قصة قصيرة:"نزهة وزغرودة"

"نزهة وزغرودة"

لمَّا "لَعْلَعَتِ" الزَّغاريدُ في بيتها، وأَوْشَكَ الخاتمُ الشريفُ أن يَخْتِمَ عُزْبتها و يُوثِقها بأَصفاده القُدُسية، سألتها عن الذي تنوي القيام به في بيته؟

عن الخارطة التي تُخَطِّطُ للسَّيْرِ وِفقها حين يُعْرِسُ بها؟

فردَّت، وهي تخاطب المِرآة بدلا عني:

ـ أوَّلُ ما- يتبادر إلى- ذهنيَ- فعله هو...

شراء تلفاز ملون، غسّالة وا...طبّاخة.

ـ و بَعدها؟(أضفْتُ بحماس)

ـ بعدها، أبتاع سريرا كبيــــرا، لوازمَ للحمّام والمطبخ، وطاولةً بكراسي.

ـ و أيضا؟(استعجلتُ الرَّد)

ـ ثم أُكمِلُ حَرْجَ فستان"الفَرْقاني" الذي قد أَشِيخُ ولا أرتديه ،وأُسَدِّدُ دَيْن "السّْـخابْ والعَنْبرَة"-إذْ لنْ أرتديه من دونهما-

وأدفعُ فواتيرَ "خُلْخال اليَد" و"خُلخال الرِّجل" و"المْقايَِسْ" و"الخمْسَة"، للصّائغ الذي حَرَمَني دَيْنُهُ الأكلَ والشُّربَ والتَّجوالَ في المدينة بحُرّية، وصِرْتُ أُهَلْوِسُ بصوته

-وهو يُهَدِّدُني-في اليقظة...كما في المنام.

وإن حالَفَتني الحُظوظُ طبْعاً، وحازت 'حَنينُ'على تَرِِكَةِ زوجها، فإنني أُجْزِم على أنَّ قرْضَها السَّخِيَ سَيَفي دون شكٍّ بالغرض، لأبتاع بهذا العشــرين((وِيزَة)) التي تنقصني، وأُشَبِّكَ حِزامي الذّهَبي حتى يصير((بكُلْيَتَيْن)) اثنتين...كحِزام زوجة أخي 'نَهْلة'...

فهكذا فقط، قد أسلم ُمن "شْفَايَةْ" العُذّالْ-ولن أسْلَم-، وترتـــــاحُ أُذنــــاي من سماع القيل والقال، و"وَتْوَتاتِ" بنات حوّاء في كل المناسبات.

ـ طيِّب.

وغير الأثاثِ والصِّيغة والفساتين، ماذا ستفعلين بَعْد؟

أقصِدُ:ما الذي ستُهدينه لبَعْلِكِ، لشريك عمرك، أَلَمْ تفكري فيه؟

ـ و كيف لا، ويومها أكون حُبْلىَ، وأُهْدِيه طفلا يُسَلِّيه ويشغَلُ فراغه!

ـ وأنتِ...ألا تجيدين ذلك؟(علَّقتُ مداعِبة)

غير أنها لم تكن على الخط فأكملتْ...

ـ و حين يكبر صغيـري- تَنْتقينَ له عروسا تُشبِهُكِ!-قاطعْتُها.

ـ لا فَضَّ فوكِ، فتُدَلِّلـُهُ، كما دلَّلْتُ والدَهُ.

ـ والدُه؟...تُدَلِّلـه؟!

ونَقَّبْتُ /فوق/تحت/خلف/ كل حرف نَطقَتْهُ عن الدَّلال، عن اسم المَعْنِيِّ،

عن لازِمَة مِنْ لَوازِمِه...وحين فشلتُ، انتكستُ، تَبسَّمتُ، ثم سِرْتُ نحو الباب.

لَحِقَتْ بي وسدَّتْهُ في وجهي...

ـ ما بِك؟ألم يرُقْكِ جوابي؟..إليك المزيد:

وحين تتحسَّنُ أحوالُنــــا، أتَدَبَّرُ ميزانيةً مُعتَبرة تكفي للتخلَُّصِ من كل الخردوات القديمة من صيغة وأثاث وثياب، فأتخلص بهذا من كل ما قد يُشعِرُني بالملل والرّتابة، فلا تنسي أنني خرِّيجة معهد الفنون الجميلة، وأُدْرِكُ ما لِتأثير المحيط على نفسية المرء.

وسَرَحْتُ بعيـــدا عن وَرْشةِ الخَلاّقَةِ وَلَوَحاتِها...

نأيْتُ عنها...رغم تلاصُق كَوْعَيْنا و زَنْدَينا في الطاقة المُطِلَّة على خطيبها والمدعوين...

تَرَكْتُها تهذي، تُعيد عجْنَ ما أَنْضَجتْ، ورُحتُ أتطلَّعُ في الحَمل الوديع الذي أنفق "حَصّالة" العمر و"تَحْويشة" الصِّغَر على سِمْسارٍ مُحَنَّكٍ لم يَتَّخِذ له مكانا ضمن قائمة المُشْتَرَيات، وأما عروسنا، فعيونها كانت حيث الغربان تُحَلِّق!

و حَلَّقَتْ في ذاكرتي حينها بعض السّطور التي ناجاها فيها في أَحَدِ الخطابات...

ـ "كنتُ يا نُزْهة...وأنا تحت فَرْعَنَة زوجة الوالد،تحت سطوتها...أحلُمُ بحوريةٍ تْعَمَّرْ عليَّ الدّار، وتَمْلا وَحْشَتْها عْلِيَّ، وتْنَسِّيني في الوَحْدَة و مْحانْها".

و فورا...أدركتُ سرَّ وَلَعِها بالأثاث والأثاث، ولا شيئا آخر سوى الأثاث!

فقرَّبتُ الوجه من وجهها، وصَمَّغتُ الجبهةَ على الجبهة:

ـ ولكن"نُزْهَتِي"...

أثَّثـْتِ المُهِمَّ، وسَهَوتِ عن تأْثيثِ الأكثر منه أهمية...

ذَكرتِ العَرينَ، وغاب عنك ذِكْرُ اللَّيثِ،ذِكْرُ الأشبال...

ـ ماذا تعنين؟

ـ أعني هذه (القَـوْقَعةَ) الخاويَةَ...

وذلك الذي يُؤثِّثُها، ويجعلها تُفكِّرُ مَلِيًّا؛ كيف تُثَبِّتُ العمامة جيدا فوقها حتى لا تَفْقِدَ شَطْرها، أو تقضي بقية العمر صلعاء!

وكيف تُعْنى براحة القبطان والبحّارة، بدَلَ صرْفِ الأيام والأعوام في زَرْكَشَةِ ألواح السفينة ((وما مِن رُكّاب))!

فأنتِ...

ورَبِّ المَشارقِ...

ما فََقَهْتِ-حقَّ الفِقـْهِ- قَصْد النِّسوةِ من وراء تلك الزغاريد!.