مـــــــــــــــــــــواعظ
من فضل الله على عباده تتابع مواسم الخيرات ومضاعفة الحسنات فالمؤمن يتقلب في ساعات عمره بين أنواع العبادات والقربات فلا يمضي من عمره ساعة إلا ولله فيها وظيفة من وظائف الطاعات وما أن يفرغ من عبادة إلا ويشرع في عبادة أخرى ولم يجعل الله حدا لطاعة العبد إلا انتهاء عمره وانقضاء أجله.
وبعد ان اتم الله لنا نعمة اكمال شهر الصيام والقيام ورتب عليه عظيم الأجر والثواب صيام ست أيام من شوال التي ثبت في فضائلها العديد من الأحاديث منها ما رواه الإمام مسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال : ( من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر
المواضيع الأخيرة
بطاقات اسلامية
أدعية رمضانــــــــــية
رؤيه في موروثنا النقدي ؛بحووث نقديه ؛التراث النقدي القديم
صفحة 1 من اصل 1
رؤيه في موروثنا النقدي ؛بحووث نقديه ؛التراث النقدي القديم
بحوث ؛ الفكر الابداعي؛بحوث ادبيه ؛التراث النقدي القديم ؛موروثنا الادبي؛النقد المعاصر ؛بحث
مقال للدكتور محمد صالح الشنطي
*****
ثمة اتجاهات ثلاثة في النظر إلى تراثنا النقدي القديم: الأول يرى أن هذا التراث مرهون بسياقه التاريخي والمعرفي، وهو سياق ممتد في الحاضر، فما الخطاب النقدي المعاصر إلا حلقة جديدة من سلسلة حلقات متصلة مرت بها الخبرة الإنسانية في هذا المجال عبر تراكمها الذي أفضى إلى هذا المنجز الراهن. أما الاتجاه الثاني فيرى أن ثمة انقطاعاً معرفياً قد حدث وأن كل مرحلة من المراحل لها سياقها الخاص ومعرفتها الخاصة في بنية مغلقة لها أنساقها المستقلة داخل هذه البنية.
وأما الاتجاه الثالث فيرى أن المنجز الراهن إنما هو بلورة على نحو ما لم هو في التراث، فنقدنا القديم موسوعة ضمت بين جنباتها كل ما يتشدق به هؤلاء المحدثون، وأن ما نتج من نظريات نقدية إن هي إلا بضاعتنا ردت إلينا.
قضايا الإبداع والنقد:
إن القضايا المتعلقة بالفكر الإبداعي والنقدي متصلة منذ اليونان والرومان، وخصوصاً قضية الهوية الجمالية، وهو ما أطلق عليه لفظ "الشعرية والشاعرية والإنشائية والأدبية والجمالية وما إلى ذلك" وأعتقد أن غاية البحوث والدراسات النقدية منذ القدم ما زالت تتواتر من أجل تحديد عناصر هذه الهوية عند الكاتب وكيفية الكشف عنها عند الناقد بوصفه الملتقى المدرك لهذا العمل، فالشعرية في مفهومها العام تعني "قوانين الخطاب الأدبي"(4)، والمصطلح ذاته قديم مما يدلل على ما ذهبنا إليه من أن السمات الجوهرية الجمالية تتمتع بشيء من الثبات لأنها مرتبطة بالفطرة الإبداعية، فهذا المصطلح يعود إلى الفكر اليوناني عند أرسطو تحديداً من حيث كونه بحثاً في القوانين العلمية التي تحكم الإبداع وقد تطور واتخذ مسميات متعددة عبر التاريخ من هنا كان الاتجاه الثاني الذي يدقق فيما ورد في الموروث النقدي من معالجات تتصل بظواهر نقدية حديثة، ولهذا سأتوقف عند بعض الدراسات التي درست بعضاً من تلك الظواهر في كتب النقد القديمة لنتبين مدى صحة ما ذهبنا إليه من ثبات وتحول في السمات المتصلة بالهوية الجمالية للنص الأدبي من حيث الإنشاء والتلقي على حد سواء، وما تعلق بمناهج النقد الحديثة في معالجتها لتلك الهوية.
ولعل أبرز هذه الظواهر:
الانحراف والتناص:
يرى بعض الدارسين أن مقولة الانحراف التي تمثل جوهر اللغة الإبداعية فيما أسماه البعض "الاختلاف" يرجع إلى المبدأ اللساني المعروف الذي أتى به دي سوسير في حديثه عن اللغة والقول، فالقول فيه انحراف عن البنية اللغوية القارة، ويأخذ هذا الانحراف مداه في العمل الشعري، وقد تنبه إلى هذه المسالة على نحو واضح عبد القاهر الجرجاني، وليس من شك في أن لغة الشعر تعمد إلى مفارقة النسق المعتاد لأن ذلك مناط جماليتها، فالمألوف من القول لا يثير في المتلقي أي إحساس لأنه يجري بحسب الإلف والعادة، أما الانحراف عن المعتاد فهو ما يتوسل به لهز يقظة المتلقي غير أن المسألة نسبية ولها ضوابطها التي هي من صنع ملكة المبدع مما أثار إشكاليات متعددة تتعلق بالمدى الذي يمكن أن يذهب إليه الانحراف بعيداً عن المعيارية التي نصبتها علوم البلاغة ونظريات الأجناس الأدبية.
وإذا ما عدنا إلى مبدأ الاختلاف نجده على المستوى النقدي ممثلاً فيما ورد في كتب الأقدمين وخصوصاً عبدالقاهر الجرجاني، أما على المستوى الإبداع فينهض فن الموشحات نموذجاً واضحاً.
ولنبدأ بالنقد أولاً إذ أن الانحراف أساس الأسلوب الأدبي ولو رجعنا إلى أي تعريف من تعريفات الأسلوب نجد أن الانحراف هو جوهره حتى تلك التعريفات التي تركز على محور الاختيار، إذ ثمة من يرى أن الأسلوب اختيار أو انتقاء يقوم به المنشئ لمسات لغوية معينة بغرض التعبير عن موقف معين، فهذا الاختيار لابد أن يكون مخالفاً لما اعتاد الناس عليه وانحرافاً عنه حتى يحدث الصدمة المطلوبة التي تقود إلى الأثر المنشود، أما التعريف الذي يتكئ على الانحراف، فهو ذلك الذي يرى فيه "مفارقة Departure أو انحرافاً Deviation عن نمط آخر من القول ينظر إليه على أنه نمط معياري Norm ومسوغ المقارنة بين النص المفارق والنص النمط هو تماثل السياق في كل منهما"(5).
ولو دققنا النظر في مباحث البلاغة العربية كلها لوجدنا أنها تحقق هذا الانحراف أو تلك المخالفة، فالمجاز برمته يخرج عن الحقيقي المألوف في التعبير العادي إلى غير العادي فيستعمل اللفظ في غير ما وضع له وقس على ذلك علم المعاني، ما تعلق من مباحثه بالتقديم والتأخير أو الخروج على مقتضى الظاهر وما إلى ذلك، وموضوعات علم البديع كالطباق والجناس والتورية وغيرها، فكلها خروج على مقتضى الإلف والعادة بالمخالفة والانحراف.
وقد جاء هذا متسقاً مع طبيعة الإدراك الجمالي، فالفن الذي يطلق الأثر في النفس فيهزها ويبهرها ويمتعها يفاجئ المتلقي بما لم يألفه، هذه بدهية من بدهيات الفن، أدركها النقاد العرب وغيرهم، فنهضت "شعريتهم" التي نعنى بها الهوية الجمالية للعمل الفني على هذا المبدأ، وقد تفاوتت رؤيتهم النظرية من سمة إلى أخرى ومن ملمح إلى غيره.
وقد تطور مبدأ الانحراف هذا من تجلياته البسيطة على مستوى البلاغة التقليدية إلى ما يرقى إلى مستوى اللسانيات الحديثة المستثمرة في النقد، على نحو ما نرى عند جون كوهين في "شعرية الانزياح" إذ حاول أن يطور البلاغة القديمة بإدخالها إلى دائرة الأسلوبية، وتتجلى نظريته في الانزياح في ما أسماه خرق الشعر لقانون اللغة، فالشعر طبقاً لهذه النظرية "ليس نثراً يضاف إليه شيء آخر، بل إنه نقيض النثر، غير أن المسالة ليست مطلقة فثمة من يميز بين ضربين من الشعرية أو الجمالية: الأول يسمى بجمالية المماثلة حيث تحدد قيمة الأشكال الفنية بمدى احترامها للقواعد ويكون كل خرق فيها علامة ضعف، والثاني يطلق عليه اسم "جمالية المعارضة" حيث تتحدد قيم تلك الأشكال بمدى خرقها للقواعد المألوفة، ويشير صاحب هذه الرؤية، وهو لوثمان إلى أن هاتين الجماليتين كانتا عبر التاريخ الإنساني، وفي اعتقادي أن القواعد التي تحدث عنها لوثمان تشكل في حد ذاتها خرقاً لمألوف اللغة، ولعله يعني بهذه القواعد الأسس الجمالية الجوهرية التي تنهض عليها الأجناس الأدبية. وقد تناول هذه المسألة تحت عنوان "المشاكلة والاختلاف"(6) الدكتور عبد الله الغذامي، ولعلنا عائدون إلى كتابة الموسوم بهذا الاسم في موقع آخر.
وترتبط شعرية الانزياح بفكرة الانحراف التي أومأنا إليها منذ البداية باعتبارها منطلقاً لملمح جمالي تم تطوير النظر إليه عبر هذه النظرية، غير أن فكرة الانحراف ترتبط بظاهرة فردية كما يرى بعض النقاد، بمعنى أنها سمة أسلوبية تميز أسلوب كاتب بعينه عن غيره ومن خلال استعماله لهذه السمة في سياق نصي محدد، ولا أظن أن الأمر كذلك إذ يمكن التوسع في فهمه بحيث يقترب من مفهوم الانزياح، ويكون له مجالان: مخصوص وعام. وربما لاتعنينا "نظرية البعد" في هذا المقام لأنها تنفسح لتستوعب الفرق بين النثر والشعر وما إلى هذا قصدنا، وهذا ما يؤيده ريفاتير الذي يرى أن المجاز مظهر من مظاهر الانزياح، إذ يقع ذلك فيما أسماه محور الاختيار، وكوهن ينظر إلى الاستعارة على أنها من مظاهر الانزياح مما يؤكد ما ذهبنا إليه، والانحراف، أو العدول الذي يعتبر لوناً من ألوان الانزياح لا ينضبط وفق قاعدة معينة كما هو الحال في البلاغة التقليدية، وإنما يتحدد وفقاً لرؤية الناقد أو الملتقي، ولابد أن نأخذ بعين الاعتبار أن الانحراف قد لا يكون ظاهرة يمكن قياسها، بل خفية تبتدي في الاختيارات التي تقترب من الأنساق المعتادة، ولكن سحرها لا ينكشف إلا بعد طول المعاودة والمراجعة.
وإذا تأملنا ما أشار إليه أصحاب شعرية الانزياح، وخصوصاً ريفاتير وكوهين(7)، لوجدنا أن ما أشار إليه هؤلاء يرتكز على واحدة من ثنائيات دي سوسير التي بدأها بالتمييز بين اللغة والكلام، وهذه الثنائية تتمثل فيما هو سياقي واستبدالي، إذ أن البلاغة التقليدية -فيما يرى النقاد لم تكن تميز بين الاثنين، فليس ثمة انزياح استبدالي وآخر سياقي، بل أجملت الحديث عن هذين اللونين في مبحث "الصورة"، فالانزياح السياقي يتعلق بخرق قانون الكلام فهو انحراف يتم على المستوى الفردي، أما الاستبدالي فهو يستدعي الغياب، بمعنى أن اللفظة -وفق قانون التداعي- تستحضر كل ما يتعلق بها صوتياً ودلالياً، من هنا كانت القافية والحذف والتقديم والتأخير كل ذلك يدخل في إطار الانزياح السياقي، أما الانزياح الاستبدالي فهو يتمثل في الاستعارة، وكوهن يجعلها ذات مكانة رفيعة ورئيسة، فيما يرى في الانزياح السياقي ظاهرة ثانوية، ومن الواضح أن هذين اللونين من ألوان الانزياح لا يتجاوزان علمي المعاني والبيان، فالأول الانزياح فيه سياقي، والثاني استبدالي، ولكن المحدثين وأعني بهم علماء اللسانيات بلوروا المسألة فيما هي نظرية كلية تتجاوز الزاوية البلاغية القديمة التي تتعامل مع المسألة كظواهر جزئية لها معاييرها الثابتة، ومسمياتها الاصطلاحية وقد بلغ النظر الأسلوبي مبلغه متجاوزاً الدرس البلاغي، وتحول إلى علم (علم الانزياحات اللغوية) له مقولاته ومفهوماته، وأصبحت الشعرية كذلك علماً فهي تعالج الانزياحات اللغوية في النوع الأدبي ودخلت المسألة إلى حيز المعادلات الرياضية إذ "يكون الأسلوب الشعري هو متوسط انزياح مجموعة القصائد الذي سيكون من الممكن نظرياً الاعتماد عليه لقياس معدل شاعرية أية قصيدة كيفما كانت"
منجز أدبي عربي.. سابق.. جريء:
أما الانحراف على المستوى الإبداعي كمنجز أدبي عربي سابق جريء، يرقى إلى مستوى التجديدات الإبداعية التي تشكل منعطفاً حاسماً في مسيرة الشعر يوازي أو يقارب المنجز المعاصر فيتمثل في الموشحات، فثمة من يرى أنها الثورة الشعرية الأولى في تاريخ الشعر العربي منذ الجاهلية حتى ظهور حركة الشعر الحديث في الربع الثاني من منتصف القرن العشرين(9)، وإن كانت المحاولات السابقة لها لا تتجاوز النطاق الفردي وقد خرج الموشح على الأعاريض الخليلية، وقد خلا في بعض نماذجه من الوزن الشعري فضلاً عن استخدامه للغة الدارجة والعجمية، وقد بنيت على أساس فولكوري أندلسي.
أما فيما يتعلق بمسألة الانحراف فيحددها الدكتور صلاح فضل في عدة مظاهر تتمثل على المستوى الموسيقي في اصطناع التفعيلة بوصفها وحدة وزنية انحرافاً عن البحر، ثم مزج البحور في الموشحة الواحدة خروجاً على واحدة من أهم مرتكزات الموسيقى في الشعر العربي التقليدي، ولكنها انحرافات تؤسس لنوع شعري جديد يلتزم بمبادئ هذا الانحراف، وفي اعتقادي أنها ترسي المبدأ ولكنها لاتذهب فيه إلى الانفتاح الكلي على هذا الفضاء الذي نجده في الشعر الحديث. أما الانحراف على المستوى اللغوي فهو يتسق فيه مع ما حدث في الجانب الموسيقي؛ إذ تتداخل المستويات اللغوية كما تتداخل المستويات الإيقاعية فثمة تناسج بين الفصيح المعرب والعامي الملحون والأعجمي الرومي كما يقول الناقد، وهذا انحراف مدوّ من شأنه أن يحدث قطيعة مع القصيدة التقليدية، ولكن المسألة لا تترك على عواهنها بل تتحول إلى قانون ينظمها فالملحون أو الأعجمي ينبغي أين يكون في الخرجة وله مواصفاته أيضاً، وأما الانحراف الثالث فيتم على مستوى الأخلاقي، وربما لم يكن هذا الانحراف أساسياً، فثمة قصائد كثيرة كسرت القانون الأخلاقي، ولكن الذي جعله ذا خطر كونه جاء مصاحباً لانكسار آخر تمثل في العامية، فالمقاطع الخارجية المنحرفة عن الانضباط الخلقي تتمثل في الخرجة التي اشترط فيها أن تكون عاميةً أو أعجمية.
أما الانحراف الأخير فيتمثل في تعددية الأصوات، فثمة نصوص غائبة، تتمثل في النموذج الأول الذي تكتب على غراره الموشحة، وهذا ما يسميه صلاح فضل (إشباع النموذج)، من هنا كان التقاء هذه الظاهرة مع مصطلح نقدي حديث هو التناص، الذي يتأسس على ما يعرف بـ (ازدواج البؤرة)، فقد أخذت كل الموشحات الشهيرة سلالات شعرية تتوالد عبر الأجيال المختلفة، ولكن هذا الازدواج ينهض على المخالفة وليس المماثلة إذ لا تكون الموشحة اللاحقة تقليداً للسابقة بل تعيد قراءتها مثل سلالة موشح ابن زهر "أيها الساقي" من هنا يلتحم التناص بالانحراف كما يقول الناقد(10)، ويؤسس هذا النموذج الإبداعي لمثل هذه السمة الجمالية الحديثة التي أصبحت مصطلحاً علمياً، ومفهوماً نقدياً له أسسه، ولكنه يتأسس على ملمح جمالي سابق لما اجترحه القدماء.
والمهم في هذه المسألة امتداد هذه الظاهرة بوصفها مشروعاً جمالياً شكّل قاعدة مهمة لنظريات نقدية حديثة، سواء فيما يتعلق بالحوارية التي اجترحها باختين فيما بعد، وجعلها سمة جمالية من سمات الرواية، مركزاً على الأصوات اللغوية داخل النص، وهو ما وفرته الموشحة بشكل خاص، أو فيما يتعلق بالجانب الموسيقي الذي عبث بميلودية القصيدة التقليدية وأسس للبناء الهارموني من خلال تنوع البحور ونماذجها، أو فيما يسمى بجماليات الشكل الذي يتعلق بالكتابة والفراغات وترتيب السطور وما إلى ذلك، مما جعل فضاء التجديد في هذا المجال مفتوحاً إلى أن تحقق في الإبداعات الحديثة في الشعر.
إشكاليات الانحراف والتناص:
وإذا كان ما أشرنا إليه فيما سبق يشكل ريادة إيجابية لمسألتي الانحراف والتناص على المستوى النقدي والإبداعي، فإن ثمة ما يوحي بفهم مغاير لمسألة التناص تصب في اتجاه القصور في فهم هذه الظاهرة، لذا نجد من يقول بالانقطاع المعرفي، ويعتبر تلك الانقطاعات الأبستمولوجية هي الأساس في الطفرات الحضارية التي تعرفها الأمم، لذا يخشى هؤلاء من أن طول البحث والتنقيب في التراث النقدي قد يؤدي إلى الوقوع تحت سلطان هذا الموروث،أو انتزاع هذا التراث من إطاره المعرفي، وذلك من خلال البعد التأويلي لقراءته، لذا لابد أن نتجه بهذه القراءة إلى الإبداع وليس إلى النقد. هذا من ناحية، أما من الناحية الثانية فإن مسألة التناص نظر إليها نظرة سلبية مبالغ فيها من قبل النقاد القدامى، وذلك عبر مبحث السرقات، وانشغل كثير منهم بمسألة التصنيف الدقيق لأنواع السرقة غافلين عن البعد الإبداعي فيها.
وهناك من يلتمس أدنى شبهة ليلصق تهمة السرقة بالشاعر، وهناك من يفرق بين السرقة والاختلاس والموازنة والمواردة والالتقاط وسواها.
وعلى الرغم من وجاهة هذا الرأي فإن الدارس لتلك الفروق الدقيقة بين تلك المناهج من الأخذ أو التداخل بين النصوص يلمح بوادر إدراك على مستوى رفيع يمهد الطريق أمام فهم أكثر تقدماً لهذه المسألة فالموازنة والمواردة والالتقاط من المظاهر التي تباين السرقة وتبدو مقبولة، هذا على المستوى النقدي، أما على المستوى الإبداعي فيقر هؤلاء الدارسون أنفسهم أن ما كان يؤخذ مأخذ السرقة ينبئ سياقه الشعري عن طاقة إبداعية هدفها تكثيف رموز اللغة الشعرية القديمة، حيث يعمد الشعراء الذين يصطنعون هذا المنهج إلى الإيغال في البعد الرمزي الذي تؤخذ فيه الكلمات لتطلق إلى ما يتوخونه من آفاق لم تمنح لها من قبل(11)، وهذا ما يقابل "التفجير" الذي شاع استخدامه لدى المحدثين. ويزعم أصحاب هذا الرأي أن النقد القديم لم يستطع كشفه، وهذا الكلام ليس على إطلاقه فإن الموازنة التي كان يعقدها بعض النقاد بين ما تشابه من الشعر كانت تتسق في أحيان كثيرة مع طبيعة الرسالة الواضحة التي يحملها هذا الشعر الذي كان يقال في أغراض محددة كالمديح أو الغزل أو ما تنبه إليه الناقد المعاصر كان ضرباً من التأويل لتطور أداته النقدية وتسلحه بمنهج هو من إنتاج هذا العصر ولا ضير في ذلك، ولكننا لا نستطيع أن نفصل الخطاب الإبداعي عن الخطاب النقدي بحال، ثم إن بعض النقاد والبلاغيين نهضوا بما يشبه ما فعله المحدثون ولكن على نحو يتفق مع ما ساد من إدراك ومفاهيم، فقضية تتبع العقبان للجيش في الشعر العربي القديم التي كانت واحدة من المسائل التي كثر فيها الأخذ والرد في مبحث السرقات كانت بعض الموازنات تفضي إلى الكشف عن الاختلاف، ولا تقف عند المماثلة التي يرى الناقد المعاصر أنهم جمدوا عليها، وربما كان الرأي الذي يرى في تتبع مسألة السرقة في الشعر العربي القديم من قبل النقاد ولعاً بالابتكار والتجديد يبدو صواباً.
ثم إن الخطاب النقدي بوصفه جزءاً من الخطاب الثقافي العام يمكن أن يضاء بما حفلت به الكتب التي عنيت بالجانب الدلالي والبلاغي ككتب أصول الفقه وكتب التفسير، فقد كشف ما ورد فيها عن وعي بمسألة الدلالة على جانب كبير من الأهمية، وقد أشار بعض الباحثين إلى هذا حين قال: "بمباحث الدلالة قد بحثت على نطاق واسع في كتب أصول الفقه فلا يكاد يخلو كتاب من كتب الأصول إلا وفي مقدمته مبحث في الدلالة، دلالة الكلمة داخل الجملة، والجملة داخل السياق العام، وأهمية السياق في فهم دلالة الكلمة المفرزة كذلك كتب علم الكلام والفلسفة لا يكاد يخلو كتاب منها إلا وفيه مبحث خاص بالمعرفة وبمبحث الدلالة"(12).
وربما كان الحديث عن الدلالة مؤشراً لمعالجة قضية بالغة الأهمية، وهي إثراء المعنى والكشف عن تكاثره وهو ما اصطلح على تسميته بمعنى المعنى الذي قيل أنه فتح نقدي جديد وأن عبد القاهر الجرجاني قد سبق إليه، ونحن نقول إن الفن بعامة والشعر بخاصة يفضي من خلال مزية الإيحاء بهذا، فهو يتجاوز التحديد الدلالي المعجمي في مستواه الأول وحين يفعل ذلك فهو يبحر خلف ما هو أبعد من المعنى، ولم يغفل النقد القديم ذلك، وإن لم يذهب في الشوط إلى المدى الذي ذهبت إليه المناهج الحديثة وقد حاول الدكتور تمام حسان أن يتتبع هذه المسألة من خلال وقوفه على المصطلحات التي بحثت في دلالات ما وراء الصياغة اللغوية فتحدث عن حسن التأليف مشيراً إلى أن المتأخرين من أمثال السبكي في كتابه "عروس الأفراح" حاولوا أن يضبطوا حالات حسن التأليف ضبطاً علمياً صوتياً وجمالياً فقسم مخارج الحروف إلى مجموعات ثلاث، وربط هو وغيره ممن تلاه حروف تلك المخارج بحسن التأليف وفصاحة الكلمة المفردة والتراكيب، وأومأوا إلى أن "تباعد مخارج الحروف من حسن التأليف وتقاربها يؤدي إلى ثقل اللسان، ويروي السيوطي عن السبكي أن ثمة اثني عشر مكاناً لتوالي المخارج تفاوت من حيث الفصاحة وحسن التأليف، وتحدثوا عن المناسبة الصوتية، وليس لأحد أن يدعي أنهم قد بزوا أقرانهم من المتأخرين، ولكن حسبهم أنهم كانوا يشرعون الأبواب لهؤلاء ليكملوا ما بدأوه بإمكانات عصرهم وبما تراكم لديهم من خبرة جمالية على مدى القرون.
وتحدث تمام حسان عن السلامة والجزالة والديباجة والسبك والماء والرونق ووصفها بأنها من المصطلحات التي تشير إلى مفاهيم أسلوبية، وإلى عناصر لغوية أكبر من اللفظة المفردة فيقال للنص أنه سلس الأسلوب جزل العبادة حسن الديباجة قوي السبك له ماء ورونق، وقد حسب البعض أن هذه الألفاظ عامة تفتقر إلى الخصوصية الجمالية لكثرة تداولها لدى الأقدمين والمعاصرين ممن راقهم هذه الكلمات فأفرغوها من مضمونها بسبب استخداماتهم المجانية لها، وهي في حقيقة الأمر ذات مدلولات علمية، أبان عن ذلك الباحث الثبت (الدكتور حسان) فأشار على المقصود بالسلاسة سهولة الأداء اللفظي وخلو الأسلوب من التوعر والتنافر والمعاظلة والغرابة، وهي في الأصل صفة للقياد تنفي العصيان والنفور والتأبي على صاحبها.أما الجزالة فلها محدداتها التي يمكن إدراكها إدراكاً دقيقاً فهي تبدو في التضخيم في مقابل الترقيق والشدَة في مقابل الرخاوة، والطول في مقابل القصر، والتكثير في مقابل التقليل، وقد ضرب أمثلة من القرآن الكريم: (والأرض وما طحاها) تفخيم.. (والأرض بعد ذلك دحاها) ترقيق.. فالتفخيم جاء من القسم والترقيق مع الخبر المجرد، ثم (قضم وخضم) الأولى فيها شدة والثانية فيها رخاوة، والطول والقصر في "مفاتح ومفاتيح" والتكثير في مقابل التقليل في "قر واستقر".. إلخ أما حسن الديباجة فيعني التناسب بين الدال والمدلول، وحكاية الصوت للمعنى، والسبك إحكام العلاقة بين أجزاء النص مما يقترب بنا من مفهوم البنية، وكذلك تلاقي حقلين من حقول المعجم بحيث يجوز للفظ من أحد الحقلين أن يرد في تركيب واحد مع لفظ من الحقل الآخر أي "إسناد الفعل إلى ما هو له" في عرف البلاغيين وهذا يدخل في بلاغة التماثل في النص، ولكن يومئ إلى ما هو أبعد من ذلك من حيث البناء، فحتى في المستوى الآخر "التخالف" يشار إلى موضوع السبك فإذا أسند الفعل إلى غير ما هو له ينبغي أن يحسن استخدام قرينة الربط وهي تكون بإعادة الضمير إلى مرجع ما وبالإشارة وبالموصول وبالوصف والتكرار وما إلى ذلك، فالمسألة مقننة(12).
وهذه المصطلحات التي تتصل بالجانب الأسلوبي تتعامل مع "الشعرية" بوصفها هوية جمالية للنص الأدبي، وقد وقف عليها النقاد القدامى باعتبارها سمات وملامح لهذه الشعرية كل مصطلح على حدة تارة، وضمن منظومة من الخصائص تارة أخرى، ولكنها لم تدرس على أنها محاور تركيبية في إطار منهج متكامل، ولعل هذا أهم ما يميز اللمحات النقدية الذكية التي أشار إليها نقادنا القدماء ليس بوصفها من البدهيات الخفيفة التي تلفت المتلقي ، ولكن في إطار مدروس ينفذ إلى جوهر الظاهرة، ولكن في سياقها الخاص كما سبق أن أشرت.
2- نقد ومناهج :
أما فيما يتعلق بالمناهج النقدية الكبرى سواء تلك التي تعتبر الآن قديمة، على الرغم من معاصرتها، أو التي ينظر إليها على أنها منجز حديث، فإنني أعتقد أن الربط بينها وبين ما جاء في الموروث النقدي يظل في إطار العموميات، فالمناهج المشار إليها ذات فلسفة واضحة، ولها أجهزتها المفهومية التي تستند إلى تلك الفلسفة، ولكن ملاحظات الأقدمين تكشف عن وعي مبدئي بعناصرها بلا أدنى شك، وعن تنبه فطري إلى أهمية تلك العناصر في معالجة النصوص وفهمها، ولعل اشتغال الفلاسفة بالقضايا الكبرى وإقامتها على مناهج في النظر والتأويل، صرف النقاد القدامى عن مسألة اجتراح المناهج المركبة، ظناً منهم أن ذلك بما يكون ألصق بالميدان الفلسفي، فظلوا مشغولين بالجزئيات ومعالجتها في إطارها النصي المحدود بمعزل عن خلفياتها الفلسفية وحياة العرب كانت حياة فطرة وبداوة فهم حديثو عهد في ذلك الزمن البعيد بالتفلسف والتركيب، ربما يكون هذا التعليل صحيحاً، وربما لا يكون، ولكن قرائنه موجودة، إذا لم يفرد الأدب بعلم مستقل، فلم يكن علماً غائباً، وإنما كان يدخل في إطار الوسائل، فكان الأدباء يتوسلون به مدحاً أو ذماً أو هجاءً، أو ترويحاً عن النفس، أو تلبية لرغبة حاكم أو مسؤول، فكان الجانب البراجماني هو الغالب، لذا لم ينشغل النقاد بتقنين مناهجه، وبلورتها، بحيث تصبح في إطار علم يعتد به في مناهج مستقلة.
المنهج التاريخي :
ليس لنا أن نتحدث عن منهج تاريخي في تراثنا القديم نعول فيه على فكرة الطبقات، وترتيبها ترتيباً زمنياً، كما ورد عند ابن سلام الجمحي، أو على فكرة تمحيص النصوص وتحقيق نسبتها إلى أصحابها وذكر ملابساتها كما في البيان والتبيين للجاحظ، أو الحديث عن الحضارة والبداوة كما لدى ابن قتيبة في "عيون الأخبار" أو "الشعر والشعراء" وحتى كتاب الأغاني الذي عني صاحبه بإثبات النصوص وروايتها مسلسلة عن الرواة وذكر مناسباتها وما دار حولها من حوادث وروايات وتعريف بقائليها وربط الجودة بالبيئة والوسط والموازنة بين الشعراء لا تمثل منهجاً تاريخياً، وإن كانت تلك الملاحظات أبواب مشرعة يمكن من خلالها الولوج إلى صياغة منهج متكامل.، وكالأغاني الكثير من الكتب كالعقد الفريد لابن عبد ربه والأمالي لأبي علي القالي واليتيمة للثعالبي، ولكن هذه الكتب جميعاً وما شابهها تكتفي بمجرد الجمع والرواية دون منهج محدد بل إن الاستطراد الذي يناقض منهجية العلم ظل سمة من السمات المميزة لهذه الكتب، ولم تستكمل إجراءات المنهج إلا بعد الاطلاع عليها في الآداب الغربية على أيدي الرواد أمثال طه حسين وأحمد أمين وزكي نجيب محمود وأضرابهم كزكي مبارك في كتابه "النثر الفني في القرن الرابع"، والدكتورة سهير القلماوي في "ألف ليلة وليلة" وشوقي ضيف والبهبيتي وغيرهم(13).
المنهج النفسي:
أما المنهج النفسي فهو لم يسو خلقاً سوياً إلا بعد أن أنجز علماء النفس التحليليون دراساتهم التي شكلت قاعدة انطلاق لهذا المنحنى في النقد، من هنا ينتفي الزعم بوجود جذر علمي له في موروثنا القديم، وإنما قصارى ما هنالك ما اهتدت إليه الفطرة المركوزة من ملاحظات ذوقية تتصل بهذا الجانب، وهي تنم -بلاشك عن إدراك عميق لخبايا النفس وصلتها بالأدب، وقدرة بعض المبدعين على الغوص في أعماقها، وليس بمستغرب على عبقرية كعبقرية عبد القاهر الجرجاني أن تفتح الأبواب من خلال ملاحظاته العميقة لدراسة الأثر النفسي الذي يخلفه الأدب،وإن كان ذلك عاماً لا ينبئ عن مشروع منهجي في هذا المجال، فهو يقول "فإذا رأيت البصير بجواهر الكلام يستحسن شعراً، أو يستجيد نثراً، ثم يجعل الثناء عليه من حيث اللفظ فيقول: حلو رشيق، وحسن(14).
الأسلوبية:
أما المناهج الأسلوبية فهي أقرب على طبيعة نقدنا القديم لتركيزها على السياق اللغوي، لذا كثرت الدراسات حول الظواهر الأسلوبية في موروثنا النقدي فقد أومأ الدكتور شكري عياد في دراسة له عن كتاب سيبويه إلى ظاهرة التمثيل في مقابل الكلام المستعمل مستحضراً بذلك ثنائية دي سوسير عن اللغة والكلام، ومعتبراً ذلك ركن الدراسة الأسلوبية، وقد أوضح أن المقصود بالاستعمال ما ينبغي أن يلتزم به كما ورد عن العرب، أما التمثيل فنوع من القياس مستجد لم يرد عن العرب ويوصف بأنه خاطئ، ويشير الدكتور شكري عياد إلى مسألة السياق التي تعتبر من القضايا الأسلوبية، ويقف عند باب الفاء حيث أن ما ينتصب في هذا الباب قد ينتصب في غير معنى واحد كما جاء في كتاب سيبويه، عندها يقف الباحث ليعلق: هنا تتميز الدراسة الأسلوبية عن الدراسة النحوية بوضوح تام، فالمعاني المقصودة بالتعبير تتباعد عن المعنى النحوي الصرف، المغسول من كل لواخفه، وينفتح المجال واسعاً أمام الأسلوبي للبحث في منابع هذه المعاني الإضافية، وقد أشار سيبويه إلى واحد منها وهو السياق اللغوي(15).
وقد بدت ملاحظة الدكتور شكري عياد وكأنها تقلب الثنائية المأثورة عن العلم السويسري دي سوسير، فالاستعمال الذي ورد عند سيبويه يقابل الكلام، وهنا تتحد صورة اللغة مع الاستعمال الفردي الذي لا يند عنها، فحديثه لا يتناول خصوصية هذا الاستعمال عند الآحاد المتكلمين كما هي الحال عند دي سوسير، ولكن بوصف هذا الاستعمال معبراً عن عبقرية اللغة التي لا تنكشف أسرارها إلا لمن فقهها في حين يبدو التمثيل قياسياً يلتزم بالمظهر النحوي للقاعدة دون إيغال في روح اللغة فما لم يسمع عن العرب لا يعتد به، وهكذا فإن التمثيل لم يتكلم به أحد وكأنه السياق وراء التجريد النحوي.
ويتفق الدكتور سعد مصلوح مع شكري عياد فيما ذهب إليه من أنه يمكن الخروج بثروة من الملاحظات يمكن تنظيمها بحيث يمكن الإفادة منها في النظر الأسلوبي أو في تأصيل أسلوبية للغة العربية.
ويرى الدكتور مصلوح أن ثمة إنجازات أسلوبية نعثر عليها في عمل السكاكي الذي يعتبر من رواّد التقعيد في البلاغة العربية، وهو يتهم بالجمود والجفاف، ويستدل على صحة ما ذهب إليه في عدة أمور منها: إطلاق السكاكي مصطلح "علم الأدب" على علوم البلاغة، ويمتد بعلم الأدب ليشمل بالإضافة إلى البلاغة علمي النحو والصرف اللذين يعتبرهما مرجعي الفصاحة، وقد أشار إلى تجاذب الاختصاص المشكلة التي وقعت بين براثنها دراسة "الظاهرة الأدبية" ورأى أن تضافر علوم البلاغة والنحو والصرف والاستدلال والشعر يمكن أن تسخر لإنجاز تلك الدراسة، ويشير الدكتور سعد مصلوح إلى أن عمل السكاكي يقوم على منظومة تحليلية تتكون من ثلاثة أقسام: الصرف والنحو والمعاني، وأما بقية العلوم الأخرى فهي مساعدة، وهنا تنتظم مستويات التحليل في مفهوم السكاكي لوضع علم الأدب في منهجية متماسكة قوامها الثلاثية الأصلية التي يتحقق فيها هذا العلم وهي التي أشرنا إليها من قبل (الصرف والنحو والمعاني) ثم تأتي سائر العلوم الأخرى تابعة لعلم المعاني ومكملة له، ويذكر أن المعالجة الصرفية لابد أن تتكئ على مقدمة صوتية، ويتضمن كتابه رسم توضيحي لجهاز النطق ويمضي الدكتور مصلوح في دراسة علمية منهجية ليخلص إلى إنجازات السكاكي في هذا المجال، ولعل الناقد الثبت كان دقيقاً كل الدقة، ولكن قراءته لا تخلو من تأويل، ولكنها تخلو من التعميم والخلط، مما يدل دلالة واضحة على أن الجانب الأسلوبي أوضح لدى نقادنا القدامى، وهذه المسألة تحتاج إلى وقفة مطولة، لعل المجال يتاح لنا مرة أخرى لنستوفيه.
الهوامش
(1) د. جابر عصفور، آفاق العصر (فضاء النقد الأدبي في القرن العشرين)، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، 1997ص197.
(2) راجع: الدكتور حسن الهويمل، ملامح الموروث في الظواهر النقدية المعاصرة، دراسة منشورة ضمن أبحاث الندوة التي أقيمت في نادي جده الأدبي الثقافي في الفترة من 9 إلى 15/4/1409، المجلد الثاني، كتاب النادي رقم 59 في 12/7/1990 ص509.
(3) المرجع السابق نفسه.
(4) حسن ناظم، مفاهيم شعرية "دراسة مقارنة في الأصول والمناهج والمفاهيم" المركز الثقافي العربي، بيروت 1994 من ص111-140.
(5) د. سعد مصلوح "دراسة لغوية إحصائية" دار الفكر العرببي ط2، بيروت 1984، ماهية الأسلوب.
(6) د. عبد الله الغذامي، المشاكلة والاختلاف، قراءة في النظرية النقدية العربية وبحث في الشبيه المختلف، المركز الثقافي العربي، بيروت 1994.
(7) راجع فيما يتعلق بشعرية الانزياح: حصن ناظم (مفاهيم شعرية) مرجع سابق.
( حسن ناظم، مفاهيم شعرية، مرجع سابق.
(9) د. عز الدين المناصرة، جمرة النص الشعري "مقدمات نظرية الفاعلية والحداثة، اتحاد الكتاب العرب بدعم من مؤسسة عبد الحميد شومان، دار الكرمل 1995، ص89 وما بعدها.
(10) دكتور صلاح فضل، طراز التوشيح بين الانحراف والتناص، بحث منشور ضمن أبحاث ندوة "قراءة جديدة لتراثنا النقدي القديم" نادي جده الثقافي، 1990 ص967.
(11) سعيد السريحي، تكثيف اللغة الشعرية، قراءة في مبحث الشركات كتاب الندوة،المجلد الثاني ص749.
(12) راجع: الدكتور تمام حسان، موقف النقد العربي من دلالات ما وراء الصياغة، من أوراق ندوة قراءة جديدة لتراثنا النقدي، المجلد الأول، مرجع ساق ص783 وما بعدها.
(13) راجع: سيد قطب، النقد الأدبي: أصوله ومناهجه، دار الشروق، عمان (د.ت) من ص115 إلى ص227.
(14) راجع: د. محمد خلف الله أحمد، من الوجهة النفسية للأدب ط3، الرياض، دار العلوم 1984 من ص99-154.
(15) د. شكري عياد، قراءة أسلوبية في كتاب سيبوبه، كتاب الندوة، نادي جدة الثقافي ص801 وما بعدها.
منقول للأمانة
مقال للدكتور محمد صالح الشنطي
*****
ثمة اتجاهات ثلاثة في النظر إلى تراثنا النقدي القديم: الأول يرى أن هذا التراث مرهون بسياقه التاريخي والمعرفي، وهو سياق ممتد في الحاضر، فما الخطاب النقدي المعاصر إلا حلقة جديدة من سلسلة حلقات متصلة مرت بها الخبرة الإنسانية في هذا المجال عبر تراكمها الذي أفضى إلى هذا المنجز الراهن. أما الاتجاه الثاني فيرى أن ثمة انقطاعاً معرفياً قد حدث وأن كل مرحلة من المراحل لها سياقها الخاص ومعرفتها الخاصة في بنية مغلقة لها أنساقها المستقلة داخل هذه البنية.
وأما الاتجاه الثالث فيرى أن المنجز الراهن إنما هو بلورة على نحو ما لم هو في التراث، فنقدنا القديم موسوعة ضمت بين جنباتها كل ما يتشدق به هؤلاء المحدثون، وأن ما نتج من نظريات نقدية إن هي إلا بضاعتنا ردت إلينا.
قضايا الإبداع والنقد:
إن القضايا المتعلقة بالفكر الإبداعي والنقدي متصلة منذ اليونان والرومان، وخصوصاً قضية الهوية الجمالية، وهو ما أطلق عليه لفظ "الشعرية والشاعرية والإنشائية والأدبية والجمالية وما إلى ذلك" وأعتقد أن غاية البحوث والدراسات النقدية منذ القدم ما زالت تتواتر من أجل تحديد عناصر هذه الهوية عند الكاتب وكيفية الكشف عنها عند الناقد بوصفه الملتقى المدرك لهذا العمل، فالشعرية في مفهومها العام تعني "قوانين الخطاب الأدبي"(4)، والمصطلح ذاته قديم مما يدلل على ما ذهبنا إليه من أن السمات الجوهرية الجمالية تتمتع بشيء من الثبات لأنها مرتبطة بالفطرة الإبداعية، فهذا المصطلح يعود إلى الفكر اليوناني عند أرسطو تحديداً من حيث كونه بحثاً في القوانين العلمية التي تحكم الإبداع وقد تطور واتخذ مسميات متعددة عبر التاريخ من هنا كان الاتجاه الثاني الذي يدقق فيما ورد في الموروث النقدي من معالجات تتصل بظواهر نقدية حديثة، ولهذا سأتوقف عند بعض الدراسات التي درست بعضاً من تلك الظواهر في كتب النقد القديمة لنتبين مدى صحة ما ذهبنا إليه من ثبات وتحول في السمات المتصلة بالهوية الجمالية للنص الأدبي من حيث الإنشاء والتلقي على حد سواء، وما تعلق بمناهج النقد الحديثة في معالجتها لتلك الهوية.
ولعل أبرز هذه الظواهر:
الانحراف والتناص:
يرى بعض الدارسين أن مقولة الانحراف التي تمثل جوهر اللغة الإبداعية فيما أسماه البعض "الاختلاف" يرجع إلى المبدأ اللساني المعروف الذي أتى به دي سوسير في حديثه عن اللغة والقول، فالقول فيه انحراف عن البنية اللغوية القارة، ويأخذ هذا الانحراف مداه في العمل الشعري، وقد تنبه إلى هذه المسالة على نحو واضح عبد القاهر الجرجاني، وليس من شك في أن لغة الشعر تعمد إلى مفارقة النسق المعتاد لأن ذلك مناط جماليتها، فالمألوف من القول لا يثير في المتلقي أي إحساس لأنه يجري بحسب الإلف والعادة، أما الانحراف عن المعتاد فهو ما يتوسل به لهز يقظة المتلقي غير أن المسألة نسبية ولها ضوابطها التي هي من صنع ملكة المبدع مما أثار إشكاليات متعددة تتعلق بالمدى الذي يمكن أن يذهب إليه الانحراف بعيداً عن المعيارية التي نصبتها علوم البلاغة ونظريات الأجناس الأدبية.
وإذا ما عدنا إلى مبدأ الاختلاف نجده على المستوى النقدي ممثلاً فيما ورد في كتب الأقدمين وخصوصاً عبدالقاهر الجرجاني، أما على المستوى الإبداع فينهض فن الموشحات نموذجاً واضحاً.
ولنبدأ بالنقد أولاً إذ أن الانحراف أساس الأسلوب الأدبي ولو رجعنا إلى أي تعريف من تعريفات الأسلوب نجد أن الانحراف هو جوهره حتى تلك التعريفات التي تركز على محور الاختيار، إذ ثمة من يرى أن الأسلوب اختيار أو انتقاء يقوم به المنشئ لمسات لغوية معينة بغرض التعبير عن موقف معين، فهذا الاختيار لابد أن يكون مخالفاً لما اعتاد الناس عليه وانحرافاً عنه حتى يحدث الصدمة المطلوبة التي تقود إلى الأثر المنشود، أما التعريف الذي يتكئ على الانحراف، فهو ذلك الذي يرى فيه "مفارقة Departure أو انحرافاً Deviation عن نمط آخر من القول ينظر إليه على أنه نمط معياري Norm ومسوغ المقارنة بين النص المفارق والنص النمط هو تماثل السياق في كل منهما"(5).
ولو دققنا النظر في مباحث البلاغة العربية كلها لوجدنا أنها تحقق هذا الانحراف أو تلك المخالفة، فالمجاز برمته يخرج عن الحقيقي المألوف في التعبير العادي إلى غير العادي فيستعمل اللفظ في غير ما وضع له وقس على ذلك علم المعاني، ما تعلق من مباحثه بالتقديم والتأخير أو الخروج على مقتضى الظاهر وما إلى ذلك، وموضوعات علم البديع كالطباق والجناس والتورية وغيرها، فكلها خروج على مقتضى الإلف والعادة بالمخالفة والانحراف.
وقد جاء هذا متسقاً مع طبيعة الإدراك الجمالي، فالفن الذي يطلق الأثر في النفس فيهزها ويبهرها ويمتعها يفاجئ المتلقي بما لم يألفه، هذه بدهية من بدهيات الفن، أدركها النقاد العرب وغيرهم، فنهضت "شعريتهم" التي نعنى بها الهوية الجمالية للعمل الفني على هذا المبدأ، وقد تفاوتت رؤيتهم النظرية من سمة إلى أخرى ومن ملمح إلى غيره.
وقد تطور مبدأ الانحراف هذا من تجلياته البسيطة على مستوى البلاغة التقليدية إلى ما يرقى إلى مستوى اللسانيات الحديثة المستثمرة في النقد، على نحو ما نرى عند جون كوهين في "شعرية الانزياح" إذ حاول أن يطور البلاغة القديمة بإدخالها إلى دائرة الأسلوبية، وتتجلى نظريته في الانزياح في ما أسماه خرق الشعر لقانون اللغة، فالشعر طبقاً لهذه النظرية "ليس نثراً يضاف إليه شيء آخر، بل إنه نقيض النثر، غير أن المسالة ليست مطلقة فثمة من يميز بين ضربين من الشعرية أو الجمالية: الأول يسمى بجمالية المماثلة حيث تحدد قيمة الأشكال الفنية بمدى احترامها للقواعد ويكون كل خرق فيها علامة ضعف، والثاني يطلق عليه اسم "جمالية المعارضة" حيث تتحدد قيم تلك الأشكال بمدى خرقها للقواعد المألوفة، ويشير صاحب هذه الرؤية، وهو لوثمان إلى أن هاتين الجماليتين كانتا عبر التاريخ الإنساني، وفي اعتقادي أن القواعد التي تحدث عنها لوثمان تشكل في حد ذاتها خرقاً لمألوف اللغة، ولعله يعني بهذه القواعد الأسس الجمالية الجوهرية التي تنهض عليها الأجناس الأدبية. وقد تناول هذه المسألة تحت عنوان "المشاكلة والاختلاف"(6) الدكتور عبد الله الغذامي، ولعلنا عائدون إلى كتابة الموسوم بهذا الاسم في موقع آخر.
وترتبط شعرية الانزياح بفكرة الانحراف التي أومأنا إليها منذ البداية باعتبارها منطلقاً لملمح جمالي تم تطوير النظر إليه عبر هذه النظرية، غير أن فكرة الانحراف ترتبط بظاهرة فردية كما يرى بعض النقاد، بمعنى أنها سمة أسلوبية تميز أسلوب كاتب بعينه عن غيره ومن خلال استعماله لهذه السمة في سياق نصي محدد، ولا أظن أن الأمر كذلك إذ يمكن التوسع في فهمه بحيث يقترب من مفهوم الانزياح، ويكون له مجالان: مخصوص وعام. وربما لاتعنينا "نظرية البعد" في هذا المقام لأنها تنفسح لتستوعب الفرق بين النثر والشعر وما إلى هذا قصدنا، وهذا ما يؤيده ريفاتير الذي يرى أن المجاز مظهر من مظاهر الانزياح، إذ يقع ذلك فيما أسماه محور الاختيار، وكوهن ينظر إلى الاستعارة على أنها من مظاهر الانزياح مما يؤكد ما ذهبنا إليه، والانحراف، أو العدول الذي يعتبر لوناً من ألوان الانزياح لا ينضبط وفق قاعدة معينة كما هو الحال في البلاغة التقليدية، وإنما يتحدد وفقاً لرؤية الناقد أو الملتقي، ولابد أن نأخذ بعين الاعتبار أن الانحراف قد لا يكون ظاهرة يمكن قياسها، بل خفية تبتدي في الاختيارات التي تقترب من الأنساق المعتادة، ولكن سحرها لا ينكشف إلا بعد طول المعاودة والمراجعة.
وإذا تأملنا ما أشار إليه أصحاب شعرية الانزياح، وخصوصاً ريفاتير وكوهين(7)، لوجدنا أن ما أشار إليه هؤلاء يرتكز على واحدة من ثنائيات دي سوسير التي بدأها بالتمييز بين اللغة والكلام، وهذه الثنائية تتمثل فيما هو سياقي واستبدالي، إذ أن البلاغة التقليدية -فيما يرى النقاد لم تكن تميز بين الاثنين، فليس ثمة انزياح استبدالي وآخر سياقي، بل أجملت الحديث عن هذين اللونين في مبحث "الصورة"، فالانزياح السياقي يتعلق بخرق قانون الكلام فهو انحراف يتم على المستوى الفردي، أما الاستبدالي فهو يستدعي الغياب، بمعنى أن اللفظة -وفق قانون التداعي- تستحضر كل ما يتعلق بها صوتياً ودلالياً، من هنا كانت القافية والحذف والتقديم والتأخير كل ذلك يدخل في إطار الانزياح السياقي، أما الانزياح الاستبدالي فهو يتمثل في الاستعارة، وكوهن يجعلها ذات مكانة رفيعة ورئيسة، فيما يرى في الانزياح السياقي ظاهرة ثانوية، ومن الواضح أن هذين اللونين من ألوان الانزياح لا يتجاوزان علمي المعاني والبيان، فالأول الانزياح فيه سياقي، والثاني استبدالي، ولكن المحدثين وأعني بهم علماء اللسانيات بلوروا المسألة فيما هي نظرية كلية تتجاوز الزاوية البلاغية القديمة التي تتعامل مع المسألة كظواهر جزئية لها معاييرها الثابتة، ومسمياتها الاصطلاحية وقد بلغ النظر الأسلوبي مبلغه متجاوزاً الدرس البلاغي، وتحول إلى علم (علم الانزياحات اللغوية) له مقولاته ومفهوماته، وأصبحت الشعرية كذلك علماً فهي تعالج الانزياحات اللغوية في النوع الأدبي ودخلت المسألة إلى حيز المعادلات الرياضية إذ "يكون الأسلوب الشعري هو متوسط انزياح مجموعة القصائد الذي سيكون من الممكن نظرياً الاعتماد عليه لقياس معدل شاعرية أية قصيدة كيفما كانت"
منجز أدبي عربي.. سابق.. جريء:
أما الانحراف على المستوى الإبداعي كمنجز أدبي عربي سابق جريء، يرقى إلى مستوى التجديدات الإبداعية التي تشكل منعطفاً حاسماً في مسيرة الشعر يوازي أو يقارب المنجز المعاصر فيتمثل في الموشحات، فثمة من يرى أنها الثورة الشعرية الأولى في تاريخ الشعر العربي منذ الجاهلية حتى ظهور حركة الشعر الحديث في الربع الثاني من منتصف القرن العشرين(9)، وإن كانت المحاولات السابقة لها لا تتجاوز النطاق الفردي وقد خرج الموشح على الأعاريض الخليلية، وقد خلا في بعض نماذجه من الوزن الشعري فضلاً عن استخدامه للغة الدارجة والعجمية، وقد بنيت على أساس فولكوري أندلسي.
أما فيما يتعلق بمسألة الانحراف فيحددها الدكتور صلاح فضل في عدة مظاهر تتمثل على المستوى الموسيقي في اصطناع التفعيلة بوصفها وحدة وزنية انحرافاً عن البحر، ثم مزج البحور في الموشحة الواحدة خروجاً على واحدة من أهم مرتكزات الموسيقى في الشعر العربي التقليدي، ولكنها انحرافات تؤسس لنوع شعري جديد يلتزم بمبادئ هذا الانحراف، وفي اعتقادي أنها ترسي المبدأ ولكنها لاتذهب فيه إلى الانفتاح الكلي على هذا الفضاء الذي نجده في الشعر الحديث. أما الانحراف على المستوى اللغوي فهو يتسق فيه مع ما حدث في الجانب الموسيقي؛ إذ تتداخل المستويات اللغوية كما تتداخل المستويات الإيقاعية فثمة تناسج بين الفصيح المعرب والعامي الملحون والأعجمي الرومي كما يقول الناقد، وهذا انحراف مدوّ من شأنه أن يحدث قطيعة مع القصيدة التقليدية، ولكن المسألة لا تترك على عواهنها بل تتحول إلى قانون ينظمها فالملحون أو الأعجمي ينبغي أين يكون في الخرجة وله مواصفاته أيضاً، وأما الانحراف الثالث فيتم على مستوى الأخلاقي، وربما لم يكن هذا الانحراف أساسياً، فثمة قصائد كثيرة كسرت القانون الأخلاقي، ولكن الذي جعله ذا خطر كونه جاء مصاحباً لانكسار آخر تمثل في العامية، فالمقاطع الخارجية المنحرفة عن الانضباط الخلقي تتمثل في الخرجة التي اشترط فيها أن تكون عاميةً أو أعجمية.
أما الانحراف الأخير فيتمثل في تعددية الأصوات، فثمة نصوص غائبة، تتمثل في النموذج الأول الذي تكتب على غراره الموشحة، وهذا ما يسميه صلاح فضل (إشباع النموذج)، من هنا كان التقاء هذه الظاهرة مع مصطلح نقدي حديث هو التناص، الذي يتأسس على ما يعرف بـ (ازدواج البؤرة)، فقد أخذت كل الموشحات الشهيرة سلالات شعرية تتوالد عبر الأجيال المختلفة، ولكن هذا الازدواج ينهض على المخالفة وليس المماثلة إذ لا تكون الموشحة اللاحقة تقليداً للسابقة بل تعيد قراءتها مثل سلالة موشح ابن زهر "أيها الساقي" من هنا يلتحم التناص بالانحراف كما يقول الناقد(10)، ويؤسس هذا النموذج الإبداعي لمثل هذه السمة الجمالية الحديثة التي أصبحت مصطلحاً علمياً، ومفهوماً نقدياً له أسسه، ولكنه يتأسس على ملمح جمالي سابق لما اجترحه القدماء.
والمهم في هذه المسألة امتداد هذه الظاهرة بوصفها مشروعاً جمالياً شكّل قاعدة مهمة لنظريات نقدية حديثة، سواء فيما يتعلق بالحوارية التي اجترحها باختين فيما بعد، وجعلها سمة جمالية من سمات الرواية، مركزاً على الأصوات اللغوية داخل النص، وهو ما وفرته الموشحة بشكل خاص، أو فيما يتعلق بالجانب الموسيقي الذي عبث بميلودية القصيدة التقليدية وأسس للبناء الهارموني من خلال تنوع البحور ونماذجها، أو فيما يسمى بجماليات الشكل الذي يتعلق بالكتابة والفراغات وترتيب السطور وما إلى ذلك، مما جعل فضاء التجديد في هذا المجال مفتوحاً إلى أن تحقق في الإبداعات الحديثة في الشعر.
إشكاليات الانحراف والتناص:
وإذا كان ما أشرنا إليه فيما سبق يشكل ريادة إيجابية لمسألتي الانحراف والتناص على المستوى النقدي والإبداعي، فإن ثمة ما يوحي بفهم مغاير لمسألة التناص تصب في اتجاه القصور في فهم هذه الظاهرة، لذا نجد من يقول بالانقطاع المعرفي، ويعتبر تلك الانقطاعات الأبستمولوجية هي الأساس في الطفرات الحضارية التي تعرفها الأمم، لذا يخشى هؤلاء من أن طول البحث والتنقيب في التراث النقدي قد يؤدي إلى الوقوع تحت سلطان هذا الموروث،أو انتزاع هذا التراث من إطاره المعرفي، وذلك من خلال البعد التأويلي لقراءته، لذا لابد أن نتجه بهذه القراءة إلى الإبداع وليس إلى النقد. هذا من ناحية، أما من الناحية الثانية فإن مسألة التناص نظر إليها نظرة سلبية مبالغ فيها من قبل النقاد القدامى، وذلك عبر مبحث السرقات، وانشغل كثير منهم بمسألة التصنيف الدقيق لأنواع السرقة غافلين عن البعد الإبداعي فيها.
وهناك من يلتمس أدنى شبهة ليلصق تهمة السرقة بالشاعر، وهناك من يفرق بين السرقة والاختلاس والموازنة والمواردة والالتقاط وسواها.
وعلى الرغم من وجاهة هذا الرأي فإن الدارس لتلك الفروق الدقيقة بين تلك المناهج من الأخذ أو التداخل بين النصوص يلمح بوادر إدراك على مستوى رفيع يمهد الطريق أمام فهم أكثر تقدماً لهذه المسألة فالموازنة والمواردة والالتقاط من المظاهر التي تباين السرقة وتبدو مقبولة، هذا على المستوى النقدي، أما على المستوى الإبداعي فيقر هؤلاء الدارسون أنفسهم أن ما كان يؤخذ مأخذ السرقة ينبئ سياقه الشعري عن طاقة إبداعية هدفها تكثيف رموز اللغة الشعرية القديمة، حيث يعمد الشعراء الذين يصطنعون هذا المنهج إلى الإيغال في البعد الرمزي الذي تؤخذ فيه الكلمات لتطلق إلى ما يتوخونه من آفاق لم تمنح لها من قبل(11)، وهذا ما يقابل "التفجير" الذي شاع استخدامه لدى المحدثين. ويزعم أصحاب هذا الرأي أن النقد القديم لم يستطع كشفه، وهذا الكلام ليس على إطلاقه فإن الموازنة التي كان يعقدها بعض النقاد بين ما تشابه من الشعر كانت تتسق في أحيان كثيرة مع طبيعة الرسالة الواضحة التي يحملها هذا الشعر الذي كان يقال في أغراض محددة كالمديح أو الغزل أو ما تنبه إليه الناقد المعاصر كان ضرباً من التأويل لتطور أداته النقدية وتسلحه بمنهج هو من إنتاج هذا العصر ولا ضير في ذلك، ولكننا لا نستطيع أن نفصل الخطاب الإبداعي عن الخطاب النقدي بحال، ثم إن بعض النقاد والبلاغيين نهضوا بما يشبه ما فعله المحدثون ولكن على نحو يتفق مع ما ساد من إدراك ومفاهيم، فقضية تتبع العقبان للجيش في الشعر العربي القديم التي كانت واحدة من المسائل التي كثر فيها الأخذ والرد في مبحث السرقات كانت بعض الموازنات تفضي إلى الكشف عن الاختلاف، ولا تقف عند المماثلة التي يرى الناقد المعاصر أنهم جمدوا عليها، وربما كان الرأي الذي يرى في تتبع مسألة السرقة في الشعر العربي القديم من قبل النقاد ولعاً بالابتكار والتجديد يبدو صواباً.
ثم إن الخطاب النقدي بوصفه جزءاً من الخطاب الثقافي العام يمكن أن يضاء بما حفلت به الكتب التي عنيت بالجانب الدلالي والبلاغي ككتب أصول الفقه وكتب التفسير، فقد كشف ما ورد فيها عن وعي بمسألة الدلالة على جانب كبير من الأهمية، وقد أشار بعض الباحثين إلى هذا حين قال: "بمباحث الدلالة قد بحثت على نطاق واسع في كتب أصول الفقه فلا يكاد يخلو كتاب من كتب الأصول إلا وفي مقدمته مبحث في الدلالة، دلالة الكلمة داخل الجملة، والجملة داخل السياق العام، وأهمية السياق في فهم دلالة الكلمة المفرزة كذلك كتب علم الكلام والفلسفة لا يكاد يخلو كتاب منها إلا وفيه مبحث خاص بالمعرفة وبمبحث الدلالة"(12).
وربما كان الحديث عن الدلالة مؤشراً لمعالجة قضية بالغة الأهمية، وهي إثراء المعنى والكشف عن تكاثره وهو ما اصطلح على تسميته بمعنى المعنى الذي قيل أنه فتح نقدي جديد وأن عبد القاهر الجرجاني قد سبق إليه، ونحن نقول إن الفن بعامة والشعر بخاصة يفضي من خلال مزية الإيحاء بهذا، فهو يتجاوز التحديد الدلالي المعجمي في مستواه الأول وحين يفعل ذلك فهو يبحر خلف ما هو أبعد من المعنى، ولم يغفل النقد القديم ذلك، وإن لم يذهب في الشوط إلى المدى الذي ذهبت إليه المناهج الحديثة وقد حاول الدكتور تمام حسان أن يتتبع هذه المسألة من خلال وقوفه على المصطلحات التي بحثت في دلالات ما وراء الصياغة اللغوية فتحدث عن حسن التأليف مشيراً إلى أن المتأخرين من أمثال السبكي في كتابه "عروس الأفراح" حاولوا أن يضبطوا حالات حسن التأليف ضبطاً علمياً صوتياً وجمالياً فقسم مخارج الحروف إلى مجموعات ثلاث، وربط هو وغيره ممن تلاه حروف تلك المخارج بحسن التأليف وفصاحة الكلمة المفردة والتراكيب، وأومأوا إلى أن "تباعد مخارج الحروف من حسن التأليف وتقاربها يؤدي إلى ثقل اللسان، ويروي السيوطي عن السبكي أن ثمة اثني عشر مكاناً لتوالي المخارج تفاوت من حيث الفصاحة وحسن التأليف، وتحدثوا عن المناسبة الصوتية، وليس لأحد أن يدعي أنهم قد بزوا أقرانهم من المتأخرين، ولكن حسبهم أنهم كانوا يشرعون الأبواب لهؤلاء ليكملوا ما بدأوه بإمكانات عصرهم وبما تراكم لديهم من خبرة جمالية على مدى القرون.
وتحدث تمام حسان عن السلامة والجزالة والديباجة والسبك والماء والرونق ووصفها بأنها من المصطلحات التي تشير إلى مفاهيم أسلوبية، وإلى عناصر لغوية أكبر من اللفظة المفردة فيقال للنص أنه سلس الأسلوب جزل العبادة حسن الديباجة قوي السبك له ماء ورونق، وقد حسب البعض أن هذه الألفاظ عامة تفتقر إلى الخصوصية الجمالية لكثرة تداولها لدى الأقدمين والمعاصرين ممن راقهم هذه الكلمات فأفرغوها من مضمونها بسبب استخداماتهم المجانية لها، وهي في حقيقة الأمر ذات مدلولات علمية، أبان عن ذلك الباحث الثبت (الدكتور حسان) فأشار على المقصود بالسلاسة سهولة الأداء اللفظي وخلو الأسلوب من التوعر والتنافر والمعاظلة والغرابة، وهي في الأصل صفة للقياد تنفي العصيان والنفور والتأبي على صاحبها.أما الجزالة فلها محدداتها التي يمكن إدراكها إدراكاً دقيقاً فهي تبدو في التضخيم في مقابل الترقيق والشدَة في مقابل الرخاوة، والطول في مقابل القصر، والتكثير في مقابل التقليل، وقد ضرب أمثلة من القرآن الكريم: (والأرض وما طحاها) تفخيم.. (والأرض بعد ذلك دحاها) ترقيق.. فالتفخيم جاء من القسم والترقيق مع الخبر المجرد، ثم (قضم وخضم) الأولى فيها شدة والثانية فيها رخاوة، والطول والقصر في "مفاتح ومفاتيح" والتكثير في مقابل التقليل في "قر واستقر".. إلخ أما حسن الديباجة فيعني التناسب بين الدال والمدلول، وحكاية الصوت للمعنى، والسبك إحكام العلاقة بين أجزاء النص مما يقترب بنا من مفهوم البنية، وكذلك تلاقي حقلين من حقول المعجم بحيث يجوز للفظ من أحد الحقلين أن يرد في تركيب واحد مع لفظ من الحقل الآخر أي "إسناد الفعل إلى ما هو له" في عرف البلاغيين وهذا يدخل في بلاغة التماثل في النص، ولكن يومئ إلى ما هو أبعد من ذلك من حيث البناء، فحتى في المستوى الآخر "التخالف" يشار إلى موضوع السبك فإذا أسند الفعل إلى غير ما هو له ينبغي أن يحسن استخدام قرينة الربط وهي تكون بإعادة الضمير إلى مرجع ما وبالإشارة وبالموصول وبالوصف والتكرار وما إلى ذلك، فالمسألة مقننة(12).
وهذه المصطلحات التي تتصل بالجانب الأسلوبي تتعامل مع "الشعرية" بوصفها هوية جمالية للنص الأدبي، وقد وقف عليها النقاد القدامى باعتبارها سمات وملامح لهذه الشعرية كل مصطلح على حدة تارة، وضمن منظومة من الخصائص تارة أخرى، ولكنها لم تدرس على أنها محاور تركيبية في إطار منهج متكامل، ولعل هذا أهم ما يميز اللمحات النقدية الذكية التي أشار إليها نقادنا القدماء ليس بوصفها من البدهيات الخفيفة التي تلفت المتلقي ، ولكن في إطار مدروس ينفذ إلى جوهر الظاهرة، ولكن في سياقها الخاص كما سبق أن أشرت.
2- نقد ومناهج :
أما فيما يتعلق بالمناهج النقدية الكبرى سواء تلك التي تعتبر الآن قديمة، على الرغم من معاصرتها، أو التي ينظر إليها على أنها منجز حديث، فإنني أعتقد أن الربط بينها وبين ما جاء في الموروث النقدي يظل في إطار العموميات، فالمناهج المشار إليها ذات فلسفة واضحة، ولها أجهزتها المفهومية التي تستند إلى تلك الفلسفة، ولكن ملاحظات الأقدمين تكشف عن وعي مبدئي بعناصرها بلا أدنى شك، وعن تنبه فطري إلى أهمية تلك العناصر في معالجة النصوص وفهمها، ولعل اشتغال الفلاسفة بالقضايا الكبرى وإقامتها على مناهج في النظر والتأويل، صرف النقاد القدامى عن مسألة اجتراح المناهج المركبة، ظناً منهم أن ذلك بما يكون ألصق بالميدان الفلسفي، فظلوا مشغولين بالجزئيات ومعالجتها في إطارها النصي المحدود بمعزل عن خلفياتها الفلسفية وحياة العرب كانت حياة فطرة وبداوة فهم حديثو عهد في ذلك الزمن البعيد بالتفلسف والتركيب، ربما يكون هذا التعليل صحيحاً، وربما لا يكون، ولكن قرائنه موجودة، إذا لم يفرد الأدب بعلم مستقل، فلم يكن علماً غائباً، وإنما كان يدخل في إطار الوسائل، فكان الأدباء يتوسلون به مدحاً أو ذماً أو هجاءً، أو ترويحاً عن النفس، أو تلبية لرغبة حاكم أو مسؤول، فكان الجانب البراجماني هو الغالب، لذا لم ينشغل النقاد بتقنين مناهجه، وبلورتها، بحيث تصبح في إطار علم يعتد به في مناهج مستقلة.
المنهج التاريخي :
ليس لنا أن نتحدث عن منهج تاريخي في تراثنا القديم نعول فيه على فكرة الطبقات، وترتيبها ترتيباً زمنياً، كما ورد عند ابن سلام الجمحي، أو على فكرة تمحيص النصوص وتحقيق نسبتها إلى أصحابها وذكر ملابساتها كما في البيان والتبيين للجاحظ، أو الحديث عن الحضارة والبداوة كما لدى ابن قتيبة في "عيون الأخبار" أو "الشعر والشعراء" وحتى كتاب الأغاني الذي عني صاحبه بإثبات النصوص وروايتها مسلسلة عن الرواة وذكر مناسباتها وما دار حولها من حوادث وروايات وتعريف بقائليها وربط الجودة بالبيئة والوسط والموازنة بين الشعراء لا تمثل منهجاً تاريخياً، وإن كانت تلك الملاحظات أبواب مشرعة يمكن من خلالها الولوج إلى صياغة منهج متكامل.، وكالأغاني الكثير من الكتب كالعقد الفريد لابن عبد ربه والأمالي لأبي علي القالي واليتيمة للثعالبي، ولكن هذه الكتب جميعاً وما شابهها تكتفي بمجرد الجمع والرواية دون منهج محدد بل إن الاستطراد الذي يناقض منهجية العلم ظل سمة من السمات المميزة لهذه الكتب، ولم تستكمل إجراءات المنهج إلا بعد الاطلاع عليها في الآداب الغربية على أيدي الرواد أمثال طه حسين وأحمد أمين وزكي نجيب محمود وأضرابهم كزكي مبارك في كتابه "النثر الفني في القرن الرابع"، والدكتورة سهير القلماوي في "ألف ليلة وليلة" وشوقي ضيف والبهبيتي وغيرهم(13).
المنهج النفسي:
أما المنهج النفسي فهو لم يسو خلقاً سوياً إلا بعد أن أنجز علماء النفس التحليليون دراساتهم التي شكلت قاعدة انطلاق لهذا المنحنى في النقد، من هنا ينتفي الزعم بوجود جذر علمي له في موروثنا القديم، وإنما قصارى ما هنالك ما اهتدت إليه الفطرة المركوزة من ملاحظات ذوقية تتصل بهذا الجانب، وهي تنم -بلاشك عن إدراك عميق لخبايا النفس وصلتها بالأدب، وقدرة بعض المبدعين على الغوص في أعماقها، وليس بمستغرب على عبقرية كعبقرية عبد القاهر الجرجاني أن تفتح الأبواب من خلال ملاحظاته العميقة لدراسة الأثر النفسي الذي يخلفه الأدب،وإن كان ذلك عاماً لا ينبئ عن مشروع منهجي في هذا المجال، فهو يقول "فإذا رأيت البصير بجواهر الكلام يستحسن شعراً، أو يستجيد نثراً، ثم يجعل الثناء عليه من حيث اللفظ فيقول: حلو رشيق، وحسن(14).
الأسلوبية:
أما المناهج الأسلوبية فهي أقرب على طبيعة نقدنا القديم لتركيزها على السياق اللغوي، لذا كثرت الدراسات حول الظواهر الأسلوبية في موروثنا النقدي فقد أومأ الدكتور شكري عياد في دراسة له عن كتاب سيبويه إلى ظاهرة التمثيل في مقابل الكلام المستعمل مستحضراً بذلك ثنائية دي سوسير عن اللغة والكلام، ومعتبراً ذلك ركن الدراسة الأسلوبية، وقد أوضح أن المقصود بالاستعمال ما ينبغي أن يلتزم به كما ورد عن العرب، أما التمثيل فنوع من القياس مستجد لم يرد عن العرب ويوصف بأنه خاطئ، ويشير الدكتور شكري عياد إلى مسألة السياق التي تعتبر من القضايا الأسلوبية، ويقف عند باب الفاء حيث أن ما ينتصب في هذا الباب قد ينتصب في غير معنى واحد كما جاء في كتاب سيبويه، عندها يقف الباحث ليعلق: هنا تتميز الدراسة الأسلوبية عن الدراسة النحوية بوضوح تام، فالمعاني المقصودة بالتعبير تتباعد عن المعنى النحوي الصرف، المغسول من كل لواخفه، وينفتح المجال واسعاً أمام الأسلوبي للبحث في منابع هذه المعاني الإضافية، وقد أشار سيبويه إلى واحد منها وهو السياق اللغوي(15).
وقد بدت ملاحظة الدكتور شكري عياد وكأنها تقلب الثنائية المأثورة عن العلم السويسري دي سوسير، فالاستعمال الذي ورد عند سيبويه يقابل الكلام، وهنا تتحد صورة اللغة مع الاستعمال الفردي الذي لا يند عنها، فحديثه لا يتناول خصوصية هذا الاستعمال عند الآحاد المتكلمين كما هي الحال عند دي سوسير، ولكن بوصف هذا الاستعمال معبراً عن عبقرية اللغة التي لا تنكشف أسرارها إلا لمن فقهها في حين يبدو التمثيل قياسياً يلتزم بالمظهر النحوي للقاعدة دون إيغال في روح اللغة فما لم يسمع عن العرب لا يعتد به، وهكذا فإن التمثيل لم يتكلم به أحد وكأنه السياق وراء التجريد النحوي.
ويتفق الدكتور سعد مصلوح مع شكري عياد فيما ذهب إليه من أنه يمكن الخروج بثروة من الملاحظات يمكن تنظيمها بحيث يمكن الإفادة منها في النظر الأسلوبي أو في تأصيل أسلوبية للغة العربية.
ويرى الدكتور مصلوح أن ثمة إنجازات أسلوبية نعثر عليها في عمل السكاكي الذي يعتبر من رواّد التقعيد في البلاغة العربية، وهو يتهم بالجمود والجفاف، ويستدل على صحة ما ذهب إليه في عدة أمور منها: إطلاق السكاكي مصطلح "علم الأدب" على علوم البلاغة، ويمتد بعلم الأدب ليشمل بالإضافة إلى البلاغة علمي النحو والصرف اللذين يعتبرهما مرجعي الفصاحة، وقد أشار إلى تجاذب الاختصاص المشكلة التي وقعت بين براثنها دراسة "الظاهرة الأدبية" ورأى أن تضافر علوم البلاغة والنحو والصرف والاستدلال والشعر يمكن أن تسخر لإنجاز تلك الدراسة، ويشير الدكتور سعد مصلوح إلى أن عمل السكاكي يقوم على منظومة تحليلية تتكون من ثلاثة أقسام: الصرف والنحو والمعاني، وأما بقية العلوم الأخرى فهي مساعدة، وهنا تنتظم مستويات التحليل في مفهوم السكاكي لوضع علم الأدب في منهجية متماسكة قوامها الثلاثية الأصلية التي يتحقق فيها هذا العلم وهي التي أشرنا إليها من قبل (الصرف والنحو والمعاني) ثم تأتي سائر العلوم الأخرى تابعة لعلم المعاني ومكملة له، ويذكر أن المعالجة الصرفية لابد أن تتكئ على مقدمة صوتية، ويتضمن كتابه رسم توضيحي لجهاز النطق ويمضي الدكتور مصلوح في دراسة علمية منهجية ليخلص إلى إنجازات السكاكي في هذا المجال، ولعل الناقد الثبت كان دقيقاً كل الدقة، ولكن قراءته لا تخلو من تأويل، ولكنها تخلو من التعميم والخلط، مما يدل دلالة واضحة على أن الجانب الأسلوبي أوضح لدى نقادنا القدامى، وهذه المسألة تحتاج إلى وقفة مطولة، لعل المجال يتاح لنا مرة أخرى لنستوفيه.
الهوامش
(1) د. جابر عصفور، آفاق العصر (فضاء النقد الأدبي في القرن العشرين)، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، 1997ص197.
(2) راجع: الدكتور حسن الهويمل، ملامح الموروث في الظواهر النقدية المعاصرة، دراسة منشورة ضمن أبحاث الندوة التي أقيمت في نادي جده الأدبي الثقافي في الفترة من 9 إلى 15/4/1409، المجلد الثاني، كتاب النادي رقم 59 في 12/7/1990 ص509.
(3) المرجع السابق نفسه.
(4) حسن ناظم، مفاهيم شعرية "دراسة مقارنة في الأصول والمناهج والمفاهيم" المركز الثقافي العربي، بيروت 1994 من ص111-140.
(5) د. سعد مصلوح "دراسة لغوية إحصائية" دار الفكر العرببي ط2، بيروت 1984، ماهية الأسلوب.
(6) د. عبد الله الغذامي، المشاكلة والاختلاف، قراءة في النظرية النقدية العربية وبحث في الشبيه المختلف، المركز الثقافي العربي، بيروت 1994.
(7) راجع فيما يتعلق بشعرية الانزياح: حصن ناظم (مفاهيم شعرية) مرجع سابق.
( حسن ناظم، مفاهيم شعرية، مرجع سابق.
(9) د. عز الدين المناصرة، جمرة النص الشعري "مقدمات نظرية الفاعلية والحداثة، اتحاد الكتاب العرب بدعم من مؤسسة عبد الحميد شومان، دار الكرمل 1995، ص89 وما بعدها.
(10) دكتور صلاح فضل، طراز التوشيح بين الانحراف والتناص، بحث منشور ضمن أبحاث ندوة "قراءة جديدة لتراثنا النقدي القديم" نادي جده الثقافي، 1990 ص967.
(11) سعيد السريحي، تكثيف اللغة الشعرية، قراءة في مبحث الشركات كتاب الندوة،المجلد الثاني ص749.
(12) راجع: الدكتور تمام حسان، موقف النقد العربي من دلالات ما وراء الصياغة، من أوراق ندوة قراءة جديدة لتراثنا النقدي، المجلد الأول، مرجع ساق ص783 وما بعدها.
(13) راجع: سيد قطب، النقد الأدبي: أصوله ومناهجه، دار الشروق، عمان (د.ت) من ص115 إلى ص227.
(14) راجع: د. محمد خلف الله أحمد، من الوجهة النفسية للأدب ط3، الرياض، دار العلوم 1984 من ص99-154.
(15) د. شكري عياد، قراءة أسلوبية في كتاب سيبوبه، كتاب الندوة، نادي جدة الثقافي ص801 وما بعدها.
منقول للأمانة
توفيق- عضو متميز
- عدد الرسائل : 425
نقاط : 1075
تاريخ التسجيل : 09/09/2009
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة أبريل 12, 2024 4:10 pm من طرف سعداوي ربيع
» المتألقه ياسمين ابراهيم
الثلاثاء أكتوبر 10, 2023 8:54 pm من طرف سعداوي ربيع
» إستمتع بخدمة ultimate game pass لجهاز الإكسبوكس و الحاسوب
الخميس نوفمبر 24, 2022 10:35 pm من طرف lmandoo
» ربيع المؤمـــــــــــــــــــن
الثلاثاء نوفمبر 08, 2022 8:11 am من طرف سعداوي ربيع
» مشروع واحة الشاطيء شقق للبيع في مدينة دبي للاستديوهات
الخميس نوفمبر 03, 2022 9:21 pm من طرف lmandoo
» شركة حلول ميج للاستشارات وتطوير الأعمال
الثلاثاء أكتوبر 18, 2022 11:26 am من طرف lmandoo
» نانا اليوم اقوى الخصومات على كل المنتجات
الأربعاء أكتوبر 12, 2022 11:28 pm من طرف lmandoo
» مرام مالك فنانة غنائية سعودية
الإثنين سبتمبر 05, 2022 5:12 am من طرف lmandoo
» موقع تعليمي سعودي لتغطية كافة المناهج
الخميس أغسطس 25, 2022 11:44 pm من طرف lmandoo
» يونيريم للرعاية المنزلية UNIREM Home Care
الأربعاء أغسطس 17, 2022 3:49 am من طرف lmandoo
» ايه افضل بيوتى صالون فى حدئق الاهرام واكتوبر وزايد
السبت أغسطس 13, 2022 3:57 am من طرف lmandoo
» اشطر جراح عام دكتور عبد الوهاب رأفت
السبت أغسطس 13, 2022 2:21 am من طرف lmandoo
» اشطر جراح عام دكتور عبد الوهاب رأفت
الثلاثاء أغسطس 09, 2022 1:47 am من طرف lmandoo
» ايه افضل بيوتى صالون فى حدئق الاهرام واكتوبر وزايد
الثلاثاء أغسطس 09, 2022 1:37 am من طرف lmandoo
» مصممة الازياء رنا سمعان من نينوى العراق إلى العالمية
الإثنين أغسطس 08, 2022 3:45 am من طرف lmandoo