مـــــــــــــــــــــواعظ
من فضل الله على عباده تتابع مواسم الخيرات ومضاعفة الحسنات فالمؤمن يتقلب في ساعات عمره بين أنواع العبادات والقربات فلا يمضي من عمره ساعة إلا ولله فيها وظيفة من وظائف الطاعات وما أن يفرغ من عبادة إلا ويشرع في عبادة أخرى ولم يجعل الله حدا لطاعة العبد إلا انتهاء عمره وانقضاء أجله.
وبعد ان اتم الله لنا نعمة اكمال شهر الصيام والقيام ورتب عليه عظيم الأجر والثواب صيام ست أيام من شوال التي ثبت في فضائلها العديد من الأحاديث منها ما رواه الإمام مسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال : ( من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر
المواضيع الأخيرة
بطاقات اسلامية
أدعية رمضانــــــــــية
هل لمن أضاع فلسطين عيد؟
صفحة 1 من اصل 1
هل لمن أضاع فلسطين عيد؟
هل لمن أضاع فلسطين عيد؟/الإمام العلاّمة الشيخ البشير الإبراهيمي طيّب الله ثراه (*)
الإمام العلاّمة الشيخ البشير الإبراهيمي طيّب الله ثراه
الإمام العلاّمة الشيخ البشير الإبراهيمي طيّب الله ثراه/ نائب الإمام بن باديس رحمه الله في رئاسة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ورئيسها بعده، عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة
للناس عيـد ولـي همّان في العيــد
فـلا يغرّنـك تـصـويبي وتصعيـدي
هـم التـي لبثـت في القيـد راسـفة
قرنا وعشريـن في عسـف وتعبـيـد
للناس عيـد ولـي همّان في العيــد
فـلا يغرّنـك تـصـويبي وتصعيـدي
هـم التـي لبثـت في القيـد راسـفة
قرنا وعشريـن في عسـف وتعبـيـد
وهم أخـت لهـا بالأمـس قد فنيـت
حمـاتهـا بيـن تقتـيـل وتـشريـد
كان التيــاخي لها في صفته عـقدت
من ساسـة الشـر تعريبـا بتهويـد
جرحـان مـا برحـا في القلب جهما
مـود وتركـهـا –لشـقوتي- مـود
ذكـرت بيتـا لـه فـي المبتدأ خبـر
فـي كـل حفل من الماضين مشـهود
إن دام هذا ولـم تحـدث لـه غـيـر
لـم يبـك ميـت ولـم يفرح بمـولود
ويح إحياء القلوب وإيقاظ الإحساس ماذا يتجرعون من جوع الأسى في هذه الأعياد التي يفرح فيها الخليلون ويمرحون، أيتكلفون السرور والأنباط قضاء لحق العرف ومجاراة لمن حولهم من أهل وولدان وصحب غافين وجيران، أم يستجيبون لشعورهم وينزلون على حكمه فلا تفتر لهم شفة عن ثغر ولا تتهلل لهم سريرة ببشر ولا تشرق لهم صفحة بسرور.
ويح النفوس الحزينة من يوم الزينة أنه يثير كوامنها ويحرك سواكنها فلا ترى في سرور المسرورين إلا مضاعفة لمعاني الحزن فيها ولا ترى في فرح الفرحين إلا أنه شماتة بها.
مرت علي وأنا في الجزائر عدة أعياد من السنوات الأخيرة التي صرح فيها الشر للعرب والمسلمين عن محضة فكنت ألقى تلك الأعياد بغير ما يلقاها به الناس، ألقاها بتجهم اخطراري وانتباض نفسي وكان الرائي يراني وأنا معه وأراه وكأنه ليس معي، فقد كانت تظللني في العيد سحائب من الكآبة لحال قومي العرب وإخواني المسلمين وأنا كثير التفكير فيهم والاهتمام بهم والاغتمام من أجلهم فأغبطهم لأنهم في راحة مما أنا فيه وأزدريهم حينا لأنهم لم يكونوا عونا لي على ما أنا فيه، وما أشبههم في الحالتين إلا بالغنم التي تساق إلى الذبح وهي لاهية تخطف الكلأ من حافتي الطريق لأنها لا تدري ما يراد بها.
وجاءت نكبة فلسطين فكانت في قلبي جرحا على جرح وكانت الطامة والصاخة معا وكانت مشغلة لفكري بأسبابها ومآسيها وعواقبها القريبة والبعيدة فلا تصور لي الخواطر إلى أشنع ما في تلك العواقب وكأن أحزان السنة كلها كانت تتجمع في يوم العيد وكنت أغطي باطن أمري بالتجمل فإذا عدمت المتنفس من الرجال والأعمال والأحوال رحبت إلى العيد الذي هو مثار أشجاني فجردت منه شخصا أخاطبه وأناجيه وأشكوه وأشكو إليه وأسأله وأجيبه وأبثه الشكاية من قومي غيظا على القادرين وتأنيبا للغادرين حتى اجتمعت لي من ذلك صحائف مدونة نشرت القليل منها بين الناس وطويت الكثير إلى حين. ثم رحلت إلى الجزائر في السنة الماضية فكانت بيني وبين الأعياد هدنة عقد أولها العراق ومخايل الرجاء فيه وعقدت آخرها مكة ومخايل الرجاء في الله وهذا هو العيد الثالث يظلني فبماذا أستقبله؟
أنا الآن أشد تأثرا بنكبة فلسطين مني في الماضي.
فقد لمست يدي الجرح وهو بالدم يثعب ورأت عيناي العربي وهو على البركان يلعب وسمعت أذناي غراب البين وهو بالفراق ينعب ثم سمعت أنين اللاجي وعذر المداجي وتفسير الأحاجي. فيا عيدا أقبل غير نحس ولا سعيد واذهب غير ذميم ولا حميد وان لم يجد حساب ولا أغنى عتاب، لك علينا حق التجملة التي أوجبها الله لك شكرا على إتمام العبادة لا على مألوف العادة، ودعنا معشر المنتظرين لهلالك المستعدين لاستقبالك، نتحاسب أو نتعاقب، وإن لم يجد حساب ولا أغنى عتاب، ليس لك ولا لأمثالك من الأيام ذنب إنما أنت وهي قوارير تلونها أعمالنا وتلونها سيئاتنا وآثامنا، فإذا لوناك بالسواد أو لوثناك بالشر فمعذرة وغفرا إن هي إلا مناظر تشهدها كلما أظللت وتراها كلما أطللت.
أيها العرب: ها هو ذا عيد الفطر قد أقبل وكأني بكم تجرون فيه على عوائدكم وتنفقون المال بلا حساب على الحلل يرتديها أولادكم وعلى الطعام والشراب توفرون منه حظ بطونكم وكأني بكم متسيرون فيه على مأثوركم من اللهو واللعب وإرخاء الأعنة لمطايا الشهوات من جوارحكم فتركبون منها ما حل وما حرم، كل هذا وأمثاله منه سيقع فإذا أعددتم للأخرى من الواجبات التي أدنى لروح العيد وأجلب لسرور الرجال في العيد وأقرب لرضى الله وهي حقوق فلسطين وأهل فلسطين ومشردي فلسطين ويتامى فلسطين وأيامى فلسطين والمسجد الأقصى من فلسطين أم قست قلوبكم فأنتم لها لا تذكرون؟
ويحكم.. إن هذا العيد يغشاكم في نهاية كل عام، فاعتبروه رقيبا يقدر الثواب أو مفتشا يوقع العقاب أو حسيبا يصفي الحساب فماذا أعددتم لهذه الافتراضات كلها؟
هبوه رقيبا -وأيقنوا أنه رقيب عتيد- فهل تداركتم أخطاءكم بالرجوع فيها إلى الصواب وتداركتم خطاياكم بالتوبة منها والإقلاع عنها أو تداركتم تضييعكم لفلسطين بالاستعداد الصادق لاسترجاعها أو تداركتم تعريضكم ليتامى القدس بالتنصر بالنظر لهم والسعي لإنقاذهم أو تداركتم إعراضكم عن اللاجئين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم بالمساعي الجدية لإرجاعهم أو تداركتم إهمالكم للمسجد الأقصى الذي أصبح تحت رحمة صهيون بالحفاظ في حمايته وإعداد وسائل تلك الحماية، وهيهات .. ضاع المسجد الأقصى يوم ضاعت فلسطين ولا مطمع في إنقاذه إلا بإنقاذ فلسطين كلها.
وهبوه مفتشا –وأعتقد أنه مفتش لا تجوز عليه المغالطة- فهل أعددتم له شيئا على قياس ما تعرفون في هذا الباب وأيسره: جواب محرر لكل سؤال مقدر؟
وهبوه حسيبا –واعلموا أنه حسيب يناقش حتى في ذرة جرت ذرة- فهل استعرضتم جداول أعمالكم في السنة كلها وضبطتم ما لكم وما عليكم؟
ليس هذا ولا ذاك ولا ذلك بواقع منكم، وسيغشاكم فيجد السفينة غارقة في أحوالها ودار ابن لقمان باقية على حالها. لقد عودتموه ذلك وعودكم تضييق المسالك وحلول المهالك (وأول راض سيرة من سيرها).
أيها العرب: إن الواحد منكم يموت له الطفل الصغير فيلتزم الحداد ويتدثر السواد ويمر عليه العيد فلا تزدهيه ملابسه ولا تستهويه مجالسه، ولا ينزع لباس الحزن إلى وفاء السنة ليتحدى بذلك نصوص الدين المنصوصة وأحوال الدنيا المخصوصة وقد ماتت فلسطين وهي أعز شهيد وأحقه بالحزن عليه فويحكم أهي أهون مفقود عليكم؟ أم أن قلوبكم ماتت معها إنها والله الأولى بالحزن عليها من كل محزون عليه وإنها والله الأولى بعدم الصبر ممن قال فيه القائل:
والصبر يحمد في المواطن كلها إلا عليك فإنه مذموم
وإن مما يذكي تحوتكم ويزيدكم حرارة على الفتيل، وخفته طيرة بثأره خسة القائل فأين أنتم يا هداكم الله؟
أيها العرب: إن الذنب في نفسه ذنب وإن عدم الإعتراف به يصيره ذنبين، ولكن التوبة الصادقة المصحوبة بالعمل تمحوهما معا، فتعالوا نعترف بما يعلمه الله منا فإن فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة.
ألستم أنت الذين أضعتم فلسطين بجهلكم وتجاهلكم مرة وخذلكم وتخاذلكم ثانية وباغتراركم وتغافلكم ثالثة وبقبولكم للهدنة رابعة وباختلاف ساستكم وقادتكم خامسة وبعدم الاستعداد سادسة وبخيانة بعضكم سابعة ما عدوكم أعلم به منكم ثامنة، وفي أثناء ذلك كتب الحفيظان عليكم من الموبقات ما يملأ السجلات.
كانت نتيجة النتائج لذلك كله أن أضعتم فلسطين وأضعتم معها شرفكم ودفنتم في أرضها مجد العرب وعز الإسلام وميراث الإسلام وضاعفتم البلاء على نصف العرب في المغرب العربي كانوا ينتظرون انتصارهم في المعترك السياسي على أثر انتصاركم في المعترك الحربي ولكنهم باءوا من عاقبة خذلانكم بشد الخناق وشدة الإرهاق وكان من النتائج المخزية تشريد مليون عربي عن ديارهم ولو أن عشرهم كان مسلحا لما ضاع شبر من فلسطين ولو أن العشر وجد السلاح اليوم لاسترجع فلسطين وها هم أولاء يترددون على حافات فلسطين تتقاذفهم المصائب ويتخطفهم الموت من كل جانب ولكنه موت الجوع والعري والحر والبرد لا موت الدنيا والشرف.
وكان من النتائج المحزنة أن وضع صهيون رجله في ماء العقبة. أتدرون موقع الحزن من ذلك؟ إنه قطع لأوداجكم إذ لم يبق لكم بعد العقبة شبر من اليابسة تتواصلون عليه أو تمدون فوقه سكة حديدية تصل أجزاءكم أو طريقا للسيارات أو سلكا للمخاطبات وأنه بعد ذلك إيذان بغزوه لمكة والمدينة وتهديد صارخ لموالي الحجاز. وكان من النتائج الفرعية أن عشرات الآلاف من يتامى المجاهدين دفعهم الجوع إلى مدينة القدس تحت سمع وبصر بقية المسلمين الذين لا يجدون حيلة ولا يهتدون سبيلا.
وكانت خاتمة النتائج أننا قربنا من بني صهيون ما كان بعيدا وأدنينا منه أمانيه فالقدس محطة الإسراء ومواطئ أقدام محمد صلى الله عليه وسلم وفتح عمر أصبح لقمة مسترددة بين لهواته والمسجد الأقصى كاثرته البيع والكنائس وتعاونت على إخفاء مآذنه وإسكات آذانه.
ويل للعرب من شر قد حل ولا أقول قد اقترب.
(*) مجلة الأخوة الإسلامية –العدد الخامس عشر- بغداد – 1شوال 1372 هـ الموافق لـ: 12 جوان 1952.
عن: آثار محمد البشير الإبراهيمي، الجزء الرّابع، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر 1985، ص161-166.
الإمام العلاّمة الشيخ البشير الإبراهيمي طيّب الله ثراه
الإمام العلاّمة الشيخ البشير الإبراهيمي طيّب الله ثراه/ نائب الإمام بن باديس رحمه الله في رئاسة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ورئيسها بعده، عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة
للناس عيـد ولـي همّان في العيــد
فـلا يغرّنـك تـصـويبي وتصعيـدي
هـم التـي لبثـت في القيـد راسـفة
قرنا وعشريـن في عسـف وتعبـيـد
للناس عيـد ولـي همّان في العيــد
فـلا يغرّنـك تـصـويبي وتصعيـدي
هـم التـي لبثـت في القيـد راسـفة
قرنا وعشريـن في عسـف وتعبـيـد
وهم أخـت لهـا بالأمـس قد فنيـت
حمـاتهـا بيـن تقتـيـل وتـشريـد
كان التيــاخي لها في صفته عـقدت
من ساسـة الشـر تعريبـا بتهويـد
جرحـان مـا برحـا في القلب جهما
مـود وتركـهـا –لشـقوتي- مـود
ذكـرت بيتـا لـه فـي المبتدأ خبـر
فـي كـل حفل من الماضين مشـهود
إن دام هذا ولـم تحـدث لـه غـيـر
لـم يبـك ميـت ولـم يفرح بمـولود
ويح إحياء القلوب وإيقاظ الإحساس ماذا يتجرعون من جوع الأسى في هذه الأعياد التي يفرح فيها الخليلون ويمرحون، أيتكلفون السرور والأنباط قضاء لحق العرف ومجاراة لمن حولهم من أهل وولدان وصحب غافين وجيران، أم يستجيبون لشعورهم وينزلون على حكمه فلا تفتر لهم شفة عن ثغر ولا تتهلل لهم سريرة ببشر ولا تشرق لهم صفحة بسرور.
ويح النفوس الحزينة من يوم الزينة أنه يثير كوامنها ويحرك سواكنها فلا ترى في سرور المسرورين إلا مضاعفة لمعاني الحزن فيها ولا ترى في فرح الفرحين إلا أنه شماتة بها.
مرت علي وأنا في الجزائر عدة أعياد من السنوات الأخيرة التي صرح فيها الشر للعرب والمسلمين عن محضة فكنت ألقى تلك الأعياد بغير ما يلقاها به الناس، ألقاها بتجهم اخطراري وانتباض نفسي وكان الرائي يراني وأنا معه وأراه وكأنه ليس معي، فقد كانت تظللني في العيد سحائب من الكآبة لحال قومي العرب وإخواني المسلمين وأنا كثير التفكير فيهم والاهتمام بهم والاغتمام من أجلهم فأغبطهم لأنهم في راحة مما أنا فيه وأزدريهم حينا لأنهم لم يكونوا عونا لي على ما أنا فيه، وما أشبههم في الحالتين إلا بالغنم التي تساق إلى الذبح وهي لاهية تخطف الكلأ من حافتي الطريق لأنها لا تدري ما يراد بها.
وجاءت نكبة فلسطين فكانت في قلبي جرحا على جرح وكانت الطامة والصاخة معا وكانت مشغلة لفكري بأسبابها ومآسيها وعواقبها القريبة والبعيدة فلا تصور لي الخواطر إلى أشنع ما في تلك العواقب وكأن أحزان السنة كلها كانت تتجمع في يوم العيد وكنت أغطي باطن أمري بالتجمل فإذا عدمت المتنفس من الرجال والأعمال والأحوال رحبت إلى العيد الذي هو مثار أشجاني فجردت منه شخصا أخاطبه وأناجيه وأشكوه وأشكو إليه وأسأله وأجيبه وأبثه الشكاية من قومي غيظا على القادرين وتأنيبا للغادرين حتى اجتمعت لي من ذلك صحائف مدونة نشرت القليل منها بين الناس وطويت الكثير إلى حين. ثم رحلت إلى الجزائر في السنة الماضية فكانت بيني وبين الأعياد هدنة عقد أولها العراق ومخايل الرجاء فيه وعقدت آخرها مكة ومخايل الرجاء في الله وهذا هو العيد الثالث يظلني فبماذا أستقبله؟
أنا الآن أشد تأثرا بنكبة فلسطين مني في الماضي.
فقد لمست يدي الجرح وهو بالدم يثعب ورأت عيناي العربي وهو على البركان يلعب وسمعت أذناي غراب البين وهو بالفراق ينعب ثم سمعت أنين اللاجي وعذر المداجي وتفسير الأحاجي. فيا عيدا أقبل غير نحس ولا سعيد واذهب غير ذميم ولا حميد وان لم يجد حساب ولا أغنى عتاب، لك علينا حق التجملة التي أوجبها الله لك شكرا على إتمام العبادة لا على مألوف العادة، ودعنا معشر المنتظرين لهلالك المستعدين لاستقبالك، نتحاسب أو نتعاقب، وإن لم يجد حساب ولا أغنى عتاب، ليس لك ولا لأمثالك من الأيام ذنب إنما أنت وهي قوارير تلونها أعمالنا وتلونها سيئاتنا وآثامنا، فإذا لوناك بالسواد أو لوثناك بالشر فمعذرة وغفرا إن هي إلا مناظر تشهدها كلما أظللت وتراها كلما أطللت.
أيها العرب: ها هو ذا عيد الفطر قد أقبل وكأني بكم تجرون فيه على عوائدكم وتنفقون المال بلا حساب على الحلل يرتديها أولادكم وعلى الطعام والشراب توفرون منه حظ بطونكم وكأني بكم متسيرون فيه على مأثوركم من اللهو واللعب وإرخاء الأعنة لمطايا الشهوات من جوارحكم فتركبون منها ما حل وما حرم، كل هذا وأمثاله منه سيقع فإذا أعددتم للأخرى من الواجبات التي أدنى لروح العيد وأجلب لسرور الرجال في العيد وأقرب لرضى الله وهي حقوق فلسطين وأهل فلسطين ومشردي فلسطين ويتامى فلسطين وأيامى فلسطين والمسجد الأقصى من فلسطين أم قست قلوبكم فأنتم لها لا تذكرون؟
ويحكم.. إن هذا العيد يغشاكم في نهاية كل عام، فاعتبروه رقيبا يقدر الثواب أو مفتشا يوقع العقاب أو حسيبا يصفي الحساب فماذا أعددتم لهذه الافتراضات كلها؟
هبوه رقيبا -وأيقنوا أنه رقيب عتيد- فهل تداركتم أخطاءكم بالرجوع فيها إلى الصواب وتداركتم خطاياكم بالتوبة منها والإقلاع عنها أو تداركتم تضييعكم لفلسطين بالاستعداد الصادق لاسترجاعها أو تداركتم تعريضكم ليتامى القدس بالتنصر بالنظر لهم والسعي لإنقاذهم أو تداركتم إعراضكم عن اللاجئين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم بالمساعي الجدية لإرجاعهم أو تداركتم إهمالكم للمسجد الأقصى الذي أصبح تحت رحمة صهيون بالحفاظ في حمايته وإعداد وسائل تلك الحماية، وهيهات .. ضاع المسجد الأقصى يوم ضاعت فلسطين ولا مطمع في إنقاذه إلا بإنقاذ فلسطين كلها.
وهبوه مفتشا –وأعتقد أنه مفتش لا تجوز عليه المغالطة- فهل أعددتم له شيئا على قياس ما تعرفون في هذا الباب وأيسره: جواب محرر لكل سؤال مقدر؟
وهبوه حسيبا –واعلموا أنه حسيب يناقش حتى في ذرة جرت ذرة- فهل استعرضتم جداول أعمالكم في السنة كلها وضبطتم ما لكم وما عليكم؟
ليس هذا ولا ذاك ولا ذلك بواقع منكم، وسيغشاكم فيجد السفينة غارقة في أحوالها ودار ابن لقمان باقية على حالها. لقد عودتموه ذلك وعودكم تضييق المسالك وحلول المهالك (وأول راض سيرة من سيرها).
أيها العرب: إن الواحد منكم يموت له الطفل الصغير فيلتزم الحداد ويتدثر السواد ويمر عليه العيد فلا تزدهيه ملابسه ولا تستهويه مجالسه، ولا ينزع لباس الحزن إلى وفاء السنة ليتحدى بذلك نصوص الدين المنصوصة وأحوال الدنيا المخصوصة وقد ماتت فلسطين وهي أعز شهيد وأحقه بالحزن عليه فويحكم أهي أهون مفقود عليكم؟ أم أن قلوبكم ماتت معها إنها والله الأولى بالحزن عليها من كل محزون عليه وإنها والله الأولى بعدم الصبر ممن قال فيه القائل:
والصبر يحمد في المواطن كلها إلا عليك فإنه مذموم
وإن مما يذكي تحوتكم ويزيدكم حرارة على الفتيل، وخفته طيرة بثأره خسة القائل فأين أنتم يا هداكم الله؟
أيها العرب: إن الذنب في نفسه ذنب وإن عدم الإعتراف به يصيره ذنبين، ولكن التوبة الصادقة المصحوبة بالعمل تمحوهما معا، فتعالوا نعترف بما يعلمه الله منا فإن فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة.
ألستم أنت الذين أضعتم فلسطين بجهلكم وتجاهلكم مرة وخذلكم وتخاذلكم ثانية وباغتراركم وتغافلكم ثالثة وبقبولكم للهدنة رابعة وباختلاف ساستكم وقادتكم خامسة وبعدم الاستعداد سادسة وبخيانة بعضكم سابعة ما عدوكم أعلم به منكم ثامنة، وفي أثناء ذلك كتب الحفيظان عليكم من الموبقات ما يملأ السجلات.
كانت نتيجة النتائج لذلك كله أن أضعتم فلسطين وأضعتم معها شرفكم ودفنتم في أرضها مجد العرب وعز الإسلام وميراث الإسلام وضاعفتم البلاء على نصف العرب في المغرب العربي كانوا ينتظرون انتصارهم في المعترك السياسي على أثر انتصاركم في المعترك الحربي ولكنهم باءوا من عاقبة خذلانكم بشد الخناق وشدة الإرهاق وكان من النتائج المخزية تشريد مليون عربي عن ديارهم ولو أن عشرهم كان مسلحا لما ضاع شبر من فلسطين ولو أن العشر وجد السلاح اليوم لاسترجع فلسطين وها هم أولاء يترددون على حافات فلسطين تتقاذفهم المصائب ويتخطفهم الموت من كل جانب ولكنه موت الجوع والعري والحر والبرد لا موت الدنيا والشرف.
وكان من النتائج المحزنة أن وضع صهيون رجله في ماء العقبة. أتدرون موقع الحزن من ذلك؟ إنه قطع لأوداجكم إذ لم يبق لكم بعد العقبة شبر من اليابسة تتواصلون عليه أو تمدون فوقه سكة حديدية تصل أجزاءكم أو طريقا للسيارات أو سلكا للمخاطبات وأنه بعد ذلك إيذان بغزوه لمكة والمدينة وتهديد صارخ لموالي الحجاز. وكان من النتائج الفرعية أن عشرات الآلاف من يتامى المجاهدين دفعهم الجوع إلى مدينة القدس تحت سمع وبصر بقية المسلمين الذين لا يجدون حيلة ولا يهتدون سبيلا.
وكانت خاتمة النتائج أننا قربنا من بني صهيون ما كان بعيدا وأدنينا منه أمانيه فالقدس محطة الإسراء ومواطئ أقدام محمد صلى الله عليه وسلم وفتح عمر أصبح لقمة مسترددة بين لهواته والمسجد الأقصى كاثرته البيع والكنائس وتعاونت على إخفاء مآذنه وإسكات آذانه.
ويل للعرب من شر قد حل ولا أقول قد اقترب.
(*) مجلة الأخوة الإسلامية –العدد الخامس عشر- بغداد – 1شوال 1372 هـ الموافق لـ: 12 جوان 1952.
عن: آثار محمد البشير الإبراهيمي، الجزء الرّابع، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر 1985، ص161-166.
محمد بن زعبار- عضو مبدع
- عدد الرسائل : 1062
نقاط : 2133
تاريخ التسجيل : 02/11/2008
مواضيع مماثلة
» فلسطين الجريحة
» نداء-فلسطين
» من المسؤول عن ضياع فلسطين؟ ؟ ؟!
» فلسطين ... مساجد تشتكي إلى الله
» بلغ السيل الزبى …تبا لكل متخاذل عن نصرة فلسطين
» نداء-فلسطين
» من المسؤول عن ضياع فلسطين؟ ؟ ؟!
» فلسطين ... مساجد تشتكي إلى الله
» بلغ السيل الزبى …تبا لكل متخاذل عن نصرة فلسطين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة أبريل 12, 2024 4:10 pm من طرف سعداوي ربيع
» المتألقه ياسمين ابراهيم
الثلاثاء أكتوبر 10, 2023 8:54 pm من طرف سعداوي ربيع
» إستمتع بخدمة ultimate game pass لجهاز الإكسبوكس و الحاسوب
الخميس نوفمبر 24, 2022 10:35 pm من طرف lmandoo
» ربيع المؤمـــــــــــــــــــن
الثلاثاء نوفمبر 08, 2022 8:11 am من طرف سعداوي ربيع
» مشروع واحة الشاطيء شقق للبيع في مدينة دبي للاستديوهات
الخميس نوفمبر 03, 2022 9:21 pm من طرف lmandoo
» شركة حلول ميج للاستشارات وتطوير الأعمال
الثلاثاء أكتوبر 18, 2022 11:26 am من طرف lmandoo
» نانا اليوم اقوى الخصومات على كل المنتجات
الأربعاء أكتوبر 12, 2022 11:28 pm من طرف lmandoo
» مرام مالك فنانة غنائية سعودية
الإثنين سبتمبر 05, 2022 5:12 am من طرف lmandoo
» موقع تعليمي سعودي لتغطية كافة المناهج
الخميس أغسطس 25, 2022 11:44 pm من طرف lmandoo
» يونيريم للرعاية المنزلية UNIREM Home Care
الأربعاء أغسطس 17, 2022 3:49 am من طرف lmandoo
» ايه افضل بيوتى صالون فى حدئق الاهرام واكتوبر وزايد
السبت أغسطس 13, 2022 3:57 am من طرف lmandoo
» اشطر جراح عام دكتور عبد الوهاب رأفت
السبت أغسطس 13, 2022 2:21 am من طرف lmandoo
» اشطر جراح عام دكتور عبد الوهاب رأفت
الثلاثاء أغسطس 09, 2022 1:47 am من طرف lmandoo
» ايه افضل بيوتى صالون فى حدئق الاهرام واكتوبر وزايد
الثلاثاء أغسطس 09, 2022 1:37 am من طرف lmandoo
» مصممة الازياء رنا سمعان من نينوى العراق إلى العالمية
الإثنين أغسطس 08, 2022 3:45 am من طرف lmandoo