الحب الأول .. بقلم فوزيـــــة سلامة .

الحب الأول بقلم فوزية سلامة
بقلم : فوزية سلامة

الحب . الحب. الحب.

مهما طال بي الزمن وانزلقت السنون تحت سفح العمر لا تفارقني ذكري نسائم ليل الصبا تهفو الي معطرة بعطر الحلم فانظر الي سماء القاهرة مرصعة بآلاف النجوم . وسط
الصمت تلتقط اذني همهمة بعيدة آتية من دار السينما الصيفية القريبة من بيتنا اثناء عرض احد افلام الابيض والاسود, ثم يصلني صوت عبد الوهاب عبر شرفة قريبة فتحت قلبها لرقة الليل الساكن . تأسرني عبقرية اللحظة و تحملني كلمات الاغنية الي فضاء الامل: حبيبي ياللي خيالي فيك.. ياللي حياتي حتكمل بيك. مين انت؟ معرفشي.. فين انت؟ معرفشي. معرفش امتي وفين حلاقيك . حبيبي. حبيبي.

تجربة عمرها قرابة 50 عاما وقصة اكتملت فصولها او كادت. ويكفي ان يعرف القارئ انني وجدت ما كنت ابحث عنه بعد بحث طويل طويل.

يخدعك من يقول انه لا يحتفظ في دهاليز الذكري بقصة حب اول. فالحب الاول ابتهال ورجاء وسمو في مرحلة يدير فيها المرء ظهره لالعاب الطفولة ويخطو نحو عالم مليئ بالاسرار والاخطار يختلط فيه المعقول واللامعقول ... الخيال جامح والواقع مفترس والناجي من الصراع بينهما محظوظ

في صباي كنت ادهش من جدتي التي كانت اذا سمعت قصص المحبين رفعت يديها الي السماء وقالت: الحب؟ ربنا يكفينا شره.

فهل الحب حقا شر مستطير نستعيذ بالله منه؟ ان لم يكن شرا فلماذا خلد تاريخ الادب قصص الحب ذات النهايات المأساوية؟ هل هناك اشهر من روميو وجولييت؟ ولماذا آثر شكسبير ان يموت الحبيان منتحرين بعد ان استحال الوصال نتيجة لصراع اسرة منتجيو واسرة كابيوليت؟

ولماذا فضل والد ليلي العامرية ان يدفع بابن اخيه قيس الي الموت والجنون حين زوج ليلي بآخر . كان قيس الذي عاش في فترة حكم مروان ابن الحكم نشأ مع ليلي في الطفولة الي ان حجبت عنه في الصبا فطلبها للزواج ورفض الطلب فهام علي وجهه ينشد الشعر ويأنس بالوحوش الي ان وجد ميتا بين الاحجار.

في العصر الحديث خلد جابرييل جارسيا ماركيز الكاتب الكولومبي الحائز علي جائزة نوبل للادب ملامح الحب الاول في روايته الحب في زمن الكوليرا. وهي رواية تروي قصة حزينة في زمن حزين. بطلاها فلورينتينو وفيرمينا, مراهقان اغرتهما حلاوة الحب فتبادلا الرسائل الي ان ضبطت فيرمينا متلبسة بكتابة رسالة الي الحبيب فطردت من المدرسة. وقرر ابوها التاجر ان يأخذها بعيدا علي امل ان تتزوج من ه
إعلان
و اكثر ثراء ورقيا من فلورينتينو. غير ان فيرمينا تظل علي اتصال بحبيبها سرا ولمدة ثلاث سنوات. ثم يوصل لنا الاديب المفارقة المأساوية حين تتجاوز فيرمينا جموح المراهقة وتري حبيبها عن بعد في السوق فتدرك انها لا تعرفه حقا وانما احبت وهما محوره حبيب لا ملامح محددة له. فتقرر ان تنهي العلاقة .

ثم تتزوج طبيبا ثريا وتعيش معه 52 عاما حتي وفاته. أما فلورينتيو فيظل وفيا لذكري الحب الاول. وتتحول مشاعره الي هاجس وقوة دافعة تحرك سلوكه سرا وتحدد طبيعة علاقاته مع النساء. ثم يسمع بوفاة زوج فيرمينا فيتحرك الامل ويبدأ سعيا حثيثا للتقرب منها بعد ان تجاوز كلاهما السبعين. وكان العالم تغير والكوليرا تفتك بالناس وابنة فيرمينا التي تجاوزت منتصف العمر تعتبر فكرة الحب بعد السبعين قذارة ما بعدها قذارة.وهنا تحتدم المعركة بين الخيال الجامح والواقع المفترس. لتنتهي الرواية نهاية فيها الم وسخرية واعتراف بانهزام خيال المحبين.

في جعبتي عشرات النماذج من حكايات الحب والمحبين. وأولها رواية احسان عبد القدوس : الوسادة الخالية التي تحولت الي فيلم قام ببطولته عبد الحليم حافظ و لبني عبد العزيز وكم غني ابناء جيلي مع عبد الحليم : اسمر يا اسمراني مين قساك علي.. الوسادة الخالية لا تنتهي. مأساويا ولكن المأساة في رأيي هي الحكم الذي اصدره الراحل احسان عبد القدوس في الجملة التي وضعها في صدارة كتابه: في حياة كل منا وهم لذيذ اسمه الحب الاول.

كلما قرأت الجملة اتنهد واقول رحمك الله يا استاذ احسان . ليه كدة بس؟

عزيزي القارئ وعزيزتي القارئة. اتمني ان تشاركني بقصة قرأتها او سمعت بها من قصص الحب .


فوزية سلامة