مـــــــــــــــــــــواعظ
من فضل الله على عباده تتابع مواسم الخيرات ومضاعفة الحسنات فالمؤمن يتقلب في ساعات عمره بين أنواع العبادات والقربات فلا يمضي من عمره ساعة إلا ولله فيها وظيفة من وظائف الطاعات وما أن يفرغ من عبادة إلا ويشرع في عبادة أخرى ولم يجعل الله حدا لطاعة العبد إلا انتهاء عمره وانقضاء أجله.
وبعد ان اتم الله لنا نعمة اكمال شهر الصيام والقيام ورتب عليه عظيم الأجر والثواب صيام ست أيام من شوال التي ثبت في فضائلها العديد من الأحاديث منها ما رواه الإمام مسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال : ( من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر
المواضيع الأخيرة
بطاقات اسلامية
أدعية رمضانــــــــــية
القصّة القصيرة "جدّاً" إشكالية في النصّ، أم جدليّة حول المصطلح.!
صفحة 1 من اصل 1
القصّة القصيرة "جدّاً" إشكالية في النصّ، أم جدليّة حول المصطلح.!
القصّة القصيرة "جدّاً"
إشكالية في النصّ، أم جدليّة حول المصطلح.!
عدنان كنفاني
قلّة من النقّاد ليست في بلادنا والحمد لله بل في البلدان المتقدّمة يحاولون وضع قيود أكثر صرامة على نتاجاتهم الأدبية، وخاصة في مجالات القصة والرواية، وذلك بوضع جدول عددي دقيق يحدّد عدد كلمات القصّة القصيرة، أن لا تزيد عن كذا كلمة، ولا تقلّ عن كذا كلمة على سبيل المثال..
كذلك الأمر بالنسبة للرواية، ونحن نعلم أن هناك رواية قصيرة، ورواية طويلة، وقصة قصيرة، وقصّة طويلة، ناهيك عن الدراسات والأبحاث والمقالات والزوايا ..الخ.. ولست أدري كيف يمكن ضبط هذا الأمر، وإخضاع الإبداع إلى سلطّة حسابيّة جافّة..
وقد يكون مثل هذا الأمر لا يعنينا في الوقت الحاضر "على الأقل..!" ولو أنه من وجهة نظري أمر يستحق الدراسة، ويستطيع أن يحسم بالمحصّلة كثيراً من الجدليات التي تأخذ من كتّابنا ونقّادنا ومفكّرينا الوقت الكثير دون طائل، ودون انتصار حاسم لأحد على أحد..
وقد أجد لنفسي عذراً وأنا أستعمل كلمة انتصار.. تلك الكلمة الجميلة الحادّة التي تجد موقعها الصحيح في انتصار حق على باطل أياً كان ذلك الباطل، وليس في انتصار فكرة على فكرة، أسوقها، وأزجّها في بوتقة نقاش أدبيّ محض يجب أن يتمتّع بالحيادية والموضوعية والديمقراطية، الشيء الذي كدنا نفقده في أقل نقاشاتنا أهميّة..
قالت الحكماء قديماً "لا تدلي دلوك أول السيل" وهي نصيحة غالية، فأول السيل لا يحمل إلا الغث والملوّث. وهذا ينطبق على الأفكار أيضاً، ونحن نذكر يوم بدأت معركة القصة القصيرة جداً، في ملتقاها الأول الذي أقيم في دمشق (المركز الثقافي الروسي وفي المركز الثقافي العربي في العدوي) في العام 2000 وفي الأعوام التالية بين مؤيد متحمّس، وبين معارض غيور..
التقط الأول بعض النصوص الجيدة وعمل عليها، بينما التقط الثاني أكثر النصوص إسفافاً وعمل عليها، وهذا ليس إنصافاً على ما أعتقد، ففي كل عمل فنيّ هناك غث وهناك سمين.. الغث يمضي بلا أسف، والسمين يبقى..
ونذكر كيف طفحت "وما زالت" الصحف والمجلاّت بمقالات ناريّة من هؤلاء ومن هؤلاء، كانت تزخر بالانفعالية، وضحالة أدوات الإقناع، وفقدان الحجّة الدامغة..الخ رغم أن الأمر برمّته لا يحتاج إلى هذا الكم من المهاترات العقيمة..
ولا بد لنا أن نعترف أن النصوص التي قدّمت في الملتقيات السنويّة المتلاحقة، وفي بعض المجموعات التي صدرت كان فيها الجيد القليل، والهابط الكثير.. وهذا ما أعزوه إلى استسهال الكتّاب أنفسهم للأمر.. إمّا لملاحقة الركب، أو لأسباب أخرى لا أريد التعرّض لذكرها..
لنتفق أولاً أن مصطلح القصة القصيرة جداً وما يندرج تحت هذا العنوان لا يعني أن "من طرحوه" يبتدعون لوناً أو منهجاً أو جنساًً أدبياً جديداً. ولو عدنا إلى كثير من النصوص القديمة بدءاً مما جاء في (القرآن الكريم)، وكتب السلف، ومواقف الظرفاء، والشعراء، وأصحاب الحاجات في بلاطات الأمراء، وما تمخّض عنها من حكايات لم تكن تتجاوز الجمل القليلة، ولعل كتاب "المستطرف في كل فن مستظرف" لمؤلّفه الأبشيهي خير مثال.. وكذلك بعض النصوص التي جاءت في كتب الخلف وأكثرهم من الكتّاب الكبار محلياً وعالمياً، لوجدنا عشرات من النصوص أمثلة تصلح لتكون قصص قصيرة جداً، سمعناها أو قرأناها، وقبلناها، لأنها ببساطة حملت إلينا متعة القصّة مستوفية الشروط الفنيّة، ووصلتنا سهلة من ذلك المسرب دون أن يفرضها علينا أحد تحت عنوان "قصّة قصيرة جدّاً" وكأنه مصطلح يوحي بابتداع جنس أدبيّ جديد..
ولعل الكلمة الوحيدة المبتدعة، والتي أثارت جدلاً بدأ ولم ينته هي كلمة "جداً"، ولست أدري إن كان هذا الابتداع أقحم عن قصد، أو أنه جاء زيادة في التوضيح..
القصة القصيرة ليست محدّدة، حتى الآن على الأقل، ولا يستطيع أحد أن يفرض عدا التكثيف "طولها أو قصرها" بأطر صارمة تخضع لمزاجيته ما دام المبدع "كاتبها" يستطيع أن يستوفي شروطها، ويستطيع أن يوصلها إليّ بحيث أفهم منها "حكائيّة" حدثاً درامياً يمثّله بطل يتحرك في ساحة مكان يأتي من الذاكرة أو من المحسوس الماديّ، ويلتقط رموز الزمان، ويستطيع أن يصل إلى نهاية تقنعني مغلقة كانت أو مفتوحة. عندها لا أستطيع إلا أن أقول أنني استمعت أو قرأت قصّة، وصلتني تماماً، وحملت شروطها الفنيّة دون الالتفات إلى طولها أو قصرها، كما أقول عن أية قصة قصيرة..
وفي سبيل الوصول إلى ذلك لا بد أن نقرر أن الصعوبة تكون مضاعفة، فالكاتب المبدع عليه أن يحمّل نصّه كل تلك الشروط.. "الفكرة، والحدث من خلال التقاط لحظة الومضة، والشخوص، والمكان، والزمان، والعقدة الدرامية، تصاعدها للوصول بها إلى الحلّ.. ويقدح شرارة المفاجأة والإبهار والدهشة في مخيّلة المتلقّي، إضافة إلى الجمل الوصفية، والكلمات الرشيقة، واختيار المواضيع التي تهمّ المتلقّي…الخ ما هنالك من شروط إضافية محبِبة ومشوِّقة" كل ذلك في جمل قليلة، ومضغوطة لا تسمح باستئصال كلمة واحدة، وإلا تفكك النص..
هي قصّة قصيرة إذاً، تنطبق على فنيّتها ذات الشروط التي تنطبق على أيّ قصة قصيرة عاديّة أخرى، وما جاءت كلمة "جدّاً" إلا زيادة في التعريف، وهذا ليس أمراً جديداً مبتدعاً، وليست ولادة لمسخ يدخل على الأدب، كما أنه ليس نتاج عولمة، ولا خصخصة، ولا مستورد من أسواق الجات أو غيرها، كما جنح البعض في الاتهام..
أحد الصحفيين خطر له أن يختصر من باب التوفير، أو من باب السخرية فكتب ق ق ج راقت الفكرة لغيرة، فاعتُمدت.. وما أن كُتبت هذه الحروف في الصحف حتى قامت الدنيا أيضاً ولم تقعد.. أحدهم قال إنها إحدى فروع الـ السي آي إيه.. معقول هذا الكلام..؟
وعلى هذا الترتيب "المبتدع" وجب علينا البدء في جدولة كافة المسميات المعروفة من اللغة العربية إلى مختصرات ورموز قوامها حروف نختصر فيها وقتنا الثمين، تماشياً مع روح العصر، وسرعته، ثم نرفض قبول مجرد فكرة القصة القصيرة جداً..
الأمر الثاني الذي يوجب الوقوف عنده هو كما في كل الحالات، الخط البياني، مؤشّر مستوى الصعود والهبوط، أو مستوى الإبداع أو التهافت..
ولا بد أن نعترف أن أمر القصة القصيرة جداً لا يمكن أن يأتي عن طريق جملة واحدة، وقد يحتاج أحياناً إلى صفحة كاملة ولا تفقد القصّة فخر الانتماء إلى فصيل القصة القصيرة جداً أمّا أن نقول "تسلق رجل شجرة، وقع عنها، ومات" وندّعي أنها قصّة قصيرة جدّاً.. هذا ما أسمّيه هراءً، وهذا تماماً ما وقع فيه الكثيرون.. الاستسهال، وهي مصيبة.. شرع كل من هبّ ودبّ قلمه، وغاص في اللجّة، منهم من خرج بنكتة، ومنهم من خرج بحكمة، ومنهم من خرج بطرح شعار، ومنهم من وجد فرصة لكيل سباب، ومنهم من وجد ساحة لألفاظ نابية ومؤذيّة.. ومنهم من وقع سواء عن حسن أو سوء نيّة في فخّ العبثية أو الجنس، أو التجديف.. فهل نسمّي هذا السيل المتهافت أدباً.؟
وهل نستطيع أن نحمّل فن القصة القصيرة تبعات هذا التهريج.؟ ثم نعلن عليها حرباً شرسةً ضروساً..
لقد مررنا بتجربة مماثلة في التقلّبات المفاجئة التي عاشها الشعر العربي، وانتقاله إلى فنون أخرى كانت في البدايات جرائم لا تغتفر لمن يمارسها، وقد وصل الأمر أحياناً إلى اتّهام مرتكبيها بالتجديف، أو في اختراق الحجب، ونحن نعرف ما للشعر من قدسية عند العرب، ولنا أن نتصّور ما كان يمكن أن يفعله المتنبّي أو زهير بن أبي سلمى أو الفرزدق طيّب الله ذكرهم وهم يسمعون قصائدنا الحديثة، السيئ منها على وجه التحديد..
لكن القصيدة الحديثة الجميلة أقنعت المتلقّي ووصلت، ثم صمدت، وتطوّرت حتى صارت أمراً واقعاً لا يمكن الفكاك منه، حتى أن أكثر الشعراء عدائية للقصيدة الحديثة، كتبوها بعد حين، وطربوا لها.. وفي المقابل لنا أن نعترف أن هذا المستجدّ الحديث أُثقل منذ البدايات وما زال بكمّ غزير من القصائد السخيفة، والهابطة.. لم تصل إلى المتلقّي فسقطت وسقط كاتبها، وليس من الإنصاف أن نعزو ذلك إلى عدم جدارة الشعر الحديث بأكمله، لأن القصيدة الحديثة الجميلة لم تفقد جماليتها، بل تألّقت أكثر ووصلت إلى المتلقّي، وصار يطلبها ويطرب لها..
ولا يخفى أننا نعيش الآن فصول مرحلة شعرية جديدة متمثّلة بالقصيدة النثرية.؟ نعم ولا عجب.. القصيدة النثرية.. قد تبدو مفارقة مدهشة تجمع بين قصيدة ونثر، وقد تعلمّنا أن القصيدة شيء، والنثر شيء آخر، لكنّه أمر وإن كان عجيباً اليوم قد يكون إبداعاً في الغد.! من يدري.؟
ولا يغيب عنّا ويجب أن لا يغيب أن روح العصر، ورتمه المتسارع يفرض علينا استنباط بدائل، ولست أتصّور أن أحداً غير معني بالأمر تماماً قادر على الصمود في قراءة رواية من خمسمائة صفحة مثلاً، بينما أمامه وسائل أخرى مسموعة ومرئية ومحشوّة بإغراءات لا تقاوم، فهل يستبدلها بمحض إرادته في قراءة متعبة تبعث في نفسه الملل، والشعور بالخواء.؟
ومن هنا علينا أن نعمل بجهد لا يعرف الكلل، وأن نلحق ذلك التسارع، ونخلق البدائل والوسائل المختلفة، وأن لا نقف متفرجين نتصارع فيما بيننا على أمور غير مجدية، بينما العالم يركض أمامنا ويمدّ لنا لسانه.. بذلك فقط نستطيع أن نحرّض الناس على القراءة، ونحافظ من ذلك الخلال على الذوق العام، ونرتقي به إلى الكمال المنشود، دون تعصّب، ودون إسفاف..
نخلص إلى نتيجة مبدئية بأن القصة القصيرة جداً ليست إشكالية، وليست ولادة لجنس أدبيّ جديد، وأنها تبقى بالمفهوم العام قصة قصيرة تحت مسمى "جداً" للتعريف ليس أكثر، وأنها يمكن أن تصل بجدارة إذا استوفت شروطها الفنيّة إلى المتلقّي الذي نتفق جميعاً أنه الهدف والغاية، وأنه الحكم الأول والأخير، وأننا بفعل التواصل الأدبي معه يمكن أن نرتقي به إلى تقبّل القراءة، ومواكبة روح العصر، وتحقيق الكمال الذي ننشده جميعاً، سواءً بتكريس القيم النبيلة التي نؤمن بها، وفي تحريض الذاكرة الوطنية والقومية، وفي تأريخ مراحل نضالنا على كل المستويات وفي كل المرافق..
جاء ذلك عن طريق الرواية أو الشعر أو القصة القصيرة أو الطويلة فأهلاً به وسهلاً..
وعلينا إنصافاً للحقيقة أن ندرس بموضوعية أكثر وحيادية أكثر تلك النصوص الإبداعية الجادّة والملتزمة، نستخلصها من وسط هذا الكم الغزير من الإنتاج الهابط، ونقيّم التجربة "إذا صحّت التسمية" على ذلك الأساس..
ونقول بصراحة أكثر أن ليس هناك في القصّة القصيرة جدّاً إشكالية في النصّ، ولكنها جدلية يجب أن ننتهي من الخوض فيها حول المصطلح..
وأن نكون على ثقة بأن الغث سيفسح الطريق أمام السمين، كما في كل عمل أدبي أو فني..
وأقول للزملاء النقّاد الذين أحترمهم كثيراً.. رفقاً.!
إشكالية في النصّ، أم جدليّة حول المصطلح.!
عدنان كنفاني
قلّة من النقّاد ليست في بلادنا والحمد لله بل في البلدان المتقدّمة يحاولون وضع قيود أكثر صرامة على نتاجاتهم الأدبية، وخاصة في مجالات القصة والرواية، وذلك بوضع جدول عددي دقيق يحدّد عدد كلمات القصّة القصيرة، أن لا تزيد عن كذا كلمة، ولا تقلّ عن كذا كلمة على سبيل المثال..
كذلك الأمر بالنسبة للرواية، ونحن نعلم أن هناك رواية قصيرة، ورواية طويلة، وقصة قصيرة، وقصّة طويلة، ناهيك عن الدراسات والأبحاث والمقالات والزوايا ..الخ.. ولست أدري كيف يمكن ضبط هذا الأمر، وإخضاع الإبداع إلى سلطّة حسابيّة جافّة..
وقد يكون مثل هذا الأمر لا يعنينا في الوقت الحاضر "على الأقل..!" ولو أنه من وجهة نظري أمر يستحق الدراسة، ويستطيع أن يحسم بالمحصّلة كثيراً من الجدليات التي تأخذ من كتّابنا ونقّادنا ومفكّرينا الوقت الكثير دون طائل، ودون انتصار حاسم لأحد على أحد..
وقد أجد لنفسي عذراً وأنا أستعمل كلمة انتصار.. تلك الكلمة الجميلة الحادّة التي تجد موقعها الصحيح في انتصار حق على باطل أياً كان ذلك الباطل، وليس في انتصار فكرة على فكرة، أسوقها، وأزجّها في بوتقة نقاش أدبيّ محض يجب أن يتمتّع بالحيادية والموضوعية والديمقراطية، الشيء الذي كدنا نفقده في أقل نقاشاتنا أهميّة..
قالت الحكماء قديماً "لا تدلي دلوك أول السيل" وهي نصيحة غالية، فأول السيل لا يحمل إلا الغث والملوّث. وهذا ينطبق على الأفكار أيضاً، ونحن نذكر يوم بدأت معركة القصة القصيرة جداً، في ملتقاها الأول الذي أقيم في دمشق (المركز الثقافي الروسي وفي المركز الثقافي العربي في العدوي) في العام 2000 وفي الأعوام التالية بين مؤيد متحمّس، وبين معارض غيور..
التقط الأول بعض النصوص الجيدة وعمل عليها، بينما التقط الثاني أكثر النصوص إسفافاً وعمل عليها، وهذا ليس إنصافاً على ما أعتقد، ففي كل عمل فنيّ هناك غث وهناك سمين.. الغث يمضي بلا أسف، والسمين يبقى..
ونذكر كيف طفحت "وما زالت" الصحف والمجلاّت بمقالات ناريّة من هؤلاء ومن هؤلاء، كانت تزخر بالانفعالية، وضحالة أدوات الإقناع، وفقدان الحجّة الدامغة..الخ رغم أن الأمر برمّته لا يحتاج إلى هذا الكم من المهاترات العقيمة..
ولا بد لنا أن نعترف أن النصوص التي قدّمت في الملتقيات السنويّة المتلاحقة، وفي بعض المجموعات التي صدرت كان فيها الجيد القليل، والهابط الكثير.. وهذا ما أعزوه إلى استسهال الكتّاب أنفسهم للأمر.. إمّا لملاحقة الركب، أو لأسباب أخرى لا أريد التعرّض لذكرها..
لنتفق أولاً أن مصطلح القصة القصيرة جداً وما يندرج تحت هذا العنوان لا يعني أن "من طرحوه" يبتدعون لوناً أو منهجاً أو جنساًً أدبياً جديداً. ولو عدنا إلى كثير من النصوص القديمة بدءاً مما جاء في (القرآن الكريم)، وكتب السلف، ومواقف الظرفاء، والشعراء، وأصحاب الحاجات في بلاطات الأمراء، وما تمخّض عنها من حكايات لم تكن تتجاوز الجمل القليلة، ولعل كتاب "المستطرف في كل فن مستظرف" لمؤلّفه الأبشيهي خير مثال.. وكذلك بعض النصوص التي جاءت في كتب الخلف وأكثرهم من الكتّاب الكبار محلياً وعالمياً، لوجدنا عشرات من النصوص أمثلة تصلح لتكون قصص قصيرة جداً، سمعناها أو قرأناها، وقبلناها، لأنها ببساطة حملت إلينا متعة القصّة مستوفية الشروط الفنيّة، ووصلتنا سهلة من ذلك المسرب دون أن يفرضها علينا أحد تحت عنوان "قصّة قصيرة جدّاً" وكأنه مصطلح يوحي بابتداع جنس أدبيّ جديد..
ولعل الكلمة الوحيدة المبتدعة، والتي أثارت جدلاً بدأ ولم ينته هي كلمة "جداً"، ولست أدري إن كان هذا الابتداع أقحم عن قصد، أو أنه جاء زيادة في التوضيح..
القصة القصيرة ليست محدّدة، حتى الآن على الأقل، ولا يستطيع أحد أن يفرض عدا التكثيف "طولها أو قصرها" بأطر صارمة تخضع لمزاجيته ما دام المبدع "كاتبها" يستطيع أن يستوفي شروطها، ويستطيع أن يوصلها إليّ بحيث أفهم منها "حكائيّة" حدثاً درامياً يمثّله بطل يتحرك في ساحة مكان يأتي من الذاكرة أو من المحسوس الماديّ، ويلتقط رموز الزمان، ويستطيع أن يصل إلى نهاية تقنعني مغلقة كانت أو مفتوحة. عندها لا أستطيع إلا أن أقول أنني استمعت أو قرأت قصّة، وصلتني تماماً، وحملت شروطها الفنيّة دون الالتفات إلى طولها أو قصرها، كما أقول عن أية قصة قصيرة..
وفي سبيل الوصول إلى ذلك لا بد أن نقرر أن الصعوبة تكون مضاعفة، فالكاتب المبدع عليه أن يحمّل نصّه كل تلك الشروط.. "الفكرة، والحدث من خلال التقاط لحظة الومضة، والشخوص، والمكان، والزمان، والعقدة الدرامية، تصاعدها للوصول بها إلى الحلّ.. ويقدح شرارة المفاجأة والإبهار والدهشة في مخيّلة المتلقّي، إضافة إلى الجمل الوصفية، والكلمات الرشيقة، واختيار المواضيع التي تهمّ المتلقّي…الخ ما هنالك من شروط إضافية محبِبة ومشوِّقة" كل ذلك في جمل قليلة، ومضغوطة لا تسمح باستئصال كلمة واحدة، وإلا تفكك النص..
هي قصّة قصيرة إذاً، تنطبق على فنيّتها ذات الشروط التي تنطبق على أيّ قصة قصيرة عاديّة أخرى، وما جاءت كلمة "جدّاً" إلا زيادة في التعريف، وهذا ليس أمراً جديداً مبتدعاً، وليست ولادة لمسخ يدخل على الأدب، كما أنه ليس نتاج عولمة، ولا خصخصة، ولا مستورد من أسواق الجات أو غيرها، كما جنح البعض في الاتهام..
أحد الصحفيين خطر له أن يختصر من باب التوفير، أو من باب السخرية فكتب ق ق ج راقت الفكرة لغيرة، فاعتُمدت.. وما أن كُتبت هذه الحروف في الصحف حتى قامت الدنيا أيضاً ولم تقعد.. أحدهم قال إنها إحدى فروع الـ السي آي إيه.. معقول هذا الكلام..؟
وعلى هذا الترتيب "المبتدع" وجب علينا البدء في جدولة كافة المسميات المعروفة من اللغة العربية إلى مختصرات ورموز قوامها حروف نختصر فيها وقتنا الثمين، تماشياً مع روح العصر، وسرعته، ثم نرفض قبول مجرد فكرة القصة القصيرة جداً..
الأمر الثاني الذي يوجب الوقوف عنده هو كما في كل الحالات، الخط البياني، مؤشّر مستوى الصعود والهبوط، أو مستوى الإبداع أو التهافت..
ولا بد أن نعترف أن أمر القصة القصيرة جداً لا يمكن أن يأتي عن طريق جملة واحدة، وقد يحتاج أحياناً إلى صفحة كاملة ولا تفقد القصّة فخر الانتماء إلى فصيل القصة القصيرة جداً أمّا أن نقول "تسلق رجل شجرة، وقع عنها، ومات" وندّعي أنها قصّة قصيرة جدّاً.. هذا ما أسمّيه هراءً، وهذا تماماً ما وقع فيه الكثيرون.. الاستسهال، وهي مصيبة.. شرع كل من هبّ ودبّ قلمه، وغاص في اللجّة، منهم من خرج بنكتة، ومنهم من خرج بحكمة، ومنهم من خرج بطرح شعار، ومنهم من وجد فرصة لكيل سباب، ومنهم من وجد ساحة لألفاظ نابية ومؤذيّة.. ومنهم من وقع سواء عن حسن أو سوء نيّة في فخّ العبثية أو الجنس، أو التجديف.. فهل نسمّي هذا السيل المتهافت أدباً.؟
وهل نستطيع أن نحمّل فن القصة القصيرة تبعات هذا التهريج.؟ ثم نعلن عليها حرباً شرسةً ضروساً..
لقد مررنا بتجربة مماثلة في التقلّبات المفاجئة التي عاشها الشعر العربي، وانتقاله إلى فنون أخرى كانت في البدايات جرائم لا تغتفر لمن يمارسها، وقد وصل الأمر أحياناً إلى اتّهام مرتكبيها بالتجديف، أو في اختراق الحجب، ونحن نعرف ما للشعر من قدسية عند العرب، ولنا أن نتصّور ما كان يمكن أن يفعله المتنبّي أو زهير بن أبي سلمى أو الفرزدق طيّب الله ذكرهم وهم يسمعون قصائدنا الحديثة، السيئ منها على وجه التحديد..
لكن القصيدة الحديثة الجميلة أقنعت المتلقّي ووصلت، ثم صمدت، وتطوّرت حتى صارت أمراً واقعاً لا يمكن الفكاك منه، حتى أن أكثر الشعراء عدائية للقصيدة الحديثة، كتبوها بعد حين، وطربوا لها.. وفي المقابل لنا أن نعترف أن هذا المستجدّ الحديث أُثقل منذ البدايات وما زال بكمّ غزير من القصائد السخيفة، والهابطة.. لم تصل إلى المتلقّي فسقطت وسقط كاتبها، وليس من الإنصاف أن نعزو ذلك إلى عدم جدارة الشعر الحديث بأكمله، لأن القصيدة الحديثة الجميلة لم تفقد جماليتها، بل تألّقت أكثر ووصلت إلى المتلقّي، وصار يطلبها ويطرب لها..
ولا يخفى أننا نعيش الآن فصول مرحلة شعرية جديدة متمثّلة بالقصيدة النثرية.؟ نعم ولا عجب.. القصيدة النثرية.. قد تبدو مفارقة مدهشة تجمع بين قصيدة ونثر، وقد تعلمّنا أن القصيدة شيء، والنثر شيء آخر، لكنّه أمر وإن كان عجيباً اليوم قد يكون إبداعاً في الغد.! من يدري.؟
ولا يغيب عنّا ويجب أن لا يغيب أن روح العصر، ورتمه المتسارع يفرض علينا استنباط بدائل، ولست أتصّور أن أحداً غير معني بالأمر تماماً قادر على الصمود في قراءة رواية من خمسمائة صفحة مثلاً، بينما أمامه وسائل أخرى مسموعة ومرئية ومحشوّة بإغراءات لا تقاوم، فهل يستبدلها بمحض إرادته في قراءة متعبة تبعث في نفسه الملل، والشعور بالخواء.؟
ومن هنا علينا أن نعمل بجهد لا يعرف الكلل، وأن نلحق ذلك التسارع، ونخلق البدائل والوسائل المختلفة، وأن لا نقف متفرجين نتصارع فيما بيننا على أمور غير مجدية، بينما العالم يركض أمامنا ويمدّ لنا لسانه.. بذلك فقط نستطيع أن نحرّض الناس على القراءة، ونحافظ من ذلك الخلال على الذوق العام، ونرتقي به إلى الكمال المنشود، دون تعصّب، ودون إسفاف..
نخلص إلى نتيجة مبدئية بأن القصة القصيرة جداً ليست إشكالية، وليست ولادة لجنس أدبيّ جديد، وأنها تبقى بالمفهوم العام قصة قصيرة تحت مسمى "جداً" للتعريف ليس أكثر، وأنها يمكن أن تصل بجدارة إذا استوفت شروطها الفنيّة إلى المتلقّي الذي نتفق جميعاً أنه الهدف والغاية، وأنه الحكم الأول والأخير، وأننا بفعل التواصل الأدبي معه يمكن أن نرتقي به إلى تقبّل القراءة، ومواكبة روح العصر، وتحقيق الكمال الذي ننشده جميعاً، سواءً بتكريس القيم النبيلة التي نؤمن بها، وفي تحريض الذاكرة الوطنية والقومية، وفي تأريخ مراحل نضالنا على كل المستويات وفي كل المرافق..
جاء ذلك عن طريق الرواية أو الشعر أو القصة القصيرة أو الطويلة فأهلاً به وسهلاً..
وعلينا إنصافاً للحقيقة أن ندرس بموضوعية أكثر وحيادية أكثر تلك النصوص الإبداعية الجادّة والملتزمة، نستخلصها من وسط هذا الكم الغزير من الإنتاج الهابط، ونقيّم التجربة "إذا صحّت التسمية" على ذلك الأساس..
ونقول بصراحة أكثر أن ليس هناك في القصّة القصيرة جدّاً إشكالية في النصّ، ولكنها جدلية يجب أن ننتهي من الخوض فيها حول المصطلح..
وأن نكون على ثقة بأن الغث سيفسح الطريق أمام السمين، كما في كل عمل أدبي أو فني..
وأقول للزملاء النقّاد الذين أحترمهم كثيراً.. رفقاً.!
محمد بن زعبار- عضو مبدع
- عدد الرسائل : 1062
نقاط : 2133
تاريخ التسجيل : 02/11/2008
مواضيع مماثلة
» التجريب في القصة القصيرة جداً ( مقاربــــــة نصية ) . سعـــد العنابي .
» كيف تكتب القصة القصيرة؟
» عروض الرسائل القصيرة sms
» قواعد كتابة القصة القصيرة
» كيف تكتب القصة القصيرة؟
» عروض الرسائل القصيرة sms
» قواعد كتابة القصة القصيرة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة أبريل 12, 2024 4:10 pm من طرف سعداوي ربيع
» المتألقه ياسمين ابراهيم
الثلاثاء أكتوبر 10, 2023 8:54 pm من طرف سعداوي ربيع
» إستمتع بخدمة ultimate game pass لجهاز الإكسبوكس و الحاسوب
الخميس نوفمبر 24, 2022 10:35 pm من طرف lmandoo
» ربيع المؤمـــــــــــــــــــن
الثلاثاء نوفمبر 08, 2022 8:11 am من طرف سعداوي ربيع
» مشروع واحة الشاطيء شقق للبيع في مدينة دبي للاستديوهات
الخميس نوفمبر 03, 2022 9:21 pm من طرف lmandoo
» شركة حلول ميج للاستشارات وتطوير الأعمال
الثلاثاء أكتوبر 18, 2022 11:26 am من طرف lmandoo
» نانا اليوم اقوى الخصومات على كل المنتجات
الأربعاء أكتوبر 12, 2022 11:28 pm من طرف lmandoo
» مرام مالك فنانة غنائية سعودية
الإثنين سبتمبر 05, 2022 5:12 am من طرف lmandoo
» موقع تعليمي سعودي لتغطية كافة المناهج
الخميس أغسطس 25, 2022 11:44 pm من طرف lmandoo
» يونيريم للرعاية المنزلية UNIREM Home Care
الأربعاء أغسطس 17, 2022 3:49 am من طرف lmandoo
» ايه افضل بيوتى صالون فى حدئق الاهرام واكتوبر وزايد
السبت أغسطس 13, 2022 3:57 am من طرف lmandoo
» اشطر جراح عام دكتور عبد الوهاب رأفت
السبت أغسطس 13, 2022 2:21 am من طرف lmandoo
» اشطر جراح عام دكتور عبد الوهاب رأفت
الثلاثاء أغسطس 09, 2022 1:47 am من طرف lmandoo
» ايه افضل بيوتى صالون فى حدئق الاهرام واكتوبر وزايد
الثلاثاء أغسطس 09, 2022 1:37 am من طرف lmandoo
» مصممة الازياء رنا سمعان من نينوى العراق إلى العالمية
الإثنين أغسطس 08, 2022 3:45 am من طرف lmandoo