ضفاف الإبداع
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ضفاف الكلمة الجميلة و المعبرة

اليومــــــــــية
مـــــــــــــــــــــواعظ


من فضل الله على عباده تتابع مواسم الخيرات ومضاعفة الحسنات فالمؤمن يتقلب في ساعات عمره بين أنواع العبادات والقربات فلا يمضي من عمره ساعة إلا ولله فيها وظيفة من وظائف الطاعات وما أن يفرغ من عبادة إلا ويشرع في عبادة أخرى ولم يجعل الله حدا لطاعة العبد إلا انتهاء عمره وانقضاء أجله.
وبعد ان اتم الله لنا نعمة اكمال شهر الصيام والقيام ورتب عليه عظيم الأجر والثواب صيام ست أيام من شوال التي ثبت في فضائلها العديد من الأحاديث منها ما رواه الإمام مسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن
النبي - صلى الله عليه وسلم- قال : ( من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر
اذاعة القرآن الكريـــــــم

موقع الأنين

أكثر من 20.000  وثيقة
آلاف الكتب في جميع المجالات
أحدث الدراسات
و أروع البرامج المنتقاة


فضاءات مميزة

المواضيع الأخيرة
» استصدار قرارات توقيف تطال بوخلخال..علجية عيش والقزم الرئيييييييييييششششش
شارل بودلير شاعر الحداثة الأكبر I_icon_minitimeالجمعة أبريل 12, 2024 4:10 pm من طرف سعداوي ربيع

» المتألقه ياسمين ابراهيم
شارل بودلير شاعر الحداثة الأكبر I_icon_minitimeالثلاثاء أكتوبر 10, 2023 8:54 pm من طرف سعداوي ربيع

» إستمتع بخدمة ultimate game pass لجهاز الإكسبوكس و الحاسوب
شارل بودلير شاعر الحداثة الأكبر I_icon_minitimeالخميس نوفمبر 24, 2022 10:35 pm من طرف lmandoo

» ربيع المؤمـــــــــــــــــــن
شارل بودلير شاعر الحداثة الأكبر I_icon_minitimeالثلاثاء نوفمبر 08, 2022 8:11 am من طرف سعداوي ربيع

» مشروع واحة الشاطيء شقق للبيع في مدينة دبي للاستديوهات
شارل بودلير شاعر الحداثة الأكبر I_icon_minitimeالخميس نوفمبر 03, 2022 9:21 pm من طرف lmandoo

» شركة حلول ميج للاستشارات وتطوير الأعمال
شارل بودلير شاعر الحداثة الأكبر I_icon_minitimeالثلاثاء أكتوبر 18, 2022 11:26 am من طرف lmandoo

» نانا اليوم اقوى الخصومات على كل المنتجات
شارل بودلير شاعر الحداثة الأكبر I_icon_minitimeالأربعاء أكتوبر 12, 2022 11:28 pm من طرف lmandoo

» مرام مالك فنانة غنائية سعودية
شارل بودلير شاعر الحداثة الأكبر I_icon_minitimeالإثنين سبتمبر 05, 2022 5:12 am من طرف lmandoo

» موقع تعليمي سعودي لتغطية كافة المناهج
شارل بودلير شاعر الحداثة الأكبر I_icon_minitimeالخميس أغسطس 25, 2022 11:44 pm من طرف lmandoo

» يونيريم للرعاية المنزلية UNIREM Home Care
شارل بودلير شاعر الحداثة الأكبر I_icon_minitimeالأربعاء أغسطس 17, 2022 3:49 am من طرف lmandoo

» ايه افضل بيوتى صالون فى حدئق الاهرام واكتوبر وزايد
شارل بودلير شاعر الحداثة الأكبر I_icon_minitimeالسبت أغسطس 13, 2022 3:57 am من طرف lmandoo

» اشطر جراح عام دكتور عبد الوهاب رأفت
شارل بودلير شاعر الحداثة الأكبر I_icon_minitimeالسبت أغسطس 13, 2022 2:21 am من طرف lmandoo

» اشطر جراح عام دكتور عبد الوهاب رأفت
شارل بودلير شاعر الحداثة الأكبر I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 09, 2022 1:47 am من طرف lmandoo

» ايه افضل بيوتى صالون فى حدئق الاهرام واكتوبر وزايد
شارل بودلير شاعر الحداثة الأكبر I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 09, 2022 1:37 am من طرف lmandoo

» مصممة الازياء رنا سمعان من نينوى العراق إلى العالمية
شارل بودلير شاعر الحداثة الأكبر I_icon_minitimeالإثنين أغسطس 08, 2022 3:45 am من طرف lmandoo

ضفاف الابداع
زوارنا من كل مكان
free counters
بطاقات اسلامية


أدعية رمضانــــــــــية

شارل بودلير شاعر الحداثة الأكبر

اذهب الى الأسفل

شارل بودلير شاعر الحداثة الأكبر Empty شارل بودلير شاعر الحداثة الأكبر

مُساهمة من طرف توفيق السبت فبراير 13, 2010 2:04 am

شارل بودلير شاعر الحداثة الأكبر


سيرة‏ الشاعر:

ولد شارل –بيير بودلير في 9 نيسان من عام 1821 في باريس في الرقم 13 من شارع هوتفوي، وهو ثمرة زواج غير متكافئ كان له –فيما بعد –كبير الأثر في حياة الشاعر وشخصيته وسلوكه، فقد كان والده فرانسو بودلير (ولد في عام 1759) أكبر من والدته كارولين أرشمبو –ديفايس (ولدت في عام 1793) بما لا يقل عن 34 عاماً، وقد كانت امرأة جذّابة الملامح، رقيقة المزاج، عامرة البنية، ولكنّها تيتّمت صغيرة، فكفلها أحد أصدقاء والدها إلى أن قاربت الخامسة والعشرين، ولم يتقدّم منها طالب زواج، وكان يتردّد إلى منزل راعيها شيخ أرمل ذو ولد (كلود ألفونس) هو فرانسوا بودلير، وهو رجل ذو ملامح أرستقراطية، دمث الأخلاق، يعشق الفنون، فأخذ يتقرّب منها إلى أن تمّ زواجهما في التاسع من أيلول عام 1819، فعاشت هذه المرأة حياة هادئة طيّبة لا يعكّرها سوى هذا الفارق الكبير بين الزوجين.‏
كان فرانسوا سعيداً كلّ السعادة بولادة ابنه شارل، بل أخذ يهتمّ به اهتماماً خاصّاً، فيخرج معه، وهو ابن خمس سنوات، إلى حدائق لكسمبرغ يشاهدان التماثيل، وكان الوالد يقصّ عليه القصص العجيبة لكلّ تمثال على حدة، كما كان يقف عند الصور التي تزدان بها الجدران ليتأمل ألوانها ودلالاتها، لكنّ اللغز الذي كان يشغله في المنزل صلة تلك المرأة الصبيّة التي هي أمّه بذلك الشيخ الطاعن في السّن الذي هو أبوه، ولم يطل هذا اللغز طويلاً إذ توفي والده فجأة في اليوم العاشر من شهر شباط سنة 1827، وهو لم يبلغ السادسة من عمره، فحزن شارل على والده حزناً عميقاً، وانصرف إلى أمه التي حاولت أن تحتضنه أكثر من ذي قبل وأن تعوّضه عن فقدان الأب، فتعلّق بها تعلّقاً شديداً، لكنَّ الفاجعة الثانية التي وقعت على رأس الطفل الصغير أنّ والدته تزوجت بعد مرور عام على وفاة والده (تم الزواج في 8 تشرين الثاني 1827) من الضابط الرائد جاك أوبيك (ولد في عام 1789)، فلم يتقبّل الطفل هذا الأمر طوال حياته، وقد ساقه هذا الإحساس العميق بالمرارة والحزن والخيبة والاغتراب والفقد إلى أن دمّر حياته تدميراً كاملاً، وهو الذي قال فيما بعد: "عندما تنجب المرأة طفلاً مثلي لا تتزوج مرّة أخرى أبداً".‏
رفض الطفل بودلير أن يحلّ هذا الرجل الضابط الغريب محلّ أبيه وأن يختطف منه أمّه، ولكنّه مغلوب على أمره، فذاق مرارة مركّبة، ثمّ أدخله زوج أمّه إلى المعهد الملكي في ليون للدراسة، وكان ذلك في عام 1833 فابتعد عن أمه، وبخاصة أنه كان في القسم الداخلي، فازدادت كراهيته لهذا الرجل وتعمّقت في نفسيته، ثمّ عادت الأسرة إلى باريس في عام 1836، فأُدخل شارل إلى معهد لويس الكبير، وأخذ يلمع في دروسه، وبدأت ملامح شخصيته تتجلّى في الاقتراب من التصوّف مرّة ومن المجون مرّة أخرى، ولكنّه قد بدا عليه اهتمامه بالأدب اهتماماً كبيراً، فانصرف إلى قراءة الشعر، وصرّح لأسرته –بعد إنهاء دراسته في المعهد سنة 1839 –بأنّه سيكرّس نفسه للشعر والأدب، فأثار حفيظة الجنرال أوبيك الذي لم يكن راضياً عن سلوك الشاب المراهق، وهذا ما كان ينتظره بودلير، فاحتكّ بالحياة الأدبية في باريس، وانصرف إلى كلِّ ما هو شاذ، ليغضب أمه وزوجها اللذين ظهرت عليهما بعض ملامح التدين، وأقام علاقة بمومس يهودية شابة تدعى سارة ولقبِّها بلوشيت ( Louchette –الحولاء) فنقلت إليه عدوى مرض الزهري الذي صاحبه طوال حياته، فاجتمعت الأسرة وبعض الأصدقاء، وقرروا أن يقوم الفتى برحلة إلى الشرق باتجاه كلكوتا على متن سفينة شراعية في عام 1841، لكنّه كان على ظهر السفينة منزوياً على نفسه، وممّا زاد من آلامه في هذه الرحلة الشاقة أن قام قبطان السفينة بإصابة الطائر الضخم "القطرس" بأحد جناحيه، فأخذ الملاّحون يتلهّون بهذا الطائر العظيم على أرض السفينة، فنظم قصيدته " L’ALBATROS" التي تعدّ من عيون شعره، ويوحّد، في نهايتها، تجربته المرّة في الحياة مع أهله ومجتمعه وتجربة هذا الطائر مع هؤلاء البّحارة العابثين:‏
الشاعرُ كأمير السّحاب‏
يخالطُ العاصفة ويسخر من رامي السّهام،‏
منفيَّاً على الأرض بين صياح الصيادين،‏
أجنحته العملاقة تُعيقه عن المسر.‏
عاد بودلير من رحلته إلى الشرق في شباط 1842 بعد تسعة شهور من الغياب عن فرنسا، عاد يحمل الحقد على زوج أمه الذي أبعده عنها والخوف منه، وكان الجنرال أوبيك قد فقد الأمل في إصلاح الفتى، فلما بلغ سنّ الرشد في نيسان سنة 1842 استلم قيمة ميراثه، وانصرف بعيداً عن زوج أمه ليعيش حياة اللذة والاستمتاع في الحيّ اللاتيني في باريس، وتعرّف في العام ذاته على جان ديفال الأنثى الملوّنة العديمة الموهبة في التمثيل، وهي على شيء من الدمامة والبلاهة، ولكنّها استطاعت ِأن تؤثر في شخصيته تأثيراً سيئاً، فظلّ متعلّقاً بها طوال حياته رغم خياناتها المتكررة واستغلال حبّه، وقد انصرف في الوقت ذاته إلى معاقرة المخدرات والمهيّجات الأخرى التي قرّبته من خيال شعري خصيب، وبدأ يتجه اتجاهاً لا عودة منه إلى الأدب، وكانت الأعوام التالية 1845 و1846 و1847 مجالاً لإنتاج عدد من القصائد الهامة، وبداية لظهوره في ساحات الأدب والنقد، وانجذاباً مفاجئاً للمسائل السياسية، ثمّ اتجه في عام 1848 إلى ترجمة بعض أعمال الأديب الأمريكي إدغار آلان بو، وظلّت جان ديفال المرأة الأكثر جاذبية في عيني الشاعر، وقد ذاق بين أحضانها متعةً شريرة، وكان –مع تعلّقه بها –يدرك وضاعتها وبلادة عقلها ومقاذر نفسها وخياناتها، ولكنّه كان يدرك في قرارة نفسه أنّه بحاجة إليها ولا يستطيع أن يتخلّى عنها.‏
لما ملّ بودلير حياة اللذة السوداء مع جان ديفال أخذ يبحث عن الحبّ الرومانسي العذري فالتقى الآنسة ماري دوبرين، وهي ممثلة ناشئة جميلة تُعيل والديها، ثمّ التقى في الوقت ذاته مدام ساباتيه، وهي صاحبة صالون أدبي، وهي امرأة ذات جمال خارق، فنظم فيها عدداً من قصائد الحبّ العذري وأرسلها إليها دون توقيع، لكنّها ظلّت تنظر إليه بصفته مريضاً أكثر منه حبيباً.‏
وجد بودلير في عام 1857 ضالته في شخص بوليه مالاسيس الذي تكفّل بنشر (أزاهير الشرّ).‏
وتوفي زوج أمه الجنرال أوبيك في 28 نيسان من العام نفسه، ولكنّ ديوانه يُصادر لما فيه من جرأة على الأخلاق، ويتابع نشر أعمال إدغار آلان بو وبعض المقالات النقدية، ثم أصبحت حالته الصحية، منذ بداية عام 1862 سيئة جداً، وسافر إلى بلجيكا في عام 1864 فأخفق في رحلته أدبيّاً وماديّاً، وفيما هو يزور إحدى الكنائس الأثرية في نامور خرّ صريعاً في صحنها، وأُصيب بالفالج، ثمّ نُقل إلى باريس وهو غير قادر على الحركة والنطق، وأدركته المنية في آخر يوم من شهر آب (31) من عام 1867 وله من العمر 46 عاماً، وتوفيت والدته بعد ذلك في عام 1871.‏

-2-‏

بودلير شاعراً: إنّ بودلير شاعر مختلف ساقته ظروفه الأسرية إلى أن يكون شاعراً، أو هو شاعر التجربة بامتياز، فقد كان لولادته من زواج غير متكافئ وما خلّفه من عقابيل وعثرات في حياته أثر كبير في أن يكون شاعر التجربة المتوهجة في الشعر الفرنسي، حتى إنّه لا يمكننا أن نصنّفه تصنيفاً نهائياً، كغيره من الشعراء، ضمن مذهب أدبي محّدد، مع أنّه جاء في عصر المذاهب الأدبية وغليانها، ففي شعره شيء غير قليل من الرومانسية، مع أنّه هو الذي سار بها في اتجاه مختلف، وقد كان قارئاً ممتازاً لشعر فكتور هوغو، ولكن قصائدهما مختلفة، فقصائد هوغو ملتصقة أشدّ الالتصاق بذاته الرومانسية، في حين كان بودلير أوّل شاعر حديث تنفصل حياته عن شعره، وبالرغم من أنه كان بعيداً عن الشعر البرناسي المعاصر إلاَّ أنّه كان قارئاً جيّداً لشعر تيوفيل غوتيه، ويعدّ شعر بودلير طليعة الشعر الرمزي، وبخاصة أنّه اهتمَّ بأعمال إدغار آلان بو وترجمها إلى الفرنسية، وتأثر بها، وأثّر بودلير تأثيراً فعّالاً في شاعري الرمزية الفرنسين: رامبو ومالارميه، وأثره في الشعر العالمي بعيد الحدود، وقد ذهب الشاعر إليوت إلى أنّ بودلير أعظم شاعر للحداثة في أيّ لغة من اللغات، وليس ذلك فحسب، وإنما يُعدّ بودلير المؤسّس الحقيقي لحركة الحداثة وشعرها في العالم، بل هو أحد المؤسّسين الكبار لقصيدة النثر، ولذلك من الصعوبة بمكان أن ينسبه الرومانسيون أو البرناسيون أو الرمزيون إليهم، فهو عصيّ على التصنيف والقوالب الجاهزة، وإن كان شعره أقرب إلى الرمزية من سواها، لكنّه كان شاعر التجربة أوّلاً وأخيراً، وحسبنا أن نقول هنا: إنّ الشعر الفرنسي يقسّم عادة إلى مرحلتين:‏
ما قبل بودلير وما بعد بودلير، ولذلك اتخذ شعره هذه المكانة العالمية.‏
كان لا بدّ لبودلير –وهو شاعر التجربة –من أن ينزع إلى تصوير الشرّ الكامن في أعماق هذا العالم، وقد أدرك الشرّ بودلير وعاش فيه عن قرب، بدءاً من زواج أمّه الثاني وتخلّيها عنه إلى علاقته بجان ديفال ومقابلاتها لتضحياته بالنكران والابتزاز إلى أولئك البحارة الذين كانوا يعذّبون طائر القطرس العظيم على ظهر السفينة ويسخرون من عذاباته، إلى غير ذلك من مشاهد الشرّ التي التقطتها عين الشاعر من الحياة، وكأنّ بودلير وهو يكتب "أزاهير الشرّ" هذا العنوان الغريب يريد تخليص العالم من هذه الثنائية الضدّية، أو هو يصوّر الشرّ، ليخلّص العالم من آثامه على طريقة الشاعر الرومانسي ألفريد دي فيني، ولكنّه يؤسّس في الوقت ذاته لجمالية القبح التي تتجلّى في العنوان بشكل بارز.‏
اهتمّ بودلير بالشرّ والعادي والقبيح، وذهب إلى أنّ الشاعر يستطيع أن يوقظ في القبيح سحراً جديداً، ومن هنا طرافة المفارقة التي توصّل إليها هذا الشاعر، ثمّ لماذا لا نذكر هنا أنّه هو الذي كان يدرك قباحة جان ديفال وحقارتها وتفاهتها وخياناتها، وهو في الوقت ذاته الذي جعل منها مثالاً للجمال، وكأنّه كان يمهّد لمقولة الدعابة السوداء التي عُرف بها السرياليون من بعد، ثمَّ إنّ اتجاهه إلى الشرّ واليومي والعادي من شعره كان أحياناً لمقولة يريد أن يقولها تلميحاً لا تصريحاً، كما هي في قصيدة "الجيفة une chorogne" إذ يرى الشاعر جيفة في صباح مشرق جميل، فيصف تفسّخها وتعفّنها، وكيف كانت الحشرات تعجّ بالحيوية والنشاط وهي تتغذّى عليها، كانت الحياة تنبثق من الموت والجمال من البشاعة والحاضر من الماضي، وكانت كلبة تنتظر مرور الشاعر للعودة إلى هذه الجيفة، لكنّ الشاعر يربط بين الجيفة وجسده حين يختم القصيدة، لتكون ذات بناء درامي مركّب، فيخاطب جسده بهذه الحميمية:‏
ومع ذلك ستصيرين إلى مثل هذه القذارة،‏
بهذه النتانة الفظيعة،‏
يا نجمةَ عينيَّ، يا شمسَ طبيعتي‏
أنتِ يا ملاكي ويا عذابي‏
نعم! هكذا ستصبحين يا ملكة النِّعم‏
بعد تناول الأسرار الأخيرة‏
حين ستذهبين تحت العشب والإزهار المخصب‏
تتعفّنينَ بين العظام.‏
عندئذ، آهٍ يا جمالي، أخبري الطفيليات‏
التي ستأكلُكِ قبلةً فقبلةً،‏
أنّني صُنْتُ شكل حبّي الذي تحلّل‏
وجوهره السماوي‏
والصلة واضحة في الأبيات بين الجمال والبشاعة، فثمة التقابل بين الصباح المشرق والجيفة، والحياة والموت، والحركة والسكون، والحاضر والماضي والمستقبل (الجيفة –جسد الشاعر)، وتفاعل هذه المستويات عمقيّاً: الحياة تخرج عن الموت (منظر الحشرات والدود والكلبة حول الجيفة)، والحاضر يذكّر الشاعر بمستقبله، فالجيفة تذكّره بأن جسده سيكون في يوم قريب جثّة يلتهمها الدود وسواه.‏
إنّ التقابل بين الثنائيات وتداخلها ما يميّز شعر بودلير من سواه، نفسٌ متعطّشة إلى الحياة والحبّ والجمال والخير وواقع مفعم بالمرارة والموت والكراهية والقبح والشرور، ولذلك كان بودلير يتمزّق بين السماء والأرض، والملاك والشيطان، والمثال والواقع، والأمل واليأس، والجمال والقبح.‏
وكان يتوق إلى قدرة خارقة تخلّص العالم من الجحيم، سواء أكانت هذه القدرة مؤقتة، كالحشيش أو الأفيون أم كانت دائمة، كالموت، ولذلك كان الموت الحلم المثالي عند بودلير، فهو الوحيد القادر على تخليص النفس من شرور العالم، لننظر ماذا يقول في قصيدته "الموت المفرح Lemort joyeux":‏
أيتها الديدانُ، أيتها الرفيقات السّود دون أذن ودون عيون،‏
انظرنَ ميتاً وسعيداً يأتي إليكنّ‏
أيتها الفيلسوفات العواهر، يا بنات العفونة‏
ويصبح الموت المحبّب حلم الشاعر، فهو ليس إلاَّ رحلة لعالم المجاهيل والغرائب، فضلاً عن أنّه المنقذ الأوحد من هذه المرارات والمفاسد، ولنتأمل المقطع الثامن (الأخير) من قصيدته "الرحلة Le voyage" التي أهداها إلى ماكسيم دي شامب:‏
أيّها الموت، أيّها القبطان القديم، هذا هو الوقت، لنرفع المرساة!‏
تُضجرنا هذه البلاد، أيها الموت! لنُقلع!‏
إن كان للسماء والبحر لون أسود كالحبر،‏
فقلوبنا التي يعرفها مفعمةٌ بالضياء!‏
اسكبْ لنا سُمَّك كي يقوّي عزمنا‏
نريدُ مقداراً من هذه النار تشعل عقولنا‏
لنبحر في أعماق اللجة، جحيماً أو جنّة، ما الفرق؟‏
إلى أعماق المجهول لنكتشف الجديد!‏
وحاول بودلير أيضاً للوصول إلى حالة شعرية مختلفة عما هو سائد أن يكتشف قدرة إيقاعية ودلالية ولونية في الكلمات، وذلك بتبديل وظائفها وتداخلها، فحاول أن يُقيم وحدة كلّية بين الحواس، فتستطيع الكلمة، بعدها، أن تنقلنا إلى اللاّشعور، وذلك بتغيير طبيعة الوظائف، لتصبح في مجموعها، ذات وظيفة كلّية، شمّية وسمعية وبصرية وذوقية ولمسية، وهكذا تتشابه الانفعالات التي ترسلها من حيث وقعها في النفس، فيترك الصوت أثراً شبيهاً بالأثر الذي يتركه اللون أو الرائحة أو غيرهما، ويُضفي الشاعر خصائص الماديات على المعنويات أو يخلع سمات المعنويات على الماديات. وهذا ما تنقله لنا قصيدته "تراسلات correspondances" التي يشير فيها إلى قوّة خارقة في الإدراك يستطيع الإنسان أن يكتسبها بتداخل وظائف الحواس، فتصبح الكلمة غابة من الرموز والاتصالات، وهو يحاول تحرير الكلمات من وظائفها العادية وتحميلها وظائف جديدة، لتتمكّن من الوصول إلى اللاّشعور، بحيث صار يُطلب أن نشمّ المسموعات ونسمع المرئيات، ونرى مالا يُرى منها:‏
الطبيعةُ معبدٌ ذو أعمدة حيّة‏
تصدرُ عنها أحياناً غمغمات لا تبين‏
يتجوّل الإنسانُ فيها عبر غابات من الرموز‏
تلحظه بنظرات أليفة‏
مثل أصداء طويلة تختلط من بعيد‏
في وحدة غامضةٍ وعميقة،‏
كالليل والبهاء سِعةً‏
تتجاوبُ العطورُ والألوانُ والأنغام.‏
ولا يطلب بودلير الغموض في شعره ولا يتقصّده، فشعره ما زال قريباً من الرومانسية الشفّافة، ولكنّه توجَّه من شعر الفكرة والموضوعات إلى سحر اللغة، وقدرتها أن تخبِّئ كنوزها وتبثَّ إيحاءاتها من خلال الإيقاع الوهَّاج، وصوت الكلمة الإيقاعية يحمل في ذاته أصداء تتوزّع هنا وهناك، وبخاصةٍ إذا تُرك المجال لهذا الصوت أن يوطِّن إيقاعاته في مواطن مختلفة، فإذا هي تتجاوب صوتاً وصدى، فتبثّ سحرها الأزلي وأسرارها العميقة في النفس البشرية، وللقصيدة قوّة نغمية تحمل المتلقّي إلى وديان الطفولة البشرية، حيث الينابيع السحرية والمعاني المتآلفة والمتجاوبة، وهكذا مزج بودلير الإيقاع بالتجربة والأفكار والصور مزجاً حارّاً تفاعليّاً، واهتمَّ بالموسيقا الداخلية التي تستطيع أن تبدّل المعاني وتوقظ ما غفا منها، وهي قادرة على أن تحمل الشاعر إلى عالمه الداخلي، ليقلع بشراعه النفسي تحت سقف ضبابية إلى نجمته الشاحبة، وهذا ما جاء في مطلع قصيدته القصيرة "الموسيقا La Musique":‏
تحملني الموسيقا مثل بحرٍ!‏
نحو نجمتي الشّاحبة،‏
أرفع الشّراع تحت سقفِ‏
ضبابٍ أو في أثيرٍ واسع...‏
أحسُّ في نفسي ارتعاش كلِّ آلامِ‏
مركبٍ يتعذّب.‏
ويمثّل شعر بودلير بدايات عصر الحداثة إذ سيطرت الآلة الجهنمية على الإنسان، فاستلبت منه الروح، وانتزعت منه القيم القديمة المقدّسة لتحلّ محلّها قيم أخرى مختلفة عنها اختلافاً جذريّاً، فقد ذهبت الرومانسية بنزوعها إلى المثال والمطلق وحياة الدعة في ظلال الطبيعة، وفرّت الروح إزاء الوحش المادي الذي أخذ يجثم على صدر البشرية متمثّلاً بالحضارة والمدنيّة، وكأنّ الحضارة مشروطة بالقتل والتدمير، وأخذت العلاقات الإنسانية تتبدّل بسرعة مذهلة في عالم المدينة، فإذا العالم يفيض بالعقم والقبح والخطيئة، والإنسان، وحده، يضيع وسط الزحام، وعليه أن يظلّ قويّاً قادراً على الركض أمام العجلات الكثيرة التي تُحيط به وتحاصره من غير جهة، فإذا غفا عنها أو استسلم أو تهاون طحنته إلى سواه غير آبهة، فالمدينة، في عصر الحداثة، عالم من القاذورات والكتل الحجرية والضجيج، وقد انتقلت هذه الصور إلى رامبو ومالا رميه ثم إلى إليوت في معظم قصائده، وبخاصة قصيدته الشهيرة "الأرض الخراب The Waste land" وقد كان بودلير –بعد الرومانسيين –أوّل الشعراء الذين أبدوا قلقهم من جمود العاطفة الإنسانية وفقدان الروحانية والخوف من الهجوم الصناعي الذي يُحيل الإنسان إلى آلة صمّاء، فكلّ ما في الطبيعة الفاتنة الخضراء تحوّل في قصيدة "حلم باريسي Rêve parisien" إلى جماد:‏
عندما فتحت عينيَّ المفعمتين بالضياء‏
شاهدتُ قبح كوخي البائس،‏
وأحستُ وأنا أعودُ إلى نفسي،‏
بشوكة الأحزان اللعينة؛‏
كانت السّاعة بدقاتها الحزينة‏
تعلن بشراسة عن الظهيرة،‏
وكانت السَّماء تصبّ الظلمات‏
فوق هذا العالم المخدَّر التعيس.‏
ولا بدّ أخيراً من أن نتوقف عند دور بودلير في إرساء النثر في الشعر الفرنسي بعامة والشعر في العالم بخاصة، وقد أفردت سوزان برنار في كتابها الضخم "قصيدة النثر من بودلير حتى الوقت الراهن" فصلاً كاملاً حول هذا الدور، فبودلير يحاول في هذه القصائد القصيرة أن يعرّي الروح في المدينة الكبيرة، وهو يدرك أنّ الشعر الحديث لا يكون إلا مدينيّاً، فبعيداً عن باريس لا شعر عند بودلير، فهي مدينة الشعر، وقد حاول أن يصنع من الطين ذهباً ومن الواقع الأكثر ابتذالاً شعراً، كما حاول أن يحول ما هو نثري إلى شعر، لأنّه كان يشعر بحرية أكبر في النثر، وهو أكثر انفتاحاً على تنافر الأصوات والمفارقة والسخرية من النظم، ثم هو يذهب إلى أن الجماليات القديمة أحادية النغمة في حين أنّ جماليات قصيدة النثر متعدّدة الأنغام، وهي أقرب إلى العمل السمفوني من العمل الإيقاعي الرتيب.‏
ولم ينسَ بودلير أن ينبّه على مزالق قصيدة النثر، فهي مفتوحة على السهولة، ولذلك على شاعر قصيدة النثر الحقيقي أن يحقّق معجزة حقيقية.. معجزة التوازن بين النثر والشعر... بين التعبير والإبداع، ولتحقيق ذلك لا بدّ من أن تكون قصيدة النثر قصيرة لتحقّق نجاحاتها، لأنّ حرية النثر خطر دائم، ولا بدّ من التذكير بأنّ لبودلير عدداً من قصائد النثر الناجحة، منها "النوافذ" و"الجماهير" و"اسكروا" و"حصان أصيل" و"الشورباء والغيوم".‏
هذا هو الشاعر شارل بودلير شاعر الحداثة الأكبر الشاعر الذي قال عنه فكتور هوغو: الشاعر الذي سرت منه في الأدب انتفاضة جديدة،وقال عنه بول كلوديل: إنه أكبر شاعر في القرن التاسع عشر وقال عنه رامبو: أوّل راءٍ، ملك الشعراء، إلهٌ حقيقي.‏
الكتب التي عدنا إليها:‏
1-أزاهير الشرّ (ومقدمة بقلم ماري –جانّ ديري) –كتاب الجيب –باريس 1972 (بالفرنسية).‏
2-أزاهير الشرّ (ومقدمة وتسلسل أحداث بقلم هنري ليمتر غارنيه –فلاماريون، باريس 1964 (بالفرنسية).‏
3-ثورة الشعر الحديث، د. عبد الغفار مكاوي، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1972م.‏
4-الشاعر الرجيم بودلير، عبد الرحمن صدقي، دار المعارف بمصر، د. ت.‏
5-بودلير، بقلم لوك ديكون، تر. كميل داغر، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت. ط1، 1976.‏
توفيق
توفيق
عضو متميز
عضو متميز

ذكر عدد الرسائل : 425
نقاط : 1075
تاريخ التسجيل : 09/09/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى