مـــــــــــــــــــــواعظ
من فضل الله على عباده تتابع مواسم الخيرات ومضاعفة الحسنات فالمؤمن يتقلب في ساعات عمره بين أنواع العبادات والقربات فلا يمضي من عمره ساعة إلا ولله فيها وظيفة من وظائف الطاعات وما أن يفرغ من عبادة إلا ويشرع في عبادة أخرى ولم يجعل الله حدا لطاعة العبد إلا انتهاء عمره وانقضاء أجله.
وبعد ان اتم الله لنا نعمة اكمال شهر الصيام والقيام ورتب عليه عظيم الأجر والثواب صيام ست أيام من شوال التي ثبت في فضائلها العديد من الأحاديث منها ما رواه الإمام مسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال : ( من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر
المواضيع الأخيرة
بطاقات اسلامية
أدعية رمضانــــــــــية
حزن آخر(2)
4 مشترك
ضفاف الإبداع :: الفـــــكر و الأدب و الثقافة و الفن :: ضــــفــــــ الســــــــرديــــــــــــــات ـــــــاف
صفحة 1 من اصل 1
حزن آخر(2)
كان الوقت شتاء لما قرر أن يأخذ والديه ويذهب إلى أسرتها ، ويطلب يدها على سنة الله ورسوله. هكذا مباشرة ، بلا مقدمات أو وساوس، يذهب إليهم، فإن أبو أعاد الكرة حتى يفتكّها منهم، فكم من خاطب في البلدة حاول المرة تلو الأخرى حتى حصل على مراده، فكيف به إذا كانت من يريدها، هي فتاته التي لا يرضى عنها بديلا. إن الأحرى به أن يعلنها حربا ضروسا عليهم، يخوضها لوحده ، حتى ينتصر.
ولكنه حين عزم على الأمر وقرر أن يذهب. أصابته حمى شديدة ألزمته الفراش مدة أسبوع كامل. حمى غريبة، لم يذكر أن مثلها أصابته قبلا. وبات لا يقوى على الحركة ، وأصابه هزال شديد،حتى ليضن الناظر أليه أنه شخص آخر.
كان والده قد سحبه إلى الطبيب ثلاث مرات أو أكثر ، وفي كل مرة وصفة جديدة وأدوية مختلفة لم تنفعه شيئا ، أما أمه فقد كانت تكتب له تعاويذا من عند جارة قريبة وتدسها في غيبوبته تحت وسادته. أو تفتح ياقته بموس حلاقة بينما هو نائم يهذي وتدسها فيها ، ضانة أن عينا أصابته. ظن أنه لن يشفى أبدا ، وفي أوقات إحساسه ببعض التحسن، كان يرنو إلى وجوه تحيط به. وجوه يعرفها كثيرا ولكنه يبحث فيها عن وجه آخر لا وجود له. كان يحاول جاهدا أن ينتصر. ولما استيقظ ذات فجر وشعر أنه معافى. مدّ ذراعيه ثم غادر الفراش إلى الشرفة، وفتح عينيه أكثر ، ونظر إلى ضياء قريب ، أخذ ينسل من الأفق . وطوال النهار كان يستمع بلا انتباه تقريبا لشجار والديه حول سبب شفائه، فالعجوز ظنت أن تعاويذها هي من أنقذته. أما والده، فقد أقسم إيمانا غلاظا أن الدواء هو من أشفاه. ولكنه كان مشغول البال بشيء آخر، فتركهم وشجارهم وخرج مساء بعد أسبوع كامل.
بحث عن صاحبه طويلا. ذهب إليه في مكان عمله فلم يجده، وفي المساء صلى المغرب في المسجد وراء الإمام ، ثم اتجه إلى المقهى حيث ظن أن يجده. وبمجرد أن رآه جالسا وحده فكر لما لم يزره في مرضه، ثم دنا منه ، فألفاه شاردا، مطأطـأ الرأس إلى الطاولة، وبين يديه فنجان قهوة يديره بلا شعور تقريبا ، وقال له:
­ استيقظ.. ألا تزال نائما؟!
ورفع عياش رأسه ونظر إليه كأنه يسحب نفسه من آفاق بعيدة، ثم انفجرت أساريره وابتسم ابتسامة مشرعة، ونهض إليه وقبله أربعا، وقال:
­ كيف حالك.. كنت أفكر فيك.
­ عيب يا رجل.. ألا تسأل حتى؟.
­ ومن أسأل. لا أحد يعرفك !
­ لا علينا.
­ أين كنت؟
­ في سفر قصير، عدت منه توا.
­ وما بال وجهك مصفرا. لا تقل أنك كنت طريح الفراش.
­ هو ذاك.
وربت عليه، ثم فكر في هذا التغير الذي طرأ على صاحبه. إن كلماته لتنبض صدقا، وإن صوته لبعيد الغور، صوت عميق يشبه صوت الريح في الليالي الباردة. نظر إليه كأنه يستطلع ما بداخله، وقد رنا عليهما صمت قصير، تحدثا فيه الى نفسيهما ثم عادا معا وقالا كلمة واحدة في نفس الوقت تقريبا:
­ ما هي الأخبار؟!
ثم انتبها لذلك ، فابتسما، ومضى كل واحد يطلب من الآخر أن يتكلم، حتى قال عياش:
­ لا جديد، كل شيء يسير بإرادته.
­ ما هذا الكلام. أنا لم اعتدك هكذا.
فعاد إلى كأسه يديرها، وبين عينيه ذلك القلق الذي رآه صالح أول مرة لما دخل، قال صالح:
­ تكلم. أرى أنك تريد أن تقول شيئا.
­ لا شيء.
ثم تناول فنجانه إلى شفتيه وامتص جرعة خفيفة ، ولبث ينظر إلى التلفاز في الزاوية، والفنجان معلق بيده، كأن لهما وجود منفصل، كأنهما لا ينتميان إلى عالمه.
­ لا شيء، غير أنني متوتر.
­ لماذا؟ .هل ينقصك شيء؟
­ لا أعرف.
وبدا القلق عليه فجأة، فتناول فنجانه ورجّه لحظة، ثم نظر إلى التلفاز:
­ لا أعرف.
­ ربما تريد أن تقول شيئا.
­ لا تكترث ، هذا بسيط.
­ ربما تريد إخباري بشيء. لا تخف.
­ أنا لا أخاف.
والتفت إليه، كأنه يتلافى الرؤوس المعلقة إلى التلفاز والأعين الجاحظة ويتوارى خلفها ليقول شيئا، ولكنه طأطأ رأسه ثانية وعاد إلى الفنجان يعبث به.
وأحس صالح أنه لا جدوى من إصراره ، فطأطأ رأسه هو الآخر، ونادى فتى المقهى وطلب شايا. منذ متى لم يشرب شايا؟ تناول جرعة، ولما ظن أن لا جديد قد طرأ ، فاجأه صاحبه :
­ أصارحك.
فابتلع ريقه ، وانقطعت أنفاسه، وأحس كأنه يريد القفز إليه ليسد له فمه ويكتم الكلمات التي ستخرج منه . قال:
­ بماذا تصارحني… تكلم لا خوف علينا.
كان كاذبا ، وإذا بصاحبه يقول:
­ أريدها .
وعندئذ أحس صالح بالحمى تعاوده. شعر برعدة وبخوف شديد ، ثم قال من وراء أنفاس لاهثة :
­ من؟
­ من تكلمت عليها في تلك الليلة . أتذكر؟
وأضاف :
­ فكرت طويلا. أريدها !
ولم يعرف صالح بماذا يجيبه ، فلأول مرة ينعقد لسانه، كأن أحدا أخرسه ، وأحس أنه محاط بالفراغ وبأفكار تناوشه، فينظر إلى صاحبه ولا يعرف ما يقول. أ معقول أنه يريدها إلى هذا الحد؟ هو إذن مثله ، مهووس بها منذ أن عرف أن امرأة في جمالها تعيش في هذا البلد.
­ النساء كثيرات .
كلام لا يسمعه ، كلام بعيد كأنه يأتي من عالم آخر رغم أن صاحبه لا تفصله عنه إلا طاولة. وبسرعة عادت إليه الأصوات التي غابت لحظة، ونظر إلى الأشخاص في المقهى والى صور جديدة أحس أنه يراها لأول مرة ، ولما أستعاد وجوده ونظر إلى صاحبه ، أحس بالحمى تعاوده .
ولم يعرف ما حدث بعد ذلك. فقد وجد نفسه في الطريق إلى منزله ، وقد أحاط به الظلام وهبت عليه ريح قوية. ألفى نفسه وحيدا وقد دب الشلل إلى ركبتيه وأحس بوهن في وعيه ، ولكنه تماسك حتى بلغ قمة تلة صغيرة، فبدا له حيه تحت القمر ، قطعا مظلمة تذود عن نفسها كائنات خفية.
كانت سحابة كبيرة قد تفتقت في الأفق فظهر في الوسط منها قمر كبؤبؤ عين عظيمة تنظرإليه وتكاد تتخطفه. تخيلها عينا شريرة تلم به، لو لا أن السحابة تفرقت بعد حين ولم يبق في السماء غير القمر، وبعض نجوم رآها باردة.
ودخل المنزل، وأغلق الباب على نفسه ولم يغادره لأيام كاملة. لزم غرفته متذرعا بالمرض يعاوده، ولكن أمه كانت تطلب منه أن ينهض من فراشه ويخرج ، عكس المرة السابقة حين خافت عليه حقا ، وبلغ بها الأمر أن كتبت له تعاويذا ، وكان يسأل : أ تراها تدرك العبء الذي ينوء به فلذلك تطلب منه أن لا يستسلم ويخرج ويبدأ حياته ثانية ؟ أتراها تدرك أن ما يصيب القلب هو أعظم بكثير مما يصيب الجسد، وأن دواء القلب غير دواء الجسد، فأخذت تبعث فيه الإصرار والخروج ؟ أتراها تفهم ذلك ؟
والحق أنه لم يرد التفكير في مشكلته ، فقد حاول أن يزيحها من ذهنه ، كأي مشكلة صادفها في حياته ، أو كأي شيء آخر تعلق به قلبه فإذا هو ينساه فجأة ، بعد أن تتبين له طريق جديدة يأخذ بها فورا . ولكن . لا ، فمشكلته لم تكن في النسيان وإنما في التنـازل ، فهو لا يعرف إن كان بمقدوره أن يفعل ، أو ما إذا كان التنازل يصح أصلا في مثل هذه الأمور. لو أنه تقدم إليها خاطبا ثم رفضته لاستطاع هجرها بسرعة ونسيانها إلى الأبد، ولكنه لم يفعل ، بل هي لا تعرفه أصلا، رغم أنه يكن لها كل تلك المشاعر.
وتمزق ذهنه أشلاء بعد أن لم يهتد إلى حل ، وبات لا يفكر في مشكلته إلا ألم به صداع مؤلم يشطر رأسه نصفين، وقرر أن لا سبيل لذلك، وأنه ممزق وتائه ، وكل شيء أصبح غامضا،وسلم أ مره لله وحده ولم يشتك لأحد ، وبدأ يحافظ على صلاته ، وكلما واضب على ذلك أحس بإحساس جميل لا يضاهيه إحساس الحب ذاته، ذائبا في عالم مدهش لا يخرج منه إلا على طارئ من الطوارئ، وبمرور الوقت أصبح يكره الخروج إلى البلدة. الناس عالم آخر ومشاغلهم كثيرة، ولذلك أخذ يهجرهم ويستعيض عنهم بكتب ينكب على قراءتها، فيشعر أنه يخرج من حيرته ، كشرنقة آمنت بالربيع فمزقت عنها غشاواتها وخرجت إلى الدنيا فراشة جميلة .
وذات مرة وقع بين يديه كتاب جميل عنوانه "جدد حياتك" لعالم فاضل، فانكب عليه يقرؤه بنهم واضح مقارنا حالته بما في الكتاب من أفكار ، وأحس أن غشا وات تتمزق عن عينيه ، فإذا به يرى الأشياء على نحو جديد . قرأ الكتاب مرتين أو ثلاثا وفي كل مرة كان يكتشف أفكارا لم يطرحها صاحب الكتاب، ولكنه استخلصها استخلاصا، فيشعر بالنشوة و الرضى، وأحس أن القراءة تنجيه وأنها ملاذه الأخير ، فغرق في الكتب يقرؤها مهما كانت موضوعاتها، ويقوم بجولات إلى الولاية ، ويقتني ما شاء من كتب من باعة على الأرصفة أو من محلات منسية وبأثمان رخيصة. أسعده ذلك، وكاد ينسى الأمر برمته،حتى جاءه الصيف على حياء، مع أبواق أول عرس يجيء.
ولكنه حين عزم على الأمر وقرر أن يذهب. أصابته حمى شديدة ألزمته الفراش مدة أسبوع كامل. حمى غريبة، لم يذكر أن مثلها أصابته قبلا. وبات لا يقوى على الحركة ، وأصابه هزال شديد،حتى ليضن الناظر أليه أنه شخص آخر.
كان والده قد سحبه إلى الطبيب ثلاث مرات أو أكثر ، وفي كل مرة وصفة جديدة وأدوية مختلفة لم تنفعه شيئا ، أما أمه فقد كانت تكتب له تعاويذا من عند جارة قريبة وتدسها في غيبوبته تحت وسادته. أو تفتح ياقته بموس حلاقة بينما هو نائم يهذي وتدسها فيها ، ضانة أن عينا أصابته. ظن أنه لن يشفى أبدا ، وفي أوقات إحساسه ببعض التحسن، كان يرنو إلى وجوه تحيط به. وجوه يعرفها كثيرا ولكنه يبحث فيها عن وجه آخر لا وجود له. كان يحاول جاهدا أن ينتصر. ولما استيقظ ذات فجر وشعر أنه معافى. مدّ ذراعيه ثم غادر الفراش إلى الشرفة، وفتح عينيه أكثر ، ونظر إلى ضياء قريب ، أخذ ينسل من الأفق . وطوال النهار كان يستمع بلا انتباه تقريبا لشجار والديه حول سبب شفائه، فالعجوز ظنت أن تعاويذها هي من أنقذته. أما والده، فقد أقسم إيمانا غلاظا أن الدواء هو من أشفاه. ولكنه كان مشغول البال بشيء آخر، فتركهم وشجارهم وخرج مساء بعد أسبوع كامل.
بحث عن صاحبه طويلا. ذهب إليه في مكان عمله فلم يجده، وفي المساء صلى المغرب في المسجد وراء الإمام ، ثم اتجه إلى المقهى حيث ظن أن يجده. وبمجرد أن رآه جالسا وحده فكر لما لم يزره في مرضه، ثم دنا منه ، فألفاه شاردا، مطأطـأ الرأس إلى الطاولة، وبين يديه فنجان قهوة يديره بلا شعور تقريبا ، وقال له:
­ استيقظ.. ألا تزال نائما؟!
ورفع عياش رأسه ونظر إليه كأنه يسحب نفسه من آفاق بعيدة، ثم انفجرت أساريره وابتسم ابتسامة مشرعة، ونهض إليه وقبله أربعا، وقال:
­ كيف حالك.. كنت أفكر فيك.
­ عيب يا رجل.. ألا تسأل حتى؟.
­ ومن أسأل. لا أحد يعرفك !
­ لا علينا.
­ أين كنت؟
­ في سفر قصير، عدت منه توا.
­ وما بال وجهك مصفرا. لا تقل أنك كنت طريح الفراش.
­ هو ذاك.
وربت عليه، ثم فكر في هذا التغير الذي طرأ على صاحبه. إن كلماته لتنبض صدقا، وإن صوته لبعيد الغور، صوت عميق يشبه صوت الريح في الليالي الباردة. نظر إليه كأنه يستطلع ما بداخله، وقد رنا عليهما صمت قصير، تحدثا فيه الى نفسيهما ثم عادا معا وقالا كلمة واحدة في نفس الوقت تقريبا:
­ ما هي الأخبار؟!
ثم انتبها لذلك ، فابتسما، ومضى كل واحد يطلب من الآخر أن يتكلم، حتى قال عياش:
­ لا جديد، كل شيء يسير بإرادته.
­ ما هذا الكلام. أنا لم اعتدك هكذا.
فعاد إلى كأسه يديرها، وبين عينيه ذلك القلق الذي رآه صالح أول مرة لما دخل، قال صالح:
­ تكلم. أرى أنك تريد أن تقول شيئا.
­ لا شيء.
ثم تناول فنجانه إلى شفتيه وامتص جرعة خفيفة ، ولبث ينظر إلى التلفاز في الزاوية، والفنجان معلق بيده، كأن لهما وجود منفصل، كأنهما لا ينتميان إلى عالمه.
­ لا شيء، غير أنني متوتر.
­ لماذا؟ .هل ينقصك شيء؟
­ لا أعرف.
وبدا القلق عليه فجأة، فتناول فنجانه ورجّه لحظة، ثم نظر إلى التلفاز:
­ لا أعرف.
­ ربما تريد أن تقول شيئا.
­ لا تكترث ، هذا بسيط.
­ ربما تريد إخباري بشيء. لا تخف.
­ أنا لا أخاف.
والتفت إليه، كأنه يتلافى الرؤوس المعلقة إلى التلفاز والأعين الجاحظة ويتوارى خلفها ليقول شيئا، ولكنه طأطأ رأسه ثانية وعاد إلى الفنجان يعبث به.
وأحس صالح أنه لا جدوى من إصراره ، فطأطأ رأسه هو الآخر، ونادى فتى المقهى وطلب شايا. منذ متى لم يشرب شايا؟ تناول جرعة، ولما ظن أن لا جديد قد طرأ ، فاجأه صاحبه :
­ أصارحك.
فابتلع ريقه ، وانقطعت أنفاسه، وأحس كأنه يريد القفز إليه ليسد له فمه ويكتم الكلمات التي ستخرج منه . قال:
­ بماذا تصارحني… تكلم لا خوف علينا.
كان كاذبا ، وإذا بصاحبه يقول:
­ أريدها .
وعندئذ أحس صالح بالحمى تعاوده. شعر برعدة وبخوف شديد ، ثم قال من وراء أنفاس لاهثة :
­ من؟
­ من تكلمت عليها في تلك الليلة . أتذكر؟
وأضاف :
­ فكرت طويلا. أريدها !
ولم يعرف صالح بماذا يجيبه ، فلأول مرة ينعقد لسانه، كأن أحدا أخرسه ، وأحس أنه محاط بالفراغ وبأفكار تناوشه، فينظر إلى صاحبه ولا يعرف ما يقول. أ معقول أنه يريدها إلى هذا الحد؟ هو إذن مثله ، مهووس بها منذ أن عرف أن امرأة في جمالها تعيش في هذا البلد.
­ النساء كثيرات .
كلام لا يسمعه ، كلام بعيد كأنه يأتي من عالم آخر رغم أن صاحبه لا تفصله عنه إلا طاولة. وبسرعة عادت إليه الأصوات التي غابت لحظة، ونظر إلى الأشخاص في المقهى والى صور جديدة أحس أنه يراها لأول مرة ، ولما أستعاد وجوده ونظر إلى صاحبه ، أحس بالحمى تعاوده .
ولم يعرف ما حدث بعد ذلك. فقد وجد نفسه في الطريق إلى منزله ، وقد أحاط به الظلام وهبت عليه ريح قوية. ألفى نفسه وحيدا وقد دب الشلل إلى ركبتيه وأحس بوهن في وعيه ، ولكنه تماسك حتى بلغ قمة تلة صغيرة، فبدا له حيه تحت القمر ، قطعا مظلمة تذود عن نفسها كائنات خفية.
كانت سحابة كبيرة قد تفتقت في الأفق فظهر في الوسط منها قمر كبؤبؤ عين عظيمة تنظرإليه وتكاد تتخطفه. تخيلها عينا شريرة تلم به، لو لا أن السحابة تفرقت بعد حين ولم يبق في السماء غير القمر، وبعض نجوم رآها باردة.
ودخل المنزل، وأغلق الباب على نفسه ولم يغادره لأيام كاملة. لزم غرفته متذرعا بالمرض يعاوده، ولكن أمه كانت تطلب منه أن ينهض من فراشه ويخرج ، عكس المرة السابقة حين خافت عليه حقا ، وبلغ بها الأمر أن كتبت له تعاويذا ، وكان يسأل : أ تراها تدرك العبء الذي ينوء به فلذلك تطلب منه أن لا يستسلم ويخرج ويبدأ حياته ثانية ؟ أتراها تدرك أن ما يصيب القلب هو أعظم بكثير مما يصيب الجسد، وأن دواء القلب غير دواء الجسد، فأخذت تبعث فيه الإصرار والخروج ؟ أتراها تفهم ذلك ؟
والحق أنه لم يرد التفكير في مشكلته ، فقد حاول أن يزيحها من ذهنه ، كأي مشكلة صادفها في حياته ، أو كأي شيء آخر تعلق به قلبه فإذا هو ينساه فجأة ، بعد أن تتبين له طريق جديدة يأخذ بها فورا . ولكن . لا ، فمشكلته لم تكن في النسيان وإنما في التنـازل ، فهو لا يعرف إن كان بمقدوره أن يفعل ، أو ما إذا كان التنازل يصح أصلا في مثل هذه الأمور. لو أنه تقدم إليها خاطبا ثم رفضته لاستطاع هجرها بسرعة ونسيانها إلى الأبد، ولكنه لم يفعل ، بل هي لا تعرفه أصلا، رغم أنه يكن لها كل تلك المشاعر.
وتمزق ذهنه أشلاء بعد أن لم يهتد إلى حل ، وبات لا يفكر في مشكلته إلا ألم به صداع مؤلم يشطر رأسه نصفين، وقرر أن لا سبيل لذلك، وأنه ممزق وتائه ، وكل شيء أصبح غامضا،وسلم أ مره لله وحده ولم يشتك لأحد ، وبدأ يحافظ على صلاته ، وكلما واضب على ذلك أحس بإحساس جميل لا يضاهيه إحساس الحب ذاته، ذائبا في عالم مدهش لا يخرج منه إلا على طارئ من الطوارئ، وبمرور الوقت أصبح يكره الخروج إلى البلدة. الناس عالم آخر ومشاغلهم كثيرة، ولذلك أخذ يهجرهم ويستعيض عنهم بكتب ينكب على قراءتها، فيشعر أنه يخرج من حيرته ، كشرنقة آمنت بالربيع فمزقت عنها غشاواتها وخرجت إلى الدنيا فراشة جميلة .
وذات مرة وقع بين يديه كتاب جميل عنوانه "جدد حياتك" لعالم فاضل، فانكب عليه يقرؤه بنهم واضح مقارنا حالته بما في الكتاب من أفكار ، وأحس أن غشا وات تتمزق عن عينيه ، فإذا به يرى الأشياء على نحو جديد . قرأ الكتاب مرتين أو ثلاثا وفي كل مرة كان يكتشف أفكارا لم يطرحها صاحب الكتاب، ولكنه استخلصها استخلاصا، فيشعر بالنشوة و الرضى، وأحس أن القراءة تنجيه وأنها ملاذه الأخير ، فغرق في الكتب يقرؤها مهما كانت موضوعاتها، ويقوم بجولات إلى الولاية ، ويقتني ما شاء من كتب من باعة على الأرصفة أو من محلات منسية وبأثمان رخيصة. أسعده ذلك، وكاد ينسى الأمر برمته،حتى جاءه الصيف على حياء، مع أبواق أول عرس يجيء.
عمر مناصرية- عضو جديد
- عدد الرسائل : 23
نقاط : 25
تاريخ التسجيل : 06/12/2008
رد: حزن آخر(2)
شكرا أخي عمر مناصرية ..الأديب والكاتب ...تتلاحق كتاباتك القصصية المميزة ..فيفرحنا ذلك ويمتعنا ، ونتذوق معك مرارات الحياة وحزنها وكثيرا من نكهاتها الأخرى
وسيكون من تمام الفائدة أن تتبع قصص وكتاباتك الشباب والفتيان والفتيات الذين نأمل أن يطرحوا في منتدى المبدع الصغير كتاباتهم ،وهم في حاجة حينئذ الى الأخذ بأيديهم ودلالتهم على أساليب الكتابة القصصية والسرية كما فعلت الأخت ملكة الحزن ...ـ أرجو أن تكون ملكة الفرح والسرور ـ في قابل أيامها ومقبل عمرها بحول الله ..
وأشكر لك جهودك بصفة عامة ...وآمل أن تراسلني لأطمئن عليك وعلى عملك العلمي
تقبل تحياتي أنت وكل العيونيين الأفاضل ..
وسيكون من تمام الفائدة أن تتبع قصص وكتاباتك الشباب والفتيان والفتيات الذين نأمل أن يطرحوا في منتدى المبدع الصغير كتاباتهم ،وهم في حاجة حينئذ الى الأخذ بأيديهم ودلالتهم على أساليب الكتابة القصصية والسرية كما فعلت الأخت ملكة الحزن ...ـ أرجو أن تكون ملكة الفرح والسرور ـ في قابل أيامها ومقبل عمرها بحول الله ..
وأشكر لك جهودك بصفة عامة ...وآمل أن تراسلني لأطمئن عليك وعلى عملك العلمي
تقبل تحياتي أنت وكل العيونيين الأفاضل ..
ردا على حزن اخر-2-
تحية طيبة لك يااخي عمر.. فعلا هذا هو النموذج الادبي المتفق عليه في الوسط النقدي ...لقد قرات قصتك -اخوة الحلم-وقد سجلت لك بعض التوجيهات في هذا الصدد...الا انك بهذا العمل الابداعي المميز قمت بالاجابة عن كل تساؤلاتي التي كنت انوي تقديمها لك ..خاصة في مجالي االحكبةالفنية والسرداللغوي...... فشكرا لك اخي عمر مرة اخرى وواصل عملك الادبي بهذا الشكل واتمنى لك التوفيق والنجاح
اخوكم: الاستاذ الاخضر بن هدوقه
الاخضر بن هدوقه- عضو نشط
- عدد الرسائل : 60
نقاط : 15
تاريخ التسجيل : 27/11/2008
رد: حزن آخر(2)
تحيتي الحارة إلى أخي وصديقي عمر
الواقع أن متخيـــــر عمــــــر هذه المرة جاء ليكشف لنا عن شخصية أديب جيد ، فقد ألــــــــــم بمتعلقات القصة ، وبذلك استطاع أن يتــــــحفنا بقصته الرائعة ـ حزن أخــــــــــــــر ـ التي تحمل الكثير من عمق واصالة هذا الشاب .
فنبارك العمل الجيد المتميز ، ونشد على عزمات كل مثقفينا وأدبائنا صغارا كانوا أم كبار...
الواقع أن متخيـــــر عمــــــر هذه المرة جاء ليكشف لنا عن شخصية أديب جيد ، فقد ألــــــــــم بمتعلقات القصة ، وبذلك استطاع أن يتــــــحفنا بقصته الرائعة ـ حزن أخــــــــــــــر ـ التي تحمل الكثير من عمق واصالة هذا الشاب .
فنبارك العمل الجيد المتميز ، ونشد على عزمات كل مثقفينا وأدبائنا صغارا كانوا أم كبار...
ونربت على أكتافهم جميعا : أن هلموا لنبني صرح ثقافتنا وفكرنا وأدبنا بالرؤية الصحيحــــــة التي نتخيرها .
تحياتي ـ
تحياتي ـ
محمد بن زعبار- عضو مبدع
- عدد الرسائل : 1062
نقاط : 2133
تاريخ التسجيل : 02/11/2008
ضفاف الإبداع :: الفـــــكر و الأدب و الثقافة و الفن :: ضــــفــــــ الســــــــرديــــــــــــــات ـــــــاف
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة أبريل 12, 2024 4:10 pm من طرف سعداوي ربيع
» المتألقه ياسمين ابراهيم
الثلاثاء أكتوبر 10, 2023 8:54 pm من طرف سعداوي ربيع
» إستمتع بخدمة ultimate game pass لجهاز الإكسبوكس و الحاسوب
الخميس نوفمبر 24, 2022 10:35 pm من طرف lmandoo
» ربيع المؤمـــــــــــــــــــن
الثلاثاء نوفمبر 08, 2022 8:11 am من طرف سعداوي ربيع
» مشروع واحة الشاطيء شقق للبيع في مدينة دبي للاستديوهات
الخميس نوفمبر 03, 2022 9:21 pm من طرف lmandoo
» شركة حلول ميج للاستشارات وتطوير الأعمال
الثلاثاء أكتوبر 18, 2022 11:26 am من طرف lmandoo
» نانا اليوم اقوى الخصومات على كل المنتجات
الأربعاء أكتوبر 12, 2022 11:28 pm من طرف lmandoo
» مرام مالك فنانة غنائية سعودية
الإثنين سبتمبر 05, 2022 5:12 am من طرف lmandoo
» موقع تعليمي سعودي لتغطية كافة المناهج
الخميس أغسطس 25, 2022 11:44 pm من طرف lmandoo
» يونيريم للرعاية المنزلية UNIREM Home Care
الأربعاء أغسطس 17, 2022 3:49 am من طرف lmandoo
» ايه افضل بيوتى صالون فى حدئق الاهرام واكتوبر وزايد
السبت أغسطس 13, 2022 3:57 am من طرف lmandoo
» اشطر جراح عام دكتور عبد الوهاب رأفت
السبت أغسطس 13, 2022 2:21 am من طرف lmandoo
» اشطر جراح عام دكتور عبد الوهاب رأفت
الثلاثاء أغسطس 09, 2022 1:47 am من طرف lmandoo
» ايه افضل بيوتى صالون فى حدئق الاهرام واكتوبر وزايد
الثلاثاء أغسطس 09, 2022 1:37 am من طرف lmandoo
» مصممة الازياء رنا سمعان من نينوى العراق إلى العالمية
الإثنين أغسطس 08, 2022 3:45 am من طرف lmandoo