قراءة في كتاب (سوسيولوجيا المنطق في المتخيل الأدبي)

من طرف توفيق السبت فبراير 13, 2010 1:36 am

د. شادية شقروش

يتأسس ا لنص السردي القصصي أو الروائي من تركيبة معقدة ينصهر في بوتقتها الوجدان واللغة والواقع والآمال والآلام ، لتشكل نسيجا من الرموز المتآلفة والمنفتحة على فضاءات واسعة ضاربة في القدم، فيرتبط ما هو أدبي تخييلي بما هو سوسيوتاريخي، وبما أن المبدع جزء من المجتمع الذي يعيش فيه، فإن العناصر الأدبية والاجتماعية والفلسفية والرؤيوية والقبلية هي التي تحدد النتاج الإبداعي للمؤلف، لذلك فالنص الروائي، « قبل أن يكون متصورا ذهنيا أو معطى جماليا فنيا فهو دون ريب ذلك الفيض الدلالي اللغوي بكل محمولاته العاطفية وشحناته البيئية، يتأتى على شكل تصور ما، وفق ما تمليه مخيلة المبدع، وذاكرته ويكون بمثابة البدايات الأولية لنواته البدئية (...)، فالمؤلف يخضع لاختبارات تبرّرها إمكانات سوسيولوجية ومنطقية تعكس مقدرة الإنسان الفعلية، عبر مواقفه ومعاناته ، وقوة الفعل لديه فاعليته »(1)

وإذا كانت ضروب القراءة ومستوياتها متنوعة فإن شروط القراءة تختلف من اتجاه نقدي إلى آخر لذلك تقتضي الرحلة في فضاء المتخيل ذكاء ومخاتلة من أجل توضيح النص، والقارئ الذي يجعل بعض الشروط الأساسية للقراءة قد يفشل في تقديم قراءة خلاقة للنص، وإذا كانت أغلب الشروط تنحصر في العناصر اللغوية ذات الصلة المباشرة بالنص، فهناك من يؤكد على ضرورة معرفة ما قبل النص وما بعده ومنها معرفة السياق التاريخي والاجتماعي للنص، ومعرفة مبدع النص ذاته، ورؤيته وموقفه الإيديولوجي من الكون والأشياء(2).

وبما أن لكل جيل تفكيره، ولكل مبدع منطقه الخاص في التعبير عن مشاكل عصره،فإن الروائي رابح خدوسي استطاع أن يبني متخيله بمشروع الحلم، وحاول أن يسلط عدسة رؤيته على عالم مصغر يشكل حلقة في تفاعل الأحداث التاريخية وهو ريف من أرياف الجزائر، في فترة كان يشهد فيها الوطن مرحلة انتقالية للخروج من شرنقة الاستعمار والتأسيس للنظام الاشتراكي البديل والعدالة الاجتماعية.

في ضوء هذه المعطيات يصبح التاريخي وعيا إبداعيا لنسيج عميق يكشف عن جوهر مفارقات التاريخ الجزائري، ويشكل المبدع من خميرته ومحك تجربته كونا مصغرا يروي فيه تاريخ الذين لا تاريخ لهم، ويجسد من خلال إبداعه عمق المعاناة والمآسي التي مر بها الشعب الجزائري وهو يستعد للنهوض.

لذلك يستوقفنا الروائي عند مرحلة تاريخية ذات ملامح محددة، ومنعطفا تاريخيا كان لا بد أن تمر به

الجزائر وهي تلبس عباءة التأسيس، وكان لا بد من وجود طفيليات مبثوثة هنا وهناك تعمل على عرقلة مشاريع الدولة.

تمتص رواية الضحية لرابح خدوسي الموديل التشخيصي أو نموذج الفعلي لهذا النص الإيديولوجي الكبير وتعيد إنتاجه وكأنها تحقق تماهي الكتابة مع مشروع التحويل الاجتماعي وخطاب السلطة الثورية آنذاك(3).

نقف في هذه الرواية عند أشخاص كان لهم وجودهم الواقعي في فترة زمنية محددة كابن القايد والخماس، والشهيد، وابن الشهيد المنبوذ، تلك هي أبجدية رواية \" الضحية التي بين أيدينا

لا شك في أن القراءة تفرض على القارئ تقسيمه إلى معالم كبرى لكي يستطيع احتواء فضاء المتخيل السردي من جهة ، ومن جهة أخرى يستطيع إزاحة النقاب عن المضمر في النص لذلك حاولنا الاستعانة بالآليات الإجرائية لمدرسة باريس السيميوطيقية، وعلى رأسها غريماس للكشف عن الطبقات الغائرة والقبض على ما لاذ في أصقاع الكون اللغوي.

لذلك ستكون منهجية العمل كالآتي:

1- آلية القص: سنحاول إعطاء ملخص عام للقصة.

2- مستوى السطح وينقسم بدوره إلى:

أ‌) المركبة السردي.

ب‌) المركبة الخطابية.

3- المستوى العميق: ونكشف فيه عن الأبعاد الغائرة والرموز المختزنة.

أ‌) مستويات التأويل.

1- آليات القص(المفهوم العام للرواية)

تقف الرواية على معالم مشهدية كبرى تتمثل في:

-الذات المسيطرة على الكون التخييلي وهي شخصية بوعلام، التي تمثل الطبقة الأرسطوقراطية المالكة.

فبوعلام يمتلك الريف برمته، أي يسيطر على كافة سكان الريف بما في ذلك السلطة المصغرة، المتمثلة في (الشنبيط وحارس الغابة).فهو يمتلك الدكان الوحيد في الريف الذي يرتاده السكان لشراء بعض أغراضم، ويملك وسيلة النقل الوحيدة في الريف، التي تنقل أطفال الريف إلى المدرسة وتقوم بنقل العامة إما للمستشفى أو للمدينة أو لقضاء بعض الأغراض.

-الشريحة المثقفة:

ويمثلها محمود ابن الشيخ يحي المعروف بابن القزانة أحد الذين يعملون عند الشيخ بوعلام، يعتبر محمود الذات الثانية التي تتناوب القص مع الراوية حيث نشاهد من خلاله التعريف ببعض المواقف والممارسات التي يقوم بها الشيخ بوعلام وابنه.

ويمثل الشريحة المثقفة أيضا سالم ابن البكوشة، الطالب النموذجي، الذي يمتاز بالعلم والخلق والذي اتخذه محمود قدوة له، ولكنه مجهول الأب، وأمه بكوشة، عاشت في ذلك الريف بمثابة المرأة المنبوذة أو المرأة التي أنجبت ابنا من دون أب، جاءت تحمل ابنها منذ20 سنة وكان يتساءل أهل القرية ابن من هذا ؟ وأصبح سالم يتحرج عندما يُسأل عن والده، فهو لقيط في منظور أهل القرية ولكنه في المشهد الأخير يتضح أنه ابن شهيد.

-الشريحة المقهورة:

ويمثلها الشعب الريفي المضطهد الذي يعمل كثيرا مقابل ثمن زهيد وتمثلها البكوشة، و موحوش الذي يعمل في إسطبل المدينة عند بوعلام، الذي قتل والده وتزوج من زوجه أبيه، وهي خالته ، وأكبر ضحية مقهورة في المشهد الروائي هي صفية حبيبة سالم، تلك الشابة الفتية التي كانت تحلم بالزواج من سالم، الذي يعد بدوره متيما بها.

ومثلت لحظات العشق بينه وبينها محطة رائعة من محطات الرواية، غير أن يد بوعلام امتدت إلى هذه الزهرة اليانعة لكي تقطفها في ريعان انفتاحها.

استدرج الشيخ بوعلام بلقاسم بوعكاز والد صفية وابتاع منه أرضه التي في الريف ووعده مقابل ذلك أرضا في المدينة ولكن هيهات، فعندما فقد الرجل أرضه ورحل إلى بيت بوعلام مع زوجته وابنته طالب بحقه فأقنعه بوعلام قائلا: « إن أرضي هي أرضك، نحن شركاء في أرض الريف وأرض المدينة (ثم قال في استهزاء) ألم تسمع بالاشتراكية، ها ها ( في صحكة استهزاء)؟؟ » (الرواية ص23).

ثم يقنع بوعلام بلقاسم بالذهاب إلى الريف مع زوجته لرعاية الأرض بحكم أنه شريك موهوم وتسافر زوجة الشيخ إلى فرنسا ويتذلل لإقناع بلقاسم ببقاء صفية لرعاية شؤون البيت، ثم تحدث الطامة بعد رحيل والديها

يعتدي الشيخ بوعلام على شرف الفتاة الساذجة التي تكتشف في الأخير أنه يريد أن يزوجها من موحوش خادم إسطبل بقره، فتعود مع والدها خائبة حاملة في أحشائها ابن حرام، لم تعلم والدتها ولم تنتبه لما يحدث لابنتها، التي جاءها المخاض في ليلة عسيرة فتخرج من البيت وتتدحرج من الآلام إلى أسفل شجرة الصفصاف، وتزداد آلامها فتموت تحت شجرة الصفصاف، ويعود سالم الذي طلب يدها من والديها قبل قدومها من المدينة، فيقع خبر موتها كالطامة على رأسه فيحزن كثيرا، ولكن الله لا يضيع الحقوق.

4- الشريحة الأخيرة هي شريحة أبناء الثورة وتكتشف أحداثها في الأخير عندما يذهب سالم إلى المدينة مصطحبا والدته إلى مكتب الجيش لكي يقنعهم أنه لا يستطيع أداء الخدمة الوطنية، لأنه وحيد والدته.

فيرفض الضابط مبررا أن ما يقوم به سالم هو تهرب من الخدمة الوطنية، ولكن سالم يريد أن يثبت كلامه فيدخل أمه على الضابط وتحدث المفاجأة الكبرى: « نزعت بكوشة حذاءها في عتبة الباب، ودخلت حافية القدمين ... توقفت في أول خطوة داخل القاعة ... كان الضابط يخط بقلمه على بعض الأوراق ولما شعر بدخولها رفع رأسه يريد أمرها بالجلوس ... حملق في وجهها وهيئتها طويلا واستقام واقفا ،لا يكاد يصدق، ضغط بأنامله على جبينه، وقال دون شعور ... فا...فا ...فاطمة .. يا إلهي ...

نظر سالم إلى أطراف القاعة يبحث عن صاحبة الاسم، لم يجد امرأة غير أمه التي كانت واقفة والدموع تخترق ابتسامتها الحزينة، تقدم الضابط خطوات نحوها، مسكها من ذراعها: - فاطمة هنا ... هل أنا في حلم ؟؟.

وقف سالم مدهوشا غير مصدق، وقد غلى الدم في عروقه قائلا في نفسه: - كيف يعرفان بعضهما البعض ... هل حقيقة ما ادعاه الحاج بوعلام ...؟ حاول أن يتصرف لكنه لم يستطيع، لقد شغله ما رأى، الضابط يشير بيده إلى الصورة وهو يقول: - انظري يا فاطمة ها هي صورة عامر.

ردد سالم: فاطمة.. فاطمة . نزع الضابط الإطار المنسق على الجدار وقدم الصورة إلى بكوشة التي لثمتها بقبلات حارة ثم ضمتها إلى صدرها ولسانها يردد: عـ... مـ... عـ عـ عـ... مم ... عـ عـ عـ .

انهمرت دموع من عينها وفاضت على وجنتيها وهي تقدم الصورة إلى سالم مشيرة إلى صورة الرجل المتكئ على البندقية: عـ ... س- ع عـ...عم. قال الضابط إنه عامر ... أبوك ... شهيد بار ...»، مسك سالم الصورة بيده متطلعا:... أحس بأنها تخاطبه: (أنا الحقيقة النائمة يا بني) احتضن سالم أمه ودموع الفرح تنهال من عينيه: أمي فاطمة ما أحلى هذا الاسم.. فاطمة، عامر... أبي... أبي معروف... شهيد ... روحه حية » (الرواية ص 106-107).

لا شك في أن المشهد مؤثر لذلك سردته مثلما هو، فالبكوشة كانت ناطقة ولكن موت زوجها بين يديها، أحدث لها صدمة أبكمتها وجعلتها في نظر الحاج بوعلام وأهل الريف امرأة ساقطة وهي المرأة المجاهدة.

وفي المشهد الأخير تتكشف الحقائق أمام الجميع ، ويدخل سالم كلية الطب ومحمود كلية التاريخ ويدخل الشيخ بوعلام بعد قدومه من الحج إلى السجن، بعد أن يكتشف موحوش خادم الإسطبل السكين المخبأ في أحد أركان المكان، وهو الدليل الوحيد على جريمة بوعلام قاتل والده.كما يبلّغ عنه بوعكاز والد صفية الشرطة

التحليل:

يعتبر غريماس الوحدة الأساسية في اللغة الخبر وليس الجملة، لأن الاستعمال اللغوي هدفه، إخباري بالدرجة الأولى، لذلك يرى علماء السرد أن المسند يتحول إلى عمل والمسند إليه إلى عامل ،ومنه استطاع غريماس باعتماده على سابقيه أن يصوغ الصورة النهائية للنموذج العاملي باعتباره مستوى مشتقا من النموذج التكويني « ظهور العمليات من صلب العلاقات » ويتكون هذا النموذج من ستة خانات موزعة على ثلاثة أزواج، وكل زوج محدد من خلال محور دلالي يحدد طبيعة العلاقة الرابطة بين كل زوج على حدة (...) ويعطي غريماس التمثيل التالي لنموذجه:(4)

مرسل: معيق / موضوع: ذات / مرسل إليه: مساعد

التحليل العمالي من الإجراءات الأولية في تحليل النص السردي للكشف عن تمفصلاته الأفقية والعمودية، أي أن العوامل في المنهج السيميائي في مستوى السطح الذي يتعقب الملفوظات السردية (المتمظهرة فونولوجيا، ودلاليا)، أي المستوى البنوي، « الذي يتيح فهم مواقع الشخصيات وأدوارها، وعلاقاتها، أو أوضاع القوى الفاعلة في البناء القصصي، وتمفصلاتها ببعضها واتجاه حركتها الكلية »(5)، وتتشكل من عناصر النموذج العاملي ثلاث علاقات أو محاور أساسية تتعالق مع كل زوج من الأزواج العاملية وهي الإبلاغ والرغبة والصراع.

يرتبط المرسل والمرسل إليه بعلاقة الإبلاغ.

يرتبط المساعد والمعارض بعلاقة الصراع.

يرتبط الموضع والذات بعلاقة الرغبة

1- مستوى السطح:

أ) المركبة السردية: من خلال تتبع مسار السرد نميز بين ضربين من الملفوظات:

ملفوظات الحالة: وتتصل بامتلاك الذات لموضوع ما، أو عدم امتلاكها ويظهر من السرد أن الكون التخييلي يسلط الضوء على ذاتين ضديتين، الذات الأولى يمثلها الشيخ الحاج بوعلام، الذي يريد امتلاك كل شيء، (امتلاك الأرض، امتلاك السلطة في تسيير الأمور، امتلاك صفية التي تمثل الحب والشباب)، وقدامتلكها في بداية مسار السرد.

والذات الثانية يمثلها سالم ابن البكوشة الشاب المتعلم الباحث عن هويته وعن حقيقته وعن الحب.

وعمل الشيخ بوعلام على موضوع صفية (الحب)، والاستحواذ عليه من خلال المكيدة والحيلة.

ذات بوعلام موضوع صفية

ذات 1 منتصرة في بداية السرد

ذات بوعلام موضوع الأرض

ذات سالم يرغب في الاتصال بموضوع (صفية) لكنه انفصل عنه.

ذات سالم موضوع صفية

ذات 2 ذات منهزمة في بداية السرد

ذات سالم موضوع (الانتماء والهوية).

2- ملفوظات التحول: تتصل بطبيعة العلاقة الرابطة بين الذات والموضوع في تطورها في النص السردي أو تحديدا في البرنامج السردي، ويمثل في المركبة السردية وحدة مركبة مفيدة، إذ هو عبارة عن مقطع منظم مكون من تعاقب للحالات والتحولات ينشأ عنها تحول رئيسي من الاتصال (ذات موضوع) إلى الانفصال (ذات موضوع) أو العكس (6).

وفي الرواية نجد أن:

ذات بوعلام موضوع الأرض، الحب اتصال في بداية السرد

ذات بوعلام موضوع الأرض، الحب انفصال في نهاية السرد.

من خلال تطور الأحداث

إذا أردنا تحديد البرنامج السردي في رواية الضحية لرابح خدوسي يمكننا أن نحدد كيفية انتظام ملفوظات الحالة وملفوظات التحول ولا يتأتى للباحث ذلك إلا من خلال أربعة مفاهيم، هي: الكفاءة أو الأهلية، والإنجاز أو التحريك،والإيعاز، والحكم أو الجزاء.

كل نص سردي ينطلق من ملفوظ حالة إلى ملفوظ تحول، أي من نقطة (أ) ليصل إلى نقطة (ي) وكيفما كانت نقطة البداية أو نقطة النهاية فإن الانتقال لا يمكن أن يتم عن طريق الصدفة بل يجب التعامل مع هذا الانتقال كعنصر مبرمج بشكل سابق، داخل الخطاطة السردية، وفق منطق خاص، تتحدد عملية قلب المضامين كمعادلة بين العمليات والفعل، وعناصر المركبة السردية،و يمكن تحديدها في الكفاءة والإنجاز والإيجاز والحكم.

1- الإنجاز: performance : ويقصد به « الصورة النهائية التي سيستقر عليها الفعل السردي والكون القيمي »(6). أي العملية التي يتم بها التحول من حالة (ذات موضوع) إلى حالة الانفصال (ذات موضوع)، وتفرض هذه العملية وجود ذات فاعلة (sujet opérateur) تنجز التحول.

يرجع المضمون العام للرواية إلى برنامج سردي أساسي يتمثل في الانفصال أي الفقدان، وهو فقدان

ذات بوعلام موضوع الأرض، الحب اتصال في بداية السرد. ذات بوعلام موضوع الأرض، الحب انفصال في ناهية السرد.

وهذا البرنامج يقابله برنامج ضديد هو الاتصال ويمثله سالم بان الشهيد:

ذات سالم موضوع (صفية) ذات سالم موضوع (صفية)

ذات سالم موضوع (الهوية) ذات سالم موضوع (الهوي)

اتصل سالم بصفية عندما كانت تمثل الحب والطهارة والبراءة، وكان ينوي الزواج بها، ولعل الملفوظات السردية التالية تمثل نهاية حالة الحب، وبداية التحول، بل إنه آخر لقاء بين صفية وسالم وتعقبه بعد ذلك أحداث تغير لمجرى القصة وتموت بعدها صفية بعد أن يلوث الحاج بوعلام شرفها ويضحك على سذاجتها.

4- ملفوظات الحالة: (عندما كانت صفية متصلة بسالم)

تلتقي صفية بسالم تحت الصفصافة فيقول لها: « لقد تعلمت من عينيك الكثير، (تزيح صفية خصلة نم شعرها الذي حاكي الليل في دجاه) وتعيدها عن خدها الوردي في صمت ،تعلمت منك فن الحياة،- هل تعلمين يا صفيتي بأني أرى الله من خلال عينيك، تقول صفية في صوت رقيق مبحوح حكمة الله في خلقه (...)تخترق في غمرة تلاشي وجداني (...) وتنطق صفية في استرخاء ألم تكلّ عيناك من الإبحار يا سالم ؟؟- وهل يمل الضمآن من الشهد ؟؟ وتبعد صفية يدها قائلة: خائفة ... إني خائفة يا سالم ،،، سألها سالم في استغراب: خائفة من أي شيء؟؟ - من الأقدار، أخشى أن تبتلى الذكريات بحمى الفراق فتصير رمادا تزدريه الرياح، قاطعها مهدئا: سنكتب العقد وتقرأ الفتحة قريبا يا صفية، ردت عليه في دلال مغري: هل تريد شرائي ؟ ألم يكفيك قلبي ؟؟ - إن العش الذي يجمعنا سيكون أسعد عش تراه الشمس ،،، رفعت صفية جبينها نحو السماء في طرب ولسانها يقول: إن شاء الله ... إن شاء الله ...، ارتبكت، وخفضت رأسها في سرعة قائلة في اضطراب إلى اللقاء ... إلى اللقاء » (الرواية ص 19-20).

ملفوظات التحول: بعد أن لوث الحاج بوعلام شرف صفية أراد تزويجها من موحش خادم إسطبله فيقول الحاج بوعلام: « جيد يا بلقاسم وتكون بذلك قد صاهرت المدينة، وتضمن بأن ابنتك تسكن هي وزوجها هذه الفيلة وبذلك تزورها متى تشاء » الرواية (ص 64). فالشيخ بوعلام يريدها أن تبقى لكي تستمر اللعبة التي كان يمارسها معها، ثم يقول: هل نذهب إلى المسجد لقراءة الفاتحة ؟؟؟؟؟؟، تأفف بوعكاز فقال: - لقد سبقه آخرون لطلب يدها يا حاج (...) -ومن هذا الذي تستطيع أن تجد عنده صفية أرغد العيش غير موحوش في هذا المكان ؟؟ أجابه في فتور : سالم ابن العجوز .... ما رأيك فيه؟؟ وقام الحاج بوعلام من مجلسه مندهشا غاضبا ماذا تقول ؟؟ سالم ابن البكوشة ذلك الفقير الذي يجهل حاضرة ومستقبله بل حتى ماضيه، ذلك القرد الحقير، يقترن بهذا الغزال ،،، لا – لا مستحيل هل جننت يا بلقاسم ... أتترك الفيلة والمال ... ألا تعلم بأني حضرت الجهاز مسبقا من فساتين وقماش وحلي ومجوهرات، هل جننت ؟؟؟- هذا اتفقت عليه ووالدتها.

- غريب، صفية تزف إلى إنسان شريد يسكن الكوخ،،، لا يكسب قوت يومه،، لو ما أمه التي تكنس في المدرسة لقتلهما الجوع منذ زمان،- ثار كبرياء الحاج بوعلام وراح يفكر في إيجاد طريقة تجدي نفعا،، وقال لنفسه يجب أن أشد الأسد من ذيله قائلا: - لكن الأهم هو رأي صفية صاحبة الأمر التي لا توافق على هذه الزيجة بالتأكيد،، فقد اعتادت على حياة المدينة ونعومتها زد إلى ذلك الحقائب من الثياب الثمينة التي أهديتها لها، تكون معاشا للفئران في كوخ سالم، ثم همس في أذن بوعكاز قائلا: (أين عقلك ألا تعلم أن سالم لقيط ليس له أب شرعي) (الرواية ص 65-66).

ولكن المفاجأة الكبرى تحدثها صفية عندما سمعت الحوار ورأت أنها أخطأت خطأ فادحا عندما صدقته وسلمت نفسها، فلبست ثيابها القديمة « وجردت جسمها من كل هدايا الحاج وقالت في صوت متهدج يخنقه الشهيق – هيا يا أبي » (الرواية ص 66)، حاول الحاج أن يربت على كتفها ويهدأ من روعها ولكنها قالت له: « أغرب عن وجهي أيها المجرم الخائن، فاحتار والدها ولكنها رددت \" أنه وغد ... كلب حقير » (الرواية ص 67).

تعتبر هذه المقاطع ملفوظات تحول بالنسبة للحاج بوعلام وفي ظاهرها ملفوظات حالة بالنسبة لسالم ولكن موت صفية عند المخاض ومشاهد الألم هي التي نعتبرها ملفوظات التحول الأخيرة.

تنفصل ذات بوعلام عن صفية عندما كشفت لعبته الدنيئة، ولكن من خلال الملفوظات السردية الفارطة نلاحظ أن الحاج بوعلام يمتلك حقدا دفينا تجاه سالم، على الرغم من فقره وهذه الحالة تمثل علاقة صراع بين الذات والأولى التي تمثل الإقطاع والملكية والذات الثانية التي تمثل العلم والشباب وفتوة النظام الجديد.

أما بالنسبة لعلاقة الرغبة فتتمثل في رغبة الحاج بوعلام في امتلاك صفية كموضوع.

ذات الحاج بوعلام / علاقة رغبة مع موضوع صفية/ يستحوذ على هذا الموضوع.

في بداية السرد من خلال ملفوظات الحالة التي ساعدت الحاج بوعلام في استخدام بوعكاز وعائلته ...إلخ، وهذا ما يحيلنا مباشرة إلى ما يسمى بالكفاءة أو الأهلية التي يتمتع بها بوعلام، كما ينفصل سالم عن موضوع صفية بعد موتها بعد أن كان متصلا بها، فملفوظات التحول بالنسبة لموضوع الحاج بوعلام في فقدانه لصفية مغايرة لملفوظات التحول بالنسبة لموضوع سالم في فقدانه لصفية،و افتقاد موضوع صفية بالنسبة لسالم تمثلها انتهاء حياة صفية، أم ملفوظات التحول بالنسبة للشيخ بوعلام في فقدانه لصفية، فيمثلها قرار صفية الجريء التي قررت الرحيل من بيت بوعلام.

ترتبط ملفوظات الحالة والتحول في علاقات تشاكلية تسهم في تطور مسار السرد ويظهر من هذا أن ذات الحالة أي الذات التي يتغلق بها الاتصال والانفصال هي الشيخ بوعلام والذات الفاعلة التي أحدثت التحول مختلفة عنه وهي سالم، فالأول شيخ إقطاعي ظالم، والثاني شاب متعلم مظلوم.

حاول الشيخ بوعلام الاستحواذ على كل شيء بالحيلة، وأنجز كل شيء لأنه يمتلك كفاءة.

2- الكفاءة والأهلية: compétence : ويقصد بها ما تحتاج إليه الذات الفاعلة من قدرات لإنجاز التحول وهذه القدرات تؤول إلى أربعة عناصر هي وجود الفعل وإرادة الفعل واستطاعة الفعل ومعرفة الفعل (7).

منذ البداية نعرف أن ذات الحالة (الشيخ بوعلام) يمتلك كفاءة عالية وقدرات كبيرة لإنجاز ما يريد وتتمثل هذه الكفاءة في المال والدين

أما الدين فهو متدين ويذهب إلى الحج ويظهر ذلك من خلال الملفوظات السردية التالية.

« أقبل موسم الحج إلى البقاع المقدسة فبادر الحاج بوعلام إلى إقامة حفل الوداع بالقرية قبل ذهابه مرة ثانية » (الرواية ص 109).

هذا المقال لأستاذتي الكريمة شادية شقروش و أنا أحد طلبتها بقسم الأدب و الغة العربية بجامعة تبسة توفيق