مـــــــــــــــــــــواعظ
من فضل الله على عباده تتابع مواسم الخيرات ومضاعفة الحسنات فالمؤمن يتقلب في ساعات عمره بين أنواع العبادات والقربات فلا يمضي من عمره ساعة إلا ولله فيها وظيفة من وظائف الطاعات وما أن يفرغ من عبادة إلا ويشرع في عبادة أخرى ولم يجعل الله حدا لطاعة العبد إلا انتهاء عمره وانقضاء أجله.
وبعد ان اتم الله لنا نعمة اكمال شهر الصيام والقيام ورتب عليه عظيم الأجر والثواب صيام ست أيام من شوال التي ثبت في فضائلها العديد من الأحاديث منها ما رواه الإمام مسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال : ( من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر
المواضيع الأخيرة
بطاقات اسلامية
أدعية رمضانــــــــــية
جماليات السراب في رواية "وراء السراب قليلا"
صفحة 1 من اصل 1
جماليات السراب في رواية "وراء السراب قليلا"
[size=24]
[size=12][b]جمالية السّراب في رواية "وراء السراب...قليلا"
لإبراهيم درغوثي.
يعد المنجز النصي الروائي عند إبراهيم در غوثي من الخطابات التي تفرض على الدارس رؤية في قراءة الآثار الروائية موضوعية، ومنهجا في التحليل مخصوصا، وذلك بالاستئناس بمناهج النقد الأدبي الحديث في محاورته لأجناس تراثية قديمة، وسمته أبحاث البنيويين بالتطريس مرة و بالتناص أخرى، حتى لكأن "تماس الحداثات" يغدو منبع الجدة والطرافة وعنوان الأصالة والانفتاح في آن.
- بنية السراب من خلال:
المحرم السياسي:
إن الولوج إلى حرم النص الروائي، هذا المصنوع الذي قده صاحبه وهو يعي أنه يصنع تشكيلا لغويا لم يسبقه إليه غيره، من منظور سياسي يرتد بنا إلى لحظة من لحضات الزمن الموضوعي ننطلق منها لنرود آفاقا إبداعية أرحب تحرر النص من قيود التأريخ و التسجيل المباشر لوقائع تاريخية صرف. ولعل من أهم المشاهد التي يستوقفنا فيها خطاب السلطة صداحا تلك التي ينفتح فيها على صور القتل والتمثيل والتعذيب في زمن البايات والباشوات باسم الدين، وقد مثل السارد حلقة وصل بين المشاهد السردية في تعالقها مع الواقع السياسي المتردي من حقبة الحكم العثماني إلى حقبة الاحتلال الفرنسي وبين المتقبل، على أن جدل الواقع صنو لصراع الخطابات ؛ إذ التجلي السياسي في تفاعل مستمر مع خطابي الجنس والدين، ولا يمكن فصل هذا الثالوث المحرم إلا على سبيل الفصل المنهجي إذ الرواية منذ فاتحتها إلى خاتمتها مشرعة شبابيكها على خطاب السياسة وبين البدء والعود تماس بين المحرمات الثلاثة يؤسس لـ"حداثة التماسات".
إن النص الناسخ الذي نباشر بالتحليل يلتقط مادته من ذاكرة الماضي، فكأن النصوص المؤسسة والنصوص المصادر مهاد الكاتب في التشكيل السردي والتأليف الإبداعي، والمعنى السياسي يكاد يتردد صداه في أعمال أخرى روائية لإبراهيم در غوثي 1 .
يغوص الراوي في ذاكرة الماضي ليستحضر مرحلة من مراحل التاريخ السياسي عاشها المجتمع التونسي حافلة بالقمع والاستبداد، ويشكل المحرم السياسي مسارا سرديا يقوم على تقنية الاسترجاع كما ذكرنا، وهذا الفلاش ينفتح على جملة من التقنيات السردية التي تؤسس لهذا المحرم، منها مستويات التبئير في تنوعها، فلئن بدا السارد أشبه ما يكون بخيط خفي رابط بين مجموع الأحوال والأقوال فإن مواضع تزاحم الأصوات القصصية في رواية "وراء السراب ...قليلا" أكثر من أن نستدل عليها، ويمكن أن نذكر على سبيل التمثيل لا الحصر تذمر عمال المناجم من ضيق الحال في محاولة عمال "فسفاط قفصة " شن أول إضراب:
"صاح رجل من ركن البيت :
- صار ثمن الخبزة فرنكا.
وجاوبه صوت آخر:
- وثمن كيلو الشاي ستة عشر فرنكا.
فتأوه إسماعيل:
- وكيلو السميد بفرنك ونصف.
فقال علي بن عامر البويحيي:
- ولتر الزيت بأربعة فرنكات.
1- انظر على سبيل المثال لا الحصر :"القيامة ...الآن "،" أسرار صاحب الستر "، " الدراويش يعودون إلى المنفى..."
وأضاف حميدان :
- ورطل القهوة بستة فرنكات وكيلو اللحم بخمسة.
فهمهم الحاج مرابط :
- والمرتب لايفوق أربعة فرنكات في اليوم ! "1
والملاحظ أن قصة العمال لا يستثنى منها الراوي وتجاربهم في التصدي لضيم الحكام وظلم ذوي السلطان تبدو مشتركة يسلم الواحد منهم الكلمة إلى غيره فيتحول المسرود عنه إلى سارد مباشر، لذلك بدا إيقاع المنظور السردي متباين الزوايا متعدد الرؤى. فيتصادى النص الناسخ مع نصوص مصادر يروم من خلالها السارد التشهير برموز الطغاة والجبابرة رفضا أو احتجاجا منه على واقع مرير يطفح بألوان التعذيب وصنوف الإذلال، لذلك " تحول الماضي المهيمن إلى مرجع يؤثث حياة السارد الذي يرى حاضره عقيما جديبا فيحتج عليه، لكن بهدوء من وعى أن طرائق الاحتجاج متعددة وأن بعضها عن بعض يختلف"2.
ولذلك غدا الاعتبار الفني الذي قام عليه المحرم السياسي تضافرا نصيا بين النص الناسخ والواقعية النصية في سبيل الكشف عن غايات السارد القصية في الاحتجاج والرفض حينا والتطاول والتعريض حينا آخر، وهي مرام مبثوثة في تضاعيف :
المحرم الديني:
يندرج المحرم الديني في سياق التطاول على المعنى الأصلي للمقدس في النصوص المصادر، وتجليات هذا المحرم مبثوثة في تضاعيف النص الظاهــــر
( Phénotexte ) أو النص المولد أوزاعا وأشتاتا يظفر به الدارس في مواضع للروائية مختلفة . والحق أن ثنائية النص المولِّد ( Phénotexte ) والنص المولَّد ( génotexte ) سليلة الابحاث النقدية المعاصرة ضمن مجهودات أبرز أعلام مدارس الغرب الحديثة كحوارية باختين (dialogisme) والعبورية النصية لجيرار جينات ( transtextualité ) وإنتاجية كريستيفا (productivité ) التي يتنزل في سياقها النص الظاهر والنص الباطن في انتاج النص، وكلها جهود تشرع لظاهرة التناص ( intertextualité ) أو ما وسمه جينات بالتطريس ( les palimpsestes ) . والطرس في اللغة العربية قريب في معناه من المدلول الفرنسي ، إذ تكاد تجمع أمهات الكتب اللغوية على دلالة مشتركة للطرس بما هواللّوح الذي يكتب عليه مرّات متتالية، إلاّ أنّ آثار المكتوب لا تمحى كلّياو إنّما تظلّ عالقة كالوشم في ظاهر اليد، فالمحو و إعادة الكتابة في تنوق و اختيار جعل جينات يَسم أحد تآليفه الكثيرة3بـ "الأدب من الدّرجة الثانية" ( La littérature du 2ème degré) و هو العنوان الفرعي، أمّا الرئيسي فعنوانه: الطروس ( Les palimpsestes ) .
و إذا كان هذا الاهتمام بجدل القديم و الحديث من النصوص و هجرتها إلى أجناس أخرى تكيّفه مقولة التناص أو العبور النصّي، و يتنزّل بالتّالي في سياق أعمّ ممّا نحن منه بسبيل، فإنّ المحرّم الديني يجسّد هذه المقولة في ما يستحضره الرّاوي من ترسبات أعلق بالدّين و مجال حضوره متعدّد فمنه النصّ القرآني و الأحاديث النبوية ( ص 33) و النّصوص المفسّرة و ينقل الرّاوي النصّ التأسيسي في الرواية نقلا أمينا مرّة محرّفا مرّات ؛ إذ الاستشهاد بالآيات القرآنية في فاتحة النصّ الروائي يوهم بوفاء للمقدّس وفاء تامّا ( الرّواية ص ص : 12 – 13 –14 – 19 – 27 ) ، و لكنّه وفاء يخفت صداه و تبهت ملامحه فما أن نتقدّم أشواطا في قراءة المنجز النصّي الروائي حتّى يضحي كالسّراب أو هو " وراء السراب...قليلا " ، فلكأنّ "جمالية الألفة"4 التي نظرت
1. درغوثي ( إبراهيم) : " وراء السراب...قليلا" ، رواية ، مركز الحضارة العربية، ط 3 . القاهرة 2005، ص ص152-153.
2. حفيظ (عمر): التجريب في كتابات إبراهيم درغوثي القصصية والروائية. ط .المغاربية للطباعة والنشر والاشهار. ط1. نوفمبر1999، ص97
3. لجينات عدّة مؤلفات في مجال السرد منها: Figures I عام 1966 و Figures II عام 1969 Figures III عام 1972 و Minologie عام 1976 و Architexte عام 1979 و Palimpsestes عام 1982 و Seuils عام 1987.
4. عنوان كتاب لشكري المبخوت :" جمالية الألفة".
لها المدوّنة النقديّة و الفنيّة عند العرب قديما و رفدها الدّرس النقدي الحديث بإيضاح شرائطها و الإبانة عن مسالكها تغدو جمالية اغتراب أو هي جمالية سراب، فالتحريف الذي لحق المقدس في رواية درغوثي أوضح من أن نستدلّ عليه و التطاول على المحرّم الدّيني أظهر من أن نقيم له الحجّة و البرهان، و إلاّ كيف تتحقق "المساواة بين بني البشر و أنه لا فرق بين أبيض و أسود إلاّ بما كسبت النفس الأمّارة بالسّوء؟" ( الرواية ص31) و كيف" يستوي الذين يعملون والذين لا يعملون"؟ (الرّواية ص 143).و إذا كانت المرجعية الدينية – على اختلاف مصادرها – قد أكدت على أهميّة العلم و العمل وعلى أنّ الإنسان متأرجح بين التّسيير و التخيير وهي مسائل كلامية كانت محلّ جدل بين الفرق الإسلامية، فإنّ للمقدّس حرمته وللقرآن إعجازه و لو اجتمع الإنس و الجنّ على الإتيان بمثله ما استطاعـوا استنادا إلى رؤية الثقافة العربيّة الإسلامية في دعوتها إلى التــــوحيد و اعتبارها القـــرآن "جنسا فريدا خارجا عن دائرة النثر المعروف"1.
إنّ التجاور بين النصوص المصادر و النصّ الناسخ له مواضع للكلم أخرى يعكس تجاورا نستجلي صداه في التقريب بين النصوص الدنيوية والنصوص المقدّسة كتشبيه رؤوس رجال القرية بقرون الخرفان حسب الوجاهة و المنزلة الاجتماعية "فمنهم من كان أقرن كالكبش الذي أنزله الربّ على سيّدنا إبراهيم الخليل فداء لجدّنا إسماعيل، و منهم من كان له قرنان صغيران كقرني الحمل، وبين هذا و ذاك عامّة الرّجال الذين حملوا قرونا كقرون الخرفان و الجديان و التيوس"(الرواية ص 30). و هي صورة ترشح سخرية و تهجّما على رموز الوعي السياسي و هرمية العلاقة القائمة بين الآمر و المأمور و بين الأسياد و العبيد في فترة حكم البايات، و من وراء ذلك تطاولا على النصوص المصادر يعمل الراوي على مداراته قدر استطاعته، فيلجأ إلى بث الموتيفات الدينية في أحناء نصّه الجامع، فيطالعنا حضور الرقم " سبعة" لافتا للانتباه، و تبدهنا مكوّنات الطقس الدّيني منذ فاتحة نصّ إبراهيم درغوثي الرّوائي في نوم أصحاب الكهف و صلاة الصبح و ماء زمزم... و اختتاما بالتكايا والزوايا و الأولياء الصالحين و يوم القيامة...مرورا بتيمات معجم الخوارق و الغيبيّات كالهواتف وآذان بلال في الجنّة و الحمائم ذوات الوجوه الآدمية... و كأنّما الجرأة في انتهاك حرمة المقدّس تضارعها جرأة في إدانة رموز الحكم و أعلام السياسة و رفض صارخ لمظاهر القمع الاجتماعي واحتجاج على زيف الشعارات المرفوعة باسم الدين و هو منها براء.
إن الاختيارات الفنيّة التي عمد راوي "وراء السراب... قليلا " إلى انتقائها في مجال المحرّم الدّيني تؤكّد ما ذهب إليه الدّرس النقدي القديم من أنّ اختيار المرء قطعة من عقله، قصد من ورائها إلى تبليغ مضامين نقدية انتقادية بأسلوب رمزي و بصياغة مكثّفة تراوحت مراميها بين الظهور والضمور في سبيل الكشف عن مقاصد قصيّة ارتأى السارد أن يميط عنها اللّثام في وحي و إيحاء.
و الملاحظ أن الرموز الدّينية و الدلالات الحافة (Connotation) للنّصوص التأسيسية ترد في النصّ الناسخ فتمنحه نفسا سرديّا هو أدعى للإبداع إذ التكثيف الأسلوبي و الدّلالي يشحن النصّ الرّوائي بطاقة تخييلية تزيدها القصص الدينية و الحكايا الشعبية امتدادا فتتعقد الأحداث و تتشعّب المرجعيات، و يختلط الواقعي اليومي بالعجيب الغريب، و يُرى سحر الماورائيات انفلاتا من قبضة الحدود الزمانية و الضوابط المكانية حتّى لكأنّ التوسل بالمتصوّر الديني يغدو توقا إلى التحرّر من قيود الواقع و مكبلاته، و حتّى لكأنّ استدعاء صوت الدّين إلى حرم المنجز النصّي لإبراهيم درغوثي في رواية " وراء السراب...قليلا" بحث مستمر عن لحظة الخلاص من محن الوجود، و ما العبث بالمحرّم الدّيني إلاّ محاولة جادّة لبعث مفهوم صحيح للمعتقدات و تشبث بمبادئها الصحيحة و إرساء أرضية صلبة لتأكيد ذاتية الإنسان و تدعيم كيانه في عالم مليء بزيف الشعارات و مشحون بتسلط الطغاة ، ولعلّ جدلية الشرق و الغرب خير دليل على الصّراع بين قوى غير متكافئة، فهل المحرّم الجنسي يحقق التكافؤ الذي يرنو السارد إلى تجسيده أم يظلّ هو الآخر كالسّراب أو " وراء السراب...قليلا" ؟
المحرم الجنسي:
تتوزّع تجليات هذا المحرم في مواضع للنصّ الرّوائي مختلفة، إذ الفصل بين هذه الممنوعات يظل – كما أشرنا آنفا – فصلا منهجيا، فقد تستقلّ تيمة "الجنس" بفصل محدّد أو باب مخصوص و لكنّ التجاور بين الثالوث المحرّم يؤسس للعلاقة الحواريّة بينها، فكأنّ الروائي بهذه الخطّة قد "رسم لنفسه
1. شبيل ( عبد العزيز): نظرية الأجناس الأدبيّة في التراث النثري، جدلية الحضور و الغياب، كلية الآداب و العلوم الإنسانية بسوسة، ط سبتمبر 2001، ص 290.
استراتيجية قاعدتها هذه المحرّمات / الممنوعات : الدّين و الجنس و السياسة. و آفاقها تجريب أساليب في السّرد متعدّدة، تتراوح هي أيضا بين سرد تتابع فيه الأحداث و تترابط ترابطا سببيا و سرد متقطع تجاور فيه الأزمنة بعضها و لا تتلاحق..."1.
إن التّركيز على أبرز حضور هذا التجلّي ( المحرّم الجنسي) في روايته"وراء السراب...قليلا" في إطار ما وسمه عمر حفيظ بـ " التجريب في كتابات إبراهيم درغوثي القصصيّة و الروائية" يشدّنا إليه البابين الرابع و الخامس أساسا؛ ففي المشهد الأوّل ينفتح خطاب الجنس على هرب "ريحانة" والدة السارد عزيز إلى قصر الوالي و زواجها منه، و يقوى حضور المحرّم الجنسي في المشهد الثاني حيث تتعقّد مغامرات البطل مع بنات الوالي في حضن أمّه أو في بيت زوجـــة أبيــه عنــد سفره إلى صفاقس و إقامته فيها لمدّة "سنة قمرية" استنفد خلالها جميع ما ورثه عن أبيه. و الملاحظ أن نفس الجنس يعبق به النصّ الرّوائي أوزاعا و أشتاتا، فمنه ما يرد عناوين لفصول كالإشارات الضوئية تشدّ إليها القارئ شدّا كالفصل الرّابع الموسوم بـ بغايا لعموم شركة "فسفاط قفصة" ( الرواية ص 103) و الفصل الخامس و عنوانه "حكاية "الرّومي" الذي عشق مسلمة " ( الرواية ص 121). و منه ما يعمد الدّارس إلى استشفافه استشفافا لتماس الممنوعات الثلاثة مرّة و لدلالاته الرمزية مرّة أخرى.
إننا متى يممنا البحث شطر تفاعل النصوص مع بعضها البعض أو ما وسمه التقليد الغربي "بالتطريس"، ألفينا النصية الناسخة في المحرمين الديني والسياسي أوفر ممّا هي في المحرّم الجنسي الذي يُرى في "الشبابيك" بكثافة فكأنما الراوي قد استعاض عن ضمور تيمات الدين والسياسة بحضور الجنس، والعكس نراه في "السراب". و قد خلص أحمد السماوي في بحثه المسألة إلى " أنّ النصّ الرّوائي لا تؤسسه واقعيّة واحدة، بل واقعيات، و إذا ما رجحت كفّة إحداها في نصّ خفت وجوبا في نصّ آخر"2.
و اللافت للإنتباه أن التجرّأ على هذا المحرّم قلّ حضوره أم كثر غالبا ما يأتي في إطار من الإباحيّة الصارخة و هي طريقة في كتابات إبراهيم درغوثي و سمتها شادية شقروش بـ "صدمات كهربائية"3 .ولكنّها الصدمات الهادفة إلى تحقيق هدف منشود أسمى ممّا هو موجود، فشخصيات "السّراب" ترحل إلى عوالم اللّذة و المتعة متملّصة من ضوابط التقاليد متحرّرة مــــن الأعـــــراف الاجتماعية و الأخلاقية : فريحانة تتوق إلى حياة المادّة المحققة للسّعادة فترى قصر الوالي فضاء أمثل للهروب من وصاية الجميع "بعد أن أعدّت الصفقة في الخفاء " (الرواية ص 37). ولم يقتصر الأمر عند هذا الحدّ و إنّما تسعى "الأمّ" إلى ارتكاب جرائم "الفجور" و المنكــــرات؛ فتنشئ عــلاقات الحرام بين بنات الوالي و ابنها عزيز و تتكفل هي بإتمام المهمّة بدا السارد – رغم تورطه في انتهاك حرمة المقدّس باعتباره ضحيّة – محتجّا مطلقا صرخة الرفض لمظاهر الفساد و القرف و البذيء في دوي يتصادى مع نواح الحمائم ذات الوجوه الآدمية على الشرفات ليلا، يقول: "و انهمكت أمّي في دفن الملائكة التي صنعتها في أرحام بناته [ الوالي] كما علمتها زوجة أبي. تحفر حفرة في التراب تواري فيها اللحم الطريّ، و تسقيها بالماء الطهور، فتخرج منها بعد أيّام حمائم ذات وجوه رائعة الجمال شبيهة بوجهي، تطير عاليا في السّماء ثمّ تحطّ على البيوت. تهزج و تهدل في النّهار و تنوح ليلا على الشرفات العالية" ( الرواية ص ص 50-51) .
و الشاهد المتقدّم مهمّ لا لأنّه يدين مدارا من مدارات المقرف و البذيء من خلال المحرّم الجنسي فحسب و إنّما أيضا لأنّ الرّاوي حضر في الحكاية بضمير المتكلّم و بدا مشاركا في أحداثها، و هو ما وسمته أبحاث المهتمّين بفن القصص و لا سيما الغــــربيّة منها بالرّاوي الحاضــــر في الحكايــــــــــة
1- التجريب في كتابات إبراهيم درغوثي القصصية و الروائية، مرجع مذكور سابقا، ص 80.
2.-السماوي( أحمد): التطريس في القصص: إبراهيم درغوثي أنموذجا، مطبعة التسفير الفني صفاقس، الثلاثية الرابعة 2002، ص90.
3. شقروش (شادية)، الخطاب السردي في أدب إبراهيم درغوثي، دار سحر للنشر، دت، ص6.
( Un narrateur homodiégétique) ، و هو فضلا عن ذلك بطل في الحكايـــــة التي يحكيها، ولذلك فهــــو يعتبر راويا لحكايـــــة ذاتيـــــة 1( un narrateur autodiégétique) ،و هي ذاتية قد تلبست في هذا الشاهد بأصداء أصوات الآخرين و لا سيما الكاتب في تحاور يذكر بحوارية باختين ( Le dialogisme) فكأنّما صوت الرّاوي الذي يسري صداه في أحناء النصّ الروائي تنبعث من ورائه أصداء صوت الكاتب، هذا الكائن المادّي الذي يتشكّل في الزمان و المكان و يصدر عن رؤية للأشياء نقديّة آنا انتقادية آونة أخرى ،و كأنّما أضحت مقولة موت الكاتب في الدّراسات البنيوية واللسانية الحديثة، لما آلت إليه الأبحاث النقدية في مجال تحليل النّصوص السرديّة و القصصية من ضرورة الاشتغال على النصوص باعتبارها وحدة نصيّة لسانيّة مغلقة، مــــــــن المقولات التي تعهدها البحث بالمراجعة و التعديل وهو ما أدّى إلى تنويع الرؤية للمواقع السريــــة وزوايا النظر للسارد من وجهين على الأقل : الراوي و الرائي2 .
و إذا كان الشاهد المتقدّم ممّا انتخبناه للاستدلال به على أن الواقعية النصيّة في "السراب" و إن خفت ايقاعها قياسا إلى رواية "الشبابيك" مثلا، قد مثلت "صدمة كهربائية" يفيق القارئ فيها على صوت الرّاوي و من ورائه الكاتب المتهكّم السّاخر، فإنّ انتشار المحرّم الجنسي كان له حضور في مواضع للكلم أخرى، متلبسا بغايات ايديولوجية لعلها إشارة إلى ضرورة انتهاج سبيل التوسط والفهم الصحيح للممنوعات الثلاثة و إن بدت في نصّ درغوثي الرّوائي "كالسراب" أو هي "وراء السراب ...قليلا"؛ ذلك أنّ "التلاعب بالقيم الدينيّة في تلابيب اللغة هو البحث عن روح الدّين الضائعة و التلاعب بالأخلاق و الجنس هو البحث عن روح الجنس الضائع، و التلاعب بالتّاريخ و السياسة هو البحث عن التاريخ النقيّ و السياسة النقيّة، هو البحث إذن عن المدينة الفاضلة التي تحمل في تلاوينها الاعتدال"3 .
و خلاصة القول فإن ولوج حرم المسكوت عنه أو المحرم دينا كان أم سياسة أم جنسا من خلال النصّ الناسخ يضعنا إزاء أسئلة مصيريّة كبرى تتعلق بالمنظومة الفكرية و الدينيّة و السياسية، و بالمثل تضعنا أمام ضرورة اختيار موقف إيجابي إزاء التحوّلات الحضارية التي تجدّ في خضمّ التاريخ، لذلك مثل صوت الأديب صوت من وعي تناقضات العصر فانبرى يهدم قدسيّة المكان و الزّمان والقيم لكن بهدوء من وعي أن طرائق الاحتجاج متعددة و أن طريق الإبداع مـــن بين طرائـــــــق التوصيل و إيصال نبرات الرفض لمظاهر الزيف و التحريف فكان نصّه الناسخ كشكولا من المتعاليات النصيّة حتّى لكأنّ نصّ "وراء السراب...قليلا" نصّ جامع يقطع صلته مع الواقعيّة في الفنّ و مع مبدإ المشاكلة ( La vraisemblance) ؛فتتهاوى الحدود بين التاريخي و العجيب و الواقعي، و تتماس أصوات الشعر و النثر و الرواية و الحكاية... و لعلنا نزيد قضية التصنيف الأجناس للنصّ الروائي لإبراهيم درغوثي تفصيلا من خلال:
- تماس الحداثات: كتابة بلا ضفاف:
يعد مبحث التناصّ من المباحث التي يعسر لملمة أشتاتها و الإحاطة بكلّ تفاصيلها و دقائقها لأنّ متصوّر الجنس الأدبي، كما يقرّر الباحثون المختصّون في الأبحاث النصانية ،من أدقّ المسائل الخاصّة باللحوق النصّي أو "التطريسات"4.
1- انظر: G.Genette, Figures III, PP 252-253, id, seuil 1972 .
2. لمزيد التعمّق في الفرق بين الراوي و السارد، و اكتناه الصوت السردي في الأعمال الروائية ينظر في : الخطاب القصصي في الرواية العربية المعاصرة من 1976 الى 1986، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه دولة .محمد الخبو : إشراف محمود طرشونة، تونس 2001. الفصل الأوّل : التلفظ القصصي ص 275 و ما بعدها.
3. الخطاب السردي في أدب إبراهيم الدرغوثي، مرجع مذكور سابقا، ص ص 39-40.
4. عنوان كتاب لجيرار جينات ''Les palimpsestes'' عام 1982.
إننا نلج العالم الرّوائي لإبراهيم درغوثي في روايته "وراء السراب...قليلا" من خلال مفهوم السّراب ذاته، إذ يمعن الرّاوي في التخفّي و يضحي موقع الرؤية السردية غائما يؤسس لـ "جمالية التيه"1، إذ الرواية أبواب و فصول مشرعة على عناوين تتأرجح بين الإجمال حينا و التفصيل حينا آخر، و يحكم اللاّتوازي عدد الأبواب بين الفصل و الآخر و قد بلغ عدد الفصول ستة، و يجعل الرّوائي لكل فصل عددا من الأبواب لا يجري على رسم مسكوك؛ فقد غلب الرقم اثنان على مجموع الفصول( 2– 3– 5 – 6 ) و حوى الفصل الأوّل ستة أبواب، و شمل الفصل الرابع بابا واحدا.
و من الواضح أن هذا التوزيع الكمّي لعناوين الأبواب و الفصول و إن لم يجر على خطة واضحة المعالم، فإنّ المضامين التي يرنو الرّوائي إلى إيصالها لمتقبله على غاية من الشفافية و إن تشابهت المسالك و تعدّدت الطرق، و لعلّ اللاّتوازي الذي يحكم هيكل النصّ يعكس طبيعة الخطاب الرّوائي ذاته في انفتاحه على النّصوص المصادر و الواقعيّة النصيّة و التراشح بين النصّ الناسخ و النصّ الأصل، فللرواية – كما خلص إلى ذلك الباحث أحمد السماوي في دراسته لأشكال التطــــريس في قصص إبراهيم درغوثي أنموذجا - "بحكم طبيعتها الهجينة - استعداد لصهر مختلف الخطابات واستيعاب متباين الأجناس والفنون"2.
و فضلا عن ذلك فإنّ المتناص في رواية السّراب بين النصّ من الدرجة الأولى و النصّ من الدرجة الثانية أو الثالثة تعلّله سنة التجريب التي أجرى عليها المؤلّف كتاباته الرّوائية و القصصية، ودأبت عليها الكتابات السّردية الإبداعية، و [font:
[size=12][b]جمالية السّراب في رواية "وراء السراب...قليلا"
لإبراهيم درغوثي.
يعد المنجز النصي الروائي عند إبراهيم در غوثي من الخطابات التي تفرض على الدارس رؤية في قراءة الآثار الروائية موضوعية، ومنهجا في التحليل مخصوصا، وذلك بالاستئناس بمناهج النقد الأدبي الحديث في محاورته لأجناس تراثية قديمة، وسمته أبحاث البنيويين بالتطريس مرة و بالتناص أخرى، حتى لكأن "تماس الحداثات" يغدو منبع الجدة والطرافة وعنوان الأصالة والانفتاح في آن.
- بنية السراب من خلال:
المحرم السياسي:
إن الولوج إلى حرم النص الروائي، هذا المصنوع الذي قده صاحبه وهو يعي أنه يصنع تشكيلا لغويا لم يسبقه إليه غيره، من منظور سياسي يرتد بنا إلى لحظة من لحضات الزمن الموضوعي ننطلق منها لنرود آفاقا إبداعية أرحب تحرر النص من قيود التأريخ و التسجيل المباشر لوقائع تاريخية صرف. ولعل من أهم المشاهد التي يستوقفنا فيها خطاب السلطة صداحا تلك التي ينفتح فيها على صور القتل والتمثيل والتعذيب في زمن البايات والباشوات باسم الدين، وقد مثل السارد حلقة وصل بين المشاهد السردية في تعالقها مع الواقع السياسي المتردي من حقبة الحكم العثماني إلى حقبة الاحتلال الفرنسي وبين المتقبل، على أن جدل الواقع صنو لصراع الخطابات ؛ إذ التجلي السياسي في تفاعل مستمر مع خطابي الجنس والدين، ولا يمكن فصل هذا الثالوث المحرم إلا على سبيل الفصل المنهجي إذ الرواية منذ فاتحتها إلى خاتمتها مشرعة شبابيكها على خطاب السياسة وبين البدء والعود تماس بين المحرمات الثلاثة يؤسس لـ"حداثة التماسات".
إن النص الناسخ الذي نباشر بالتحليل يلتقط مادته من ذاكرة الماضي، فكأن النصوص المؤسسة والنصوص المصادر مهاد الكاتب في التشكيل السردي والتأليف الإبداعي، والمعنى السياسي يكاد يتردد صداه في أعمال أخرى روائية لإبراهيم در غوثي 1 .
يغوص الراوي في ذاكرة الماضي ليستحضر مرحلة من مراحل التاريخ السياسي عاشها المجتمع التونسي حافلة بالقمع والاستبداد، ويشكل المحرم السياسي مسارا سرديا يقوم على تقنية الاسترجاع كما ذكرنا، وهذا الفلاش ينفتح على جملة من التقنيات السردية التي تؤسس لهذا المحرم، منها مستويات التبئير في تنوعها، فلئن بدا السارد أشبه ما يكون بخيط خفي رابط بين مجموع الأحوال والأقوال فإن مواضع تزاحم الأصوات القصصية في رواية "وراء السراب ...قليلا" أكثر من أن نستدل عليها، ويمكن أن نذكر على سبيل التمثيل لا الحصر تذمر عمال المناجم من ضيق الحال في محاولة عمال "فسفاط قفصة " شن أول إضراب:
"صاح رجل من ركن البيت :
- صار ثمن الخبزة فرنكا.
وجاوبه صوت آخر:
- وثمن كيلو الشاي ستة عشر فرنكا.
فتأوه إسماعيل:
- وكيلو السميد بفرنك ونصف.
فقال علي بن عامر البويحيي:
- ولتر الزيت بأربعة فرنكات.
1- انظر على سبيل المثال لا الحصر :"القيامة ...الآن "،" أسرار صاحب الستر "، " الدراويش يعودون إلى المنفى..."
وأضاف حميدان :
- ورطل القهوة بستة فرنكات وكيلو اللحم بخمسة.
فهمهم الحاج مرابط :
- والمرتب لايفوق أربعة فرنكات في اليوم ! "1
والملاحظ أن قصة العمال لا يستثنى منها الراوي وتجاربهم في التصدي لضيم الحكام وظلم ذوي السلطان تبدو مشتركة يسلم الواحد منهم الكلمة إلى غيره فيتحول المسرود عنه إلى سارد مباشر، لذلك بدا إيقاع المنظور السردي متباين الزوايا متعدد الرؤى. فيتصادى النص الناسخ مع نصوص مصادر يروم من خلالها السارد التشهير برموز الطغاة والجبابرة رفضا أو احتجاجا منه على واقع مرير يطفح بألوان التعذيب وصنوف الإذلال، لذلك " تحول الماضي المهيمن إلى مرجع يؤثث حياة السارد الذي يرى حاضره عقيما جديبا فيحتج عليه، لكن بهدوء من وعى أن طرائق الاحتجاج متعددة وأن بعضها عن بعض يختلف"2.
ولذلك غدا الاعتبار الفني الذي قام عليه المحرم السياسي تضافرا نصيا بين النص الناسخ والواقعية النصية في سبيل الكشف عن غايات السارد القصية في الاحتجاج والرفض حينا والتطاول والتعريض حينا آخر، وهي مرام مبثوثة في تضاعيف :
المحرم الديني:
يندرج المحرم الديني في سياق التطاول على المعنى الأصلي للمقدس في النصوص المصادر، وتجليات هذا المحرم مبثوثة في تضاعيف النص الظاهــــر
( Phénotexte ) أو النص المولد أوزاعا وأشتاتا يظفر به الدارس في مواضع للروائية مختلفة . والحق أن ثنائية النص المولِّد ( Phénotexte ) والنص المولَّد ( génotexte ) سليلة الابحاث النقدية المعاصرة ضمن مجهودات أبرز أعلام مدارس الغرب الحديثة كحوارية باختين (dialogisme) والعبورية النصية لجيرار جينات ( transtextualité ) وإنتاجية كريستيفا (productivité ) التي يتنزل في سياقها النص الظاهر والنص الباطن في انتاج النص، وكلها جهود تشرع لظاهرة التناص ( intertextualité ) أو ما وسمه جينات بالتطريس ( les palimpsestes ) . والطرس في اللغة العربية قريب في معناه من المدلول الفرنسي ، إذ تكاد تجمع أمهات الكتب اللغوية على دلالة مشتركة للطرس بما هواللّوح الذي يكتب عليه مرّات متتالية، إلاّ أنّ آثار المكتوب لا تمحى كلّياو إنّما تظلّ عالقة كالوشم في ظاهر اليد، فالمحو و إعادة الكتابة في تنوق و اختيار جعل جينات يَسم أحد تآليفه الكثيرة3بـ "الأدب من الدّرجة الثانية" ( La littérature du 2ème degré) و هو العنوان الفرعي، أمّا الرئيسي فعنوانه: الطروس ( Les palimpsestes ) .
و إذا كان هذا الاهتمام بجدل القديم و الحديث من النصوص و هجرتها إلى أجناس أخرى تكيّفه مقولة التناص أو العبور النصّي، و يتنزّل بالتّالي في سياق أعمّ ممّا نحن منه بسبيل، فإنّ المحرّم الديني يجسّد هذه المقولة في ما يستحضره الرّاوي من ترسبات أعلق بالدّين و مجال حضوره متعدّد فمنه النصّ القرآني و الأحاديث النبوية ( ص 33) و النّصوص المفسّرة و ينقل الرّاوي النصّ التأسيسي في الرواية نقلا أمينا مرّة محرّفا مرّات ؛ إذ الاستشهاد بالآيات القرآنية في فاتحة النصّ الروائي يوهم بوفاء للمقدّس وفاء تامّا ( الرّواية ص ص : 12 – 13 –14 – 19 – 27 ) ، و لكنّه وفاء يخفت صداه و تبهت ملامحه فما أن نتقدّم أشواطا في قراءة المنجز النصّي الروائي حتّى يضحي كالسّراب أو هو " وراء السراب...قليلا " ، فلكأنّ "جمالية الألفة"4 التي نظرت
1. درغوثي ( إبراهيم) : " وراء السراب...قليلا" ، رواية ، مركز الحضارة العربية، ط 3 . القاهرة 2005، ص ص152-153.
2. حفيظ (عمر): التجريب في كتابات إبراهيم درغوثي القصصية والروائية. ط .المغاربية للطباعة والنشر والاشهار. ط1. نوفمبر1999، ص97
3. لجينات عدّة مؤلفات في مجال السرد منها: Figures I عام 1966 و Figures II عام 1969 Figures III عام 1972 و Minologie عام 1976 و Architexte عام 1979 و Palimpsestes عام 1982 و Seuils عام 1987.
4. عنوان كتاب لشكري المبخوت :" جمالية الألفة".
لها المدوّنة النقديّة و الفنيّة عند العرب قديما و رفدها الدّرس النقدي الحديث بإيضاح شرائطها و الإبانة عن مسالكها تغدو جمالية اغتراب أو هي جمالية سراب، فالتحريف الذي لحق المقدس في رواية درغوثي أوضح من أن نستدلّ عليه و التطاول على المحرّم الدّيني أظهر من أن نقيم له الحجّة و البرهان، و إلاّ كيف تتحقق "المساواة بين بني البشر و أنه لا فرق بين أبيض و أسود إلاّ بما كسبت النفس الأمّارة بالسّوء؟" ( الرواية ص31) و كيف" يستوي الذين يعملون والذين لا يعملون"؟ (الرّواية ص 143).و إذا كانت المرجعية الدينية – على اختلاف مصادرها – قد أكدت على أهميّة العلم و العمل وعلى أنّ الإنسان متأرجح بين التّسيير و التخيير وهي مسائل كلامية كانت محلّ جدل بين الفرق الإسلامية، فإنّ للمقدّس حرمته وللقرآن إعجازه و لو اجتمع الإنس و الجنّ على الإتيان بمثله ما استطاعـوا استنادا إلى رؤية الثقافة العربيّة الإسلامية في دعوتها إلى التــــوحيد و اعتبارها القـــرآن "جنسا فريدا خارجا عن دائرة النثر المعروف"1.
إنّ التجاور بين النصوص المصادر و النصّ الناسخ له مواضع للكلم أخرى يعكس تجاورا نستجلي صداه في التقريب بين النصوص الدنيوية والنصوص المقدّسة كتشبيه رؤوس رجال القرية بقرون الخرفان حسب الوجاهة و المنزلة الاجتماعية "فمنهم من كان أقرن كالكبش الذي أنزله الربّ على سيّدنا إبراهيم الخليل فداء لجدّنا إسماعيل، و منهم من كان له قرنان صغيران كقرني الحمل، وبين هذا و ذاك عامّة الرّجال الذين حملوا قرونا كقرون الخرفان و الجديان و التيوس"(الرواية ص 30). و هي صورة ترشح سخرية و تهجّما على رموز الوعي السياسي و هرمية العلاقة القائمة بين الآمر و المأمور و بين الأسياد و العبيد في فترة حكم البايات، و من وراء ذلك تطاولا على النصوص المصادر يعمل الراوي على مداراته قدر استطاعته، فيلجأ إلى بث الموتيفات الدينية في أحناء نصّه الجامع، فيطالعنا حضور الرقم " سبعة" لافتا للانتباه، و تبدهنا مكوّنات الطقس الدّيني منذ فاتحة نصّ إبراهيم درغوثي الرّوائي في نوم أصحاب الكهف و صلاة الصبح و ماء زمزم... و اختتاما بالتكايا والزوايا و الأولياء الصالحين و يوم القيامة...مرورا بتيمات معجم الخوارق و الغيبيّات كالهواتف وآذان بلال في الجنّة و الحمائم ذوات الوجوه الآدمية... و كأنّما الجرأة في انتهاك حرمة المقدّس تضارعها جرأة في إدانة رموز الحكم و أعلام السياسة و رفض صارخ لمظاهر القمع الاجتماعي واحتجاج على زيف الشعارات المرفوعة باسم الدين و هو منها براء.
إن الاختيارات الفنيّة التي عمد راوي "وراء السراب... قليلا " إلى انتقائها في مجال المحرّم الدّيني تؤكّد ما ذهب إليه الدّرس النقدي القديم من أنّ اختيار المرء قطعة من عقله، قصد من ورائها إلى تبليغ مضامين نقدية انتقادية بأسلوب رمزي و بصياغة مكثّفة تراوحت مراميها بين الظهور والضمور في سبيل الكشف عن مقاصد قصيّة ارتأى السارد أن يميط عنها اللّثام في وحي و إيحاء.
و الملاحظ أن الرموز الدّينية و الدلالات الحافة (Connotation) للنّصوص التأسيسية ترد في النصّ الناسخ فتمنحه نفسا سرديّا هو أدعى للإبداع إذ التكثيف الأسلوبي و الدّلالي يشحن النصّ الرّوائي بطاقة تخييلية تزيدها القصص الدينية و الحكايا الشعبية امتدادا فتتعقد الأحداث و تتشعّب المرجعيات، و يختلط الواقعي اليومي بالعجيب الغريب، و يُرى سحر الماورائيات انفلاتا من قبضة الحدود الزمانية و الضوابط المكانية حتّى لكأنّ التوسل بالمتصوّر الديني يغدو توقا إلى التحرّر من قيود الواقع و مكبلاته، و حتّى لكأنّ استدعاء صوت الدّين إلى حرم المنجز النصّي لإبراهيم درغوثي في رواية " وراء السراب...قليلا" بحث مستمر عن لحظة الخلاص من محن الوجود، و ما العبث بالمحرّم الدّيني إلاّ محاولة جادّة لبعث مفهوم صحيح للمعتقدات و تشبث بمبادئها الصحيحة و إرساء أرضية صلبة لتأكيد ذاتية الإنسان و تدعيم كيانه في عالم مليء بزيف الشعارات و مشحون بتسلط الطغاة ، ولعلّ جدلية الشرق و الغرب خير دليل على الصّراع بين قوى غير متكافئة، فهل المحرّم الجنسي يحقق التكافؤ الذي يرنو السارد إلى تجسيده أم يظلّ هو الآخر كالسّراب أو " وراء السراب...قليلا" ؟
المحرم الجنسي:
تتوزّع تجليات هذا المحرم في مواضع للنصّ الرّوائي مختلفة، إذ الفصل بين هذه الممنوعات يظل – كما أشرنا آنفا – فصلا منهجيا، فقد تستقلّ تيمة "الجنس" بفصل محدّد أو باب مخصوص و لكنّ التجاور بين الثالوث المحرّم يؤسس للعلاقة الحواريّة بينها، فكأنّ الروائي بهذه الخطّة قد "رسم لنفسه
1. شبيل ( عبد العزيز): نظرية الأجناس الأدبيّة في التراث النثري، جدلية الحضور و الغياب، كلية الآداب و العلوم الإنسانية بسوسة، ط سبتمبر 2001، ص 290.
استراتيجية قاعدتها هذه المحرّمات / الممنوعات : الدّين و الجنس و السياسة. و آفاقها تجريب أساليب في السّرد متعدّدة، تتراوح هي أيضا بين سرد تتابع فيه الأحداث و تترابط ترابطا سببيا و سرد متقطع تجاور فيه الأزمنة بعضها و لا تتلاحق..."1.
إن التّركيز على أبرز حضور هذا التجلّي ( المحرّم الجنسي) في روايته"وراء السراب...قليلا" في إطار ما وسمه عمر حفيظ بـ " التجريب في كتابات إبراهيم درغوثي القصصيّة و الروائية" يشدّنا إليه البابين الرابع و الخامس أساسا؛ ففي المشهد الأوّل ينفتح خطاب الجنس على هرب "ريحانة" والدة السارد عزيز إلى قصر الوالي و زواجها منه، و يقوى حضور المحرّم الجنسي في المشهد الثاني حيث تتعقّد مغامرات البطل مع بنات الوالي في حضن أمّه أو في بيت زوجـــة أبيــه عنــد سفره إلى صفاقس و إقامته فيها لمدّة "سنة قمرية" استنفد خلالها جميع ما ورثه عن أبيه. و الملاحظ أن نفس الجنس يعبق به النصّ الرّوائي أوزاعا و أشتاتا، فمنه ما يرد عناوين لفصول كالإشارات الضوئية تشدّ إليها القارئ شدّا كالفصل الرّابع الموسوم بـ بغايا لعموم شركة "فسفاط قفصة" ( الرواية ص 103) و الفصل الخامس و عنوانه "حكاية "الرّومي" الذي عشق مسلمة " ( الرواية ص 121). و منه ما يعمد الدّارس إلى استشفافه استشفافا لتماس الممنوعات الثلاثة مرّة و لدلالاته الرمزية مرّة أخرى.
إننا متى يممنا البحث شطر تفاعل النصوص مع بعضها البعض أو ما وسمه التقليد الغربي "بالتطريس"، ألفينا النصية الناسخة في المحرمين الديني والسياسي أوفر ممّا هي في المحرّم الجنسي الذي يُرى في "الشبابيك" بكثافة فكأنما الراوي قد استعاض عن ضمور تيمات الدين والسياسة بحضور الجنس، والعكس نراه في "السراب". و قد خلص أحمد السماوي في بحثه المسألة إلى " أنّ النصّ الرّوائي لا تؤسسه واقعيّة واحدة، بل واقعيات، و إذا ما رجحت كفّة إحداها في نصّ خفت وجوبا في نصّ آخر"2.
و اللافت للإنتباه أن التجرّأ على هذا المحرّم قلّ حضوره أم كثر غالبا ما يأتي في إطار من الإباحيّة الصارخة و هي طريقة في كتابات إبراهيم درغوثي و سمتها شادية شقروش بـ "صدمات كهربائية"3 .ولكنّها الصدمات الهادفة إلى تحقيق هدف منشود أسمى ممّا هو موجود، فشخصيات "السّراب" ترحل إلى عوالم اللّذة و المتعة متملّصة من ضوابط التقاليد متحرّرة مــــن الأعـــــراف الاجتماعية و الأخلاقية : فريحانة تتوق إلى حياة المادّة المحققة للسّعادة فترى قصر الوالي فضاء أمثل للهروب من وصاية الجميع "بعد أن أعدّت الصفقة في الخفاء " (الرواية ص 37). ولم يقتصر الأمر عند هذا الحدّ و إنّما تسعى "الأمّ" إلى ارتكاب جرائم "الفجور" و المنكــــرات؛ فتنشئ عــلاقات الحرام بين بنات الوالي و ابنها عزيز و تتكفل هي بإتمام المهمّة بدا السارد – رغم تورطه في انتهاك حرمة المقدّس باعتباره ضحيّة – محتجّا مطلقا صرخة الرفض لمظاهر الفساد و القرف و البذيء في دوي يتصادى مع نواح الحمائم ذات الوجوه الآدمية على الشرفات ليلا، يقول: "و انهمكت أمّي في دفن الملائكة التي صنعتها في أرحام بناته [ الوالي] كما علمتها زوجة أبي. تحفر حفرة في التراب تواري فيها اللحم الطريّ، و تسقيها بالماء الطهور، فتخرج منها بعد أيّام حمائم ذات وجوه رائعة الجمال شبيهة بوجهي، تطير عاليا في السّماء ثمّ تحطّ على البيوت. تهزج و تهدل في النّهار و تنوح ليلا على الشرفات العالية" ( الرواية ص ص 50-51) .
و الشاهد المتقدّم مهمّ لا لأنّه يدين مدارا من مدارات المقرف و البذيء من خلال المحرّم الجنسي فحسب و إنّما أيضا لأنّ الرّاوي حضر في الحكاية بضمير المتكلّم و بدا مشاركا في أحداثها، و هو ما وسمته أبحاث المهتمّين بفن القصص و لا سيما الغــــربيّة منها بالرّاوي الحاضــــر في الحكايــــــــــة
1- التجريب في كتابات إبراهيم درغوثي القصصية و الروائية، مرجع مذكور سابقا، ص 80.
2.-السماوي( أحمد): التطريس في القصص: إبراهيم درغوثي أنموذجا، مطبعة التسفير الفني صفاقس، الثلاثية الرابعة 2002، ص90.
3. شقروش (شادية)، الخطاب السردي في أدب إبراهيم درغوثي، دار سحر للنشر، دت، ص6.
( Un narrateur homodiégétique) ، و هو فضلا عن ذلك بطل في الحكايـــــة التي يحكيها، ولذلك فهــــو يعتبر راويا لحكايـــــة ذاتيـــــة 1( un narrateur autodiégétique) ،و هي ذاتية قد تلبست في هذا الشاهد بأصداء أصوات الآخرين و لا سيما الكاتب في تحاور يذكر بحوارية باختين ( Le dialogisme) فكأنّما صوت الرّاوي الذي يسري صداه في أحناء النصّ الروائي تنبعث من ورائه أصداء صوت الكاتب، هذا الكائن المادّي الذي يتشكّل في الزمان و المكان و يصدر عن رؤية للأشياء نقديّة آنا انتقادية آونة أخرى ،و كأنّما أضحت مقولة موت الكاتب في الدّراسات البنيوية واللسانية الحديثة، لما آلت إليه الأبحاث النقدية في مجال تحليل النّصوص السرديّة و القصصية من ضرورة الاشتغال على النصوص باعتبارها وحدة نصيّة لسانيّة مغلقة، مــــــــن المقولات التي تعهدها البحث بالمراجعة و التعديل وهو ما أدّى إلى تنويع الرؤية للمواقع السريــــة وزوايا النظر للسارد من وجهين على الأقل : الراوي و الرائي2 .
و إذا كان الشاهد المتقدّم ممّا انتخبناه للاستدلال به على أن الواقعية النصيّة في "السراب" و إن خفت ايقاعها قياسا إلى رواية "الشبابيك" مثلا، قد مثلت "صدمة كهربائية" يفيق القارئ فيها على صوت الرّاوي و من ورائه الكاتب المتهكّم السّاخر، فإنّ انتشار المحرّم الجنسي كان له حضور في مواضع للكلم أخرى، متلبسا بغايات ايديولوجية لعلها إشارة إلى ضرورة انتهاج سبيل التوسط والفهم الصحيح للممنوعات الثلاثة و إن بدت في نصّ درغوثي الرّوائي "كالسراب" أو هي "وراء السراب ...قليلا"؛ ذلك أنّ "التلاعب بالقيم الدينيّة في تلابيب اللغة هو البحث عن روح الدّين الضائعة و التلاعب بالأخلاق و الجنس هو البحث عن روح الجنس الضائع، و التلاعب بالتّاريخ و السياسة هو البحث عن التاريخ النقيّ و السياسة النقيّة، هو البحث إذن عن المدينة الفاضلة التي تحمل في تلاوينها الاعتدال"3 .
و خلاصة القول فإن ولوج حرم المسكوت عنه أو المحرم دينا كان أم سياسة أم جنسا من خلال النصّ الناسخ يضعنا إزاء أسئلة مصيريّة كبرى تتعلق بالمنظومة الفكرية و الدينيّة و السياسية، و بالمثل تضعنا أمام ضرورة اختيار موقف إيجابي إزاء التحوّلات الحضارية التي تجدّ في خضمّ التاريخ، لذلك مثل صوت الأديب صوت من وعي تناقضات العصر فانبرى يهدم قدسيّة المكان و الزّمان والقيم لكن بهدوء من وعي أن طرائق الاحتجاج متعددة و أن طريق الإبداع مـــن بين طرائـــــــق التوصيل و إيصال نبرات الرفض لمظاهر الزيف و التحريف فكان نصّه الناسخ كشكولا من المتعاليات النصيّة حتّى لكأنّ نصّ "وراء السراب...قليلا" نصّ جامع يقطع صلته مع الواقعيّة في الفنّ و مع مبدإ المشاكلة ( La vraisemblance) ؛فتتهاوى الحدود بين التاريخي و العجيب و الواقعي، و تتماس أصوات الشعر و النثر و الرواية و الحكاية... و لعلنا نزيد قضية التصنيف الأجناس للنصّ الروائي لإبراهيم درغوثي تفصيلا من خلال:
- تماس الحداثات: كتابة بلا ضفاف:
يعد مبحث التناصّ من المباحث التي يعسر لملمة أشتاتها و الإحاطة بكلّ تفاصيلها و دقائقها لأنّ متصوّر الجنس الأدبي، كما يقرّر الباحثون المختصّون في الأبحاث النصانية ،من أدقّ المسائل الخاصّة باللحوق النصّي أو "التطريسات"4.
1- انظر: G.Genette, Figures III, PP 252-253, id, seuil 1972 .
2. لمزيد التعمّق في الفرق بين الراوي و السارد، و اكتناه الصوت السردي في الأعمال الروائية ينظر في : الخطاب القصصي في الرواية العربية المعاصرة من 1976 الى 1986، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه دولة .محمد الخبو : إشراف محمود طرشونة، تونس 2001. الفصل الأوّل : التلفظ القصصي ص 275 و ما بعدها.
3. الخطاب السردي في أدب إبراهيم الدرغوثي، مرجع مذكور سابقا، ص ص 39-40.
4. عنوان كتاب لجيرار جينات ''Les palimpsestes'' عام 1982.
إننا نلج العالم الرّوائي لإبراهيم درغوثي في روايته "وراء السراب...قليلا" من خلال مفهوم السّراب ذاته، إذ يمعن الرّاوي في التخفّي و يضحي موقع الرؤية السردية غائما يؤسس لـ "جمالية التيه"1، إذ الرواية أبواب و فصول مشرعة على عناوين تتأرجح بين الإجمال حينا و التفصيل حينا آخر، و يحكم اللاّتوازي عدد الأبواب بين الفصل و الآخر و قد بلغ عدد الفصول ستة، و يجعل الرّوائي لكل فصل عددا من الأبواب لا يجري على رسم مسكوك؛ فقد غلب الرقم اثنان على مجموع الفصول( 2– 3– 5 – 6 ) و حوى الفصل الأوّل ستة أبواب، و شمل الفصل الرابع بابا واحدا.
و من الواضح أن هذا التوزيع الكمّي لعناوين الأبواب و الفصول و إن لم يجر على خطة واضحة المعالم، فإنّ المضامين التي يرنو الرّوائي إلى إيصالها لمتقبله على غاية من الشفافية و إن تشابهت المسالك و تعدّدت الطرق، و لعلّ اللاّتوازي الذي يحكم هيكل النصّ يعكس طبيعة الخطاب الرّوائي ذاته في انفتاحه على النّصوص المصادر و الواقعيّة النصيّة و التراشح بين النصّ الناسخ و النصّ الأصل، فللرواية – كما خلص إلى ذلك الباحث أحمد السماوي في دراسته لأشكال التطــــريس في قصص إبراهيم درغوثي أنموذجا - "بحكم طبيعتها الهجينة - استعداد لصهر مختلف الخطابات واستيعاب متباين الأجناس والفنون"2.
و فضلا عن ذلك فإنّ المتناص في رواية السّراب بين النصّ من الدرجة الأولى و النصّ من الدرجة الثانية أو الثالثة تعلّله سنة التجريب التي أجرى عليها المؤلّف كتاباته الرّوائية و القصصية، ودأبت عليها الكتابات السّردية الإبداعية، و [font:
توفيق- عضو متميز
- عدد الرسائل : 425
نقاط : 1075
تاريخ التسجيل : 09/09/2009
مواضيع مماثلة
» جمالية السّراب في رواية "وراء السراب...قليلا"
» * التقنيون الجزائريون يشرحون مردود " الخضر " أمام " ايرلندا " ...
» ـ الأحرى أن نؤرخ لـ " يوم العلم " في الجزائر بـ " 04 ديسمبر " ...
» الحل العسكري" لعلاج "الإدمان على الإنترنت"
» أنثر خلفك زهوراً .. واصبر قليلا ترى نوراً !!!
» * التقنيون الجزائريون يشرحون مردود " الخضر " أمام " ايرلندا " ...
» ـ الأحرى أن نؤرخ لـ " يوم العلم " في الجزائر بـ " 04 ديسمبر " ...
» الحل العسكري" لعلاج "الإدمان على الإنترنت"
» أنثر خلفك زهوراً .. واصبر قليلا ترى نوراً !!!
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة أبريل 12, 2024 4:10 pm من طرف سعداوي ربيع
» المتألقه ياسمين ابراهيم
الثلاثاء أكتوبر 10, 2023 8:54 pm من طرف سعداوي ربيع
» إستمتع بخدمة ultimate game pass لجهاز الإكسبوكس و الحاسوب
الخميس نوفمبر 24, 2022 10:35 pm من طرف lmandoo
» ربيع المؤمـــــــــــــــــــن
الثلاثاء نوفمبر 08, 2022 8:11 am من طرف سعداوي ربيع
» مشروع واحة الشاطيء شقق للبيع في مدينة دبي للاستديوهات
الخميس نوفمبر 03, 2022 9:21 pm من طرف lmandoo
» شركة حلول ميج للاستشارات وتطوير الأعمال
الثلاثاء أكتوبر 18, 2022 11:26 am من طرف lmandoo
» نانا اليوم اقوى الخصومات على كل المنتجات
الأربعاء أكتوبر 12, 2022 11:28 pm من طرف lmandoo
» مرام مالك فنانة غنائية سعودية
الإثنين سبتمبر 05, 2022 5:12 am من طرف lmandoo
» موقع تعليمي سعودي لتغطية كافة المناهج
الخميس أغسطس 25, 2022 11:44 pm من طرف lmandoo
» يونيريم للرعاية المنزلية UNIREM Home Care
الأربعاء أغسطس 17, 2022 3:49 am من طرف lmandoo
» ايه افضل بيوتى صالون فى حدئق الاهرام واكتوبر وزايد
السبت أغسطس 13, 2022 3:57 am من طرف lmandoo
» اشطر جراح عام دكتور عبد الوهاب رأفت
السبت أغسطس 13, 2022 2:21 am من طرف lmandoo
» اشطر جراح عام دكتور عبد الوهاب رأفت
الثلاثاء أغسطس 09, 2022 1:47 am من طرف lmandoo
» ايه افضل بيوتى صالون فى حدئق الاهرام واكتوبر وزايد
الثلاثاء أغسطس 09, 2022 1:37 am من طرف lmandoo
» مصممة الازياء رنا سمعان من نينوى العراق إلى العالمية
الإثنين أغسطس 08, 2022 3:45 am من طرف lmandoo