مـــــــــــــــــــــواعظ
من فضل الله على عباده تتابع مواسم الخيرات ومضاعفة الحسنات فالمؤمن يتقلب في ساعات عمره بين أنواع العبادات والقربات فلا يمضي من عمره ساعة إلا ولله فيها وظيفة من وظائف الطاعات وما أن يفرغ من عبادة إلا ويشرع في عبادة أخرى ولم يجعل الله حدا لطاعة العبد إلا انتهاء عمره وانقضاء أجله.
وبعد ان اتم الله لنا نعمة اكمال شهر الصيام والقيام ورتب عليه عظيم الأجر والثواب صيام ست أيام من شوال التي ثبت في فضائلها العديد من الأحاديث منها ما رواه الإمام مسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال : ( من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر
المواضيع الأخيرة
بطاقات اسلامية
أدعية رمضانــــــــــية
وهم الحب تأليف : محمد بن عبد العزيز المسند - الجزء الثالث
ضفاف الإبداع :: الفـــــكر و الأدب و الثقافة و الفن :: ضــفـــــ الحـــوارو النـــــقاش ـــــــــــــاف
صفحة 1 من اصل 1
وهم الحب تأليف : محمد بن عبد العزيز المسند - الجزء الثالث
[color=black][justify]ثانياًً : الأضرار النفسية
فإن لهذا الحب المزعوم أضراراً نفسية بالغة الأثر ، قد تنتهي بصاحبها إلى الجنون ، فمن ذلك :
1- فقدان الثقة بالنفس ..
تقول إحداهن : (( أكتب مشكلتي لعلي أجد الحل الذي يريحني ، ويعيد النوم إلى جفوني ، والراحة إلى نفسي .. والتي لم أذقها منذ أن تعرفتُ عليه عن طريق الهاتف ! حينما طلبت إحدى صديقاتي ، ورد علي أخوها ، وجذبني إليه رقّة حديثه ، بعدها وجدتُ نفسي مشدودة للتفكير فيه ، والتعلق به (32) .. وتكرر الاتصال ، وتعمدت اختيار الأوقات التي لا تكون صديقتي موجودة فيها (33) .. وتواعدنا على الزواج !
وفجأة .. لاحظت تهربه من الحديث معي ، وانقطعت إتصالته بي .. حاولت بأسلوب غير مباشر التعرف على أسباب هذا التحول ، دون فائدة .. وأخيراً وبطريق الصدفة أخبرتني صديقتي أن أخاها قد وقع اختياره على إحدى القريبات ، وسيتم زفافهما قريباً ..
أصابتني دهشة أفقدتني توازني وقدرتي على الرد عليه .. وفقدت بعدها الثقة في نفسي وفي كل من حولي .. تقدم لي الكثيرون ولكنني أرفضهم جميعاً دون أي مبرر ..
العمر يتقدم بي ، ولكني عاجزة عن نسيان هذا الجرح القديم ، الذي تمكن مني لدرجة كبيرة بدأت تثير شكوك أهلي تجاهي ، ولا أدري كيف أتخلص مما أنا فيه .. ))(34) .
إنها لا تزال متعلقة بالوهم على الرغم من أن الأمر قد انتهى .
2- الاكتئاب النفسي :
يقول أحد الشباب : (( أنا شاب أبلغ من العمر 29 سنة ، ولظروف عملي فإني أسكن بعيداً عن زوجتي وأطفالي مسافة 200 كم ، وأسافر لزوجتي يومين في الأسبوع، وأحياناً يوماً واحداً، كنت أحبّ زوجتي كثيراً، وكانت هي كذلك ، إلا أن ضعف مرتبي حال بيني وبين إحضارها للإقامة عندي..
وفي ليلة من الليالي اتصلت فتاة ! تريد التعرف بي ، فرفضت ذلك ، وأفهمتها بأني متزوج ولدي أطفال، وقمت بإقفال السماعة في وجهها ، وما كان منها إلا أن أصرت على محادثتي والتعرف علي ، ومن تلك اللحظة أصابني صداع لم يفارقني تلك الليلة ، وفي التالي اتصلت بي ، فرد عليها أحد زملائي فلم تكلمه، ثم ردّ عليها الثاني والثالث ، فلم ترد إلا أنا ، وفي ساعة متأخرة من الليل اتصلت ، ولم يكن غيري ، فرفعتُ سماعة الهاتف ، وزيّن لي الشيطان محادثتها ، وتعرفت عليها ، ويا ليتني لم أفعل ، فلقد زلزلت كياني ، وزرعت طريقي أشواكاً ، بل لقد فرقتني عن زوجتي وأولادي ، فلم يعد لهم في قلبي من الحبّ مثل ما كان قبل ذلك ، كان فكري في ذلك الشيطان الذي تمثل لي في صورة تلك الفتاة ، فقدت أعصابي مع زوجتي وأولادي ، أثور عليهم لأدنى سبب ، بسبب تلك الفتاة التي زرعت المرض والخوف في أعماقي .. حاولت أن أقاطعها فلم أقدر .. كانت تلعب بأعصابي كثيراً .. نسيتُ حتى عملي من كثرة السهر ، ومع ذلك أصابني الاكتئاب النفسي ، وذهبت إلى عيادة الأمراض النفسية ، وأعطوني أقراصاً فلم ينفع معي أي علاج .... )) (35) .
3- فقدان الأمن والراحة ، والخوف من الفضيحة :
وذلك أن أدعياء الحبّ يقومون – في الغالب – بتسجيل المكالمات الهاتفية التي تتمّ بينهم وبين الفتيات ضحايا الحبّ ، وقد يطلبون منهن صوراً باسم الحبّ ، فيحتفظون بها ، مع الرسائل الوردية المعطرة التي تبعثها الفتيات إليهم ، فإذا ما استعصت الفتاة عليهم ، وأبت الخروج معهم ، قاموا يهدّدونها بتلك الصور والرسائل ، وبصوتها في الهاتف ، وهنا يُسقط في يد الفتاة ، وتعيش في وضع مأساوي سيء ، وقد تستجيب لمطالبهم خوفاً من الفضيحة ! فتبوء بالإثم في الدنيا ، والفضيحة الكبرى في الآخرة وما فيها من العذاب الأليم .
تقول إحداهن – وقد كتبت لي مشكلتها بنفسها - :
((مشكلتي هي مشكلة بعض البنات هذه الأيام ، في جوّ غابت فيه مراقبة الأهل ، ووجد فيه الفراغ ، وصديقات السوء ، وأفلام خليعة ، وأغان وطرب ومجون .. في هذه الأجواء الملوثة ، وفي هذه الفترة من الزمن – والتي هي عليّ الآن كالحديد الحامي الذي يلسعني كل لحظة – تعرفت على ذئب قذر ، وقد طالت فترة تعارفنا إلى سنة تبادلنا خلالها الصور!! .. أعطيته كل ما عندي من وقت وتفكير ، بل ومساعدات مالية .. كان قذراً ، وكنت أقذر منه ! .. طلب مني كل شيء باسم الحبّ ، وبذلت له كل شيء .. بعدها التحقت بالجامعة ، وأقمت في سكن الطالبات ، ويا سبحان الله . وجدت فتيات قمة في الالتزام .. في الطهر والعفاف .. قمة في عمل الخير والصلاح ! أعجبت بهنّ ، أحببنني بإخلاص ، وأخذن يتقربن إلي .. فتعلمت منهن الصلاة والدين .. وشعرت بالإيمان يسري في أوصالي .. ولكن ماذا أفعل وهذا الذئب يطاردني في كل مكان ، حتى هنا في السكن ، فيتصل بي يومياً على أنه أخي الذي يريد أن يطمئن علي !! ، والمشرفة المسكينة قد صدقت هذه الكذبة ، فكانت تلح علي لمكالمته ، فكنت أكلمه وأنا كارهة له ، وفي الوقت نفسه خائفة منه ، إلى أن عزمت على التوبة النصوح وتبت إلى الله عز وجل ، وحولت إلى دراسة العلم الشرعي بعد أن كنت في كلية علمية ، المشكلة أنه لا يزال يطاردني ، ويطلب مني الخروج معه !! ، ويهددني بكل ما لديه من أدلة وبراهين ، من صور ومكالمات قد سجلها علي ، والأدهى من ذلك أنه يتصل على منزلنا حيث يقيم أخي الأصغر ، وأخاف عليه من هذا الذئب ، أخاف عليه من الغيرة التي ستقتله غماً إذا علم بالأمر ، ومن ... ومن .. ومن أخته التي طالما أحبها واعتبرها قدوة له في الجدّ والمذاكرة ... ))
إلى آخر ما جاء في رسالتها ، وهي طويلة جداً اختصرتها في هذه الأسطر ...
وإني بهذه المناسبة أودّ أن أوجه نصيحة إلى كل فتاة ابتليت بمثل هذا الأمر ، فأقول : إن الخطأ لا يمكن تصحيحه بخطأ آخر ، فإذا كنت قد أخطأت أولاً بإقامة علاقة محرّمة مع هذا الذئب ، وأعطيتيه صورك ورسائلك ، وصار يهددك بها ، فلا تُتْبعي هذا الخطأ بخطأ أكبر منه ، وهو استجابتك له ، وتلبية مطالبه الآثمة ، فإنه أقلّ وأذلّ من أن يقوم بتنفيذها، إذ هو شريك لك في الفضيحة، وحتى لو أقدم على تنفيذها، فإنك ما دمت قد حافظت على عرضك وشرفك ، وتبت إلى الله توبة نصوحاً ، فإن ذلك لن يضيرك شيئاً ، وسيكون هو المتضرّر الأكبر ، وبإمكانك التعاون مع رجال الحسبة (( هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر )) للإيقاع به أو كفّ شره بأسلوب حكيم لا ينالك منه ضرر ، ولكثير منهم خبرة في هذا المجال ، وهذا أمر متيسر جداً .. ثم إن الفتاة إذا تابت إلى الله توبة نصوحاً ، وصدقت في توبتها ، جعل الله لها مخرجاً ، وأسوق لك هذه القصة لتعلمي أن الله لا يتخلى عن عباده المؤمنين :
تقول صاحبة القصة : (( كنت جالسة في المنزل عندما رنّ جرس الهاتف .. فنهضت ورفعت السماعة ، فإذا برجل يطلب صاحباً له ، قلت له : إن الرقم خطأ ، وألنت له صوتي ، فإذا به يتصل مرة ثانية ، وأكلمه حتى قال لي إنه يحبني ! ولا يستطيع الاستغناء عني ، وأن نيته سليمة ! فصدقته ، وذهبت معه ، وأخذنا صوراً عديدة !!! ، وبعد أربع سنوات مكثتها معه إذ به يقول : إذا لم تمكنيني من نفسك فسأفضحك ، وأقدم الصور لأهلك .. فرفضت بشدة ، وابتعدت عنه ، وأصبحت أرفض محادثته في الهاتف أو مقابلته ، ويقدر الله عز وجل أن يخطبني صاحب أبي ، وقبل زواجي بأيام اتصل بي ذلك النذل ، وقال لي : إن تزوجت من هذا الرجل فسأفضحك عنده !! فأصبحت في حيرة من أمري ، وتوجهت إلى الله عز وجل أدعوه بإخلاص أن يخلصني من هذا الرجل ، وبعد زواجي بيومين علمت أنه أراد الذهاب إلى زوجي ومعه الصور ، وفي طريقه إلى مقر عمل زوجي ، توفي في حادث سيارة ، واحترقت الصور معه .. )) (36) .
ففي هذه القصة عظة وعبرة لكل شاب وفتاة .
4- الفشل الدراسي :
وهذا هو الغالب على من ابتُلي بهذا البلاء ، لانشغال فكره وقلبه بالتفكير بـ ( المحبوب ) ، ولكثرة السهر ، وضياع الأوقات الطويلة في مكالمات تافهة رخيصة ، لا تترك وقتاً للمذاكرة والمثابرة ..
تقول إحداهن : (( أنا فتاة في السادسة عشرة من عمري (37) ، متفوقة في دراستي ، أحببت أحد المشاهير بشكل جنوني ، تملأ صوره الكبيرة حجرتي ، وأدس صوره الصغيرة في كل كتبي ، وأحلم دائماً بلقائه ، وأثور إذا تحدثت عنه زميلاتي .. بدأ مستواي الدراسي في الانحدار بسبب هذا الحبّ الجنوني ، لدرجة أني أخشى من الاستمرار في الانحدار ، وفي نفس الوقت لا أستطيع التغلب على مشاعري ، وأشعر بأنني وحدي في مشكلة تهدد مستقبلي ، ولا أستطيع مصارحة أحد بها .. ))(38) .
ومن الأضرار النفسية :
5- انتظار من لا يأتي :
وما أطول ساعات الانتظار – بل حتى لحظاته وما أشدها على النفس ، فكيف إذا امتدت إلى شهور وأعوام !
تقول إحدى الفتيات – وهي من ضحايا هذا الوهم - :
(( من خلال حديث أخي عن صديقه الملتزم ، أحببته (39) .. شعرت بمشاعر الحبّ تسيطر علي تجاهه ، ولأني فتاة مسلمة ملتزمة بأمور ديني ، نجحت في التمسك بالفضيلة ، والامتناع عن أي سلوك يمكن أن يُظهر مشاعري تجاهه ، وظللت على هذه الحال لمدة أربع سنوات .. رفضتُ كلّ من يتقدم لي من أجل هذا الحبّ! ، وانتظاراً لذلك الشاب الذي لا يعلم بمشاعري نحوه ! .. والآن أنتظر .. وأعيش حالة نفسية سيئة من جراء هذا الانتظار .. )) (40) . انتظار من لا يأتي .. !!
ومن أعجب ما وقفت عليه في هذا الموضوع ، ما ذكره أحد الأخصائيين في مؤتمر عقده مؤخراً ، أنه شاهد حالة غريبة لفتاة في العشرين من عمرها ، نمت لها لحية بسبب إخفاقها في الحب ! حيث أحدثت هذه الصدمة اضطراباً في إفراز الهرمونات ، مما أدى إلى نمو لحيتها ..(41) .
وقد سئل أحد الأطباء النفسانيين – ضمن تحقيق أجراه بعض الصحفيين - : هل من الممكن أن للحبّ مجانين في نهاية القرن العشرين ؟ (42)
فأجاب : هذا سؤال طريف ، ولكنه على طرافته – سؤال مطروح في كل زمان ومكان ، ففي عصرنا الحالي ، الموصوف بأنه عصر المادية ، أن تؤدي الصدمة العاطفية إلي العيادة النفسية ، ولقد عُرِضتْ علي حالات مرضية كثيرة ، كان الحبّ هو السبب الرئيس لها ، والعامل الأكثر تأثيراً فيها ))(43) .
وقد قام بعض الصحفيين بزيارة لإحدى المصحات النفسية ، ووقفوا على بعض الحالات من ضحايا الحبّ الموهوم ، منها حالة الشاب ( ط.أ ) التي كانت ابنة عمه هي السبب في تدهور عقله ، ووصوله إلى حافة الجنون ، ولما سُئل طبيبه المعالج عن سبب وصوله إلى تلك الحالة ، أجاب بأنها قصة طويلة ومعقدة، خلاصتها أن هذا الشاب ( أحبّ) ابنة عمه الذي كان على خلاف مع أخيه والد هذا الشاب، وكانت الفتاة على علم بهذا الخلاف ، فأرادت الانتقام لأبيها في شخص ابن عمها ، فأوهمته بحبها له ، حتى إذا ما جاء اليوم الموعود للزواج ، رفضته ، وتزوجت بغيره ، فصُدم هذا الشاب ، ووقع فيما يشبه الفصام العصبي .. ))(44) .
هذه بعض الأضرار النفسية لوهم الحبّ ، وهي قليل من كثير ، ومن تأملها وجدها مصداقاً لقول الله تعالى : {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً }[طـه: من الآية124] أي : عيشة ضيقّة نكدة ، وهي ما يصيب المعرض عن ذكر ربه من الهموم والغموم والآلام والأمراض النفسية وغيرها ... ))(45) . والله تعالى أعلم .
ثالثاًً : الأضرار الصحية
وهي التي تصيب البدن ، بخلاف الأضرار النفسية التي تصيب الروح مع سلامة البدن ، وقد يكون الضرر النفسي سبباً لوقوع الضرر البدني ، كما هو الحال في هم الحبّ .
تروي إحدى الفتيات ، تقول : (( في يوم من الأيام جاءني اتصال من صديقة لي، تخبرني فيه بأن صديقة لنا في العناية المركزة بالمستشفي ، فهرعتُ إليها وأنا لا أعلم السبب ، وحينما وصلت إليها ، وجدتها ممددة على السرير دون حراك ، وقد أصابتها حالة تشنج عنيفة ، تركتْ بصمات زرقاء وسوداء حول عينيها ، وفي جميع أجزاء وجهها ، وعندما سألت شقيقتها عن السبب ، أخذتني بعيداً عن والدتها المنهارة ، وقالت لي : لقد اكتشفتْ أن خالداً متزوج ، ولديه ولد !!! ..
أما عن خالد هذا ، فهو شاب قد تعرفتْ عليه عن طريق الهاتف ! وبعد عدة لقاءات وعدها بالزواج ! ، وها هي تدخل المستشفى من أجله ، ولو علم هذان الأبوان المنهاران أمام غرفة ابنتهما سبب دخولها المستشفى لقتلاها بدلاً من أن يبكيا عليها !)) (46) .
وأغرب من ذلك ، ما نُشر في بعض الصحف من قصّة تلك المرأة المصرية التي فوجئت وهي تفتح دولاب ملابسها بعد أن عادت إلى بيتها ، بشاب يخرج من ذلك الدولاب ، فتعالت صرخاتها مستغيثة بالجيران ، وقد حاول الشاب إقناعها بأنه إنما جاء لخطبة ابنتها التي تربطه بها علاقة حب ! ولكن المرأة أصرت على استدعاء الشرطة ، وكانت المفاجأة ، أن سقط ميتاً بالسكتة القلبية قبل أن ينقل إلى قسم الشرطة في أغرب حادث حبّ غرامي مجنون ... ))(47) ..
وقد سئل الأستاذ الدكتور مصطفى محمود عن الحبّ قبل الزواج فأجاب : (( الحبّ هو اتحاد شديد العمق ، يؤدي التفريق فيه إلى سلسلة من انفجارات العذاب والألم ، قد تستمر حتى الموت ، وقد تنتهي بتغير الشخصية تماماً ، وتحولها كما يتحول الراديوم بعد تفجر الإشعاع إلى رصاص ، أما الحبّ بعد الزواج ، فهو الحبّ الحقيقي الذي ينمو ويعيش ، ويتحدى النسيان ، ويضفي النبل والإخلاص والجلال على أبطاله )) (48) .
رابعاً: الأضرار الاجتماعية
وهي كثيرة جداً ، ومن أخطرها :
1- انتشار الفساد في المجتمع ، وشيوع الفاحشة فيه ..
فكم من عفيفة حرّة صارت باسم الحبّ من البغايا ، وعفيف صار به عبداً للصبيان والصبايا .. ! ويحضرني في هذا المقام قصة فتاة جامعية (49)وقعت في وهم الحبّ ، وجرى لها ما جرى لغيرها من ضحايا هذا الوهم : نظرة فابتسامة فكلام فموعد فلقاء ففجور فندم وحسرة ... لكن هذه الفتاة لم يقف أمرها عند هذا الحدّ ، فقد قام الذئب بتصويرها معه وهي تمارس الفجور ، في شريط فيديو ، ثم صار يهددها بهذا الشريط ، حتى انقادت له ، وصارت كالخاتم في يده ، يخرج بها متى شاء بلا قيود ، ولم يكتف الذئب بذلك حتى أشرك معه غيره من الذئاب البشرية المسعورة ، فإذا بالفتاة الجامعية المصونة ، تتحول إلى بغي فاجرة ، تنتقل من رجل إلى آخر ...!! ثم تنتهي القصة بقيام هذه الفتاة بقتل ذلك الذئب انتقاماً لشرفها وعرضها ، لتودع في سجن خلف القضبان (50) .
2- فشل الحياة الزوجية ، وكثرة وقوع الطلاق في المجتمع :
ففي دراسة علمية أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية تبين أن معظم الذين تزوجوا بعد قصة حبّ كبيرة لم ينجح زواجهم !(51) .
وليس هذا في ديار الغرب فحسب ، بل حتى في بلاد المسلمين ، ففي دراسة أجريت في المستشفى التخصصي بالرياض على الطلاق ، وجد أن أكثر حالات الطلاق إنما تقع في الزيجات التي تمت بعد علاقة حبّ !(52)
وتبيّن د. خديجة علوي أستاذة علم الاجتماع السبب ، فتقول : (( إن مفهوم الصداقة بين الشاب والفتاة قبل الزواج أمر مرفوض دينياً واجتماعياً ، فهي ضمن الأفكار الفاسدة التي وردت إلى مجتمعنا بسبب الانفتاح اللامحدود على المجتمعات الغربية .. )) .
ثم تضيف : (( إن هذه الصداقة التي تنشأ بين الشاب والفتاة بحجة أنها ضرورية لوضع أخلاق وطباع الشريك المرتقب تحت المجهر أو لغير ذلك ، ما هي إلا وهم كبير ، إذ أنّها تأتي بنتائج عكسية على العلاقة ذاتها فيما بعد إذا ما تم الزواج بينهما .. ففي الغالب تكثر الخلافات ، وعدم التفاهم يزداد حدة لأن كلاً منهما بدأ يرصد بدقة عيوب الآخر وسيئاته بعد أن كانت غائبة عنه تحت ( وهم الحبّ ) الذي ربط بينهما عن طريق الصداقة ، وكثيراً ما تفشل هذه الزيجات ، لأن الأسس التي قامت عليها من البداية أسس واهية ))(53) .
وأكبر شاهد على ذلك هو الواقع ، فقد روت إحدى الأخوات قصتها مع إحدى زميلاتها ، قالت :
(( رأيتها بعد انقطاع دام أكثر من عام ، فهالني منظرها .. لقد تغيرت تماماً ، فقد تحول احمرار وجنتيها إلى هالات سوداء حول العينيين ، ونحل جسمها الممتلئ إلى وزن الريشة ، وتحول مرحها إلى حزن لا يفارقها ، تعلوها غبرة ، ويكسوها شحوب وكآبة ، وحينما سألتها : ما الذي غيرك ، وأوصلك إلى هذا الحد من التدهور ؟! أجابت بصوت متهدج : أتذكرين ناصر ؟ ( وهو شابّ تعرفت عليه عن طريق الهاتف ) ، لقد تزوجْتُه وليتني لم أفعل !
فأصابني الذهول مما سمعت ، أهذا هو ناصر الذي أوهمت نفسك بأنه سيجعلك أسعد إنسانة و.. و.. ؟!
فابتسمتْ ابتسامة ممزوجة بالألم والحسرة ، وقالت : لقد كان سراباً ! لقد تحول بعد زواجنا إلى شيء آخر ! تحول إلى الضدّ وانقلب إلى وحش كاسر ، يسمعني ألذع الكلمات ، ويعيرني بحبي له قبل الزواج ، ويذكرني بأسوأ أفعاله ولقاءاتي معه ، ويهددني بإخبار والدي .. !)) .
وأسقطت من عينيها دمعتين ملتهبتين ، وقالت :
(( صدقيني ، لولا هذا الطفل الذي أخشى على مستقبله ، والذي أرى فيه كل آمالي التي لم تتحقق في والده لتركته عاجلاً غير آجل !! ))(54) .
أما القصة الثانية ، فقد روتها صاحبتها بنفسها ، فقالت :
(( أنا السبب في مأساتي .. نسجت خيوطها بيدي ثم اكتويت بنارها ..
قبل سنوات ربطتني علاقة حبّ ! بشاب توجت بالزواج منه ، ورغم علمي من البداية باستهتاره إلا أنني رضيت به زوجاً ! بعد ما أدركت أنني لا أستطيع العيش بدونه ! ..
قد تسألون : ولم قبلت الزواج منه وهو بهذه الحالة ؟
أقول لكم : إنني راهنت على إصلاحه وجعله إنساناً آخر ، ولهذا تحديت أهلي ، وأعلنت تمردي عليهم ، وتجاهلت كلّ تحذيراتهم ، وعشت مع من أحببته كروحي ! أشهراً قليلة ، وشعرت أنني أسير بالفعل نحو الهدف الذي رسمته لنفسي .. غيّرت من سلوكياته الكثير ، وحملت منه ، وأنجبت طفلة جميلة ، ولكنه عاد مرة أخرى إلى استهتاره ، وفشلت في إصلاحه ..
ارتبط زوجي بأصدقاء السوء ، وصار يتغيب عن المنزل لفترات طويلة .. كنت أنظر لطفلتي وأحدث نفسي : ما العمل عندما تكبر ، ووالدها بهذه الحالة السيئة .. استهتار ، وإهمال ، وعدم اكتراث ..!! وماذا أفعل عندما أقرر الخلاص منه ، وأربّي ابنتي بعيداً عنه ، وكيف تعيش ابنتي في هذا الجو الفارغ من الوئام الأسري ؟!
لجأت إلى أهله وطلبت وساطتهم ، ونصحه وإرشاده ، ولكن فشِلتْ أيضاً كلّ محاولاتهم ، بل تمادى في سهراته الخارجية ، وغيابه عن المنزل ، والأسوأ من ذلك أنه نقل مقرّ السهرات الفاسدة إلى منزلنا ، فأصبحت في موقف لا أحسد عليه ، وعندما عجزت عن مقاومة هذا الوضع السيء لزوجي ، قررت الانفصال عنه قبل أن أدخل وطفلتي عالمه المميت ))(55).
3- خراب البيوت ، والتفريق بين المرء وزوجه وأهله :
وهذا ما يطمح إليه إبليس اللعين ، فبينما المرء سعيد مع زوجه وأهله وأولاده ، يبعث إليه إبليس واحداً من جنوده من شياطين الإنس ، فيفسد عليه حياته باسم الحبّ أو غيره ، ومن الشواهد على ذلك ، ما ذكرته آنفاً من قصة ذلك الشابّ المتزوج الذي اتصلت به فتاة ، فما زالت به إلى أن تعلق بها ، حتى كره زوجته وأولاده وأهملهم ... الخ (56) .
فإن لهذا الحب المزعوم أضراراً نفسية بالغة الأثر ، قد تنتهي بصاحبها إلى الجنون ، فمن ذلك :
1- فقدان الثقة بالنفس ..
تقول إحداهن : (( أكتب مشكلتي لعلي أجد الحل الذي يريحني ، ويعيد النوم إلى جفوني ، والراحة إلى نفسي .. والتي لم أذقها منذ أن تعرفتُ عليه عن طريق الهاتف ! حينما طلبت إحدى صديقاتي ، ورد علي أخوها ، وجذبني إليه رقّة حديثه ، بعدها وجدتُ نفسي مشدودة للتفكير فيه ، والتعلق به (32) .. وتكرر الاتصال ، وتعمدت اختيار الأوقات التي لا تكون صديقتي موجودة فيها (33) .. وتواعدنا على الزواج !
وفجأة .. لاحظت تهربه من الحديث معي ، وانقطعت إتصالته بي .. حاولت بأسلوب غير مباشر التعرف على أسباب هذا التحول ، دون فائدة .. وأخيراً وبطريق الصدفة أخبرتني صديقتي أن أخاها قد وقع اختياره على إحدى القريبات ، وسيتم زفافهما قريباً ..
أصابتني دهشة أفقدتني توازني وقدرتي على الرد عليه .. وفقدت بعدها الثقة في نفسي وفي كل من حولي .. تقدم لي الكثيرون ولكنني أرفضهم جميعاً دون أي مبرر ..
العمر يتقدم بي ، ولكني عاجزة عن نسيان هذا الجرح القديم ، الذي تمكن مني لدرجة كبيرة بدأت تثير شكوك أهلي تجاهي ، ولا أدري كيف أتخلص مما أنا فيه .. ))(34) .
إنها لا تزال متعلقة بالوهم على الرغم من أن الأمر قد انتهى .
2- الاكتئاب النفسي :
يقول أحد الشباب : (( أنا شاب أبلغ من العمر 29 سنة ، ولظروف عملي فإني أسكن بعيداً عن زوجتي وأطفالي مسافة 200 كم ، وأسافر لزوجتي يومين في الأسبوع، وأحياناً يوماً واحداً، كنت أحبّ زوجتي كثيراً، وكانت هي كذلك ، إلا أن ضعف مرتبي حال بيني وبين إحضارها للإقامة عندي..
وفي ليلة من الليالي اتصلت فتاة ! تريد التعرف بي ، فرفضت ذلك ، وأفهمتها بأني متزوج ولدي أطفال، وقمت بإقفال السماعة في وجهها ، وما كان منها إلا أن أصرت على محادثتي والتعرف علي ، ومن تلك اللحظة أصابني صداع لم يفارقني تلك الليلة ، وفي التالي اتصلت بي ، فرد عليها أحد زملائي فلم تكلمه، ثم ردّ عليها الثاني والثالث ، فلم ترد إلا أنا ، وفي ساعة متأخرة من الليل اتصلت ، ولم يكن غيري ، فرفعتُ سماعة الهاتف ، وزيّن لي الشيطان محادثتها ، وتعرفت عليها ، ويا ليتني لم أفعل ، فلقد زلزلت كياني ، وزرعت طريقي أشواكاً ، بل لقد فرقتني عن زوجتي وأولادي ، فلم يعد لهم في قلبي من الحبّ مثل ما كان قبل ذلك ، كان فكري في ذلك الشيطان الذي تمثل لي في صورة تلك الفتاة ، فقدت أعصابي مع زوجتي وأولادي ، أثور عليهم لأدنى سبب ، بسبب تلك الفتاة التي زرعت المرض والخوف في أعماقي .. حاولت أن أقاطعها فلم أقدر .. كانت تلعب بأعصابي كثيراً .. نسيتُ حتى عملي من كثرة السهر ، ومع ذلك أصابني الاكتئاب النفسي ، وذهبت إلى عيادة الأمراض النفسية ، وأعطوني أقراصاً فلم ينفع معي أي علاج .... )) (35) .
3- فقدان الأمن والراحة ، والخوف من الفضيحة :
وذلك أن أدعياء الحبّ يقومون – في الغالب – بتسجيل المكالمات الهاتفية التي تتمّ بينهم وبين الفتيات ضحايا الحبّ ، وقد يطلبون منهن صوراً باسم الحبّ ، فيحتفظون بها ، مع الرسائل الوردية المعطرة التي تبعثها الفتيات إليهم ، فإذا ما استعصت الفتاة عليهم ، وأبت الخروج معهم ، قاموا يهدّدونها بتلك الصور والرسائل ، وبصوتها في الهاتف ، وهنا يُسقط في يد الفتاة ، وتعيش في وضع مأساوي سيء ، وقد تستجيب لمطالبهم خوفاً من الفضيحة ! فتبوء بالإثم في الدنيا ، والفضيحة الكبرى في الآخرة وما فيها من العذاب الأليم .
تقول إحداهن – وقد كتبت لي مشكلتها بنفسها - :
((مشكلتي هي مشكلة بعض البنات هذه الأيام ، في جوّ غابت فيه مراقبة الأهل ، ووجد فيه الفراغ ، وصديقات السوء ، وأفلام خليعة ، وأغان وطرب ومجون .. في هذه الأجواء الملوثة ، وفي هذه الفترة من الزمن – والتي هي عليّ الآن كالحديد الحامي الذي يلسعني كل لحظة – تعرفت على ذئب قذر ، وقد طالت فترة تعارفنا إلى سنة تبادلنا خلالها الصور!! .. أعطيته كل ما عندي من وقت وتفكير ، بل ومساعدات مالية .. كان قذراً ، وكنت أقذر منه ! .. طلب مني كل شيء باسم الحبّ ، وبذلت له كل شيء .. بعدها التحقت بالجامعة ، وأقمت في سكن الطالبات ، ويا سبحان الله . وجدت فتيات قمة في الالتزام .. في الطهر والعفاف .. قمة في عمل الخير والصلاح ! أعجبت بهنّ ، أحببنني بإخلاص ، وأخذن يتقربن إلي .. فتعلمت منهن الصلاة والدين .. وشعرت بالإيمان يسري في أوصالي .. ولكن ماذا أفعل وهذا الذئب يطاردني في كل مكان ، حتى هنا في السكن ، فيتصل بي يومياً على أنه أخي الذي يريد أن يطمئن علي !! ، والمشرفة المسكينة قد صدقت هذه الكذبة ، فكانت تلح علي لمكالمته ، فكنت أكلمه وأنا كارهة له ، وفي الوقت نفسه خائفة منه ، إلى أن عزمت على التوبة النصوح وتبت إلى الله عز وجل ، وحولت إلى دراسة العلم الشرعي بعد أن كنت في كلية علمية ، المشكلة أنه لا يزال يطاردني ، ويطلب مني الخروج معه !! ، ويهددني بكل ما لديه من أدلة وبراهين ، من صور ومكالمات قد سجلها علي ، والأدهى من ذلك أنه يتصل على منزلنا حيث يقيم أخي الأصغر ، وأخاف عليه من هذا الذئب ، أخاف عليه من الغيرة التي ستقتله غماً إذا علم بالأمر ، ومن ... ومن .. ومن أخته التي طالما أحبها واعتبرها قدوة له في الجدّ والمذاكرة ... ))
إلى آخر ما جاء في رسالتها ، وهي طويلة جداً اختصرتها في هذه الأسطر ...
وإني بهذه المناسبة أودّ أن أوجه نصيحة إلى كل فتاة ابتليت بمثل هذا الأمر ، فأقول : إن الخطأ لا يمكن تصحيحه بخطأ آخر ، فإذا كنت قد أخطأت أولاً بإقامة علاقة محرّمة مع هذا الذئب ، وأعطيتيه صورك ورسائلك ، وصار يهددك بها ، فلا تُتْبعي هذا الخطأ بخطأ أكبر منه ، وهو استجابتك له ، وتلبية مطالبه الآثمة ، فإنه أقلّ وأذلّ من أن يقوم بتنفيذها، إذ هو شريك لك في الفضيحة، وحتى لو أقدم على تنفيذها، فإنك ما دمت قد حافظت على عرضك وشرفك ، وتبت إلى الله توبة نصوحاً ، فإن ذلك لن يضيرك شيئاً ، وسيكون هو المتضرّر الأكبر ، وبإمكانك التعاون مع رجال الحسبة (( هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر )) للإيقاع به أو كفّ شره بأسلوب حكيم لا ينالك منه ضرر ، ولكثير منهم خبرة في هذا المجال ، وهذا أمر متيسر جداً .. ثم إن الفتاة إذا تابت إلى الله توبة نصوحاً ، وصدقت في توبتها ، جعل الله لها مخرجاً ، وأسوق لك هذه القصة لتعلمي أن الله لا يتخلى عن عباده المؤمنين :
تقول صاحبة القصة : (( كنت جالسة في المنزل عندما رنّ جرس الهاتف .. فنهضت ورفعت السماعة ، فإذا برجل يطلب صاحباً له ، قلت له : إن الرقم خطأ ، وألنت له صوتي ، فإذا به يتصل مرة ثانية ، وأكلمه حتى قال لي إنه يحبني ! ولا يستطيع الاستغناء عني ، وأن نيته سليمة ! فصدقته ، وذهبت معه ، وأخذنا صوراً عديدة !!! ، وبعد أربع سنوات مكثتها معه إذ به يقول : إذا لم تمكنيني من نفسك فسأفضحك ، وأقدم الصور لأهلك .. فرفضت بشدة ، وابتعدت عنه ، وأصبحت أرفض محادثته في الهاتف أو مقابلته ، ويقدر الله عز وجل أن يخطبني صاحب أبي ، وقبل زواجي بأيام اتصل بي ذلك النذل ، وقال لي : إن تزوجت من هذا الرجل فسأفضحك عنده !! فأصبحت في حيرة من أمري ، وتوجهت إلى الله عز وجل أدعوه بإخلاص أن يخلصني من هذا الرجل ، وبعد زواجي بيومين علمت أنه أراد الذهاب إلى زوجي ومعه الصور ، وفي طريقه إلى مقر عمل زوجي ، توفي في حادث سيارة ، واحترقت الصور معه .. )) (36) .
ففي هذه القصة عظة وعبرة لكل شاب وفتاة .
4- الفشل الدراسي :
وهذا هو الغالب على من ابتُلي بهذا البلاء ، لانشغال فكره وقلبه بالتفكير بـ ( المحبوب ) ، ولكثرة السهر ، وضياع الأوقات الطويلة في مكالمات تافهة رخيصة ، لا تترك وقتاً للمذاكرة والمثابرة ..
تقول إحداهن : (( أنا فتاة في السادسة عشرة من عمري (37) ، متفوقة في دراستي ، أحببت أحد المشاهير بشكل جنوني ، تملأ صوره الكبيرة حجرتي ، وأدس صوره الصغيرة في كل كتبي ، وأحلم دائماً بلقائه ، وأثور إذا تحدثت عنه زميلاتي .. بدأ مستواي الدراسي في الانحدار بسبب هذا الحبّ الجنوني ، لدرجة أني أخشى من الاستمرار في الانحدار ، وفي نفس الوقت لا أستطيع التغلب على مشاعري ، وأشعر بأنني وحدي في مشكلة تهدد مستقبلي ، ولا أستطيع مصارحة أحد بها .. ))(38) .
ومن الأضرار النفسية :
5- انتظار من لا يأتي :
وما أطول ساعات الانتظار – بل حتى لحظاته وما أشدها على النفس ، فكيف إذا امتدت إلى شهور وأعوام !
تقول إحدى الفتيات – وهي من ضحايا هذا الوهم - :
(( من خلال حديث أخي عن صديقه الملتزم ، أحببته (39) .. شعرت بمشاعر الحبّ تسيطر علي تجاهه ، ولأني فتاة مسلمة ملتزمة بأمور ديني ، نجحت في التمسك بالفضيلة ، والامتناع عن أي سلوك يمكن أن يُظهر مشاعري تجاهه ، وظللت على هذه الحال لمدة أربع سنوات .. رفضتُ كلّ من يتقدم لي من أجل هذا الحبّ! ، وانتظاراً لذلك الشاب الذي لا يعلم بمشاعري نحوه ! .. والآن أنتظر .. وأعيش حالة نفسية سيئة من جراء هذا الانتظار .. )) (40) . انتظار من لا يأتي .. !!
ومن أعجب ما وقفت عليه في هذا الموضوع ، ما ذكره أحد الأخصائيين في مؤتمر عقده مؤخراً ، أنه شاهد حالة غريبة لفتاة في العشرين من عمرها ، نمت لها لحية بسبب إخفاقها في الحب ! حيث أحدثت هذه الصدمة اضطراباً في إفراز الهرمونات ، مما أدى إلى نمو لحيتها ..(41) .
وقد سئل أحد الأطباء النفسانيين – ضمن تحقيق أجراه بعض الصحفيين - : هل من الممكن أن للحبّ مجانين في نهاية القرن العشرين ؟ (42)
فأجاب : هذا سؤال طريف ، ولكنه على طرافته – سؤال مطروح في كل زمان ومكان ، ففي عصرنا الحالي ، الموصوف بأنه عصر المادية ، أن تؤدي الصدمة العاطفية إلي العيادة النفسية ، ولقد عُرِضتْ علي حالات مرضية كثيرة ، كان الحبّ هو السبب الرئيس لها ، والعامل الأكثر تأثيراً فيها ))(43) .
وقد قام بعض الصحفيين بزيارة لإحدى المصحات النفسية ، ووقفوا على بعض الحالات من ضحايا الحبّ الموهوم ، منها حالة الشاب ( ط.أ ) التي كانت ابنة عمه هي السبب في تدهور عقله ، ووصوله إلى حافة الجنون ، ولما سُئل طبيبه المعالج عن سبب وصوله إلى تلك الحالة ، أجاب بأنها قصة طويلة ومعقدة، خلاصتها أن هذا الشاب ( أحبّ) ابنة عمه الذي كان على خلاف مع أخيه والد هذا الشاب، وكانت الفتاة على علم بهذا الخلاف ، فأرادت الانتقام لأبيها في شخص ابن عمها ، فأوهمته بحبها له ، حتى إذا ما جاء اليوم الموعود للزواج ، رفضته ، وتزوجت بغيره ، فصُدم هذا الشاب ، ووقع فيما يشبه الفصام العصبي .. ))(44) .
هذه بعض الأضرار النفسية لوهم الحبّ ، وهي قليل من كثير ، ومن تأملها وجدها مصداقاً لقول الله تعالى : {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً }[طـه: من الآية124] أي : عيشة ضيقّة نكدة ، وهي ما يصيب المعرض عن ذكر ربه من الهموم والغموم والآلام والأمراض النفسية وغيرها ... ))(45) . والله تعالى أعلم .
ثالثاًً : الأضرار الصحية
وهي التي تصيب البدن ، بخلاف الأضرار النفسية التي تصيب الروح مع سلامة البدن ، وقد يكون الضرر النفسي سبباً لوقوع الضرر البدني ، كما هو الحال في هم الحبّ .
تروي إحدى الفتيات ، تقول : (( في يوم من الأيام جاءني اتصال من صديقة لي، تخبرني فيه بأن صديقة لنا في العناية المركزة بالمستشفي ، فهرعتُ إليها وأنا لا أعلم السبب ، وحينما وصلت إليها ، وجدتها ممددة على السرير دون حراك ، وقد أصابتها حالة تشنج عنيفة ، تركتْ بصمات زرقاء وسوداء حول عينيها ، وفي جميع أجزاء وجهها ، وعندما سألت شقيقتها عن السبب ، أخذتني بعيداً عن والدتها المنهارة ، وقالت لي : لقد اكتشفتْ أن خالداً متزوج ، ولديه ولد !!! ..
أما عن خالد هذا ، فهو شاب قد تعرفتْ عليه عن طريق الهاتف ! وبعد عدة لقاءات وعدها بالزواج ! ، وها هي تدخل المستشفى من أجله ، ولو علم هذان الأبوان المنهاران أمام غرفة ابنتهما سبب دخولها المستشفى لقتلاها بدلاً من أن يبكيا عليها !)) (46) .
وأغرب من ذلك ، ما نُشر في بعض الصحف من قصّة تلك المرأة المصرية التي فوجئت وهي تفتح دولاب ملابسها بعد أن عادت إلى بيتها ، بشاب يخرج من ذلك الدولاب ، فتعالت صرخاتها مستغيثة بالجيران ، وقد حاول الشاب إقناعها بأنه إنما جاء لخطبة ابنتها التي تربطه بها علاقة حب ! ولكن المرأة أصرت على استدعاء الشرطة ، وكانت المفاجأة ، أن سقط ميتاً بالسكتة القلبية قبل أن ينقل إلى قسم الشرطة في أغرب حادث حبّ غرامي مجنون ... ))(47) ..
وقد سئل الأستاذ الدكتور مصطفى محمود عن الحبّ قبل الزواج فأجاب : (( الحبّ هو اتحاد شديد العمق ، يؤدي التفريق فيه إلى سلسلة من انفجارات العذاب والألم ، قد تستمر حتى الموت ، وقد تنتهي بتغير الشخصية تماماً ، وتحولها كما يتحول الراديوم بعد تفجر الإشعاع إلى رصاص ، أما الحبّ بعد الزواج ، فهو الحبّ الحقيقي الذي ينمو ويعيش ، ويتحدى النسيان ، ويضفي النبل والإخلاص والجلال على أبطاله )) (48) .
رابعاً: الأضرار الاجتماعية
وهي كثيرة جداً ، ومن أخطرها :
1- انتشار الفساد في المجتمع ، وشيوع الفاحشة فيه ..
فكم من عفيفة حرّة صارت باسم الحبّ من البغايا ، وعفيف صار به عبداً للصبيان والصبايا .. ! ويحضرني في هذا المقام قصة فتاة جامعية (49)وقعت في وهم الحبّ ، وجرى لها ما جرى لغيرها من ضحايا هذا الوهم : نظرة فابتسامة فكلام فموعد فلقاء ففجور فندم وحسرة ... لكن هذه الفتاة لم يقف أمرها عند هذا الحدّ ، فقد قام الذئب بتصويرها معه وهي تمارس الفجور ، في شريط فيديو ، ثم صار يهددها بهذا الشريط ، حتى انقادت له ، وصارت كالخاتم في يده ، يخرج بها متى شاء بلا قيود ، ولم يكتف الذئب بذلك حتى أشرك معه غيره من الذئاب البشرية المسعورة ، فإذا بالفتاة الجامعية المصونة ، تتحول إلى بغي فاجرة ، تنتقل من رجل إلى آخر ...!! ثم تنتهي القصة بقيام هذه الفتاة بقتل ذلك الذئب انتقاماً لشرفها وعرضها ، لتودع في سجن خلف القضبان (50) .
2- فشل الحياة الزوجية ، وكثرة وقوع الطلاق في المجتمع :
ففي دراسة علمية أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية تبين أن معظم الذين تزوجوا بعد قصة حبّ كبيرة لم ينجح زواجهم !(51) .
وليس هذا في ديار الغرب فحسب ، بل حتى في بلاد المسلمين ، ففي دراسة أجريت في المستشفى التخصصي بالرياض على الطلاق ، وجد أن أكثر حالات الطلاق إنما تقع في الزيجات التي تمت بعد علاقة حبّ !(52)
وتبيّن د. خديجة علوي أستاذة علم الاجتماع السبب ، فتقول : (( إن مفهوم الصداقة بين الشاب والفتاة قبل الزواج أمر مرفوض دينياً واجتماعياً ، فهي ضمن الأفكار الفاسدة التي وردت إلى مجتمعنا بسبب الانفتاح اللامحدود على المجتمعات الغربية .. )) .
ثم تضيف : (( إن هذه الصداقة التي تنشأ بين الشاب والفتاة بحجة أنها ضرورية لوضع أخلاق وطباع الشريك المرتقب تحت المجهر أو لغير ذلك ، ما هي إلا وهم كبير ، إذ أنّها تأتي بنتائج عكسية على العلاقة ذاتها فيما بعد إذا ما تم الزواج بينهما .. ففي الغالب تكثر الخلافات ، وعدم التفاهم يزداد حدة لأن كلاً منهما بدأ يرصد بدقة عيوب الآخر وسيئاته بعد أن كانت غائبة عنه تحت ( وهم الحبّ ) الذي ربط بينهما عن طريق الصداقة ، وكثيراً ما تفشل هذه الزيجات ، لأن الأسس التي قامت عليها من البداية أسس واهية ))(53) .
وأكبر شاهد على ذلك هو الواقع ، فقد روت إحدى الأخوات قصتها مع إحدى زميلاتها ، قالت :
(( رأيتها بعد انقطاع دام أكثر من عام ، فهالني منظرها .. لقد تغيرت تماماً ، فقد تحول احمرار وجنتيها إلى هالات سوداء حول العينيين ، ونحل جسمها الممتلئ إلى وزن الريشة ، وتحول مرحها إلى حزن لا يفارقها ، تعلوها غبرة ، ويكسوها شحوب وكآبة ، وحينما سألتها : ما الذي غيرك ، وأوصلك إلى هذا الحد من التدهور ؟! أجابت بصوت متهدج : أتذكرين ناصر ؟ ( وهو شابّ تعرفت عليه عن طريق الهاتف ) ، لقد تزوجْتُه وليتني لم أفعل !
فأصابني الذهول مما سمعت ، أهذا هو ناصر الذي أوهمت نفسك بأنه سيجعلك أسعد إنسانة و.. و.. ؟!
فابتسمتْ ابتسامة ممزوجة بالألم والحسرة ، وقالت : لقد كان سراباً ! لقد تحول بعد زواجنا إلى شيء آخر ! تحول إلى الضدّ وانقلب إلى وحش كاسر ، يسمعني ألذع الكلمات ، ويعيرني بحبي له قبل الزواج ، ويذكرني بأسوأ أفعاله ولقاءاتي معه ، ويهددني بإخبار والدي .. !)) .
وأسقطت من عينيها دمعتين ملتهبتين ، وقالت :
(( صدقيني ، لولا هذا الطفل الذي أخشى على مستقبله ، والذي أرى فيه كل آمالي التي لم تتحقق في والده لتركته عاجلاً غير آجل !! ))(54) .
أما القصة الثانية ، فقد روتها صاحبتها بنفسها ، فقالت :
(( أنا السبب في مأساتي .. نسجت خيوطها بيدي ثم اكتويت بنارها ..
قبل سنوات ربطتني علاقة حبّ ! بشاب توجت بالزواج منه ، ورغم علمي من البداية باستهتاره إلا أنني رضيت به زوجاً ! بعد ما أدركت أنني لا أستطيع العيش بدونه ! ..
قد تسألون : ولم قبلت الزواج منه وهو بهذه الحالة ؟
أقول لكم : إنني راهنت على إصلاحه وجعله إنساناً آخر ، ولهذا تحديت أهلي ، وأعلنت تمردي عليهم ، وتجاهلت كلّ تحذيراتهم ، وعشت مع من أحببته كروحي ! أشهراً قليلة ، وشعرت أنني أسير بالفعل نحو الهدف الذي رسمته لنفسي .. غيّرت من سلوكياته الكثير ، وحملت منه ، وأنجبت طفلة جميلة ، ولكنه عاد مرة أخرى إلى استهتاره ، وفشلت في إصلاحه ..
ارتبط زوجي بأصدقاء السوء ، وصار يتغيب عن المنزل لفترات طويلة .. كنت أنظر لطفلتي وأحدث نفسي : ما العمل عندما تكبر ، ووالدها بهذه الحالة السيئة .. استهتار ، وإهمال ، وعدم اكتراث ..!! وماذا أفعل عندما أقرر الخلاص منه ، وأربّي ابنتي بعيداً عنه ، وكيف تعيش ابنتي في هذا الجو الفارغ من الوئام الأسري ؟!
لجأت إلى أهله وطلبت وساطتهم ، ونصحه وإرشاده ، ولكن فشِلتْ أيضاً كلّ محاولاتهم ، بل تمادى في سهراته الخارجية ، وغيابه عن المنزل ، والأسوأ من ذلك أنه نقل مقرّ السهرات الفاسدة إلى منزلنا ، فأصبحت في موقف لا أحسد عليه ، وعندما عجزت عن مقاومة هذا الوضع السيء لزوجي ، قررت الانفصال عنه قبل أن أدخل وطفلتي عالمه المميت ))(55).
3- خراب البيوت ، والتفريق بين المرء وزوجه وأهله :
وهذا ما يطمح إليه إبليس اللعين ، فبينما المرء سعيد مع زوجه وأهله وأولاده ، يبعث إليه إبليس واحداً من جنوده من شياطين الإنس ، فيفسد عليه حياته باسم الحبّ أو غيره ، ومن الشواهد على ذلك ، ما ذكرته آنفاً من قصة ذلك الشابّ المتزوج الذي اتصلت به فتاة ، فما زالت به إلى أن تعلق بها ، حتى كره زوجته وأولاده وأهملهم ... الخ (56) .
مواضيع مماثلة
» وهم الحب تأليف : محمد بن عبد العزيز المسند - الجزء الأول
» وهم الحب تأليف : محمد بن عبد العزيز المسند - الجزء الثاني
» وهم الحب تأليف : محمد بن عبد العزيز المسند - الجزء الرابع
» وهم الحب تأليف : محمد بن عبد العزيز المسند - الجزء الخامس و الأخير
» الجزء الثالث و الأخير
» وهم الحب تأليف : محمد بن عبد العزيز المسند - الجزء الثاني
» وهم الحب تأليف : محمد بن عبد العزيز المسند - الجزء الرابع
» وهم الحب تأليف : محمد بن عبد العزيز المسند - الجزء الخامس و الأخير
» الجزء الثالث و الأخير
ضفاف الإبداع :: الفـــــكر و الأدب و الثقافة و الفن :: ضــفـــــ الحـــوارو النـــــقاش ـــــــــــــاف
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة أبريل 12, 2024 4:10 pm من طرف سعداوي ربيع
» المتألقه ياسمين ابراهيم
الثلاثاء أكتوبر 10, 2023 8:54 pm من طرف سعداوي ربيع
» إستمتع بخدمة ultimate game pass لجهاز الإكسبوكس و الحاسوب
الخميس نوفمبر 24, 2022 10:35 pm من طرف lmandoo
» ربيع المؤمـــــــــــــــــــن
الثلاثاء نوفمبر 08, 2022 8:11 am من طرف سعداوي ربيع
» مشروع واحة الشاطيء شقق للبيع في مدينة دبي للاستديوهات
الخميس نوفمبر 03, 2022 9:21 pm من طرف lmandoo
» شركة حلول ميج للاستشارات وتطوير الأعمال
الثلاثاء أكتوبر 18, 2022 11:26 am من طرف lmandoo
» نانا اليوم اقوى الخصومات على كل المنتجات
الأربعاء أكتوبر 12, 2022 11:28 pm من طرف lmandoo
» مرام مالك فنانة غنائية سعودية
الإثنين سبتمبر 05, 2022 5:12 am من طرف lmandoo
» موقع تعليمي سعودي لتغطية كافة المناهج
الخميس أغسطس 25, 2022 11:44 pm من طرف lmandoo
» يونيريم للرعاية المنزلية UNIREM Home Care
الأربعاء أغسطس 17, 2022 3:49 am من طرف lmandoo
» ايه افضل بيوتى صالون فى حدئق الاهرام واكتوبر وزايد
السبت أغسطس 13, 2022 3:57 am من طرف lmandoo
» اشطر جراح عام دكتور عبد الوهاب رأفت
السبت أغسطس 13, 2022 2:21 am من طرف lmandoo
» اشطر جراح عام دكتور عبد الوهاب رأفت
الثلاثاء أغسطس 09, 2022 1:47 am من طرف lmandoo
» ايه افضل بيوتى صالون فى حدئق الاهرام واكتوبر وزايد
الثلاثاء أغسطس 09, 2022 1:37 am من طرف lmandoo
» مصممة الازياء رنا سمعان من نينوى العراق إلى العالمية
الإثنين أغسطس 08, 2022 3:45 am من طرف lmandoo