انكسارات مسائية على حافة درويش

أعظم فتنة هي تلك التي توجد في القلوب .

ليست السعادة سوى صفاء القلب من كل المكدرات والخروج من ثقل الزمن.

قلت لها: لا تتركيني, وكنت قد رحلت قبيل قليل, أجابت: سوف أنتظرك هناك يوم تعود.

ما أجمل البحر حين يصير صبيا يلاعب القدمين، وما أخوفه حين يطل من أعلى ويبتسم ابتسامته الأخيرة.

أكتب لعل الحروف تعرفني من جديد بعد كل هذا البعاد، رحل درويش، فارس القصيدة

وكان علي أن أعزي شعراء القبيلة، وأعلن انسحابي قبيل الغروب، فليس ثمة ها هنا إلا موتا يتربص

بالشعر بعده…

ما أنت فاعلة يا مينة بعد بوح القطار الأخير؟

اركضي قليلا في ممر الكلمات العابرة، أو غوصي في نهر هذا المسافر على عجل

أما النافذة التي رأيتك عبرها فقد نزفت حتى آخر رمق، وودعتني قبل حلول الظلام…

المساء يخنقني، يمسك بكلتا يديه على ياقة الكلمات، ويجرعني أنخاب الإهانة على مرأى منك وأنت تضحكين بما تبقى من ياسمين على الشفاه، ما عساي أقول حين يتعذر الصمت في القطار الأخير التائه في العتمة كحزن خريفي، كوني كما تريدين ودعيني من نظرات ليل شريد، فلقد ألفت يا صديقتي متاهات هذا الجنون، وذقت طعم تلك النظرة الجامحة لامرأة طال ليلها الأخرس دون نداء يوقف العويل المخيف للذئب الساكن في اللهفة المتقدة.

سوف أراك، بعد عام، بعد ليل عابر، بعد خطوة طائشة، بعد كلمة متعبة، لا يهم سوف أراك، ولكن على صهوة قطار ي أنا، وبين أناملي كتحفة نادرة.

لك ذلك السفر الحالم، لك ذلك الألق المغتال يوم مات عنك الفارس الأول، لك الوردة الجريحة والندى الأسير، لك همس القلب المتصدع وانشطارات ذات تتمزق، فقط، اعذري رجلا لم يدر كيف يوقف انكساراته، ولا كيف يخرج من دوامة الهزيمة التي تطارده على مر الأنفاس والفصول.

كان بودي لو عرفت الطريق، كان بودي لو ملكت همة العروج، ولكن الأسى لا يخطئ العنوان.

من إذن سيفضي للآخر، منكسر على عتبات الغواية، أم خفقة دافقة في ربيع أهوج؟

أفكر في إيقاف هذا السيل المنفلت مني رغم أنف المنطق المتحاذق، أفكر في الركون لنص محبوك المعنى مسبوك العبارة، ولكن اللحظة الهائجة تمنعني، تكبل ذاكرتي وتعقل صرامتي…

أحاول إذن أن أهدأ قليلا حتى أخرج بأخف الأضرار، ولكن المساء يأبى لي ذلك، فلطالما اشتعل دون إنذار وأودى بي في دروبه المرعبة، يا رب سلم سلم!!!