذلك البلـــــــد " المعين " ، لمكانتها وقدسيتها في قلوب المسلمين ، ولأنها تتوسط المعمورة ، وتمتلك من وسائل الرصد الفلكي أحدثها .
ولكنه في كل مرة يحدث هذا التباين في الرؤيـــــة ، فهذا البلد يتقدم عن الأخر بيوم ، والأخر بيومين ، وهكذا ، حتى أن عامة الناس ضايقهم الأمر بشكــــل كبيرـ أتحدث دائما عن تلك الأيام ـ ، وتذمروا منه كثيرا ، ومن مضحكات تلك الأيام ، التي ربما لا يزال يذكرها بعض الناس ، والتي أصبحت من النكات الباعثة على التهكم المفزع ، أن شرطيا أثقل عليه هذا التشرذم في توحيد رؤية هلال رمضان ، ولربما كان متضايقا من كل رمضان ، وتزامن أن كان أخر يوم من شعبان لذلك العام مُغيما ورؤية الهلال فيه كانت شبه مستحيلة ، ورغم ذلك فقد أعلنت جهة من جهات الوطن ـ في جنوب البلاد ـ أنها تمكنت فعلا من رصد هـــــــلال رمضان .
فأثقل ذلك على أخينا الشرطي أيما ثُقل .. وفي صبيحة الغد ـ أول يوم من رمضان ـ كان صاحبنا الشرطي في عمله كالمعتاد على ناصية الطريق .. وهو كذلك وإذا بسيارة تمر سريعا على الطريق ، وقد أغفل صاحبها أن ينتبه لإشارة التوقف المثبتة على اليمين ، أسرع الشرطي وأوقف صاحبها ، وبعد أن ركنت السيارة ناحية اليمين ، بادر الشرطي السائق بسؤاله إن كان قد رأى تلك الإشارة التي تطالبه بالتوقف أم لا ؟ ، فرد السائق بأنه لم يرها .. طلب وثائقه وأخــــــذ يدقق في معلوماته .. اسرح برهـــة في التفكير ، وكأنه يبحث عن شيء ما فقده ، وبعد هنيهة قصيرة عاد إلى وعيه وكأنه اهتدى إلى فك طلسم ما يشغله ، ولعلي به قد سرح فكره في قرار لجنة ثبوت الأهــــلة التي عكرت صفـــــــو مزاجه هذا الصباح ، لأنه أصبح صائما على غير عادته ، ولم ينعم بقهوته المعتادة في مقهى الحي ، وتذكــــــر الجهة التي أعلنت أنها رأت الهلال خلافا لباقي الجهات من الوطن .. ووجـــــد بأن صاحبنا ـ سائق السيارة ـ من تلك الجهة التي أثبتت الرؤية ، فزاد ذلك من غضبه وبدأت لهجته تعرف طريقا نحو التصعيد ، فأحمر وجه أخينا من شـــــدة الغضب ، ولسان حــــاله يقول : ( البلاكة قد الجبل ماشفتهاش ، والهلال اللي قد الشعـــــرة شفتوه ) .
قل لهــــــلالك أن ينفعك الآن .
ـ فعلا هــــو موقف يحتاج منا إلى أكثـــــــر من وقفة ، ونحتاج أن نثبته للأحباب في هذا الشهر الفضيل من باب التذكر الحسن لبعض نكات ذلك العهد الجميل .. ونحتاج إلى روح المرح النظيف والبريء لنتقوى به على منغصات العيش ومقلقات الأيام .
انتظرونا في الخاطر الثالث ، لتروا بعض ما نحمل من مفاجآت .
ـ لكم منا كل التحية وصح فطوركم .