رولان بارت... متعة الكتابة و لذة النص

من طرف توفيق السبت مايو 29, 2010 4:53 pm

رولان بارت …. متعة الكتابة ولذة النص

"الكتابة ليست شيئا سوى بقايا الأشياء الفقيرة والهزيلة للأشياء الرائعة والجميلة في دواخلنا …"

عندما أعلن الناقد والكاتب الفرنسي رولان بارت، عن "موت المؤلف"، أحدث هزة في المفاهيم وفي تقاليد التعامل مع النص وكاتبه بالدرجة الأولى، وفتح بارت الباب واسعا لحركة النقد البنيوية التي كانت سائدة حينذاك، حينما قدم الدلائل والقرائن التي تشجع القراء على التخلي عن "الأب"، أي عن المؤلف. كثيرة هي التيارات التي انتقدت بارت ومن جاء بعده من الفلاسفة والمفكرين، وارتفعت الأصوات للمطالبة بإعادة إحياء الكاتب، بكل ما يحمله من ارث تاريخي واجتماعي ومعرفي. اليوم وفي عصر التطور التكنولوجي السريع والمذهل، وأمام تغير مفهوم الكتابة والكاتب، وما تقدمه شبكة الانترنت من تدفق حر للمعلومات، يعود التساؤل حول إمكانية إسقاط نظرية بارت على ما يحدث اليوم داخل الشبكة العنكبوتية، وذلك بالنظر إلى التأثيرات الفكرية والاستخدامات الجديدة للانترنت كالنشر الالكتروني والصحافة الانعكاسات السلبية من حيث طرق استخدام المعلومة في الانترنت.

وهي جملة من التساؤلات نوردها كالآتي:

1ـ هل فعلا يمكن التخلي عن قيمة المؤلف عند قراءة النص؟

2ـ هل تحقق نظرية بارت حرية القارئ الكاملة في إعطاء قراءة ذاتية للنص؟

3ـ هل الكاتب الورقي هو نفسه الكاتب الالكتروني؟

4ـ وبالتالي هل القارئ من خلال الشاشة الكمبيوتر هو نفسه القارئ التقليدي؟

5ـ أي مكانة يمنحها بارت للملكية الفكرية وحقوق المؤلف والتأليف؟

رولاند بارت من الميلاد الى "موت المؤلف"

هو فيلسوف وناقد دلالي ومنظر اجتماعي فرنسي، ولد في 12 نوفمبر 1915 وتوفي في 25 مارس 1980، اتسعت رقعة أعماله لتشمل حقولا فكرية متنوعة، كان له يد في تغيير وتطوير المدرسة البنيوية والماركسية وما بعد البنيوية والوجودية أيضا.

اكتسبت أعماله الأدبية ميزة التنوع، وصلت إلى 15 مؤلفا ، أبرزها على الإطلاق: "هسهسة اللغة"، "خطاب عاشق"، و "لذة النص" و"الكتابة في درجة الصفر".

كان بارت مقتنعا بان كل تحليل للاحتجاج السياسي، ينبغي أن يبدأ بتحليل اللغة أو نظام الرموز والعلامات. فكل شيء ينعكس في اللغة: من أفكارنا، إلى معتقداتنا، إلى أهوائنا.

في عام 1953 يصدر بارت أول كتاب شهير له بعنوان: "الكتابة في الدرجة صفر أو درجة الصفر للكتابة"، وفيه يعيد تأويل الإشكالية التي طرحها جان بول سارتر عن مسؤولية الكاتب أو انخراطه أو التزامه. فلم يعد الالتزام بالقضايا العامة هو الأساس وإنما أصبح الشيء الأساسي هو: كيف يمكن تفجير اللغة من الداخل وتدمير الأدب بصفته طقوسا شعائرية أو أسطورية؟ يمنح بارت المسؤولية في أحداث ثورة في اللغة، لا في الواقع.

أما في كتابه «أساطير» الصادر عام 1957، ينزع قناع الأسطورة عن النظام الأيديولوجي الفرنسي السائد آنذاك، حينما قال انه الحياة اليومية هي مجموعة من الأشياء الصغيرة التافهة، ليسقط بذلك بارت كل الاعتراف بالعادات والتقاليد لأنها في نظره " مفبركة". تميزت سنوات الستينيات والسبعينيات من حياة بارت بالتركيز على المرحلة البنوية، إلا انه سرعان ما ترجع عن كل ما طرحه حين اكتفى بالكتابة الأدبية في معناها الحقيقي، متخليا عن نظريته لتأسيس علم للأدب على الطريقة البنيوية الجافة والباردة. عندئذ اصدر كتبه التالية: "متعة النص"، "رولان بارت بقلم رولان بارت"، "مقاطع من خطاب عاشق"، علاوة عن "الغرفة المضيئة".

القارئ منتج للنص:

يمنح بارت للقارئ مهمة جديدة، وهي إنتاج النص من جديد ليصبح بشكل أو بآخر صاحب النص ذاته، وليس مجرد مستهلك لمضمونه. حجة بارت في ذلك إن القارئ أو الهدف المقصود من وراء عملية إنتاج النص، ولولاه لما بقي للنص دلالة وأهمية، وبالتالي لا فائدة لوجود كاتب لا يقرأه احد.

ارتكزت جل نشاطات بارت، على تحليل منهجية اللغة والأسلوب الأدبي، لهذا تنقل في معظم أعمالة الأدبية إلى أكثر من نظرية، مركزا على التحليل السردي للنصوص، حيث نهضت نظرية بارت النقدية على جملة من المفاهيم النقدية ثلاثية الأبعاد أو المحاور مع الاختلاف في عملية تسليط الضوء أو التركيز على كل بعد من هذه الإبعاد الثلاثة بحسب الرؤيا التي يملكها رولان بارت .

1ـ مفهوم النص

2ـ مفهوم الكتابة

3ـ مفهوم القارئ أو القراءة (موت المؤلف )

ويشترط في القارئ أن يكون ملما بالمسائل الثقافية، قادرا على فك شفرات النص الأدبي وكشف معاني الجمال فيه، وهي الباب إلى غاية بلوغ درجة "لذة النص" التي خصص لها بارت كتابا مستقلا، يحلل فيه شاعرية النص بعيدا عن القراءة التي تعتمد على الشرح أو الإسقاط. لان النص البارتي، نسيج لغوي له مظهران "الدال" والمتمثل في الحروف الدالة من ألفاظ وعبارات، ومظهر "مدلول" يتعلق بالجانب المجرد أو المتصور في الذهن.

حاول الدكتور عبد الله الغذامي في كتابه " نقد وحقيقة"، أن يفهم المقصود بموت المؤلف، فتوصل إلى أن بارت لم يرد قتل أبوية الكاتب والقضاء عليها نهائيا، بقدر ما أراد تخليص النص من سلطة كاتبه، ومنح القارئ سلطة أخرى لربط علاقات جديدة مع النص، قد تستدعي المؤلف من جديد: "ليبارك هذه العلاقة" كما يقول الغذامي.

عندما سأل بارت يوما عن الكتابة أجاب: "الكتابة ليست شيئا سوى بقايا الأشياء الفقيرة والهزيلة للأشياء الرائعة والجميلة في دواخلنا …"، فبارت رفض أن نضع نهاية للكتابة بمجرد خروج الكتاب في صيغته النهائية، ودعا إلى حياة ثانية وثالثة وأخرى لانهاية لها، بقدر تكرار القراءات: "... أن تعطي النص مؤلفا، هو أن تفرض عليه مساحة وحدة، يعني أن تجد معنى نهائيا . معناه أن تضع نهاية للكتابة". يقول بارت في كتابه "هسهسة اللغة"، حيث بدأ يسرد كيف جاءته فكرة أن هوية المؤلف لا تهم كثيرا بقدر اللغة التي نقلت بعضا من تاريخه الشخصي والجماعي، ويفسر لنا معنى المؤلف كما يلي: " المؤلف شخصية مفتعلة ، بمعني انه نتاج مجتمعنا ، بإرثه من العصور الوسطي ، والفكر التجريبي الانجليزي ، والعقلانية الفرنسية ، ودعوة حركة الإصلاح البروتستانتية إلي تأكيد ذاتية الفرد ، أو كما يقال تجاوزا (الفرد الإنساني ) . هذه النظرة الساذجة ، وصلت قمتها بشكل منطقي إلي تهويل في الفكر الرأسمالي ، من أهمية الفرد ، أي المؤلف .
هكذا تجد أن المؤلف يتربع علي عرشه في كتب تاريخ الأدب ، وتراجم الكتاب ، والمقابلات ، وفي المجلات ، بل وفي رغبات المؤلفين أنفسهم الذين يستهويهم أن يخلطوا بين ذواتهم وأعمالهم ، بواسطة نشر مذكراتهم ويومياتهم .
كل شيء في الثقافة العامة ، ينطلق من شخص المؤلف وحياته وذوقه وأهوائه (..) . النقد أبدا يبحث عن تفسير العمل ، في شخص الرجل أو المرأة ، الذي صنعه ، كأنما العمل في نهاية الأمر شيء متاح ، ينبع من مصدر واحد هو صوت المؤلف الذي يهمس في آذاننا بأسراره (..) .
إزاحة المؤلف عن عرشه ، ليس فقط حقيقة تاريخية ، أو حيلة كتابية ، انه أمر يحدث انقلابا في النص الحديث . أو بكلمات أخري ، النص بعد اليوم يكتب ويقرأ، بطريقة تجعل المؤلف غائبا عنه في جميع مستويات النص .. حين تعتقد في وجود المؤلف ، فانك دائما تتخيله كأنه " ماضي " كتابته"