التواصل التاريخي بين الزواوة والأوراس .

التواصل التاريخي بين الزواوة والأوراس
* محمد أرزقي فــــــراد

* جذورالتواصـــــل :
ـ مخطئ من يتصور الزواوة جزيرة منغلقة مقطوعـــة عن المحيط الوطني ، فقد سبق لي أن قدمت مختارات شعرية أمازيغية قديمة تغنى فيها الشعراء بمدن المشرق العربي ، التي كانت الوجهة المفضلة لطلبة العلم والعلماء ، وتغنى الشاعر الكبير " سي محند أو محند " بالعديد من المدن الجزائرية ، خاصة الواقعة منها في أراضي الشرق الجزائري التي قطعها في طريقه إلى تونس .
هناك قواسم مشتركة بين الأوراس والزواوة ، فكلاهما منطقة جبلية وعرة فقيرة انسحبت إليها قبائل كثيرة عبر التاريخ طلبا للسلم وهروبا من الحروب والصراعات الدمويــــــــة التي كانت تستهدف الحواضر والسهول الغنية .
غير أن السلم ( الجبلي ) الذي استقطب العنصر البشري مقرون بفقر مدقع لفقـــــر التربة ولإرتفاع الكثافة السكانية ، لذا صارت هذه الجبال فيما بعد مناطق الطرد االبشري بحثا عن الرزق في مجالات جغرافية أوسع ، فكان التواصل بين الأوراس والزواوة .
لا أحد يعرف متى بدا هذا التواصل ، والأكيد انه ضرب بجذوره في اعماق التاريخ ولانعرف إن كان الرحـــالة " الحسين الورثيلاني " قد زار منطقة الأوراس أم لا ؟ ، وإذا اخذنا في الحسبان أمر زيارته لمناطق الطولقــــة وبسكرة وسيدي عقبة ، وسيدي خالد وتبسة ، الا يحق لنا أن نطرح احتمال زيارته لأراضي الأوراس ، التي يكون قد زارها لكنه سكت عن ذكرها لوقوعها في ظل الحواظر المذكورة ذات مقامات أولياء الله الصالحين ؟.
* آفـــــة الشفوية وغياب التدوين :
ـ مع الأسف لم يحضى هذا التواصل الذي صنعه الشعب بعفوية ، باهتمام الكتاب الجزائريين ، أما الفرنسيون فلاشك انهم سكتوا عنه ، لأن تواصل الجزائريين في مناطق مختلفة لايخدم مصالحهم الاستعماريـــــة ، فعملوا على تشتيتهم ، ولعل اصدق مثال على ذلك منع المعلم " حمزة بوكوشـــــــة " من وادي سوف من التدريس في مدرسة تيزي وزو ، بحجة أنه ( عربي ) لايحق له التدريس فيها ! .
إنما تبقى من اخبار هذا التواصل قليل لايشفي الغليل ، وفي هذا السياق حدثني الأستاذ : محمد الطيب سي بشير عن التجربة التي عاشها في عرش أث يتسورآغ بزواوة ، ذاكرا أن هناك أفرادا كثيرين من عرشه قد انتقلوا إلى الأوراس خاصة إلى رأس العيون بصفتهم تجارا صغارا ينتمون إلى عائلة العوبي ، وسي بشير ، وهوشال ، وبن عمارة ، وبرغوث ، وعبد المالك ، وآيت محمد ، وفرع من عائلة شيخي ، وايت اقروجان ، وغيرهم .
وبعد أن تحسنت احوال بعضهم نقلوا عائلاتهم إلى مستقرهم الجديد ، هذا ومن جهة اخرى ـ يضيف ـ استقبل عرش آث يتسوراغ يدا عاملة قادمة من الأوراس متخصصة في قطع الأشجار وصناعــة الخشب ، ولم تحتفظ ذاكرة محمد الطيب سي بشير إلا بالقليل من أسماء هؤلاء كعبد الله الصغير ، وموسى اوهماش ، وهناك من قدم لطلب العلم ، منهم صالح دوادي ، الذي استقبلته عائلة لونيس سي بشير ناث لونيس ، وهناك من جاء مدرسا كالمعلم بن ضيف الله الذي كان يدرس في مدرســــة
ثانالت ، ثم استشهد بإمسوحال سنة 1956 .
وما من شك أن هذا التواصل أعمق وأوسع من أن يحصرلا في هذا المثال فقط ، هذا وقد عبر الفنان الكبير " ايدير " بطريقته الخاصة عن هذا التواصل التاريخي بتخصيص أغنية لأهــــل الأوراس ( أخي الشاوي ) جاء فيها :
اوه أقما قارنا أشاوي
اوليو غور إقمال
أذراريو أذ وذراري
أمغيند أقون وال
أريغن ثيغري غور
أرييد أوال
هذا مقطع من اغنية للفنان القبائلي الكبير " ايدير " معناه العام :
( لي أخ يدعى شاوي / ملك قلبي / جبلي وجبلك / نانبتان في أرض واحدة / ندائي إليك مرســـل/ فهل من جواب ) .
تنم عن وجود الوعي بالتواصل التاريخي بين المنطقتين .