خواطـــــر رمضانية ( 4 ) .

خواطـــــر رمضانية
بقلم : محمد بن زعبار
( 4 )
* القرآن في شهــــر القرآن:

لقد أنعم الله تعالى على هذه الأمة نعما كثيــــــرة ، وأمدها بالخير الوفير ، والعطاء الجزيل الذي لاينفذ ، واصطفى لها خير البرية ليخرجها من حمأة الجاهلية التي كانت ترزح في أكنافها ، وليعيد الناس إلى عبادة الله الواحد الأحد ، بعد أن كانوا يعبدون أوثانا و أصناما يتخذونها من الحجارة والخشب والتمر .....
لقد اشتهر العرب في جاهليتهم بفصاحة اللسان وبالبيان الساحر ، وكانت الكلمة عندهم هي ميزان الحكم على الأشخاص ، فللشاعر البليغ والخطيب المفوه مكانة سامقة قد لا تضاهيها مكانة أخرى . وحتى يعجزهم الله تعالى على لسان نبيه محمد لابد أن تكون المعجزة من ذات الصنعة التي ألفوها والتي أنرلوها تلك المكانة العالية ـ السامقـــــة ـ
فالمعجزات عادة تكون بما تعارف عليه القوم وسار بينهم بحكم العادة .. فمعجزات الأنبياء جميعا هكذا كانت ، فلما انتشر السحر في عهد موسى الكليم أسكتهم الله بالسحر ، ولما سادت الرؤيا ـ تفسير الأحلام ـ في زمن سيدنا يوسف عليه السلام ، علمه الله تعالى تأويل الرؤيا وبذلك كان تأويله معجزة له على صدق نبوته ... وهكذا .
ـ فالقرآن في حياة العرب له أكبر الوقع وأعظم الدلالة ، فمن سحره وبيانه جعل العرب يتيهون بين كلماته لا يستطيعون لها رسما ، حاولوا محاكاته فما استطاعوا ، تأملوا في نسجه ، فوجدوه مخالف للشعر الذي يجيدونه ، وليس شبيه بما حفظوه من سجع الكهان أو من بيان الخطب .
 ذكر الأمام البغوي في تفسيره أن النبي ـ ص ـ كان في المسجد فقرأ ((حم. تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم. غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب. ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير)). وكان الوليد يسمع قرأته ففطن له رسول الله وأعاد الآية فانطلق الوليد حتى أتى مجلس قومه فقال :
والله لقد سمعت من محمد آنفاً كلاماً ما هو من كلام الأنس ولا من كلام الجن إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وأنه يعلو وما يعلى عليه.
ثم انصرف إلى منزله فقالت قريش صبأ والله الوليد، وهو ريحانة قريش والله لتصبأن قريش كلهم فقال أبو جهل أنا أكفيكموه فانطلق فقعد إلى جنب الوليد حزيناً فقال له الوليد مالي أراك حزيناً يا ابن أخي ؟ فقال : وما يمنعني أن أحزن ؟ وهذه قريش يجمعون لك نفقة يعينونك على كبر سنك ويزعمون أنك زينت كلام محمد وإنك تدخل على ابن أبي كبشة وابن قحافة لتنال من فضل طعامهم فغضب الوليد وقال : ألم تعلم قريش أني من أكثرها مالاً وولداً ؟ وهل شبع محمد وأصحابه ليكون لهم فضل ؟ ثم قام مع أبي جهل حتى أتى مجلس قومه فقال لهم :
تزعمون أن محمداً مجنون فهل رأيتموه يحنق قط ؟ قالوا اللهم لا، قال : تزعمون أنه كاهن فهل رأيتموه تكهن قط ؟ قالوا اللهم لا، قال : تزعمون أنه كذاب فهل جربتم عليه شيئاً من الكذب ؟ قالوا لا، فقالت قريش للوليد فما هو ؟ فتفكر في نفسه ثم نظر وعبس فقال : ما هو إلا ساحر أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه فهو ساحر وما يقوله سحر يؤثر فذلك قول الله تعالى في سورة المدثر : "إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ" (المدثر : من 18 _ 25).
عجز الوليد أين يضع القرآن ، ورغم أنه مالمس السحر عند رسول الأنام ( محمد ) إلا أنه رماه به ، لأن شيطانه أبى أن يذعن للحق الذي جاء به محمدا ، ففي هذا الكتاب معجزة هذا النبي الأمين ، ولقد تعهد خالق الكون بحفظه .
ـ في رمضان يتسابق الناس على قراءة القرآن ، ليستزيدوا من الأجر ، وليتموا فهمه وحفظه ، وفي رمضان تقام مسابقات للذكر والحفظ السليم لكتاب الله تعالى القويــــــــم ، وأرسخ حفظ للقرآن أن يكون في مرحلـــــة الصغر ، لأن الصغير تكون درجة استيعابه لهذا الكتاب كبيرة بخلاف الكبير ، الذي ربما تقل درجة الاستيعاب لديه ، فلا يستطيع الحفظ بالشكل الميسر .
ولعل من فضل رمضان أنه شهر القرآن ، فيه أنزل ، وفيه يتعبد الناس بتلاوته ، يتدارسونه ويدرسونه لأبنائهم ، ويجهدوا أنفسهم لتمثل هذه الآيات الكريمات في سلوكهم ، كما كان الصحابة الأخيار يصنعون .
يقول القرآن : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلـــــــكم تشكرون ... ) الآية 185 من سورة البقـــــرة .

دمتم في حفظ الله ورعايتــــه ، ورمضان كريـــــــــــــــــــــــــــــم ...