من وحي الطفولــــــــة ( أول أيام صومي ) .

من وحي الطفولــــــــة ( أول أيام صومي ) .

ـ أذكر وأنا الصغير اليافع لم اتعدى بعــــــد العاشرة .. سجلت انضمامي إلى جمهـــــــــرة الصائمين ..
أردت أن أختبر عطش من يعانون العطش في صيف قائض شديد الحر .. هو في مثل هذه الأيام من شهـــــر أوت ..
ولكني أذكر أن تلك الأيام كانت حارة جدا .. وكان اليوم فيها طويل جدا .. كان اليوم يمتد لأزيد من سبعــــــة عشـــــر ساعة .. فموعد الافطار حينها يصل إلى الثامنة مساء وبضع الدقائق .. وموعد الامساك الثالثة صباحا أو أقل بقليل .. أذكر وانا الصغير أن الكبار من الصائمين يجتمعون قبيل موعد الافطار أو بالأحرى الأذان أمام المسجد القديم في مدينتي ينتظرون بلهف شديد موعد الاذان وأكواب الماء لاتبارح أيديهم .. ما إن يشتعــــــــل مصباح المسجد القديم ، ليعلم الصائمين بموعد الافطار .. حتى يتسارع خلق الله المنهكين من العطش الشديد .. فيفرغـــــون ما حوت أيديهم من كؤوس وأكواب للماء ليملأوا بها بطونهم الظمئة .. ولربما أفرغــــــوا أكوابا أخرى على رؤوسهم .. ولكنها لحظات منعشــــات طيبات ..
أذكر أني لاقيت عنتا شديدا وعطشا كبيرا في أول يوم صمت فيه . وأذكر أني ظللت أرقب موعد الافطار .. وكنت اعد دقائق اليوم وأحسب ساعاته .. الساعة تلو الساعــــة .. وشق علي ، أن اليوم طويل جــــــــدا .. ولربما شعرت ببعض الفرج والراحـــــــة بعد أذان العصر .. لأن الشمس حينها قد دلفت نحو المغيب والأفول ، لأن الساعات الطويلة بدأت تضمحل وتصير ساعتين أو ثلاث ... ما إن حل موعد الافطار حتى غمطني الأهل ببركاتهم وجاءوني بما لذ وطاب من طعام ذلك اليوم .. وكنت المكــــــــرم الوحيد في العائلة ... اشعرني ذلك بالفرح الشديد .. فنسيت يومي القاسي العتيد .. وحمدت الله على السلامة والتوفيق .. وأذكر أن مدينتي حينها كانت بسيطة ، ولكنها مُشعة بالخير .. فبركة الخير تملأ الأرجاء .. في الشارع .. في المسجد .. في قلوب الناس .. في طيبتهم الكبيرة ..
شهدت التراويح أو مايعرف بصلاة القيام .. ونعمت بعدها بالكثير من الدلال في اقتنائي للكثير من أكلات وحلويات الباعة ليلا .
جميل أن يشعر الصغار بنشوة الفرح .. وجميل أن نلاقي من اهلنا اهتماما يشعرنا بالحظوة والاهتمام . وجميل أن ننقـــــــل هذا إلى أبنائنا الصغار لنحفزهم على الصيام وحتى القيام في ســـــــن مبكرة كعمرنا في ذلك الوقت البعيد ..

دمتم يا أحبابي الصائمين ، ورمضانكم كريم .

نلتقي في خاطـــــر أخر ... دمتم .