ـ فتاوى وأحكام في فقه الصيام ومفسداته ...

فتاوى وأحكام في فقه الصيام ومفسداته
كثيراً ما تختلط مسائل فقه الصيام على المسلمين الصائمين، وقد يفسد صيام أحدهم دون أن علم أو قد يتهاون البعض في تقدير إتمام صومه ويفطر يوم أو يومين من رمضان ظناً منه أن ما يمر به يوجب الإفطار، وفي هذه الحلقة يواصل قسم الخدمات التفاعلية على موقع "فلسطين أون لاين" توضيح العديد من المسائل في فقه الصيام، مع الدكتور/ بسام العف، الحاصل على شهادة الدكتواره في الفقه الإسلامي – جامعة عين شمس.
1- كثير من الناس يعتقدون أن وقت الأذان- منذ بدء المؤذن في الأذان حتى يفرغ منه-وقتاً للشرب فيتعمد الشرب أثناء أذان الفجر فهل هذا صحيح؟.
إن الأذان لدخول وقت الفجر إما أن يكون بعد طلوع الفجر( الأذان الثاني) أو قبله (الأذان الأول)، فإن كان قبله فله أن يأكل أو يشرب حتى يسمع الأذان الثاني الذي هو علامة طلوع الفجر، فعندئذ يجب على الإنسان أن يمسك عن الطعام والشراب والشهوة بمجرد سماع الأذان الثاني فمن تعمد الشرب بعد دخول وقت الفجر الصادق أي مع بداية رفع الأذان الثاني فقد أفسد صومه، ويلزمه القضاء ويمسك بقية اليوم لحرمة الشهر، ولاسيما إذا كان المؤذن دقيقاً في رفعه للأذان، لحديث ابن عمر (رضي الله عنهما)، قَالَ: كَانَ لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مُؤَذِّنَانِ: بِلاَلٌ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَقَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إنْ بِلالاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ)) قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلاَّ أنْ يَنْزِلَ هَذَا وَيَرْقَى هَذَا))، متفقٌ عَلَيْهِ، والله تعالى أعلم.
2- ما حكم تقبيل الرجل زوجته في نهار رمضان؟
إن مجرد القبلة لا تفطر الصائم إلا إذا ترتب عليها إنزال مني، فعندئذ يفسد بها الصوم ويجب القضاء، وعليه فيكره للصائم تقبيل الزوجة إن لم يأمن على نفسه وقوع مفسد من الإنزال والجماع، لحديث عائشة قالت: "كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقبلني وهو صائم وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يملك إربه"، وحديث عبد الله بن عمر قال: كنا عند النبي (صلى الله عليه وسلم) فجاء شاب فقال: يا رسول الله أُقبّل وأنا صائم؟
قال: لا، فجاء شيخ فقال: أقبل وأنا صائم؟ قال: نعم، فنظر بعضنا إلى بعض، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): قد علمت لم نظر بعضكم إلى بعض؟ إن الشيخ يملك نفسه، ولأنه إذا لم يأمن المفسد ربما وقع في الجماع فيفسد صومه.
أما إذا أمن على نفسه وقوع مفسد، أو كانت القبلة بقصد وداع أو رحمة فلا بأس بها، لما روي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل ويباشر وهو صائم، والله تعالى أعلم.
3- ما حكم من سحب منه دم وهو صائم في رمضان، وذلك بغرض التحليل من يده اليمنى؟
مثل هذا التحليل من المعالجات التي فيها إخراج الدم من بدن، وليس هناك دليل يعتمد عليه في إفساد الصوم بأخذ القليل من الدم للتحليل، لا يفسد به الصوم بل يغفى عنه، لأنه مما تدعو الحاجة إليه، وكما أنه ليس من جنس المفطرات المعلومة من الشرع، وكذلك لا يكره لأنه لا يضعف الصائم لضآلة الدم المأخوذ، والله تعالى أعلم.
5- الدم الذي تراه الحامل قبل الولادة بيوم أو يومين، هل تدع الصيام لأجله أو الصلاة، أفيدونا؟
الدم الذي تراه حال الولادة قبيل خروج الولد هو دم استحاضة، وإن كان ممتداً فلا تدع الصيام أو الصلاة لأجله في الراجح من أقوال الفقهاء، لأن دم النفاس لا يوجد من الحامل قبل الولادة، ولا يعتبر دم حيض، لأنه دم رحم ودم الرحم لا يوجد من الحامل؛ إذ الحبل يسد فم الرحم، لئلا ينزل ما فيه، هكذا أجرى الله عادته فيه. والله تعالى أعلم.
6-إذا احتلم الصائم في نهار رمضان هل يفسد صومه أم لا؟ وإذا وقع الاحتلام بعد صلاة الفجر فهل يجوز تأخير الغسل إلى وقت الظهر، أم تجب عليه المبادرة بالغسل ؟
الاحتلام في نهار رمضان لا يفسد الصوم، لأنه ليس باختيار الصائم، وعليه أن يغتسل غسل الجنابة، ولو احتلم بعد صلاة الفجر وأخر الغسل إلى وقت صلاة الظهر فلا بأس، والله تعالى أعلم.
7- نسمع أن علماء التشريح أثبتوا أن الله خلق العين مشتملة على قناة تصلها بالأنف، ثم البلعوم ، فهل بناء على هذا يكون الحكم في قطرة العين أنها تفطر الصائم؟
فالذي عليه أكثر أهل العلم، أن قطرة العين لا تفطر الصائم، وهو من قرار مجمع الفقه الإسلامي؛ باعتبار أن جوف العين لا تتسع لأكثر من قطرة واحدة، والقطرة الواحدة حجمها قليل جداً، فإن الملعقة الواحدة الصغيرة تتسع إلى 5سم3 من السوائل، وكل سم3 يمثل خمس عشرة قطرة، فالقطرة الواحدة تمثل جزءاً من خمسة وسبعين جزءاً مما يوجد في الملعقة الصغيرة، أي حجم القطرة الواحدة (0.06) من السم3، وهو مقدار ضئيل جداً، فهو أقل من القدر المعفو عنه مما يبقى من المضمضة...
ثم إن هذه القطرة أثناء مرورها في القناة الدمعية تُمْتَصُّ جميعها ولا تصل إلى البلعوم، أما الطعم الذي يشعر به في الفم فليس لأنها تصل إلى البلعوم، بل لأن آلة التذوق الوحيدة هي اللسان، فعندما تمتص هذه القطرة تذهب إلى مناطق التذوق في اللسان، فتصبح طعماً يشعر بها المريض، وهذا ما قرره بعض الأطباء.
ثم إنه ليس هناك من الأدلة ما يعتمد عليها في جعل القطرة في العين من عداد ما يفسد بها الصوم، فالعين ليست منفذاً للأكل والشرب، حتى مع ما أثبته علماء التشريح من أن الله خلق العين مشتملة على قناة تصلها بالأنف، ثم البلعوم، فهذا لا يكفي دليلا يعتمد عليه لجعل قطرة العين مفسدة للصيام، لما تقدم من ضآلة المقدار الداخل، وامتصاصه أثناء مروره قبل أن يصل إلى البلعوم، والله تعالى أعلم.
8- هل الحقن الشرجية أوالتحاميل (اللبوس) تؤثر على صحة الصيام فتفسده؟"
الذي عليه أكثر الفقهاء المعاصرين أنها لا تفطر، لأن فتحة الشرج ( الدبر ) متصلة بالمستقيم، والمستقيم متصل بالقولون (الأمعاء الغليظة)، وامتصاص الغذاء يتم معظمه في الأمعاء الدقيقة، علاوة على ذلك أن هذه الحقن تحتوي على دواء ليس فيه غذاء، ولا ماء، كما أن التحاميل تحتوي على مادة دوائية، وليس فيها سوائل، ولأنها ليست أكلاً ولا شرباً، ولا بمعناهما، ولا تصل إلى المعدة التي هي محل الطعام، والأصل صحة الصيام حتى يقوم دليل على إفساد الصوم، وليس هنا ما يدل على الإفساد، ولا يقال إنها تفسد الصوم لأن فيها صلاحا للبدن، ذلك لأن الله لم يجعل كل ما فيه صلاح البدن مفسداً للصوم، إنما ذكر الطعام والشراب فقط، ويقاس عليهما ما في معناهما كالدواء المغذي، وإصلاح البدن قد يحصل بأشياء كثيرة، ومع ذلك فهي لا تفطر.
9- كنت في رمضان السابق أرهق من الصوم، وأتعب تعباً شديداً ولا أرتاح حتى استقيء، فعلت هذا في عدة أيام من شهر رمضان فما حكم صومي في تلك الأيام؟
الاستقاءة بمعنى تعمد القيء من قبل الصائم، وتقع بفعله واختياره فيفسد بها الصوم يلزم القضاء، لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): " من ذرعه القيء فلا قضاء عليه ومن استقاء فعليه القضاء" رواه أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح، وعليه فإن ما حصل منك تلك الأيام من استقاءة بفعلك واختيارك يفسد بها، ويلزمك قضاؤها، على أنك في تلك الأيام أشبه بالمريض، والمريض الذي يشق عليه الصيام يشرع له الإفطار ويقضي في أيام أخر ما عليه، لقول الله سبحانه: "ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر"، والله تعالى أعلم.
10- أبي يبلغ الثمانين من عمره، وقد أصيب باختلال عقلي كامل منذ أربع سنوات، أرشدوني أثابكم الله في هذا الموضوع بما يجب علي ويجب عليه في شهر رمضان؟
مادام الأمر كما ذكرت من حاله لم يجب عليه صوم ولا صلاة، أداء ولا قضاء، ولا يلزمه فدية - إطعام مسكين عن كل يوم فاته من رمضان- كذلك، لأنه في حالة فقدان عقل الذي هو مناط التكليف، فحكمه أشبه بحكم المجنون، وفي الحديث عن عائشة (رضي الله عنها) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال:" رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل"، والله تعالى أعلم.

صحيفة فلسطين