مـــــــــــــــــــــواعظ
من فضل الله على عباده تتابع مواسم الخيرات ومضاعفة الحسنات فالمؤمن يتقلب في ساعات عمره بين أنواع العبادات والقربات فلا يمضي من عمره ساعة إلا ولله فيها وظيفة من وظائف الطاعات وما أن يفرغ من عبادة إلا ويشرع في عبادة أخرى ولم يجعل الله حدا لطاعة العبد إلا انتهاء عمره وانقضاء أجله.
وبعد ان اتم الله لنا نعمة اكمال شهر الصيام والقيام ورتب عليه عظيم الأجر والثواب صيام ست أيام من شوال التي ثبت في فضائلها العديد من الأحاديث منها ما رواه الإمام مسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال : ( من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر
المواضيع الأخيرة
بطاقات اسلامية
أدعية رمضانــــــــــية
جمالية السّراب في رواية "وراء السراب...قليلا"
صفحة 1 من اصل 1
جمالية السّراب في رواية "وراء السراب...قليلا"
[size=12]بيــن الملــــح والغرائب والطرائف و الأعاجيب في سطر واحد ( الباب الثالث، الرواية ص 27 و الباب الثالث عشر ص 131) و استحضار أفانين القصّ القديمة كالخبر و و الخرافة و الحكاية و القصّة ترد أوزاعا في أحناء نصّه الرّوائي، و يمعن الرّاوي في توسيع المنظومة الأجناسية في النصّ المولَّد ( Génotexte)كالحوادث
1. عنوان مقال لمفيد بركان : جمالية التيه في رواية "شبابيك منتصف الليل" لإبراهيم درغوثي، الحياة الثقافية، ع 122 السنة 26. فيفري 2001 ص ص136-140.
2. السماوي( أحمد)، التطريس في القصص، إبراهيم درغوثي أنموذجا، مطبعة التسفير الفنّي صفاقس، 2002،ص 143.
3. جمالية التيه...، مرجع مذكور سابقا، ص 139.
4. صدرت الرواية الخامسة لإبراهيم درغوثي "وراء السّراب ...قليلا" بعد أن فرغ أحمد السماوي من انجاز بحثه حول التطريس في القصص، فأقرّ بأنّ الرّواية قد "جمع فيها صاحبها بين الأسطورة و التاريخ و الأدب الشعبي(...) و قد جاءت لغتها متينة السبك شعرية الايقاع" . التطريس في القصص، م م س ، ص8 ، هامش رقم 1.
والماجريات و العبر و الحديث ( الباب الحادي عشر و الباب الرّابع و الباب الثامن) حتّى لكأننا إزاء "صنافة " (typologie) لأجناس الأدب قديمه وحديثه، و تفصيل لأنماط الخطاب طارفه و تليده فهل المسارات التي يتشكل فيها النسيج السردي لنصوص إبراهيم درغوثي- و نص "وراء السراب...قليلا" من بينها- تنبئ عن سلاسة مقولة التصنيف الأجناسي و يسرها، أم الأمر يتعدّى ذلك إلى استراتيجية الكاتب في كتاباته و قد امتدّت أعناق نصوصه إلى تخوم قصيّة أين النّصوص القديمة تجاورها لتحاورها و تتفاعل معها؟
إننا إلى الفرضية الثانية أميل فما من شكّ في أنّ التصوّر الأجناسي صعب المرتقى ، و ما الجدل الدائر في التنظير الغربي و محاولات الباحثين المحدثين العرب حول هذا الموضوع إلاّ دليل على أنّ القضيّة شائكة على غاية من الضبط و الصرامة تتراءى فيها الحدود الاصطلاحية غائمة، حتّى و إن وضحت فهي رجراجة تنوس بين التجلّي حينا و التخفّي أحيانا في أبعادها الدياكرونية و السانكرونية.
لقد حضرت أصوات عديدة و أجناس أدبيّة مختلفة في المنجز النصّي الرّوائي لإبراهيم درغوثي، تهاوت الحدود فيه بين المقدّس و المدّنس: أدبا وتاريخا و فلسفة و تراثا و تماست الحدود بين الأنماط الخطابيّة كالنثر و الشعر و الحكي و القصّ...، و تهشّم الزمن ،و ارتدّ المكان على أعقابه فلا عاد يستبين منه إلاّ الكهوف و المغارات على درجة من الوضوح و الجلاء. و كأننا بالرّواي ينبش في ذاكرة النّصوص أنّى تعدّدت مراجعها و يحفر طبقات النّصوص الغائبة علّه يجد هوية الذات العربية المأمولة، و يظفر بمعنى للكائن الإنساني أمثل. لذلك بدا صوت السارد هو الرّابط بين هذه الحلقات المفقودة، وشكل وعيه بضرورة تأسيس وجود منشود بوابة مشرعة لولوج حرم المنجز النصي في بنيته السّراب علّه يفتح نفقا لما وراء السّراب قليلا.
و الدّارس لرواية "وراء السّراب...قليلا" ينتقش في ذاكرته عدد من التسميات الأجناسية لافت ، نحاول – فيما يلي – الوقوف عند بعضها باعتبارها تشكل مرجعيّة الكاتب في ما يكتب و مدارا أساسيا من مدارات النّسيج السّردي للمنجز الرّوائي و من بينها الحكاية، العجيب و الغريب، الأخبار و التاريخ أي تداخل الواقعي باللاّواقعي، و المألوف بالخارق، حتّى لكأنّ الاطلاق الزماني و المكاني الذي يرنو الأديب إلى معانقته من خلال الخرافات و الكرامات و الأعاجيب و الأساطير تنهض الإحالات التاريخية و الإيهام بالصّدق الفنّي بشدّ الرّواية من رسنها إلى الواقعية في الفنّ(Vraisemblable) .
و تجدل هذه الضروب الأجناسية علائق التفاعل و التحاور لتنتج نصّا روائيا يستحدث سنّة في الإبداع مخصوصة قوامها التجاذب المستمرّ بين قطبين نقيضين هما الأعاجيب و التاريخ .و متى رمنا رصد بعض مظاهر حضور هذا القطب في الرواية ألفناه مبثوثا في المنجز النصّي أوزاعا و أشتاتا؛ إذ الأعاجيب تستدعي من الكلمات ما يجانسها كالخرافة و الحكاية و القصّة و الغرائب و الملح والطرائف...و هي أفانين ذكرها الرّواي بإجمال في مفتتح الفصول و الأبواب دونما تعيين لما يميّز بعضها عن البعض الآخر و كأنّه يرمي إلى حشد ذاكرة المتلقّي بما يجانس و يوحد بينها لا بما يميّز ويفرّق اعتبارا لما يجمع بين هذه الدّوال من مدلولات.
و يطالعنا ولع الكاتب بالأعاجيب لافتا للانتباه، فقد ذكرت الكلمة – دون اعتبار مرادفاتها – في ملخص الأبواب خمس مرّات، و تلتها الغرائب بتكرارها أربع مرّات.
و الحق أن ثنائية العجيب و الغريب من الثنائيات الأثيرة في التراث العربي، و حضورها جليّ لدى جامعي الأخبار و مصنّفات الأدب و كتب الرّحلات و الجغرافيا الوصفية ،وقد اشتهر زوج عجيب / غريب بالاقتران لارتباط جزئه الأوّل بعدم الإلف و الحيرة، و دلالة الثاني على البعد والغموض 1 و من هذه الجهة يمثل العجيب و الغريب إطارا أمثل ينصهر في بوتقة الخارق و اللاوقعي كالأساطير و الخرافات و الحكايات و الأقاصيص.
1. لمزيد الإحاطة بمفهوم العجيب و الغريب، انظر: العجيب و الغريب في التراث المعجمي: الدّلالات و الأبعاد بقلم حمادي الزنكري، حوليات الجامعة التونسية،ع33. 1992، ص 174 و ما بعدها.
و إذا نحن يممّنا وجوهنا شطر البحث عن مواضع حضور النصّ الخارق في رواية "وراء السّراب... قليلا" شدّتنا إليه الفصول الثلاثة الأولى خصوصا وإن كنّا لا نعدم انتشاره في بعض مواضع الباب الثالث من الفصل الخامس في نزول مائدة الطعام من السماء، و الباب الرّابع عشر من الفصل السادس في خروج الحمائم ذات الوجوه الآدمية من فاطمة كلّ صباح.
و من الواضح أنّ محاولة رصد مظاهر العجيب في المنجز الرّوائي أشبه ما تكون بصورة القابض على الماء؛ إذ هي مبثوثة في تضاعيف الرّواية، يعسر فيها على الدّارس لملمة أشتاتها و النفاذ إلى لبابها لما تبطنه من المعاني المتعدّدة حدّ التناقض و ما تحمله من وجود القراءات و التأويل حدّ التعارض، فلا نكاد نستقرّ من ذلك على رأي إلاّ ما يميّز الخطاب القصصي في مستوى العجيب من مكر و مخاتلة إزاء تناقضات الواقع و تحديات العصر الصارخة، يراوغ في شافية مطلقة، ويهدم قدسيّة الأشكال و المضامين المهترئة في هدوء إشارة آنا عبارة آونة أخرى.
و من المفيد الإشارة إلى أنّ جدلية التاريخ / العجيب لا نعثر فيها على إيقاع متوازي الحضور متصادي الأبعاد، فالطرف الثاني من الجدلية يمحّض النصّ الروائي لميسم الفنيّة و يجعلها أدخل في الإبداع الذي يتنكّب عن التأريخ و ينأى عن الواقعية في الفن و مبدإ المشاكلة (la vraissemblance) لتفاصيل اليومي و حيثيات المعيش إلاّ بما هي نقطة انطلاق يرود بعدها الأديب آفاقا إبداعيّة أرحب تضيء لديه مسالك الكتابة و تنير عنده سبيل الخيال الخلاّق و تفتح أبواب التأويل على مصراعيها فيظلّ نصّه أبدا بكرا أو هو كالبكر، حيّا فينا ينبض بالحياة و الجدّة محرّكا سواكننا و دواخلنا و منبّها إيّانا إلى مكامن الدّاء تلميحا لا تصريحا، فتتلوّن المواقع السردية للرّواي، و يتكسّر الخط الزمني في حوار بين الأحياء و الأموات في بنية حدثية متشعبة منفتحة على منافذ متعدّدة حتّى لكأن لا رابط بينها، و تبرز خارطة المكان ضبابيّة تلوح فيها التسميات علامات ضوئية باهتة كان للسارد اليد الطولى في العبث بها و بتوجيه وجهتها من الإحالة المكانية الضيّقة إلى الدّلالات الكونيّة و الأبعاد الإنسانية العامّة.
و بالقدر نفسه تنهض الكتابة بلا ضفاف في نصّ إبراهيم درغوثي الرّوائي بذات الدّور، فهي مشحونة بدلالات تكاد تثبت، فالمنظومة القيميّة الكامنة وراء السطور تعلن في صمت أنّ السارد المبدع لدائرة أجناسية متّسعة ينطق بلسان كائن مادّي يعيش التاريخ في مختلف أبعاده و عنه يصدر في تشكيل نسيجه السردي، لذلك كان المنظوم ينافس المنثور بمنكب ضخم وصار الواقعي يحاور العجائبي، و أضحى التحاور بين أنماط الكتابة ممّا تقتضيه طبيعة الرّواية في جدل متواصل و تنقّل مستمرّ بين الأجناس و الرّؤى "يستفزّ في القارئ رغبة في تدجين هذا النصّ النفور و الوقوف على كنهه أهو نثر أم شعر، رواية أم تاريخ واقعي أم عجيب؟ فلا يكاد يستقرّ من ذلك على رأي".1 .
و يبدو هذا التماس بين الخطابات في استدعاء طبقات نصّيه غائبة ظلت مترسبة في لاوعي السارد، و ظلّ حضورها متجاوزا للإطار الزّماني كالشعر – مثلا – و قد تقاطع مع النصّ الناسخ في مستوى وظيفي باعتباره قناة من قنوات التوصيل و تسريب المغزى إلى الأذهان بعد مروره عبر الوجدان، فما من شكّ في أنّ الشعر يسائل الشعور، و يسهم في بعث الذاكرة الماضوية إلى تخوم اللحظة الحاضرة لاستشراف المستقبل نحو الأفضل من خلال ترسيخ قيمة من قيم الفرد المثلى.
و لئن اصطبغ الشعر الشعبي بأصباغ المحليّة في مثل قول السّارد في مطلع الفصل الثالث:
"يا لاَلَا يايمّا المشينهْ
بعْدَ لْمشِتْ ولّْتْ دَارَتْ
بَطْلنَا و النّفحهْ طارتْ " ( الرّواية، ص 79)
أو في قوله في الباب الخامس:
"سَبْعة صْبَايَا
في قَصْبَايَا
اِنْسمِّنْهُمْ
و انطمنّهُمْ
و اعْقَابْ الليل
نَاكلْهُمْ" ( الرّواية، ص 45)
1.القاضي (محمد): " رواية شبابيك منتصف الليل"، الحياة الثقافية،ع 80، سنة 21، ديسمبر1996،ص57 .
فإنّه بالكونية أعلق و في المعاني الإنسانية أدخل؛ ذلك أنّ الشاهد الشعري الأوّل شأن الشاهد الشعري الثاني شعر شعبي من بلاد الجريد مشرعة أبوابه على عالم العجيب في مستويات متعدّدة كالمعاني الحافة (Connotation) و الألفاظ المستخدمة . فالمشينة "هي القطار في لهجة الجنوب الغربي التونسي"1، ولكنّه يكتسي بعدا تخيّليا فيه الذائقة الجماعيّة البدويّة، و يتلبس بلبوس العجائبي المرتبط بالجنّ و القوى الخفيّة التي تبعث على الخوف و الرّهبة، فقد وسمه السارد ( القطار) بــ: "الوحش الذي يحمل في بطنه الرّجال و الدّواب يطوي بهم المسافات البعيدة و لا يتعب(...) واقترب الوحش الذي كان يدبّ على خطّين من الحديد منّي حتّى كاد يلامسني ثمّ توقف فجأة أمامي و نفث دخانا أسود و همدت حركته.رأيت شيطانا يخرج من جوفه و يقترب منّي قفزا ثمّ يحملني بين يديه ز يرفعني عاليا حتّى كدّت ألامس السماء ثمّ يضعني على الأرض بعيدا عن سكّة الحديد.
التفتُّ يمينا و شمالا فلم أجد أحدا في الساحة. تفرّق الخلق المذعور في كلّ الاتّجاهات فرّ النّاس من أمام وحش الحديد و امتلأ المكان بالرّهبة... " (الرّواية ص ص 40-41).
و إذا كان هذا الشاهد الشّعري موصول بالسّحر و القوى الغيبيّة الخارقة كالجنّ و الرقي و الهاتف والشياطين و الكائنات الخرافية فإنّ صلة الشاهد الشعري الثاني بالعجيب أوثق و له بخرافة "الغول والبنات السبعة" و شائج نسب، فما من شك في أنّ حكاية الحيوان – و الغول من بينها – من الحكايات المأثورة في المخيّلة الشعبية و لاسيما هذا الكائن الخرافي الذي يربض في لاوعي الإنسانية منذ القديم، و يشكل أحد أهم توجساتها خيفة و ريبة.
و المنجز الرّوائي لإبراهيم درغوثي في السّراب يحفل بالغريب و العجيب في مستويات مختلفة بدءا بعجيب التمثال و اختتاما بعجائب المبغى مرورا بالعجيب الجنسي و عجائبية الأرواح و الأشباح وعجائب الأولياء و الفسفاط و السكك الحديثة.2
و تجدر الإشارة إلى أن حضور الشواهد الشعرية في السّراب و هجرتها إلى تخوم الذاكرة الماضوية عبر منعرجاتها و منعطفاتها الأشد بروزا تمتح من القديم و الحديث، و تخلط بين الماضي و الآن في جدل مستمرّ لا يني، فتنبعث أصوات الموتى من وراء القبور لتحاور الأحياء، و يُجاور العجائبي الواقعي، و تجدل حركة الشعر الحديث خرافات القدامى و معتقداتهم الشعبية، فيفتتح الكاتب روايته بنصّ شعري لمحمود درويش من ديوانه "لماذا تركت الحصان وحيدا" في وحي و إيحاء يكثّف من شعريّة المنجز النصّي للسّراب في تعالقه مع معنى الكتابة حتّى لكأنهما صنوان، حيث يمعن السّراب في الهروب كلّما كان الاقتراب منه، و بالقدر نفسه تمعن الكتابة في التخفّي و التستّر كلّما كانت محاولة هتك حجب الإلغاز و الغموض ،فلا تجيز للدّارس دلالة مقبوضة "و هو ضرب من الكتابة السّرديّة التي تكسر كلّ الحدود لتأصيل نمط جديد من الكتابة له مسار مخصوص من خلال تشكيل المادّة الحكائية التي تخرج عن المألوف فتقدّم عالما عجيبا و غريبا تمحى فيه الفواصل بين الحياة و الموت و بين الإنسان و الحيوان . و تزول فيه الحدود بين الخيالي و الواقعي و قد تعالقت نصوص المادّة الحكائية من مصادر مختلفة، فكسر السارد بين الأزمنة و خلط بينها في النصّ الرّوائي ثمّ كيّفتها الذات الساردة لتحتج بها أو لتحتج عليها ."3
و من المفيد الإشارة إلى أنّ أنفاق الحداثة التي فتحها السارد من خلال تماس الخطابات تكشف عن ثراء مكتبة السارد و التنقير عن الإبداع من مظانه، و في هذا الصّدد تحضرنا الأنماط الخطابيّة الحديثة – فضلا عن شعر درويش – مناورة لقديم الأدب و تالده كالتأثّر بمنحى جبران خليل جبران الرّومنطيقي في مستوى الدّلالات و الإيقاع الهادئ الحزين و التشكيل البصري على الصفحة، و من أمثلة ذلك مخاطبة السارد لأحد عمال المناجم بقوله:
"...ما أشقاك يا ابن أمّي
بين أهلك
أو في بلاد الغربة" (الرّواية ص 147)
1. الرّواية، الهامش، ص79.
2. لمزيد التوسّع ينظر في مقال الهادي غابري : العجائبي في رواية وراء السراب ...قليلا، الحياة الثقافية، السنة30،ع166،جوان2005 ص ص12-20
3. العجائبي في رواية "وراء السراب...قليلا"، مرجع مذكو سابقا، ص 13.
أو في مثل قوله مناجيا ذاته:
"آه يا "عائشة" لن أتركك تضيعين منّي ضياع الماء بين الأصابع.
أنا الذي رأيتك تكبرين بين طلوع الشمس و غروبها.
بين تفتح الزّهور و ذبول الأمل.
بين انفتاح شبابيك قلبي و هبوط الليل على هذا النّجع في هذه الصحراء.
سمعت روحي تهتف لروحك قبل خلقنا و قبل أن تعرفي أننّي ابن عمّك الذي كتب عليك أن ترتبطي به لحظة الصّرخة الأولى.
ما أقسى قلبك.
أيتها....
أيتها...
أيتها الفاجعة.
فليحاكمك الأهل
لا يهمّني أن تبرئي.
أمّا أنا فسأرمي بلحمك لذئاب الليل النابت على أكتاف هذا الجبل
إنّني أطالب بحقّي فيك.
و لن أتراجع أبدا". ( الرواية :ص ص 141-142)
و كلّها علامات دالّة على ارتحال الذّاكرة الإبداعية إلى تخوم الأدب تختبر جودته و تعلن في صمت عن رموزه، فتشرك القارئ في استنطاق دلالاته و تحيينه لراهن القضايا و المستجدّات تلويحا و تلميحا يدلاّن على أنّ سلطة الأدب تعلو و لا يعلى عليها.
و إجمالا فإنّ نظرة ثاقبة للمنظومة الأجناسية التي قدّ منها المصنوع النصّي توقفنا على عمق مسألة التناصّ و اتّساع مبحث الجنس الأدبي، لذلك بدت الرّواية كشكولا من الأجناس و الرّؤى والمتناصات، فتعدّدت مراجع السارد النصيّة و تعقّدت مصادره الأصلية و تشابكت حدّ الهجنة، وبدا الأخذ من كل شيء بطرف استفزازا للقارئ و زعزعة ما استقرّ لديه من زائف الاطمئنان وواهم الاعتقاد بأصالة التشكيل اللغوي و توحّده و من خلاله خلخلة المنظومة القيمية السائدة، حتّى لكأنّ السّراب ساكن في كلّ شيء، ووراء السّراب قليلا يمثل الجوهر الباقي و الإبداع الخالد في مسالكه المتعدّدة و مناحيه المتنوّعة.
و لا يسعنا أن نقرّر – في هذا المقام و بحظ وافر من الاطمئنان – أنّ هذه الضروب الأجناسية( خرافة، شعر شعبي، حكاية، قصص، ماثورات تراثية...) لا يزال معظمها في حال البكارة و ما تحمله من نفرة و استعصاء، لأنّها قد مثلت هامش الأدب أو تخومه القصيّة التي قبعت فيها بعد أن حكم عليها الأدب الرّسمي بالاقصاء و التهميش، لذلك ظلت مستبعدة و حتّى و إن استدعيت فمن باب التفكّه و الهزل. إلاّ أنّ الناظر في حضور هذه الأنماط الخطابيّة في رواية "وراء السّراب ...قليلا" يلفي جدلا مستمرّا بينها و بين أنماط خطابيّة أخرى مثلت مهادا أساسيا لحركة الأدب العالم كالتاريخ و الشعر و النثر...، وتكثيفا دلاليا أضفى عليها بعدا وظيفيا جديدا سجّلت بموجبه عودة إلى حرم الأدب، فتطالعنا أصوات عديدة تمتح من الخرافة قدرا و تقتطع من الأعاجيب والأساطير حيّزا معبّرا من ذاكرة المؤلف الرّوائية ، و تلتقط من الواقع ملامح البساطة والعفوية في لغته الدّارجة و أغنياته الشعبيّة يهزج بها السّارد المتخيّل في وحي بأن مجمل هذه القرائن النصيّة تقوم شاهدا على أنّ الذي يقبع وراء السطور كائن تاريخي مادّي لملمت ذاكرته أصداء الماضي البعيد و الرّاهن المعيش في لحظة إبداعيّة فنيّة قوامها التحاور بين التالد و الطارف و التجاور بين الأجناس الأدبيّة عالمها و شعبيّها شعرها و نثرها واقعيها و عجيبها، حتّى لكأنّ هذا التوزع النصّي بين شذور الأدب و نتفه يعكس طبيعة الخطاب الرّوائي ذاته، و حتّى لكأنّ هذا النبش في طبقات النّصوص الغائبة و الحاضرة يجلو ذات الأديب في لحظة إبداعية محمومة قوامها الاضطراب و التمزّق و التشتت بين جراح عميقة في آنيتها و أمـل في شفائها ينشـــده الكاتب في ما "وراء السّراب ...قليلا" .
[/size]
منقول
توفيق- عضو متميز
- عدد الرسائل : 425
نقاط : 1075
تاريخ التسجيل : 09/09/2009
مواضيع مماثلة
» جماليات السراب في رواية "وراء السراب قليلا"
» * التقنيون الجزائريون يشرحون مردود " الخضر " أمام " ايرلندا " ...
» ـ الأحرى أن نؤرخ لـ " يوم العلم " في الجزائر بـ " 04 ديسمبر " ...
» الحل العسكري" لعلاج "الإدمان على الإنترنت"
» أنثر خلفك زهوراً .. واصبر قليلا ترى نوراً !!!
» * التقنيون الجزائريون يشرحون مردود " الخضر " أمام " ايرلندا " ...
» ـ الأحرى أن نؤرخ لـ " يوم العلم " في الجزائر بـ " 04 ديسمبر " ...
» الحل العسكري" لعلاج "الإدمان على الإنترنت"
» أنثر خلفك زهوراً .. واصبر قليلا ترى نوراً !!!
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة أبريل 12, 2024 4:10 pm من طرف سعداوي ربيع
» المتألقه ياسمين ابراهيم
الثلاثاء أكتوبر 10, 2023 8:54 pm من طرف سعداوي ربيع
» إستمتع بخدمة ultimate game pass لجهاز الإكسبوكس و الحاسوب
الخميس نوفمبر 24, 2022 10:35 pm من طرف lmandoo
» ربيع المؤمـــــــــــــــــــن
الثلاثاء نوفمبر 08, 2022 8:11 am من طرف سعداوي ربيع
» مشروع واحة الشاطيء شقق للبيع في مدينة دبي للاستديوهات
الخميس نوفمبر 03, 2022 9:21 pm من طرف lmandoo
» شركة حلول ميج للاستشارات وتطوير الأعمال
الثلاثاء أكتوبر 18, 2022 11:26 am من طرف lmandoo
» نانا اليوم اقوى الخصومات على كل المنتجات
الأربعاء أكتوبر 12, 2022 11:28 pm من طرف lmandoo
» مرام مالك فنانة غنائية سعودية
الإثنين سبتمبر 05, 2022 5:12 am من طرف lmandoo
» موقع تعليمي سعودي لتغطية كافة المناهج
الخميس أغسطس 25, 2022 11:44 pm من طرف lmandoo
» يونيريم للرعاية المنزلية UNIREM Home Care
الأربعاء أغسطس 17, 2022 3:49 am من طرف lmandoo
» ايه افضل بيوتى صالون فى حدئق الاهرام واكتوبر وزايد
السبت أغسطس 13, 2022 3:57 am من طرف lmandoo
» اشطر جراح عام دكتور عبد الوهاب رأفت
السبت أغسطس 13, 2022 2:21 am من طرف lmandoo
» اشطر جراح عام دكتور عبد الوهاب رأفت
الثلاثاء أغسطس 09, 2022 1:47 am من طرف lmandoo
» ايه افضل بيوتى صالون فى حدئق الاهرام واكتوبر وزايد
الثلاثاء أغسطس 09, 2022 1:37 am من طرف lmandoo
» مصممة الازياء رنا سمعان من نينوى العراق إلى العالمية
الإثنين أغسطس 08, 2022 3:45 am من طرف lmandoo