مـــــــــــــــــــــواعظ
من فضل الله على عباده تتابع مواسم الخيرات ومضاعفة الحسنات فالمؤمن يتقلب في ساعات عمره بين أنواع العبادات والقربات فلا يمضي من عمره ساعة إلا ولله فيها وظيفة من وظائف الطاعات وما أن يفرغ من عبادة إلا ويشرع في عبادة أخرى ولم يجعل الله حدا لطاعة العبد إلا انتهاء عمره وانقضاء أجله.
وبعد ان اتم الله لنا نعمة اكمال شهر الصيام والقيام ورتب عليه عظيم الأجر والثواب صيام ست أيام من شوال التي ثبت في فضائلها العديد من الأحاديث منها ما رواه الإمام مسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال : ( من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر
المواضيع الأخيرة
بطاقات اسلامية
أدعية رمضانــــــــــية
وهم الحب تأليف : محمد بن عبد العزيز المسند - الجزء الخامس و الأخير
ضفاف الإبداع :: الفـــــكر و الأدب و الثقافة و الفن :: ضــفـــــ الحـــوارو النـــــقاش ـــــــــــــاف
صفحة 1 من اصل 1
وهم الحب تأليف : محمد بن عبد العزيز المسند - الجزء الخامس و الأخير
من عجائب هذا الوهم
إن من أعجب ما قرأت في موضوع ( وهم الحبّ ) ما ذكره الإمام ابن حزم في بعض كتبه ، قال : (( دخلت يوماً على عمّار بن زياد ، صاحبنا ، فوجدته مهموماً ، فسألته عما به ، فتمنع ساعة ثم قال : لقد وقع لي أعجوبة ما سُمع بها قط ! قلت : وما ذاك ؟! قال : رأيت في نومي الليلة جارية فاستيقظتُ وقد ذهب قلبي فيها ، وهِمْتُ بها ، وإني لفي أصعب حال من حبّها .. !! .
قال ابن حزم : (( ولقد بقي أياماً كثيرة تزيد على الشهر !! مغموماً لا يهنأ بشيء وجداً عليها ! إلى عذلْتُه ، وقلتُ له : من الخطأ العظيم أن تُشغل نفسك بغير حقيقة ، وتعلق وهمك بمعدوم لا يوجد .. هل تعلم من هي ؟ قال : لا والله . قلت : إنك لقليل الرأي ، مُصاب البصيرة إذ تحبّ من لم تره قط ، ولا خُلق ، ولا هو في الدنيا ، ولو عشقت صورة من الصور المصنوعة لكنت عندي أعذر .. فما زلت به حتى سلا ))(79) .
وأعجب من قصة هذا الرجل ، ما نشرته إحدى المجلات الساقطة من قصة تلك الفتاة ذات السبعة عشر ربيعاً والتي بعثت بها إلى زاوية الشكاوى العاطفية ، حيث تقول : (( إنني أعاني من أغرب مشكلة يمكن أن تسمعوا عنها ، وأرجو أن تصدقوني ، ولا تسخروا منّي ، إنني أحب شخصاً ميتاً ..!! هذه هي الحقيقة دون زيادة أو نقصان . أحبّ (....) الراحل ، ولا أفكر إلا فيه ، حتى لم يعد في حياتي وقت لشيء أو إنسان غيره ...!! أعرف أن هذا الحبّ سخيف جداً (80) ولا معنى له ، لا مستقبل له ، لكنني لا أقدر على مقاومة عواطفي (81) ، فأظل أفكر فيه ليلاً ونهاراً ! ولا أقدر على فعل أي شيء غير البكاء .. في بعض الأحيان أدرك مدى الخطأ الذي أرتكبه بحبي لإنسان لا يوجد في هذه الحياة ، وأظل أتساءل : هل هو الجنون ؟! ما معنى هذا الحبّ الذي يسيطر على حياتي ؟! هل فقدت أعصابي إلى هذا الحدّ ؟!
أفكاري تعذبني ، وحبّي يقيدني إليه ، فهل تستطيعون مساعدتي (82) ؟
هذه بعض عجائب هذا الحبّ (الوهم) ، وهي – لعمر الله – أكبر دليل على الخواء الروحي ، والفراغ النفسي لدى أولئك الفارغين والفارغات ، الغارقين في أوحال الوهم ، الذين لم يتذوقوا حلاوة الأنس بالله ، ومحبته ، ومناجاته ، فكانت النتيجة هي العذاب والضنك الذي ذكره الله عز وجل في محكم كتابه فقال سبحانه : {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً...} هذا في الدنيا ، أما في الآخرة : {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طـه:124-127] .
حب من نوع آخر ...!
هناك حبّ (وهم) من نوع آخر لا يقل خطراً عن النوع الأولى ، إن لم يكن أخطر منه ، ذلكم هو الذي يكون بين جنس واحد !!
إن الميل الغريزي الذي يكون بين جنسين مختلفين أمر تقتضيه الطبيعة البشرية التي خلقها الله عز وجل ، ولذا شرع الله الزواج لإشباع هذا الميل بالطريقة السليمة .. ولكن حين يكون هذا الميل بين أفراد الجنس الواحد ، فإنه يكون خروجاً عن الفطرة السوية ، وعن مقتضى الطبيعة البشرية ، وهو ما يسمى بالتعبير العصري (( بالشذوذ الجنسي )) ، وهذا النوع قد يبدأ أولاً باسم الإعجاب أو الحب في الله ، ثم لا يلبث أن يتحول إلى تعلق وعشق وغرام ، يزعج القلب ، ويوهن البدن ، ويُشغل التفكير ، وإن من أهمّ أسباب وقوع هذا الوهم ، تأخير الزواج ، وصعوبة التقاء الجنسين بالطريقة المشروعة التي أباحها الله عز وجل ، مع فراغ القلب من محبة الله عز وجل ، والتعلق به وتعظيمه وتوحيده . فالقلب المعلق بالله لا يرضى بغيره بديلاً ، وإن أحب شيئاً فإنما يحبه في الله ولله ، وفي حدود ما أباح الله ، فيكون هذا المحبوب عوناً له على طاعة الله .
وهذا النوع من الوهم كثيراً ما يصدر من المراهقين والمراهقات لاسيّما في هذا العصر الذي كثرت فيه المغريات والملهيات التي تصرف القلب عن التعلق بالله تعالى ، مع تقصير الآباء في تربية أولادهم على محبّة الله عز وجل ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم ، يضاف إلى ذلك صعوبة الزواج المبكر الذي أصبح في هذا الزمن ضرباً من التخلف ، إن لم يكن من المستحيل .
والحديث عن هذا الوهم كالحديث عن الوهم الذي قبله من جهة ما يترتب عليه من الأضرار ، إلا أن الأول قد يتحقق بطريقة صحيحة – وهي الزواج – ولو بنسبة ضئيلة جداً ، أما هذا الوهم فهو غير قابل للتحقيق أبداً إلا بالحرام ، ومن هنا تكمن خطورته على الفرد والمجتمع ..
أمور يجب أن تحذرها الفتاة المسلمة
أن للوقوع في مثل هذا الوهم المدمر أسباباً عدة ينبغي تجنبها ، من أهمها ما يلي :
أولاً : النظر إلى الصور المحرمة ، سواء كان النظر مباشراً ، أم بواسطة ، كمجلة أو جريدة أو شاشة . فالنظر إلى الصور من أعظم أسباب الفتنة ، والوقوع في الشرك ، وكم من فتاة عفيفة طاهرة ، وقعت في أسر الحبّ والهوى بسبب نظرة ، وقد كتبت إلى إحدى الأخوات الصالحات رسالة تذكر فيها أنها وقعت أسيرة للهوى بسبب نظرة نظرتها إلى شخص تافه في التلفاز ! ولهذا ورد الوعيد الشديد في حقّ المصورين ، كما جاء الأمر بتطهير البيوت من الصور ، وأن البيت الذي فيه صورة لا تدخله الملائكة ، وإذا لم تدخله الملائكة صار مأوى للشياطين ، ومن تأمل حال الناس اليوم رأى العجب العجاب من كثرة الصور في البيوت وتنوعها ، وتساهل الناس في اقتنائها والنظر إليها ، مع الخطورة البالغة لهذا الأمر ، بل إن وسائل الإعلام – وللأسف الشديد – لتتسابق إلى نشر الصور الجميلة التي تُختار بعناية فائقة للفت أنظار الناس ، حتى صرح أحدهم بكل وقاحة ، في لقاء صحفي معه بقوله : (( إننا نصطاد الجميلات )) !!! يعني المغفلات .
ثانياً : الهاتف ، فإنه – مع ما فيه من النفع العظيم – يعدّ من أخطر أدوات هذا العصر إذا أسيء استخدامه ، حتى قيل : إنه ما من جريمة تحدث في هذا الزمن إلا وللهاتف دور فعّال فيها ، فعلى كل فتاة أن تحذره ، وتحذر كل من يحاول العبث عن طريقه ، فلا يفعل ذلك إلا مريض فاشل ، أو ذئب مخاتل ، والأصل ألا يردّ على الهاتف إلا رجل ، فإن لم يوجد فطفل مميز ، فإن لم يوجد فلتردّ المرأة مع الحذر ، ولا تسترسل في الكلام حتى وإن كان المتصل جاداً ، بل تكتفي بردّ السلام ، وقول (نعم) أو (لا) ، وإذا كان المتصل عابثاً فلتشغل سماعة الهاتف ساعة حتى يمل ، عندها سيبحث عن رقم آخر .
ثالثاً : الفراغ النفسي والروحي والعاطفي .. فمثل هذا الفراغ هو الذي يقود في كثير من الأحيان إلى الوقوع في مثل هذه الأوهام الكاذبة ، فإن العاطفة إذا لم تضبط بالعقل فإنها تتحول إلى عاصفة ، تقتلع كل ما أمامها ، فعلى الفتاة المسلمة أن تملأ وقتها وفراغها بكلّ عمل مفيد ونافع ، من قراءة كتاب ، أو سماع شريط ، أو استماع لإذاعة القرآن الكريم أو المشاركة في عمل البيت ، أو بعض الأعمال الخيرية النافعة ، مع تخصيص وقت يومي لقراءة القرآن الكريم وتدبّر معانيه ، وبهذا لا يجد الشيطان سبيلاً إلى الإغواء ، وهذا لا يمنع من الترفيه عن النفس بشيء من المباح أحياناً ، لتقبل النفس على الطاعة بانشراح ونشاط .
رابعاً : الخلوة والعزلة .. فعلى الفتاة أن تحذر من ذلك أشد الحذر ، وأن تشارك أهلها في مجالسهم وارتباطاتهم ( ما دامت سالمة من المحرمات ) ، وإن أخطر ما يكون من الخلوة : أن تجلس الفتاة وحدها في البيت عند خروج أهلها بحجة الدراسة أو غيرها .
خامساً : وسائل الإعلام المختلفة ... ومن أخطرها في هذا الزمن : القنوات الفضائية المدمرة التي تدعو الفتاة المسلمة إلى نبذ الحياء والعفاف وهتك الستر بأساليب خبيثة ملتوية ، ومحاربة الفضيلة باسم التحرر والحبّ! فعلى كل فتاة مسلمة ترجو النجاة ، أن تتقي الله عز وجل وتخشاه ، وتقاطع هذه القنوات المدمرة ، وغيرها من وسائل الإعلام المضللة .
سادساً : رفيقات السوء .. وهنّ أخطر ما يكون على الفتاة ، فكم من فتاة صالحة عفيفة تحولت بسبب رفيقات السوء إلى فتاة ماجنة مستهترة . وإن الفتاة المؤمنة ، ذات الشخصية القوية هي التي تحرص على صحبة الصالحات ولا تتأثر بغيرها ، بل تؤثر ولا تتأثر وتجرّ غيرها إلى الصلاح ، ولا ترضى أن يجرها أحد إلى طريق الفساد .
سابعاً : البحث عن زوج ... !فأقول : أختي الكريمة ، ليست المرأة هي التي تبحث عن الرجال ، وإنما الرجال هم الذين يبحثون عن المرأة ، فهي المطلوبة ، وليست هي الطالبة ، ومتى ما كانت المرأة هي الطالبة ، فإنما تعرض كرامتها للامتهان ، لاسيما إذا وقعت في أيدي بعض اللئام – وما أكثرهم في هذا الزمن - ، وعلى الفتاة المسلمة أن تلجأ إلى الله عز وجل ، وتبتهل إليه بقلب صادق ، أن يرزقها زوجاً صالحاً ، ولن يخيب الله دعاءها .
ثامناً : رفض الزواج في أوانه بحجج واهية ، كإكمال الدراسة مثلاً ، أو انتظار من هو أفضل ، وقد يمضي العمر ولا يأتي هذا الأفضل ، وهنا قد تلجأ بعض النساء – بتزيين من الشيطان – إلى سلوك طرق ملتوية للحصول على زوج – كالهاتف مثلاً - ، ويستغل بعض ذئاب البشر هذه الفرصة ، فينصبون شباكهم لإيقاعها في الفخّ باسم الحبّ والوعد بالزواج ..
تاسعاً : الإعجاب .. فقد تعجب الفتاة بشخص ما ، إما لدينه ، وإما لأمر آخر قد يكون تافهاً وحقيراً !! فيستغلّ الشيطان هذا الإعجاب ليحوله إلى عشق وجنون ، وهنا تقع الفتاة في الوهم ، وقد يتطور الأمر إلى اتصال ! ، ثم لقاء!! ، ثم .. تقع الكارثة باسم الحبّ والإعجاب .
عاشراً : التقليد الأعمى ... الذي ينتج عن ضعف الشخصية ، والشعور بالنقص ، فبعض الفتيات قد تكون بعيدة عن مثل هاتيك الأمور ، لكنها حين ترى من حولها منهمكاً في فعلها ، فإنها تفعل مثله تقليداً ! ولكن حين تكون الفتاة ذات شخصية قوية ، وفطرة سوية ، فإنها لا تسمح لنفسها بتقليد غيرها لاسيما في الشر ، بل إن غيرها ليقلدها في فعل الخير ، والتمسك به . وهذا ما نريده منك أيتها الفتاة المسلمة .
حادي عشر : البحث عن مخرج ... فقد تبتلى بعض الفتيات بأب غليظ ، أو أمّ مقصرة ، أو زوجة أب قاسية ، فتفتقد العطف والحنان ، فتبحث عنه من طريق آخر ، وستجد من يغمرها بالحنان والعطف من ذئاب البشر ، لكنّه حنان كاذب ، وعطف مصطنع ، لغرض دنيء لا يخفى ، ولذا سرعان ما ينقلب ذلك العطف والحنان إلى ضده ، متى ما حصل الذئب غرضه !
ثاني عشر : المراسلة ..فلا تكاد تخلو مجلّة من المجلات الساقطة من صفحة مخصصة لما يسمى بالتعارف ، حيث يضع الشاب صورته وعنوانه مبدياً استعداده لمراسلة الجنس اللطيف بغرض التعارف لا غير !! فيزين الشيطان لبعض الفتيات مراسلة هؤلاء الشباب فيقعن في الوهم ، وقد يغوي الشيطان الفتاة – إن كان فيها شيء من الصلاح – بمراسلة أولئك الشبان بغرض دعوتهم إلى الله ، وهدايتهم ، وقد يُظهر بعضهم الاستجابة لذلك حتى يوقع هذه الفتاة في شباك الوهم ، فتقع ، وحينئذ يعزّ عليها الخروج ، فإن كانت الفتاة حريصة على الدعوة ، فلتقتصر على دعوة فتيات مثلها ، ولتدع دعوة الفتيان إلى شباب أمثالهم .
ثالث عشر : التسلية وإزجاء الوقت .. فأقول : إن التسلية لا تكون فيما حرم الله عز وجل ، ولا فيما يضرّ ولا ينفع ، وفيما أباح الله من الحلال المفيد غنية عمّا حرم ، وإن مثل من تتسلى بمحادثة الرجال ومكالمتهم ، كمثل من يتسلى بالنار والبنزين ! فهل تكون النتيجة إلا الاحتراق ..
رابع عشر : الاختلاط المحرم سواء في الحدائق ، أو الأسواق ، أو التجمعات العائلية ، أو في المدارس والجامعات ، أو غيرها من الأماكن ، فالاختلاط بين الرجال والنساء شر كله ، وهو من أعظم أسباب الفتنة ، والعاقل يرى ويتأمل .
هذه بعض الأمور التي أودّ من كلّ فتاة مسلمة أن تحذرها وتتجنبها ، والسلامة لا يعدلها شيء .
وأخيراً – أختي المسلمة – أنصحك بالإكثار من هذا الدعاء : (( اللهم اكفني بحلالك عن حرامك ، وأغنني بفضلك عمّن سواك )) .
إن من أعجب ما قرأت في موضوع ( وهم الحبّ ) ما ذكره الإمام ابن حزم في بعض كتبه ، قال : (( دخلت يوماً على عمّار بن زياد ، صاحبنا ، فوجدته مهموماً ، فسألته عما به ، فتمنع ساعة ثم قال : لقد وقع لي أعجوبة ما سُمع بها قط ! قلت : وما ذاك ؟! قال : رأيت في نومي الليلة جارية فاستيقظتُ وقد ذهب قلبي فيها ، وهِمْتُ بها ، وإني لفي أصعب حال من حبّها .. !! .
قال ابن حزم : (( ولقد بقي أياماً كثيرة تزيد على الشهر !! مغموماً لا يهنأ بشيء وجداً عليها ! إلى عذلْتُه ، وقلتُ له : من الخطأ العظيم أن تُشغل نفسك بغير حقيقة ، وتعلق وهمك بمعدوم لا يوجد .. هل تعلم من هي ؟ قال : لا والله . قلت : إنك لقليل الرأي ، مُصاب البصيرة إذ تحبّ من لم تره قط ، ولا خُلق ، ولا هو في الدنيا ، ولو عشقت صورة من الصور المصنوعة لكنت عندي أعذر .. فما زلت به حتى سلا ))(79) .
وأعجب من قصة هذا الرجل ، ما نشرته إحدى المجلات الساقطة من قصة تلك الفتاة ذات السبعة عشر ربيعاً والتي بعثت بها إلى زاوية الشكاوى العاطفية ، حيث تقول : (( إنني أعاني من أغرب مشكلة يمكن أن تسمعوا عنها ، وأرجو أن تصدقوني ، ولا تسخروا منّي ، إنني أحب شخصاً ميتاً ..!! هذه هي الحقيقة دون زيادة أو نقصان . أحبّ (....) الراحل ، ولا أفكر إلا فيه ، حتى لم يعد في حياتي وقت لشيء أو إنسان غيره ...!! أعرف أن هذا الحبّ سخيف جداً (80) ولا معنى له ، لا مستقبل له ، لكنني لا أقدر على مقاومة عواطفي (81) ، فأظل أفكر فيه ليلاً ونهاراً ! ولا أقدر على فعل أي شيء غير البكاء .. في بعض الأحيان أدرك مدى الخطأ الذي أرتكبه بحبي لإنسان لا يوجد في هذه الحياة ، وأظل أتساءل : هل هو الجنون ؟! ما معنى هذا الحبّ الذي يسيطر على حياتي ؟! هل فقدت أعصابي إلى هذا الحدّ ؟!
أفكاري تعذبني ، وحبّي يقيدني إليه ، فهل تستطيعون مساعدتي (82) ؟
هذه بعض عجائب هذا الحبّ (الوهم) ، وهي – لعمر الله – أكبر دليل على الخواء الروحي ، والفراغ النفسي لدى أولئك الفارغين والفارغات ، الغارقين في أوحال الوهم ، الذين لم يتذوقوا حلاوة الأنس بالله ، ومحبته ، ومناجاته ، فكانت النتيجة هي العذاب والضنك الذي ذكره الله عز وجل في محكم كتابه فقال سبحانه : {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً...} هذا في الدنيا ، أما في الآخرة : {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طـه:124-127] .
حب من نوع آخر ...!
هناك حبّ (وهم) من نوع آخر لا يقل خطراً عن النوع الأولى ، إن لم يكن أخطر منه ، ذلكم هو الذي يكون بين جنس واحد !!
إن الميل الغريزي الذي يكون بين جنسين مختلفين أمر تقتضيه الطبيعة البشرية التي خلقها الله عز وجل ، ولذا شرع الله الزواج لإشباع هذا الميل بالطريقة السليمة .. ولكن حين يكون هذا الميل بين أفراد الجنس الواحد ، فإنه يكون خروجاً عن الفطرة السوية ، وعن مقتضى الطبيعة البشرية ، وهو ما يسمى بالتعبير العصري (( بالشذوذ الجنسي )) ، وهذا النوع قد يبدأ أولاً باسم الإعجاب أو الحب في الله ، ثم لا يلبث أن يتحول إلى تعلق وعشق وغرام ، يزعج القلب ، ويوهن البدن ، ويُشغل التفكير ، وإن من أهمّ أسباب وقوع هذا الوهم ، تأخير الزواج ، وصعوبة التقاء الجنسين بالطريقة المشروعة التي أباحها الله عز وجل ، مع فراغ القلب من محبة الله عز وجل ، والتعلق به وتعظيمه وتوحيده . فالقلب المعلق بالله لا يرضى بغيره بديلاً ، وإن أحب شيئاً فإنما يحبه في الله ولله ، وفي حدود ما أباح الله ، فيكون هذا المحبوب عوناً له على طاعة الله .
وهذا النوع من الوهم كثيراً ما يصدر من المراهقين والمراهقات لاسيّما في هذا العصر الذي كثرت فيه المغريات والملهيات التي تصرف القلب عن التعلق بالله تعالى ، مع تقصير الآباء في تربية أولادهم على محبّة الله عز وجل ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم ، يضاف إلى ذلك صعوبة الزواج المبكر الذي أصبح في هذا الزمن ضرباً من التخلف ، إن لم يكن من المستحيل .
والحديث عن هذا الوهم كالحديث عن الوهم الذي قبله من جهة ما يترتب عليه من الأضرار ، إلا أن الأول قد يتحقق بطريقة صحيحة – وهي الزواج – ولو بنسبة ضئيلة جداً ، أما هذا الوهم فهو غير قابل للتحقيق أبداً إلا بالحرام ، ومن هنا تكمن خطورته على الفرد والمجتمع ..
أمور يجب أن تحذرها الفتاة المسلمة
أن للوقوع في مثل هذا الوهم المدمر أسباباً عدة ينبغي تجنبها ، من أهمها ما يلي :
أولاً : النظر إلى الصور المحرمة ، سواء كان النظر مباشراً ، أم بواسطة ، كمجلة أو جريدة أو شاشة . فالنظر إلى الصور من أعظم أسباب الفتنة ، والوقوع في الشرك ، وكم من فتاة عفيفة طاهرة ، وقعت في أسر الحبّ والهوى بسبب نظرة ، وقد كتبت إلى إحدى الأخوات الصالحات رسالة تذكر فيها أنها وقعت أسيرة للهوى بسبب نظرة نظرتها إلى شخص تافه في التلفاز ! ولهذا ورد الوعيد الشديد في حقّ المصورين ، كما جاء الأمر بتطهير البيوت من الصور ، وأن البيت الذي فيه صورة لا تدخله الملائكة ، وإذا لم تدخله الملائكة صار مأوى للشياطين ، ومن تأمل حال الناس اليوم رأى العجب العجاب من كثرة الصور في البيوت وتنوعها ، وتساهل الناس في اقتنائها والنظر إليها ، مع الخطورة البالغة لهذا الأمر ، بل إن وسائل الإعلام – وللأسف الشديد – لتتسابق إلى نشر الصور الجميلة التي تُختار بعناية فائقة للفت أنظار الناس ، حتى صرح أحدهم بكل وقاحة ، في لقاء صحفي معه بقوله : (( إننا نصطاد الجميلات )) !!! يعني المغفلات .
ثانياً : الهاتف ، فإنه – مع ما فيه من النفع العظيم – يعدّ من أخطر أدوات هذا العصر إذا أسيء استخدامه ، حتى قيل : إنه ما من جريمة تحدث في هذا الزمن إلا وللهاتف دور فعّال فيها ، فعلى كل فتاة أن تحذره ، وتحذر كل من يحاول العبث عن طريقه ، فلا يفعل ذلك إلا مريض فاشل ، أو ذئب مخاتل ، والأصل ألا يردّ على الهاتف إلا رجل ، فإن لم يوجد فطفل مميز ، فإن لم يوجد فلتردّ المرأة مع الحذر ، ولا تسترسل في الكلام حتى وإن كان المتصل جاداً ، بل تكتفي بردّ السلام ، وقول (نعم) أو (لا) ، وإذا كان المتصل عابثاً فلتشغل سماعة الهاتف ساعة حتى يمل ، عندها سيبحث عن رقم آخر .
ثالثاً : الفراغ النفسي والروحي والعاطفي .. فمثل هذا الفراغ هو الذي يقود في كثير من الأحيان إلى الوقوع في مثل هذه الأوهام الكاذبة ، فإن العاطفة إذا لم تضبط بالعقل فإنها تتحول إلى عاصفة ، تقتلع كل ما أمامها ، فعلى الفتاة المسلمة أن تملأ وقتها وفراغها بكلّ عمل مفيد ونافع ، من قراءة كتاب ، أو سماع شريط ، أو استماع لإذاعة القرآن الكريم أو المشاركة في عمل البيت ، أو بعض الأعمال الخيرية النافعة ، مع تخصيص وقت يومي لقراءة القرآن الكريم وتدبّر معانيه ، وبهذا لا يجد الشيطان سبيلاً إلى الإغواء ، وهذا لا يمنع من الترفيه عن النفس بشيء من المباح أحياناً ، لتقبل النفس على الطاعة بانشراح ونشاط .
رابعاً : الخلوة والعزلة .. فعلى الفتاة أن تحذر من ذلك أشد الحذر ، وأن تشارك أهلها في مجالسهم وارتباطاتهم ( ما دامت سالمة من المحرمات ) ، وإن أخطر ما يكون من الخلوة : أن تجلس الفتاة وحدها في البيت عند خروج أهلها بحجة الدراسة أو غيرها .
خامساً : وسائل الإعلام المختلفة ... ومن أخطرها في هذا الزمن : القنوات الفضائية المدمرة التي تدعو الفتاة المسلمة إلى نبذ الحياء والعفاف وهتك الستر بأساليب خبيثة ملتوية ، ومحاربة الفضيلة باسم التحرر والحبّ! فعلى كل فتاة مسلمة ترجو النجاة ، أن تتقي الله عز وجل وتخشاه ، وتقاطع هذه القنوات المدمرة ، وغيرها من وسائل الإعلام المضللة .
سادساً : رفيقات السوء .. وهنّ أخطر ما يكون على الفتاة ، فكم من فتاة صالحة عفيفة تحولت بسبب رفيقات السوء إلى فتاة ماجنة مستهترة . وإن الفتاة المؤمنة ، ذات الشخصية القوية هي التي تحرص على صحبة الصالحات ولا تتأثر بغيرها ، بل تؤثر ولا تتأثر وتجرّ غيرها إلى الصلاح ، ولا ترضى أن يجرها أحد إلى طريق الفساد .
سابعاً : البحث عن زوج ... !فأقول : أختي الكريمة ، ليست المرأة هي التي تبحث عن الرجال ، وإنما الرجال هم الذين يبحثون عن المرأة ، فهي المطلوبة ، وليست هي الطالبة ، ومتى ما كانت المرأة هي الطالبة ، فإنما تعرض كرامتها للامتهان ، لاسيما إذا وقعت في أيدي بعض اللئام – وما أكثرهم في هذا الزمن - ، وعلى الفتاة المسلمة أن تلجأ إلى الله عز وجل ، وتبتهل إليه بقلب صادق ، أن يرزقها زوجاً صالحاً ، ولن يخيب الله دعاءها .
ثامناً : رفض الزواج في أوانه بحجج واهية ، كإكمال الدراسة مثلاً ، أو انتظار من هو أفضل ، وقد يمضي العمر ولا يأتي هذا الأفضل ، وهنا قد تلجأ بعض النساء – بتزيين من الشيطان – إلى سلوك طرق ملتوية للحصول على زوج – كالهاتف مثلاً - ، ويستغل بعض ذئاب البشر هذه الفرصة ، فينصبون شباكهم لإيقاعها في الفخّ باسم الحبّ والوعد بالزواج ..
تاسعاً : الإعجاب .. فقد تعجب الفتاة بشخص ما ، إما لدينه ، وإما لأمر آخر قد يكون تافهاً وحقيراً !! فيستغلّ الشيطان هذا الإعجاب ليحوله إلى عشق وجنون ، وهنا تقع الفتاة في الوهم ، وقد يتطور الأمر إلى اتصال ! ، ثم لقاء!! ، ثم .. تقع الكارثة باسم الحبّ والإعجاب .
عاشراً : التقليد الأعمى ... الذي ينتج عن ضعف الشخصية ، والشعور بالنقص ، فبعض الفتيات قد تكون بعيدة عن مثل هاتيك الأمور ، لكنها حين ترى من حولها منهمكاً في فعلها ، فإنها تفعل مثله تقليداً ! ولكن حين تكون الفتاة ذات شخصية قوية ، وفطرة سوية ، فإنها لا تسمح لنفسها بتقليد غيرها لاسيما في الشر ، بل إن غيرها ليقلدها في فعل الخير ، والتمسك به . وهذا ما نريده منك أيتها الفتاة المسلمة .
حادي عشر : البحث عن مخرج ... فقد تبتلى بعض الفتيات بأب غليظ ، أو أمّ مقصرة ، أو زوجة أب قاسية ، فتفتقد العطف والحنان ، فتبحث عنه من طريق آخر ، وستجد من يغمرها بالحنان والعطف من ذئاب البشر ، لكنّه حنان كاذب ، وعطف مصطنع ، لغرض دنيء لا يخفى ، ولذا سرعان ما ينقلب ذلك العطف والحنان إلى ضده ، متى ما حصل الذئب غرضه !
ثاني عشر : المراسلة ..فلا تكاد تخلو مجلّة من المجلات الساقطة من صفحة مخصصة لما يسمى بالتعارف ، حيث يضع الشاب صورته وعنوانه مبدياً استعداده لمراسلة الجنس اللطيف بغرض التعارف لا غير !! فيزين الشيطان لبعض الفتيات مراسلة هؤلاء الشباب فيقعن في الوهم ، وقد يغوي الشيطان الفتاة – إن كان فيها شيء من الصلاح – بمراسلة أولئك الشبان بغرض دعوتهم إلى الله ، وهدايتهم ، وقد يُظهر بعضهم الاستجابة لذلك حتى يوقع هذه الفتاة في شباك الوهم ، فتقع ، وحينئذ يعزّ عليها الخروج ، فإن كانت الفتاة حريصة على الدعوة ، فلتقتصر على دعوة فتيات مثلها ، ولتدع دعوة الفتيان إلى شباب أمثالهم .
ثالث عشر : التسلية وإزجاء الوقت .. فأقول : إن التسلية لا تكون فيما حرم الله عز وجل ، ولا فيما يضرّ ولا ينفع ، وفيما أباح الله من الحلال المفيد غنية عمّا حرم ، وإن مثل من تتسلى بمحادثة الرجال ومكالمتهم ، كمثل من يتسلى بالنار والبنزين ! فهل تكون النتيجة إلا الاحتراق ..
رابع عشر : الاختلاط المحرم سواء في الحدائق ، أو الأسواق ، أو التجمعات العائلية ، أو في المدارس والجامعات ، أو غيرها من الأماكن ، فالاختلاط بين الرجال والنساء شر كله ، وهو من أعظم أسباب الفتنة ، والعاقل يرى ويتأمل .
هذه بعض الأمور التي أودّ من كلّ فتاة مسلمة أن تحذرها وتتجنبها ، والسلامة لا يعدلها شيء .
وأخيراً – أختي المسلمة – أنصحك بالإكثار من هذا الدعاء : (( اللهم اكفني بحلالك عن حرامك ، وأغنني بفضلك عمّن سواك )) .
مواضيع مماثلة
» وهم الحب تأليف : محمد بن عبد العزيز المسند - الجزء الأول
» وهم الحب تأليف : محمد بن عبد العزيز المسند - الجزء الثاني
» وهم الحب تأليف : محمد بن عبد العزيز المسند - الجزء الثالث
» وهم الحب تأليف : محمد بن عبد العزيز المسند - الجزء الرابع
» الجزء الثالث و الأخير
» وهم الحب تأليف : محمد بن عبد العزيز المسند - الجزء الثاني
» وهم الحب تأليف : محمد بن عبد العزيز المسند - الجزء الثالث
» وهم الحب تأليف : محمد بن عبد العزيز المسند - الجزء الرابع
» الجزء الثالث و الأخير
ضفاف الإبداع :: الفـــــكر و الأدب و الثقافة و الفن :: ضــفـــــ الحـــوارو النـــــقاش ـــــــــــــاف
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة أبريل 12, 2024 4:10 pm من طرف سعداوي ربيع
» المتألقه ياسمين ابراهيم
الثلاثاء أكتوبر 10, 2023 8:54 pm من طرف سعداوي ربيع
» إستمتع بخدمة ultimate game pass لجهاز الإكسبوكس و الحاسوب
الخميس نوفمبر 24, 2022 10:35 pm من طرف lmandoo
» ربيع المؤمـــــــــــــــــــن
الثلاثاء نوفمبر 08, 2022 8:11 am من طرف سعداوي ربيع
» مشروع واحة الشاطيء شقق للبيع في مدينة دبي للاستديوهات
الخميس نوفمبر 03, 2022 9:21 pm من طرف lmandoo
» شركة حلول ميج للاستشارات وتطوير الأعمال
الثلاثاء أكتوبر 18, 2022 11:26 am من طرف lmandoo
» نانا اليوم اقوى الخصومات على كل المنتجات
الأربعاء أكتوبر 12, 2022 11:28 pm من طرف lmandoo
» مرام مالك فنانة غنائية سعودية
الإثنين سبتمبر 05, 2022 5:12 am من طرف lmandoo
» موقع تعليمي سعودي لتغطية كافة المناهج
الخميس أغسطس 25, 2022 11:44 pm من طرف lmandoo
» يونيريم للرعاية المنزلية UNIREM Home Care
الأربعاء أغسطس 17, 2022 3:49 am من طرف lmandoo
» ايه افضل بيوتى صالون فى حدئق الاهرام واكتوبر وزايد
السبت أغسطس 13, 2022 3:57 am من طرف lmandoo
» اشطر جراح عام دكتور عبد الوهاب رأفت
السبت أغسطس 13, 2022 2:21 am من طرف lmandoo
» اشطر جراح عام دكتور عبد الوهاب رأفت
الثلاثاء أغسطس 09, 2022 1:47 am من طرف lmandoo
» ايه افضل بيوتى صالون فى حدئق الاهرام واكتوبر وزايد
الثلاثاء أغسطس 09, 2022 1:37 am من طرف lmandoo
» مصممة الازياء رنا سمعان من نينوى العراق إلى العالمية
الإثنين أغسطس 08, 2022 3:45 am من طرف lmandoo