مـــــــــــــــــــــواعظ
من فضل الله على عباده تتابع مواسم الخيرات ومضاعفة الحسنات فالمؤمن يتقلب في ساعات عمره بين أنواع العبادات والقربات فلا يمضي من عمره ساعة إلا ولله فيها وظيفة من وظائف الطاعات وما أن يفرغ من عبادة إلا ويشرع في عبادة أخرى ولم يجعل الله حدا لطاعة العبد إلا انتهاء عمره وانقضاء أجله.
وبعد ان اتم الله لنا نعمة اكمال شهر الصيام والقيام ورتب عليه عظيم الأجر والثواب صيام ست أيام من شوال التي ثبت في فضائلها العديد من الأحاديث منها ما رواه الإمام مسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال : ( من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر
المواضيع الأخيرة
بطاقات اسلامية
أدعية رمضانــــــــــية
نحو نظرية عربية للإحالة الضميرية _ الجزء الثاني .
صفحة 1 من اصل 1
نحو نظرية عربية للإحالة الضميرية _ الجزء الثاني .
نحو نظرية عربية للإحالة الضميرية _ دراســــة تأصيلية تداولية .
الجزء الثاني :
الأستاذ : ميلود نـــــــــزار .
وينشأ اللّبس والغموض في ذهن المتلقي حين ورد الضّمير قبل مُفَسِّره ، وهذا ما يتطلّب من المتلقي جهدا مضاعفا ؛ فبعد تقدير الضّمير ينبغي البحث عن العنصر الإشاريّ المُفَسِّر للضّمير أو تقديره ؛ فالضمير )الهاء( في الفعل )أدعوه( تقدّم ذكره قبل مرجعه ) اللّه و الرّحمن ( ممّا جعل الضّمير )الهاء( يحيل إحالة لغويّة لاحقة "cataphoric reference" بالإضافة إلى ضمير (الهاء) في )له( الّذي ورد مفردا عائدا إلى مرجع سابق ، ورغم تعدّد العناصر الإشاريّة )اللّه ، الرّحمن( فالمرجع واحد دالّ على مدعوّ واحد وليس اثنان ، وهذا المدعوّ إمّا نسمّيه اللّه أو نسمّيه الرّحمن ، فهو له الأسماء الحسنى .
د)_ الزّمخشري )ت538هـ(: وإذا تركنا عبد القاهر الجرجاني وانتقلنا إلى الزّمخشري وجدنا لديه كمّا لا بأس به من الآراء الجادّة حول الإحالة الضّميريّة بتحليلات تنمّ عن حسّ نصيّ يكاد يطاول به علماء النّص المحدثين ، فقد اقتفى أثر النّحاة السّابقين أمثال : سيبويه )ت180هـ( والمبرّد )ت285هـ( والصبّان( ) (ت1207هـ) وغيرهم في اشتراطهم توافر جملة صلة الموصول على ضمير عائد تفسّره جملة الصّلة الّتي ينبغي أن تكون معلومة لدى السّامع ، فنجده يقول عن الموصول وهو : « ما لا بدّ له في تمامه اسما من جملة تردفه من الجمل الّتي تقع صفات ، ومن ضمير فيها يرجع إليه«( ) ؛ وبذلك تكون وظيفة الضّمير الرّبط والإحالة إلى سابق بامتصاص خصائصه الدّلاليّة كمسوِّغ لاستحضاره في ذهن المتلقي والتّعويض عليه في صورة ضمير عائد .
وإلى جانب إدراكه للإحالة اللّغويّة القبليّة "anaphoric reference" يشرح للقارئ الإحالة الضّميريّة البعديّة "ataphoric reference " قائلا : إنّ « الضّمير في قولهم : ربّه رجلا ، نكرة مبهم يرمي به من غير إلى مضمر له ثمّ يفسّره«( ) .
ولحاجة المتلقي إلى فهم أشمل لأنواع الإحالة يضيف الزّمخشري نوعا آخر وهو " الإحالة المقاميّة exophoric reference " المرتكزة على السياق التّداوليّ ، يقول الزّمخشري ) ت538هـ( في تفسيره لقوله تعالى :الَّذِينَ آتَينَاهُم الكِتَابَ يَعرِفُونَهُ كَمَا يَعرِفُونَ أَبنَاءَهُم الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُم لاَ يُؤمِنُون ( ) ، « ) الذّين آتيناهم الكتاب( يعني اليهود والنّصارى ) يعرفونه ( يعرفون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بحليته ونعته الثّابت في الكتابين معرفة خالصة )كما يعرفون أبناءهم( بحلاهم ونعوتهم لا يخفون عليهم ولا يلتبسون بغيرهم ، وهذا استشهاد لأهل مكّة بمعرفة أهل الكتاب به وبصحّة نبوّته«( ) حيث يقرّر رجوع الضّمير )هم( إلى اليهود والنّصارى الّذين لم يجر لهم ذكر في النّص وإنّما أحال الضّمير )هم( إحالة مقاميّة " exophoric reference " إلى عناصر إشاريّة غير لغويّة ؛ ففكّ الشّفرة الإحاليّة لهذا الضّمير )آتيناهم( لا يتأتّى إلاّ عبر وسيط مقاميّ تداوليّ يزيد النّص وضوحا وانسجاما بين البنية النّصيّة اللّغويّة والمقام الخارجيّ المحيط بها.
هـ)_ القرطبي )ت671هـ( : كما أدرك القرطبي دور الإحالة المقاميّة في تفسير وتحديد دلالة الآية الواحدة أو نصّ بأكمله حيث يقول مستندا إلى المقام الخارجيّ في تعليقه على قوله تعالى : مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا ( ) قائلا : « قيل : الضّمير عائد على إبليس وذريّته..وقيل : الكناية في قوله : " ما أشهدتهم " ترجع إلى المشركين ، وإلى النّاس بالجملة«( ) ، وهنا تثار مسألة تعدّد المرجع الّذي يعود إليه الضّمير وما ينجرّ عن ذلك من تعدّد الدّلالات التّفسيريّة للآية الواحدة ؛ فهويّة مُفَسِّر الضّمير )هم( إمّا إبليس وذريّته وإمّا المشركون وإمّا عموم النّاس ، ويرتدّ هذا الاختلاف في تقدير المرجع المفسِّر إلى الاختلاف في معرفة أسباب النّزول والبيئة الخارجيّة المحيطة بالنّص .
وإلى جانب إدراك القرطبي الإحالة المقاميّة ودور السّياق في إزالة اللّبس بتعيّين المرجع المُفسِّر للضّمير ، يتحدّث عن الإحالة النّصيّة القبليّة في تعليقه على قوله تعالى: فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا ( ) قائلا :« الضّمير في قوله : " بينهما " للبحرين«( ) ؛ وهي إحالة نصيّة قبليّة فُسِّرت في ضوئها دلالة الآية بإرجاع الضّمير إلى العنصر الإشاريّ المذكور سابقا له " مجمع البحرين " .
و السّيوطي )ت911هـ( : كما أدرك السّيوطي ما يتعلّق بتوظيف الدّلالة والسّياق في دراسة الإحالة الضّميريّة ، ومفاد ذلك أنّ العلاقة بين مقولات الإحالة الضّميريّة وبين ما تدلّ عليه هي علاقة دلاليّة لأنّ تلك المقولات دوالّ لمدلولات ، فهذه الدّوال أو المقولات تكون مبهمة وغامضة ، لأنّ دلالتها خارج السّياق تكون عامّة ولا تتخصّص دلالتها العامّة إلا ّ في السياق الّذي يعيّن المعنى المناسب من بين المعاني المحتملة حيث يقول السّيوطي عن مرجع الضّمير : « وقد يدلّ عليه السّياق فيُضمَر ثقةً بفهم السّامع ، نحو كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ( ) ، مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا ( ) ، أي الأرض الدّنيا«( ) .
كما أنّ الإحالة الضّميريّة قد تكون لغويّة نعثر عليها في سياق النّص الدّاخليّ ممّا تقدّم أو تأخّر ؛ فقد يتأخّر العنصر الإشاريّ المحال إليه بالضّمير« متأخّرا لفظا لا رتبة مطابقا له نحو :فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى ( ) ووَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ( )..«( ) ؛ فالضّمير في كلمة )نفسه( أحال إحالة داخليّة بعديّة "cataphoric reference" إلى العنصر الإشاريّ )موسى( ، كما قد « يُذكَر شيئان ويعاد الضّمير إلى أحدهما ، والغالب كونه الثّاني نحو وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ ( ) فأعيد الضّمير إلى الصّلاة«( ) إلى جانب أنّ « الأصل توافق الضّمائر في المرجع حذرا من التّشتّت ، ولهذا جوّز بعضهم في أَنِ اقذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقذِفِيهِ فِي اليَمِّ ( ) أنّ الضّمير الثّاني للتّابوت وفي الأوّل لموسى عابه الزّمخشري ، وجعله تنافرا مُخرِجا للقرآن عن إعجازه فقال : والضّمائر كلّها راجعة إلى موسى، ورجوع بعضها إليه وبعضها إلى التّابوت فيه هجنة لما تؤدّي فيه من تنافر النّظم الّذي هو أمّ إعجاز القرآن ، ومراعاته أهمّ ما يجب على المفسِّر«( ) ، ومهما يكن من أمر فإنّ الضّمير « لا بدّ له من مرجع يعود إليه«( )، ووظيفة يؤدّيها بجانب الإحالة والرّبط ، يقول السّيوطي )ت911هـ ( : « وأصل وضع الضّمير للاختصار ، ولهذا قام قوله : أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ( ) مقام خمسة وعشرين كلمة لو أتي بها مظهرة«( ) .
ز) ابن هشام الأنصاريّ )ت761هـ) : أمّا إذا انتقلنا إلى ابن هشام الأنصاريّ نجده قد أنتج مادة علميّة غنيّة بشأن الرّوابط فيما بين الجمل الّتي تُسهِم في التّماسك الشّكليّ والدّلاليّ تحت عنوان " روابط الجملة بما هي خبر عنه "( ) حيث أشار إلى أهمّية الضّمير ودوره في الرّبط والإحالة ؛ فالتّرابط الضّميري في رأيه هو الأصل ، ولهذا يذكر به مذكورا كزيد ضربته ، ومحذوفا نحو قوله تعالى :إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ ( ) إذا قدّر :" لهما ساحران" بالإضافة إلى ضمير الإشارة نحو قوله تعالى : وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاستَكبَرُوا عَنهَا أُولَئِكَ أَصحَابُ النَّارِ ( ).
إنّ الضّمير أيّا ما كان نوعه يؤتى به للرّبط بين السّابق واللاحق ويشدّه إليه ، ويُوظَّف لتفادي تكرار ما سبق للمتكلّم أن أشار إليه ؛ فيكفيه التّعويض عليه بالضّمير الّذي يحيل إلى ما تقدّم مثلما رأينا في الأمثلة الّتي أوردها ابن هشام الأنصاري ؛ ففي الأوّل يحيل الضّمير )الهاء( إلى زيد إحالة لغويّة داخليّة قبليّة "anaphoric reference " ، كما أحال ضمير الإشارة )أولئك( إلى ما سبقه من الكلام واستحضره في ذهن المتلقي ، فـ )أولئك (قامت مقام جملة "الّذين كذّبوا بآيات اللّه واستكبروا عنها" ؛ فالذّات النّصيّة التّي يعوّضها ضمير الإشارة )أولئك( هي جماعة من المكذّبين والمستكبرين ، وهي إحالة لغويّة قبليّة.
ونظرا لما للضّمير من أهمّية كبرى في الكلام جعله ابن هشام الأنصاريّ أصل الرّوابط وهذا ما أكّد عليه علماء النّص المحدثين في عدّهم الضّمير من أهمّ عوامل التّماسك النّصي .
إنّ ابن هشام الأنصاري كسابقيه من علماء العربيّة لم يقف تحليله عند حدود الإحالة اللّغويّة القبليّة " anaphoric reference " ، بل تحدّث بإسهاب عن الإحالة اللاّحقة "cataphoric reference" فشرح هذه الأخيرة تحت موضوع " المواضع الّتي يعود الضّمير فيها على متأخّر لفظا ورتبة "( ) ، وهي عنده كما يلي :
« أحدها : أن يكون الضّمير مرفوعا بنعم أو بئس ، ولا يُفَسَّر إلاّ بالتّميّيز ، نحو "نِعمَ رجلا زيد" ...
الثّاني : أن يكون مرفوعا بأوّل المتنازعين المعمل ثانيهما نحو قوله : " جفوني ولم أجف الأخلاّء " ...
الثّالث : أن يكون مخبرا عنه فيفسِّره خبرُه نحو إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا ( ) ..
الرّابع : ضمير الشّأن والقصّة نحو :قُُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ( ) ..
الخامس : أن يُجرَّ بربّ مفسَّرا بتميّيز ، وحكمه ضمير نِعمَ وبئس في وجوب كون مُفَسِّره تميّيزا وكونه مفردا ، قال شاعر (الخفيف):
رُبَّهُ فِتيَةً دَعَوتُ إِلَى مَا يُورِثُ المَجدَ دَائِبًا فَأَجَابُوا
السّادس : أن يكون مبدَلا منه الظّاهر المُفسِّر له كـ " ضربته زيدًا ".. «( )
كما تحدّث ابن هشام الأنصاريّ في موضع آخر تحت عنوان " الأشياء الّتي تحتاج إلى رابط " ( ) حيث أشار إلى بعض الجمل المُفتقِر إلى أدوات تربط أجزاءها ، ويذكر في هذا السّياق :
« أوّلا : جملة الموصوف بها ، ولا يربطها إلاّ الضّمير إمّا مذكورا نحوحَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ ..( )
ثانيّا : الجملة الموصولة بها الأسماء ، ولا يربطها غالبا إلاّ الضّمير ، نحو وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ..( )
ثالثا : الواقعة حالا ، ورابطها إمّا الواو والضّمير نحولاَ تَقرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنتُم سُكَارَى ( ) أو الضّمير فقط نحو تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ ..( )
رابعا : بدلا البعض والاشتمال ، ولا يربطها إلاّ الضّمير : ملفوظا نحو:ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ ( ) أو مُقدَّرا نحو :مَنِ اسْتَطَاعَ ( ) أي منهم..
خامسا : معمول الصّفة المشبّهة ، ولا يربطه أيضا إلاّ الضّمير : إمّا ملفوظا به نحو: " زَيدٌ حَسَنٌ وَجهُهُ " ، أو مُقدَّرا نحو : " زيد حسن وجهه " أي منه .. «( )
وإذا تركنا المفسِّرين واللّغويّين إلى بيئة شروح الدّواوين الّتي اعتمد أصحابها أمثال: ثعلب )ت292هـ( والعكبري )ت616هـ( والشنتمري وغيرهم على الدّراسة اللّغويّة لقصائد الشّعراء نجدهم لم يتخلّفوا في إلقاء الضّوء على الضّمائر ودورها في الرّبط والتّماسك والإحلال والتّعويض والإحالة إلى ما سبق أو تأخّر ذكره داخل النّص أو خارجه ؛ فإشارات هؤلاء العلماء وجهودهم تفرّعت إلى ثلاث مستويات للإحالة الضّميريّة وهي كما يلي :
1 الإحالة النّصيّة في بيت واحد .
2 الإحالة النّصيّة على امتداد أكثر من بيت واحد .
3 الإحالة المقاميّة لمرجع خارج النّص يعرف من خلال السّياق التّداولي .
وسنحاول فيما يلي إيراد مثال لكلّ نوع من أنواع الإحالة الثّلاثة الّتي دأب على دراستها المفسِّرون واللّغويّون كما رأينا من قبل ، فلا مناص من الإشارة في هذا السّياق إلى أنّ أنواع الإحالة هذه لم يخرج تصنيفها عن هذه الثّلاثة حتّى عند علماء النّص المحدثين .
ك) ثعلب(ت292هـ) : يذكر ثعلب في شرحه لقول زهير بن أبي سلمى (الوافر)( ):
فَـذُوهَــاشِ عُرَيتِنَـــــاتِِ عَفَتهَا الرِّيحُ بَعدَكَ وَالسَّمَـاءُ
يَشِمنَ بُرُوقَـهُ وَيَـرُشُّ أَريَ الـ جَنُوبِ عَلَى حَوَاجِبِهَا العَمَاءُ
كَـأَنَّ أَوَابِــدَ الثِّيـرَانِ فِيــهَا هَجَائِنُ فِي مَغَابِنِهَا الطِّـلاَءُ
قائلا : « ذوهاش وعريتنات : أرضان ...الضّمير في ) فيها ( : في الأرضين«( ).
وبهذا الرّبط بين الضّمير ومُفَسِّره في البيت الأوّل يكون ثعلب قد أدرك الإحالة الضّميريّة الدّاخليّة إلى ما سبق ذكره من عناصر إشاريّة فُسِّر في ضوئها الضّمير ؛ وبالتّالي فدلالة البيت متوقّف على دلالة ما سبقه من حيث حضور " ذوهاش وعريتنات " وهما أرضان في الضّمير )فيها( العائد إليهما ؛ فشرحُ ثعلب كما نلاحظ من خلال هذا المثال الّذي أوردنا تحليلَه تعدّى البيت إلى ثلاثة أبيات .
ولم يقف ثعلب في شرحه عند هذا الحدّ بل وسّع الإحالة الضّميريّة على امتداد أربعة أبيات الّتي تفصل بين الضّمير ومُفَسِّره .
يقول زهير بن أبي سلمى في البيت الأوّل (الطَّويل)( ):
غَشَيـتُ الدِّيَـارَ بِالبَقِيـعِ فَثَهمَدِ دَوَارِسَ قَد أَقوَينَ مِن أُمِّ مَعبَـدِ
ثمّ بعد ذلك يقول زهير بن أبي سلمى في البيت الخامس (الطَّويل)( ):
فَلَمـَّا رَأَيـتُ أَنَّـهَا لاَ تُجِـيبُنِي نَهَضتُ إِلَى وَجنَاءَ كَالفَحلِ جَلعَدِ
فيقول ثعلب عن الضّمير )أنّها( الوارد في البيت الخامس : « الهاء للدّيار« ( ) .
ل) العكبريّ )ت616هـ( : وفي السّياق ذاته نجد العكبري من بين شرّاح الشّعر الّذين اهتمّوا بالنّص الشّعري شكلا ودلالة قد تحدّث عن الضّمائر ومرجعيّتها ليس فقط على مستوى بيت أو بيتين بل نظر إلى القصيدة بأكملها حيث يذكر أبو الطّيب المتنبّي في إحدى قصائده سيف الدّولة في أوّل القصيدة ثمّ يعود ليشير إليه بالضّمير بعد عشرين بيتا .
يقول المتنبّي (الطَّويل):
كَفَى بِصَـفَا الـوِدِّ رِقًّا لِمِثلِـهِ وَبِالقُربِ مِنهُ مَفخَرًا لِلَبِيبِ
فيقول العكبري بأنّ الضّمير في كلمة )لمثله( يعود على سيف الدّولة المذكور في البيت الأوّل ( ) .
كما نجده في موضع آخر من شرحه يتحدّث عن الإحالة النّصيّة البعديّة أو اللاّحقة "ataphoric reference " ، ونستشفّ ذلك من قول المتنبّي (البسيط):
أَعِيـذُهَا نَظَـرَاتٍ مِنـكَ صَادِقَةً أَن تَحسِبَ الشَّحمَ فِيمَن شَحمُه وَرَمُ
يذكر العكبري أنّ )الهاء( تحيل إلى )نظرات( ، وهذا إضمار على شريطة التّفسير( ).
خامسًا: التّماسك الضّميري عند علماء النّص المحدثين.
رأينا قبل آراء علماء العربيّة القدامى ونظراتهم التّحليليّة للضّمائر ووظائفها النّصيّة وأهمّيتها الدّلاليّة والتّداوليّة في ربط جمل النّص ومتتالياته بعضها ببعض ، وتفسيرها من منظور المقام الخارجيّ إذا ما حصل اللّبس والغموض في مرجعيّة بعض الضّمائر المرتدّة إلى مُفَسِّرات تداوليّة غير حاضرة في البنية النّصيّة ؛ وهو ما دفع بهم إلى الاهتمام بدور الوسائط التّداوليّة في فكّ اللّبس ودفعا للغموض . وهكذا فـ « للمقام الحسّي هاهنا دور أساسيّ في الرّبط بين المُضمَر الوارد في النّص والمُفسِّر الّذي يرتبط به والموجود خارج النّص«( ) ؛ ولذلك اعتمد علماء العربيّة القدامى في دراستهم للإحالة الضّميريّة من خلال النّص القرآنيّ والدّواوين الشّعريّة على « تصنيف الألفاظ إلى ألفاظ غير مبهمة وهي الألفاظ الّتي لها دلالة والّتي تحيل بمفردها على خارجها في الواقع وألفاظ مبهمة لها دلالة لكنّك لا تعرف لها خارجا إلاّ متى توفّر مُفَسِّرها وهذا المُفَسِّر قد يكون مقاميّا وقد يكون مقاليّا«( ) .
وإذا كان الأمر كذلك في بيئة العلماء القدامى فهل كان علماء النّص المحدثون مختلفين أم مُتخلِّفِين في دراسة الإحالة الضّميريّة ؟ وكيف نظر هؤلاء المحدثون إلى دور الضّمائر في نصّ من النصوص من حيث الرّبط والتّعويض والاختصار والإحالة أو بالأحرى التّماسك النّصيّ ؟ ثمّ هل كان للسّياق المقاميّ مكانة في أدبياتهم وتقاليد دراساتهم ؟
اهتمّ علماء النّص المحدثون بدراسة الضّمائر باعتبارها تحقّق التّماسك الشّكليّ والدّلاليّ والتّداوليّ في نصّ ما ، فتعدّدت إسهاماتهم بخصوص الإحالة الضّميريّة والسّياق التداوليّ الّذي ترتبط به العناصر الإحاليّة المحتواة في نصّ ما بحيث تجعله مفتوحا على كلّ المراجعات والقراءات ليصبح النّص مثل هوائيات الاستقبال ترد عليها برامج شتّى المحطّات، وعلى القارئ أن يفرزها ويحلّل رسائلها ويفسِّر محمولاتها الإشاريّة ويفكّك شفراتها مستعينا بكلّ وسائل التّلقي من إدراك وفهم وتأويل لاستنطاق علامات الفضاء الخارجيّ للنصّ وتأويلها .
ومن الجدير بالإلماع في هذا الصّدد أنّ دراسة الإحالة الضّميريّة من منظور اللسانيات النّصيّة في إطار البنية اللّغويّة الدّاخليّة وتفسيرها في حدودها تطرح إشكال اللّبس اللّغويّ الّذي لم يحظ بمعالجة مرضيّة حيث يرجع السّبب الأساس في ذلك إلى عدم توسيع الجهاز النّحويّ وتدعيمه بمبادئ تداوليّة معرفيّة ؛ فمعالجة الإحالة الضّميريّة من المنظور النّحويّ بمفرده يُبدِي عجزا في وصفها لأنّه يصرف كامل عنايته بالشّكل التّركيبيّ للوحدات اللّغويّة ومعانيها قصد تحديد المحتوى القضوي للجملة المعنيّة بالوصف ، وبالتّالي فالجهاز الواصف للنّحو يظلّ ضيّقا لأنّه يقصي المعارف غير اللغويّة من عمليّة الوصف .
وقد أكّد علماء النّص المحدثون على دور الضّمائر في أنظمة التّواصل ؛ وبذلك يكون تناولها « كظاهرة لغويّة ذات ارتباط مباشر بالعمليّة التّبليغيّة والخطاب يفرض علينا نظرة خاصّة تتضمّن على الخصوص دراسة مرجعيّتها ، وكذا الدّور الّذي تلعبه لضمان تحقيق الإطار التّداولي«( ) لِما لها من وظيفة أساسة في قراءة النّصوص وتأويل دلالاتها المشار إليها باعتبار تلك الضّمائر علامات إشاريّة ذات سمات وظيفيّة دالّة أثناء تسيّيقها لأنّ دلالتها غير ثابتة وقابلة للتّفسير والتّأويل بحيث تتعلّق دلالتها « بالمقام الإشاريّ لأنّها غير ذات معنى ، ما لم يتعيّن ما تشير إليه ، فهي أشكال فارغة في المعجم الّذي يمثّل المقام الصّفر ، وهي تقوم بوظيفة تعويض الأسماء وتتّخذ محتوى ممّا تشير إليه«( ) ، ونستدلّ في هذا السّياق بقول (بول ريكور) : بأنّ « اللّغة مليئة بما يؤمّن الارتباط بين الخطاب وظرفيّته الزّمانيّة والمكانيّة ؛ فأسماء الإشارة وظروف الزّمان والمكان والضّمائر وأزمنة الأفعال ، وعموما كلّ الأدلّة التّعيّينيّة والوصفيّة والإشاريّة تعمل على ربط الخطاب وترسيخ علاقته بالواقع الزّمانيّ والمكانيّ الّذي يحيط بوجوده كخطاب«( ) ؛ فكلّ لغات العالم تحتوي تعبيرات لغويّة يُستنَد في تفسيرها وتأويلها وربطها بمدلولها الّذي تشير إليه إلى السّياق الماديّ الّذي وردت فيه سواء كان مقاليّا أم مقاميّا ؛ فإنتاجها أو تفسيرها رهين بمعرفة سياقها ، خذ مثلا هذه الجملة المجتزَأة من سياقها نحو :
- سوف يقومون بهذا العمل غدا لأنّهم مشغولون الآن ( )
فلا يمكن لأيّ أحد أن يدّعي إدراكه التّامّ لمقصديّة هذه الجملة اللّهمّ بعض المعاني المعجميّة والوظيفيّة للعناصر اللّسانيّة الّتي تتكوّن منها وهو ما يجعل هذه العبارة غير منسجمة لدى المتلقي الّذي يجهل خصوصيّات السّياق المقاميّ الخارجيّ المرتبط بكلّ عنصر من عناصرها ؛ فما ينبغي أن يقوم به متلقي هذه العبارة الإحاطة بالمرجع الّذي تحيل إليه بعض العناصر الّتي ترتبط بصورة مباشرة بسياقها الماديّ كون دورها « ينحصر في تعيّين المرجع الّذي تشير إليه ، وهي بذلك تضبط المقام الإشاريّ (deictic element) «( )؛ إذ نجد في العبارة السّابقة مجموعة من العناصر الإحاليّة ، وهي : واو الجماعة )يقومون ، ليسوا( ، الضّمير )هم( ، ضمير الإشارة )هذا( ، ظرفا الزّمان )غدا ، الآن( ، وظرف المكان )هنا( .
ومن هنا يتّضح أنّ فهم العبارة السّابقة تتطلّب من المتلقي كفاءة عاليّة ثلاثيّة الأقطاب : تركيبيّة ، دلاليّة وتداوليّة .
ونعود الآن إلى التّذكير بأنّ كلّ وسائل الرّبط اللّغويّة الّتي ذكرها (بول ريكور) لا تؤدّي دورها فقط في ربط نصّ ما بالسّياق التّداوليّ ، بل تؤدّي دورها في النّص بصورة تقوّي تماسكه ووحدته ؛ فالضّمائر مثلا تكتسي أهمّيتها في البنية النّصيّة من حيث إنّها «تحيل إلى عناصر سبق ذكرها في النّص ، وميزتا الضّمير "هو" هما : الغياب عن الدّائرة الخطابيّة ، والقدرة على إسناد prédiquer أشياء معيّنة ، وتجعل هاتان الميزتان من هذا الضّمير موضوعا على قدر كبير من الأهمّية في دراسة تماسك cohésion النّصوص«( )؛ فتماسك نصّ من النّصوص يستند إلى وضع الضّمائر فيه واتّجاهها بالإحالة إلى أشياء سبق ذكرها في مقام آخر من النّص إلى جانب الكفاءة الإسناديّة الّتي تتّسم بها ؛ فالضّمائر من وسائل التّضام الّتي « تقوم في ظاهر النّص مقام تعبيرات تتّصف بإثارة محتوى أكثر تعيّينا وتساعد هذه التّعبيرات مستعملي النّص على الاحتفاظ بالمحتوى وهو مهيّأ في مواقع التّخزين النّشط دون حاجة منهم لإعادة ذكر كلّ شيء بتفصيلاته ..كما تقوم مقام الأسماء أو عبارات الأسماء الّتي تشاركها المدلول أي تشترك معها في المدلول والمعنى«( ) .
وقد أكّد علماء النّص المحدثون على الإحالة الضّميريّة النّصيّة " anaphoric reference " الّتي يحدّد فيها الضّمير مُفَسِّره أو مرجعه من تركيب النّص ويتوجّه إليه بالتّعيّين واستحضاره وإعادة تفعيله حيث يقول إلهام أبو غزالة : « يقوم الإضمار بوظائفه في العادة من خلال اشتراك تراكيب ظاهر النّص في مكوّناته البنيويّة ، وأفضل الحالات تمثيلا لذلك هي الإشارة اللاحقة حيث ترد البنية بتمامها قبل ورود البنية المضمرة«( ) ، نحو قوله تعالى :أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ( ) ، وما يتطلّب لقصد فهم هذه الآية إتمام التّركيب الأوّل وهو " بريء من المشركين "، وهنا يبرز دور المتلقي الكفء في ملء الثّغرات باسترجاعه لبنية المسند " بريء من المشركين " بسبب وجود الضّمير الّذي يحيل إلى " اللّه " المسند إليه في التّركيب الأوّل.
وفي السياق ذاته يذكر إبراهيم الفقي فيما ينقله عن هاليداي ورقية حسن أنّ «الضّمائر مع غيرها من الوسائل تكوّن نسيجا نصيّا عاليّا...لذا إذا ظهرت الضّمائر مثل them , they , these ، فإنّها لا تشير إلى أناس أو إلى أشياء فقط بل ترجع أو تشير إلى فقرات مذكورة فيما سبق«( ) ، ويمكننا تأمّل الأمثلة الآتية :
أ( - محمد انتقل إلى منزل جديد .
ب( - منزل محمد جميل .
ج( - هذا المنزل الجديد لمحمد .
د( - هو )محمد( بناه )المنزل( منذ عام .
نلاحظ من خلال هذا المثال المشتمل على أربعة جمل أنّ الضّمير المنفصل في الجملة الرّابعة يعود على اسم العلم )محمد( المسند إليه في الجمل الثلاث الأولى )أ ، ب ، ج( وأمّا ضمير الهاء المتّصل في كلمة )بناه( يحيل إلى المنزل المذكور في الجمل الثّلاث الأولى )أ ، ب ، ج( ممّا يجعل تلك الجمل الثّلاث متماسكة مع الجملة الرّابعة من خلال الضّمائر الّتي تحيل إحالة داخليّة قبليّة " anaphoric reference " ؛ ولذلك حقّق وجود الضّمائر التّماسك الشّكليّ والدّلاليّ بالإضافة إلى الإيجاز والتّعويض فأغنت عن إعادة العنصرين الإشاريّين )محمد ، منزل( ومنعت تكرارهما فأسهمت في اقتصاد الجهد والوقت بإزالة الحشو والإطالة .
وإلى جانب قدرة الضّمائر الإحاليّة الإحالة إلى أسماء وكلمات مفردة تستعيد إحضار أفكار سابقة أو فقرات طويلة فتصبح الضّمائر الّتي قد تعتبر أشكالا فارغة في المعجم تضطلع بوظيفة أثناء تسيّيقها ؛ لأنّ معناها مرتبط بسياق ورودها الّذي يضبط لها معنى تُفَسَّر به بحيث يمكن لها أن تقوم مقام ملفوظات طويلة ، كما تستعمل الضّمائر «عند استبدال شاغلات موقع قصيرة ، وغير ذات محتوى مستقلّ بالعناصر ذات المحتوى ، ويطلق الإضمار على تكرار بنية ومحتواها مع حذف بعض تعبيرات السّطح ، وفي وسع المرء أن يقوم بإدخال إشارات سطحيّة للدّلالة على الارتباطات القائمة بين الحوادث أو المواقف في عالم النّص«( ) ؛ فعندما تروي قصّة لأصدقائك وفجأة يذكّرك أحدهم بقصّة أخرى يعتقد أنّ لها علاقة بموضوع قصّتك فقد تشير إليها ثمّ تقول له :
- ولكن تلك قصّة أخرى .
من هذا المثال يدرك القارئ الكريم أهمّية ضمير الإشارة )تلك( الوارد في الجملة السّابقة حيث اضطلع بما يلي :
1 ضمير الإشارة )تلك( قام مقام قصّة رويت في سياق آخر ، واستحضرت محتواها بإيجاز شديد فضغطت البنية السّطحيّة .
2 ضمير الإشارة )تلك( نظرا لمرونته الإحاليّة أغنى المتكلّم عن رواية القصّة مرة أخرى .
3 ضمير الإشارة )تلك( استُخدم اقتصادا للجهد والوقت واجتنابا لتشتّت الموضوعات ؛ فالمتلقي لا يطيق تتبّع الملفوظات المكرّرة والمشتّتة على نحو يبعث على الإرهاق والملل .
4 إنّ المُرسِل أتى بضمير الإشارة )تلك( في عبارته ؛ لأنّه يعلم أنّ المتلقي على علم بما يحيل إليه هذا الضّمير بناء على الخلفيّة المعرفيّة التّداوليّة المشتركة بين المُرسِل والمُرسَل إليه .
إذن فكلّ ذلك المجهود اضطلع بأدائه ضمير الإشارة )تلك( الّذي اختزل كلّ الأدوار فصار يساويها من حيث الدّور والمقصديّة .
وفضلا عن ذلك قد يقوم ضمير مقام عبارات بكاملها سبق ذكرها في مقام آخر ، وتعاد الإشارة إليها في صورة ضمير، نحو قوله تعالى :
هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ ، يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ( ) .
فهاتان الآيتان تحتويان على مجموعة من الضّمائر الّتي تسهر على تماسكهما وارتباط عناصرهما بعضها ببعض إلى جانب إحالة بعض الضّمائر إلى السّياق التّداوليّ ؛ لأنّ بعض الذّوات الّتي تشير إليها موجودة خارج البنية النّصيّة كونها عناصر إشاريّة غير لغويّة ، فإذا أتينا هذا النّص القرآنيّ نجد ما يلي :
إنّ الضّمير المنفصل )هو( الغائب عن الدّائرة الخطابيّة قد أُسندت إليه بعض الأعمال مثل : إنزال الماء ، إنبات الزّرع ، وإنبات الزّيتون...إلخ ، كلّ هذه المسندات ترتبط بعنصر إشاريّ واحد وهو ذات اللّه سبحانه وتعالى فكلّ الضّمائر الّتي تحيل إلى اللّه سبحانه وتعالى فإحالتها خارجيّة مقاميّة "exophoric reference " غير نصيّة ؛ لأنّ ذات اللّه لم يجر ذكرها في النّص ويمكن أن نلاحظ ذلك فيما يلي : (الشّكل رقم04) هو
الّذي
اللّه سبحانه وتعالى أنزل ) هو (
عنصرإشاريّ يُنبت ) هو (
) مفسّر( عناصر إحاليّة )الضّمائر(
إحالة خارجيّة )تداوليّة( exophoric reference
إنّ الإشارة بضمير منفصل إلى الذّات الإلهيّة يؤكّد هيمنة اللّه سبحانه وانفراده بالملكوت ، ثمّ أُردف بضمير الموصول )الّذي( للرّبط بين السّابق واللاّحق بحيث يشير إلى ارتباط كلّ شيء باللّه سبحانه ؛ فكلّ الأسباب تؤدّي إليه فلا منجأ منه ولا ملجأ منه إلاّ إليه.
يتوجّه هذا النّص القرآنيّ بالخطاب إلى عباد اللّه فيذكّرهم بآيات اللّه ونعمه عليهم ليتدبّروها ويشكروا خالقهم على آلائه كلّها ؛ فتحيل بعض الضّمائر إلى عباد اللّه إحالة خارجيّة تُعرَف من السّياق المقامي كوسيط تداوليّ ؛ لأنّ العنصر الإشاريّ الّذي يُفَسِّر تلك الضّمائر الواردة في النّص غير مذكور في النّص ، ويمكن ملاحظة ذلك فيما يليالشّكل رقم05)
لكم ) كم (
تسيمون ) واو الجماعة(
عباد اللّه لكم ) كم (
عنصر إشاريّ يتفكّرون ) واو الجماعة(
) مفسِّر( عناصر إحاليّة )الضّمائر(
إحالة خارجيّة ) تداوليّة( exophoric reference
كما يوجد في النّص ضمائر أخرى تضمن -على مدار النّص استمراريّة العنصر الإشاريّ )الماء( نظرًا لدوره الحاسم في موضوع النّص ، وبذلك يكون عنصر )الماء( عنصرا إشاريّا عاملا لارتباطه بضمائر تحيل إليه مشكِّلة ضفيرة إحاليّة متواشجة . يقول زتسيسلاف واو رزنياك :« وعادة ما تتعاون في النّص الضّمائر مع الأسماء المتكرِّرة ، وتشكّل معا شبكة اسميّة إحاليّة أو ضفيرة اسميّة إحاليّة ، وحين يضمّ نص ما عدة شبكات اسميّة فإنّ واحدة منها في الغالب هي موضوع النّص«( ) .
ولا مناص من الإشارة في هذا السّياق إلى أنّ أهمّ عنصر إشاريّ في النّص يرتدّ إليه أكبر عدد ممكن من الضّمائر ، وأمّا العناصر الإشاريّة غير العاملة تكون كذلك إذا لم توجد أدوات إحاليّة تسهر على استمرارها وامتدادها على طول النّص فحينئذ تكون غير عاملة نحو : شراب ، الزّرع ، الزّيتون ، النّخيل ، الأعناب ، الثّمرات ؛ فهذه عناصر إشاريّة تشير إلى أشياء بلا واسطة إحاليّة ، أمّا عنصر )الماء( فيمكن ملاحظته فيما يلي : (الشّكل رقم06)
منه ) الهاء (
الماء منه ) الهاء (
عنصر إشاريّ به ) الهاء (
) مفسِّر( عناصر إحاليّة )الضّمائر(
إحالة داخليّة قبليّة Anaphoric reference
ورغم ما قلناه عن بعض العناصر الإشاريّة غير العاملة بناء على خلوّ النّص من الضّمائر المحيلة إليها ، يطلّ علينا ضمير الإشارة )ذلك( كبؤرة تنصهر فيها كلّ العناصر الإشاريّة السّابقة عليه ، فقد أحال هذا الضّمير )ذلك( إلى عبارات برمّتها .
ولو أتينا نتأمّل هذا الضّمير )ذلك( نلفيه مرتبطا بكلّ ما سبق ذكره من أسماء وأفعال وجمل ودلالات ؛ فهذا الماء العذب الفرات الرّقراق مَن أنزله من السّماء ؟ ومَن جعله سائغا للشّاربين ؟ ومَن أنبت منه شجرا وزرعا وزيتونا ونخيلا وأعنابا وكلّ الثّمرات ؟ .
إنّ النّص القرآنيّ يدعو عباد اللّه إلى الوقوف والعودة إلى ما سبق للتدبّر والتّفكّر فيه عبر ضمير الإشارة )ذلك( المحدّد للعناصر الإشاريّة واحدا واحدا نحو : (الشّكل رقم07)
الإنزال من السّماء
الماء
الشّراب
الشّجر
يا عباد اللّه تفكّروا وتدبّروا ذلك الإنبات للزّرع
الإنبات للزّيتون
الإنبات للنّخيل
عنصر إحاليّ الإنبات للأعناب
الإنبات لكلّ الثّمرات
عناصر إشاريّة
) ضمير الإشارة ( ) مُفَسِّر(
إحالة نصيّة قبليّة anaphoric reference
وهذه الإحالة كما نرى إحالة نصيّة قبليّة " anaphoric reference " لأنّ كلّ العناصر الإشاريّة واردة في النّص قبل العنصر الإحاليّ )ذلك( بحيث نخلص إلى أنّ ضمير الإشارة )ذلك( جمع كلّ العناصر الإشاريّة في عقد واحد وشكّل منها ضفيرة إحاليّة متماسكة شكليّا ودلاليّا وتداوليّا ؛ وبذلك ندرك أنّ الضّمائر قد تشير إلى ذوات خارجيّة أو أسماء أو أفعال أو عبارات إضافة إلى قدرتها الاستحضاريّة لخطابات سابقة .
ويطلق أحمد مدّاس مصطلح )المُعَيِّنات( على الضّمائر فيرى أنّها تمتلك « قيمة مرجعيّة داخل عمليّة التّواصل...والمُعَيِّنات بحث في شبكة الضّمائر المحيلة على وظائف لغويّة«( ) ، ويضيف قائلا : « والمُعيِّنات بحث كذلك في أسماء الإشارة والظّروف . زمانيّها ومكانيّها«( ) ، كما يحلو للأزهر الزّنّاد أن يطلق على الضّمائر مصطلح )المُعوِّضات( ويرى بأنّها مزدوجة الدّور في اللّغة؛ فهي«
- تشير وتعيّن المشار إليه في المقام الإشاريّ ؛ فهي غير ذات صلة بما يخرج عن مقام ورودها ، ويكتفي سامعها بها في تحليلها .
- تعوّض المشار إليه فتحيل عليه وترتبط به ؛ وفهمها رهين استحضار ذلك المشار إليه استحضار عهد أو إدراك حسيّ أو غيره«( ) .
وقد اعتبر علماء النّص المحدثون أسماء الإشارة والموصولات ضمائر نظرا للدّور المشترك بينها جميعا في الرّبط والإحالة والتّعويض والاختصار حيث نجد إبراهيم الفقي يقول :« تقوم الإشارة والموصولات بنفس وظيفة الضّمائر من حيث الإشارة والمرجعيّة والرّبط ، فالإشارة قد تكون إلى سابق أو لاحق أو خارج النّص«( ) ؛ فأمّا الاسم الموصول فهو كما يقول إبراهيم خليل- : « من الأدوات الّتي تشدّ من أزر التّلاحم النّحويّ بين ما تقدّم ذكره ، والعلم به ، وما يراه من المتكلّم أن يعلم به ، أو يضمّه إلى ما سبق من العلم به« ( )؛ فاسم الموصول يربط السّابق باللاّحق ويحيل إليه ويعوّضه ويختزله ، ويمكننا ملاحظة هذا من خلال المثال التّالي نحو قول القائل :
- ما فعل الرّجل الّذي كان عندك بالأمس ؟
إنّ ضمير الموصول في هذه الجملة يربط بين جملتين إحداهما معلومة لدى المتلقي سبق ذكرها وهي " الرّجل كان عند المسئول بالأمس " ، أمّا ما يريد السّائل إبلاغه للمخاطَب هو الجملة المجهولة لديه وهي سؤال السّائل عن " فعل الرّجل " ؛ أي ما صدر منه من فعل، وأنت ترى كيف ربط ضمير الموصول " الّذي " بين شيء معلوم وشيء غير معلوم ؛ فقد قام الاسم الموصول " الّذي " مقام الاسم الظّاهر " الرّجل " حيث أنّ الجملة تتكوّن من جزأين وهما :
1( - فعل الرّجل .
2( - الرّجل كان عندك بالأمس .
فقد صدّر السّائل جملته بـ " ما " الاستفهاميّة وعوّض كلمة " الرّجل " في الجملة الثّانية بعد حذفها فانتهت الجملة إلى هذا النّحو :
- ما فعل الرّجل الّذي كان عندك بالأمس ؟ .
وأمّا بخصوص الضّمائر الإشاريّة يقول أزولد وتزيفان :« فالأسماء الإشاريّة وحركة التّعيّين لا تكون في ذاتها مُعرِّفة شيئا ما على وجه مرجعيّ ، ومن ثمّ وجب أن نؤوّل أسماء الإشارة مثل هذا وذاك على أنّها مشيرة إلى اسم عين مثل )الكتاب الّذي أشير إليه ، أو اللّون الّذي للحائط المشار إليه( «( ) ؛ وبالتّالي تكون وظيفتها « التّعيّين أو توجيه الانتباه إلى موضوعها بالإشارة إليه« ( )، ويمكن أن نلاحظ ذلك عبر الحوار الآتي :
أ( - أعرني قلمك .
ب( - تستطيع أن تأخذ ذلك .
فقد أحال ضمير الإشارة في الجملة الثّانية إلى كلمة " قلم " في الجملة الأولى وقام مقامها ، كما زاد من تعلّق الجملة الثّانية بالأولى بالإضافة إلى أنّه يمكن القول بأنّ اسم الإشارة " ذلك " أحال إلى ما سبق ذكره واستحضر كلمة "قلم" في الجملة الثّانية ؛ فأهمّيته لا تقلّ عن أهمّية الضّمائر الأخرى " الشّخصيّة والموصولة " ؛ إذ يقول محمد خطّابي :« المبدأ العام الثّاوي خلف الإشارة وهو جعل الخطاب متماسكا من خلال استحضار عنصر متقدّم أو خطاب بأكمله«( ) ؛ لأنّ دلالة الكلام ترتبط بما يفهم من سابقه ويؤوّل في ضوئه أو من لاحقه فيرتبط بما سيأتي .
إذن فالضّمائر ممّا لا يجد المتكلّم منه بُدًّا لتوظيفها في ربط الجمل بعضها ببعض، باعتبارها ¬ كما يقول محمد خطّابي- :« تقوم بوظيفتين:استحضار عنصر متقدّم في خطاب سابق أو استحضار مجموع خطاب سابق في خطاب لاحق«( ) ؛ فعندما يقول القائل :
- اشتريت كتابا جديدا ثمنه ثلاثمائة دينارا دفعتها نقدا .
فهذا الخبر الّذي يريد القائل إبلاغه للسّامع يحتوي على ثلاثة جمل وهي:
1( - اشتريت كتابا جديدا .
2( - ثمن الكتاب ثلاثمائة دينارا .
3( - دفعت الثّلاثمائة دينارا نقدا .
إنّ اللّجوء إلى توظيف الضّمائر أعفى القائل عنت تكرار بعض العناصر الإشاريّة وما يبعث على التّشتّت ويقلّل من يقظة المتلقي وانتباهه ، فجعلت الضّمائر الجمل الثّلاث كما لو كانت جملة واحدة .
ومن الجدير بالذّكر في هذا الصّدد أنّ علماء النّص المحدثين على أنّ النّص أيّ نصّ تشتغل فيه « شبكة من العلاقات الإحاليّة بين العناصر المتباعدة في فضاء النّص ، فتجتمع في كلّ واحد عناصره متناغمة ، وهذا مدخل الاقتصاد في نظام المُعوِّضات في اللّغة؛ إذ تختصر هذه الوحدات الإحاليّة العناصر الإشاريّة وتجنّب مستعملها إعادتها وتكرارها«( ) ؛ فالإحالة بوساطة الضّمير من وسائل الرّبط الّتي تفيد الكلام اتّساقا وانسجاما، وتنفي عنه التّكرار ، وتجنّبه التّشتّت والتّفكّك ، وتُسهِم «بشكل فعّال في اتّساق الخطاب«( ).
سادسا:خاتمة.
لقد كانت غايتنا لدى وقوفنا عند دراسة الإحالة الضّميريّة بين علماء اللّغة العربيّة القدامى وعلماء النّص المحدثين إقامةَ تأثيلٍ للفكر اللّغوي العربي القديم وتأصيله محاولين اكتشاف نظريّة عربيّة للإحالة ، ومَوضَعَتها داخل إرثٍ نظريٍّ عربيٍّ أصيلٍ ، وملامسة أوجه التّقاطع والتّطابق من جهة الجهاز المفاهيمي الموظَّف عند كليهما في التّحليل اللّغويّ من حيث المنهج والمصطلحات .
لقد اكتشفنا أوجه التّطابق شبه التّام بين الفريقين رغم ما بينهما من حقب زمنية طويلة ، واختلاف السّياقات التّاريخيّة والحضاريّة والوسائل الإجرائيّة والآليات المساعدة ، وهذا فضلاً عن اختلاف الذّهنيّة العلميّة الّتي تقوم بالبحث والاستقصاء والاستنباط والتّجريد والتّقنين والتّفسير وما إلى ذلك .
إنّ التداوليات pragmatics منهجٌ تحليليٌّ وصفيٌّ وتفسيريّ يتوخّى فهم الظّاهرة اللّغويّة وكشف قوانينها الّتي تحكم النّص/الخطاب؛ إنّه منهجٌ يبدأ بالنّص وينتهي به ، وبينما مال المُحدَثون إلى الكلّية والشّموليّة مال اللّغويون القدامى إلى الجزئيّة في إطار نحو الجملة اللّهمّ المفسِّرون الّذين عكفوا على النّص القرآنيّ في علاجهم للإحالة وأهمّيتها في تحديد دلالات الآيات وتحكّمها بالسّياق النّصي الداخليّ والمقام التّداوليّ إلى جانب شُرّاح الشّعر الّذين عالجوا الضّمائر في فضاء نصيّ يتجاوز الجملة إلى النّص برمّته بل قد يتجاوز السّياق اللّغويّ إلى المقام الخارجيّ التّداوليّ .
للرّوابط الإحاليّة دورٌ مهمٌّ في تحقيق التّماسك بين أجزاء النّص كما تكشف عن مواضع الغموض والتّعمية .
إنّ الأسس المعرفيّة للإحالة الضّميريّة كانت حاضرة في الدّرس اللّسانيّ العربيّ القديم وخاصة عند البلاغيين والمفسِّرين وشرّاح الشّعر .
درس علماء العربيّة القدامى من نحاة ومُفسِّرين وشُرَّاح الشِّعر ونُقّادٍ وغيرهم الإحالةَ في شتَّى مستوياتها: الدّاخليّة والخارجيَّة ، واتِّجاهاتها القبليَّة والبعديَّة ؛ وبذلك لم يكونوا بعيدين عن علماء النّص المُحدَثين في درسهم للإحالة الضّميريَّة ، ويمكن تلخيص ما انتهى إليه الفريقان قدامى ومحدثين في باب الإحالة الضّميريَّة في النّقاط التَّالية:
1) المعوِّضات تفتقر إلى مرجع يُفسِّرها .
2) ضرورة التَّطابق في الخصائص الدّلاليّة بين العنصر الإشاريّ والعنصر الإحالي .
3) للسّياق الخارجيّ دور حاسمٌ في تفسير بعض العناصر الإحاليّة .
4) للضّمائر دور فعّال في: الرّبط ، والإحلال ، والتّعويض ، والاختصار ، والانسجام المعنوي بين العناصر المتباعدة في نصّ ما .
مبحث الإحالة واسعٌ يشمل الإحالة النّحويّة داخل الجملة من خلال الضّمائر ، ويشمل تعلّق الجمل بعضها ببعض وهو المطلق عليه: الإحالة النّصيّة.
لموضوع الإحالة قسمان: إحالة داخليّة بين عناصر النّص وإحالة خارجيّة تكون علاقة النّص أو بعض عناصره ذات علاقة مع السّياق الخارجيّ.
الإحالة عَودٌ على بدء وربط للآخِر بالأوّل.
كلّ لفظ عام أو مجمل يحمل قيمة إحاليّة لأنّه يختصر كلاما كثيرا أو يُحيل على جزء من نصٍّ أو على جملٍ أو على كلام كثيرٍ.
وبذلك يبقى دائمًا البحث في الإحالة الضَّميريّة و تفسيرها خاضعا للكفاءات التّقارئيّة ، وامتلاك الأدوات النّصيّة: الشّكليّة والدّلاليّة والتّداوليّة بل يقتضي فكّ شفراتها وتأويلها من المتلقي أن يَتَمَوضَع في مكان المخاطِب والمخاطَب ليستطيع دخول عالم النّص بالإضافة إلى تجاوزه البنية اللِّسانيَّة الدّاخليّة المُغلَقة إلى الفضاءات التَّداوليَّة للنّص ؛ ومن ثمّ الانفتاح على أغلب المرجعيات الثّقافيّة والاجتماعيّة والدّينيّة والسّياسيّة الّتي ينتمي إليها الخطاب ، وكذا الملابسات التّأويليّة المحيطة لاستنطاق علامات الفضاء الخارجيّ ؛ وذلك بتجاوز تلك الأطر البنيوية المُغلَقة إلى تناول معطيات البنيّة الرّأسيّة ، واستثمار كلّ الأنظمة الدّالّة ، وتفجير المرجعيّات عبر فكّ شفرات عناصر الإحالة المقاميّة في النّص ، واستكناه المعاني الغائبة.
الجزء الثاني :
الأستاذ : ميلود نـــــــــزار .
وينشأ اللّبس والغموض في ذهن المتلقي حين ورد الضّمير قبل مُفَسِّره ، وهذا ما يتطلّب من المتلقي جهدا مضاعفا ؛ فبعد تقدير الضّمير ينبغي البحث عن العنصر الإشاريّ المُفَسِّر للضّمير أو تقديره ؛ فالضمير )الهاء( في الفعل )أدعوه( تقدّم ذكره قبل مرجعه ) اللّه و الرّحمن ( ممّا جعل الضّمير )الهاء( يحيل إحالة لغويّة لاحقة "cataphoric reference" بالإضافة إلى ضمير (الهاء) في )له( الّذي ورد مفردا عائدا إلى مرجع سابق ، ورغم تعدّد العناصر الإشاريّة )اللّه ، الرّحمن( فالمرجع واحد دالّ على مدعوّ واحد وليس اثنان ، وهذا المدعوّ إمّا نسمّيه اللّه أو نسمّيه الرّحمن ، فهو له الأسماء الحسنى .
د)_ الزّمخشري )ت538هـ(: وإذا تركنا عبد القاهر الجرجاني وانتقلنا إلى الزّمخشري وجدنا لديه كمّا لا بأس به من الآراء الجادّة حول الإحالة الضّميريّة بتحليلات تنمّ عن حسّ نصيّ يكاد يطاول به علماء النّص المحدثين ، فقد اقتفى أثر النّحاة السّابقين أمثال : سيبويه )ت180هـ( والمبرّد )ت285هـ( والصبّان( ) (ت1207هـ) وغيرهم في اشتراطهم توافر جملة صلة الموصول على ضمير عائد تفسّره جملة الصّلة الّتي ينبغي أن تكون معلومة لدى السّامع ، فنجده يقول عن الموصول وهو : « ما لا بدّ له في تمامه اسما من جملة تردفه من الجمل الّتي تقع صفات ، ومن ضمير فيها يرجع إليه«( ) ؛ وبذلك تكون وظيفة الضّمير الرّبط والإحالة إلى سابق بامتصاص خصائصه الدّلاليّة كمسوِّغ لاستحضاره في ذهن المتلقي والتّعويض عليه في صورة ضمير عائد .
وإلى جانب إدراكه للإحالة اللّغويّة القبليّة "anaphoric reference" يشرح للقارئ الإحالة الضّميريّة البعديّة "ataphoric reference " قائلا : إنّ « الضّمير في قولهم : ربّه رجلا ، نكرة مبهم يرمي به من غير إلى مضمر له ثمّ يفسّره«( ) .
ولحاجة المتلقي إلى فهم أشمل لأنواع الإحالة يضيف الزّمخشري نوعا آخر وهو " الإحالة المقاميّة exophoric reference " المرتكزة على السياق التّداوليّ ، يقول الزّمخشري ) ت538هـ( في تفسيره لقوله تعالى :الَّذِينَ آتَينَاهُم الكِتَابَ يَعرِفُونَهُ كَمَا يَعرِفُونَ أَبنَاءَهُم الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُم لاَ يُؤمِنُون ( ) ، « ) الذّين آتيناهم الكتاب( يعني اليهود والنّصارى ) يعرفونه ( يعرفون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بحليته ونعته الثّابت في الكتابين معرفة خالصة )كما يعرفون أبناءهم( بحلاهم ونعوتهم لا يخفون عليهم ولا يلتبسون بغيرهم ، وهذا استشهاد لأهل مكّة بمعرفة أهل الكتاب به وبصحّة نبوّته«( ) حيث يقرّر رجوع الضّمير )هم( إلى اليهود والنّصارى الّذين لم يجر لهم ذكر في النّص وإنّما أحال الضّمير )هم( إحالة مقاميّة " exophoric reference " إلى عناصر إشاريّة غير لغويّة ؛ ففكّ الشّفرة الإحاليّة لهذا الضّمير )آتيناهم( لا يتأتّى إلاّ عبر وسيط مقاميّ تداوليّ يزيد النّص وضوحا وانسجاما بين البنية النّصيّة اللّغويّة والمقام الخارجيّ المحيط بها.
هـ)_ القرطبي )ت671هـ( : كما أدرك القرطبي دور الإحالة المقاميّة في تفسير وتحديد دلالة الآية الواحدة أو نصّ بأكمله حيث يقول مستندا إلى المقام الخارجيّ في تعليقه على قوله تعالى : مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا ( ) قائلا : « قيل : الضّمير عائد على إبليس وذريّته..وقيل : الكناية في قوله : " ما أشهدتهم " ترجع إلى المشركين ، وإلى النّاس بالجملة«( ) ، وهنا تثار مسألة تعدّد المرجع الّذي يعود إليه الضّمير وما ينجرّ عن ذلك من تعدّد الدّلالات التّفسيريّة للآية الواحدة ؛ فهويّة مُفَسِّر الضّمير )هم( إمّا إبليس وذريّته وإمّا المشركون وإمّا عموم النّاس ، ويرتدّ هذا الاختلاف في تقدير المرجع المفسِّر إلى الاختلاف في معرفة أسباب النّزول والبيئة الخارجيّة المحيطة بالنّص .
وإلى جانب إدراك القرطبي الإحالة المقاميّة ودور السّياق في إزالة اللّبس بتعيّين المرجع المُفسِّر للضّمير ، يتحدّث عن الإحالة النّصيّة القبليّة في تعليقه على قوله تعالى: فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا ( ) قائلا :« الضّمير في قوله : " بينهما " للبحرين«( ) ؛ وهي إحالة نصيّة قبليّة فُسِّرت في ضوئها دلالة الآية بإرجاع الضّمير إلى العنصر الإشاريّ المذكور سابقا له " مجمع البحرين " .
و السّيوطي )ت911هـ( : كما أدرك السّيوطي ما يتعلّق بتوظيف الدّلالة والسّياق في دراسة الإحالة الضّميريّة ، ومفاد ذلك أنّ العلاقة بين مقولات الإحالة الضّميريّة وبين ما تدلّ عليه هي علاقة دلاليّة لأنّ تلك المقولات دوالّ لمدلولات ، فهذه الدّوال أو المقولات تكون مبهمة وغامضة ، لأنّ دلالتها خارج السّياق تكون عامّة ولا تتخصّص دلالتها العامّة إلا ّ في السياق الّذي يعيّن المعنى المناسب من بين المعاني المحتملة حيث يقول السّيوطي عن مرجع الضّمير : « وقد يدلّ عليه السّياق فيُضمَر ثقةً بفهم السّامع ، نحو كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ( ) ، مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا ( ) ، أي الأرض الدّنيا«( ) .
كما أنّ الإحالة الضّميريّة قد تكون لغويّة نعثر عليها في سياق النّص الدّاخليّ ممّا تقدّم أو تأخّر ؛ فقد يتأخّر العنصر الإشاريّ المحال إليه بالضّمير« متأخّرا لفظا لا رتبة مطابقا له نحو :فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى ( ) ووَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ( )..«( ) ؛ فالضّمير في كلمة )نفسه( أحال إحالة داخليّة بعديّة "cataphoric reference" إلى العنصر الإشاريّ )موسى( ، كما قد « يُذكَر شيئان ويعاد الضّمير إلى أحدهما ، والغالب كونه الثّاني نحو وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ ( ) فأعيد الضّمير إلى الصّلاة«( ) إلى جانب أنّ « الأصل توافق الضّمائر في المرجع حذرا من التّشتّت ، ولهذا جوّز بعضهم في أَنِ اقذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقذِفِيهِ فِي اليَمِّ ( ) أنّ الضّمير الثّاني للتّابوت وفي الأوّل لموسى عابه الزّمخشري ، وجعله تنافرا مُخرِجا للقرآن عن إعجازه فقال : والضّمائر كلّها راجعة إلى موسى، ورجوع بعضها إليه وبعضها إلى التّابوت فيه هجنة لما تؤدّي فيه من تنافر النّظم الّذي هو أمّ إعجاز القرآن ، ومراعاته أهمّ ما يجب على المفسِّر«( ) ، ومهما يكن من أمر فإنّ الضّمير « لا بدّ له من مرجع يعود إليه«( )، ووظيفة يؤدّيها بجانب الإحالة والرّبط ، يقول السّيوطي )ت911هـ ( : « وأصل وضع الضّمير للاختصار ، ولهذا قام قوله : أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ( ) مقام خمسة وعشرين كلمة لو أتي بها مظهرة«( ) .
ز) ابن هشام الأنصاريّ )ت761هـ) : أمّا إذا انتقلنا إلى ابن هشام الأنصاريّ نجده قد أنتج مادة علميّة غنيّة بشأن الرّوابط فيما بين الجمل الّتي تُسهِم في التّماسك الشّكليّ والدّلاليّ تحت عنوان " روابط الجملة بما هي خبر عنه "( ) حيث أشار إلى أهمّية الضّمير ودوره في الرّبط والإحالة ؛ فالتّرابط الضّميري في رأيه هو الأصل ، ولهذا يذكر به مذكورا كزيد ضربته ، ومحذوفا نحو قوله تعالى :إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ ( ) إذا قدّر :" لهما ساحران" بالإضافة إلى ضمير الإشارة نحو قوله تعالى : وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاستَكبَرُوا عَنهَا أُولَئِكَ أَصحَابُ النَّارِ ( ).
إنّ الضّمير أيّا ما كان نوعه يؤتى به للرّبط بين السّابق واللاحق ويشدّه إليه ، ويُوظَّف لتفادي تكرار ما سبق للمتكلّم أن أشار إليه ؛ فيكفيه التّعويض عليه بالضّمير الّذي يحيل إلى ما تقدّم مثلما رأينا في الأمثلة الّتي أوردها ابن هشام الأنصاري ؛ ففي الأوّل يحيل الضّمير )الهاء( إلى زيد إحالة لغويّة داخليّة قبليّة "anaphoric reference " ، كما أحال ضمير الإشارة )أولئك( إلى ما سبقه من الكلام واستحضره في ذهن المتلقي ، فـ )أولئك (قامت مقام جملة "الّذين كذّبوا بآيات اللّه واستكبروا عنها" ؛ فالذّات النّصيّة التّي يعوّضها ضمير الإشارة )أولئك( هي جماعة من المكذّبين والمستكبرين ، وهي إحالة لغويّة قبليّة.
ونظرا لما للضّمير من أهمّية كبرى في الكلام جعله ابن هشام الأنصاريّ أصل الرّوابط وهذا ما أكّد عليه علماء النّص المحدثين في عدّهم الضّمير من أهمّ عوامل التّماسك النّصي .
إنّ ابن هشام الأنصاري كسابقيه من علماء العربيّة لم يقف تحليله عند حدود الإحالة اللّغويّة القبليّة " anaphoric reference " ، بل تحدّث بإسهاب عن الإحالة اللاّحقة "cataphoric reference" فشرح هذه الأخيرة تحت موضوع " المواضع الّتي يعود الضّمير فيها على متأخّر لفظا ورتبة "( ) ، وهي عنده كما يلي :
« أحدها : أن يكون الضّمير مرفوعا بنعم أو بئس ، ولا يُفَسَّر إلاّ بالتّميّيز ، نحو "نِعمَ رجلا زيد" ...
الثّاني : أن يكون مرفوعا بأوّل المتنازعين المعمل ثانيهما نحو قوله : " جفوني ولم أجف الأخلاّء " ...
الثّالث : أن يكون مخبرا عنه فيفسِّره خبرُه نحو إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا ( ) ..
الرّابع : ضمير الشّأن والقصّة نحو :قُُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ( ) ..
الخامس : أن يُجرَّ بربّ مفسَّرا بتميّيز ، وحكمه ضمير نِعمَ وبئس في وجوب كون مُفَسِّره تميّيزا وكونه مفردا ، قال شاعر (الخفيف):
رُبَّهُ فِتيَةً دَعَوتُ إِلَى مَا يُورِثُ المَجدَ دَائِبًا فَأَجَابُوا
السّادس : أن يكون مبدَلا منه الظّاهر المُفسِّر له كـ " ضربته زيدًا ".. «( )
كما تحدّث ابن هشام الأنصاريّ في موضع آخر تحت عنوان " الأشياء الّتي تحتاج إلى رابط " ( ) حيث أشار إلى بعض الجمل المُفتقِر إلى أدوات تربط أجزاءها ، ويذكر في هذا السّياق :
« أوّلا : جملة الموصوف بها ، ولا يربطها إلاّ الضّمير إمّا مذكورا نحوحَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ ..( )
ثانيّا : الجملة الموصولة بها الأسماء ، ولا يربطها غالبا إلاّ الضّمير ، نحو وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ..( )
ثالثا : الواقعة حالا ، ورابطها إمّا الواو والضّمير نحولاَ تَقرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنتُم سُكَارَى ( ) أو الضّمير فقط نحو تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ ..( )
رابعا : بدلا البعض والاشتمال ، ولا يربطها إلاّ الضّمير : ملفوظا نحو:ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ ( ) أو مُقدَّرا نحو :مَنِ اسْتَطَاعَ ( ) أي منهم..
خامسا : معمول الصّفة المشبّهة ، ولا يربطه أيضا إلاّ الضّمير : إمّا ملفوظا به نحو: " زَيدٌ حَسَنٌ وَجهُهُ " ، أو مُقدَّرا نحو : " زيد حسن وجهه " أي منه .. «( )
وإذا تركنا المفسِّرين واللّغويّين إلى بيئة شروح الدّواوين الّتي اعتمد أصحابها أمثال: ثعلب )ت292هـ( والعكبري )ت616هـ( والشنتمري وغيرهم على الدّراسة اللّغويّة لقصائد الشّعراء نجدهم لم يتخلّفوا في إلقاء الضّوء على الضّمائر ودورها في الرّبط والتّماسك والإحلال والتّعويض والإحالة إلى ما سبق أو تأخّر ذكره داخل النّص أو خارجه ؛ فإشارات هؤلاء العلماء وجهودهم تفرّعت إلى ثلاث مستويات للإحالة الضّميريّة وهي كما يلي :
1 الإحالة النّصيّة في بيت واحد .
2 الإحالة النّصيّة على امتداد أكثر من بيت واحد .
3 الإحالة المقاميّة لمرجع خارج النّص يعرف من خلال السّياق التّداولي .
وسنحاول فيما يلي إيراد مثال لكلّ نوع من أنواع الإحالة الثّلاثة الّتي دأب على دراستها المفسِّرون واللّغويّون كما رأينا من قبل ، فلا مناص من الإشارة في هذا السّياق إلى أنّ أنواع الإحالة هذه لم يخرج تصنيفها عن هذه الثّلاثة حتّى عند علماء النّص المحدثين .
ك) ثعلب(ت292هـ) : يذكر ثعلب في شرحه لقول زهير بن أبي سلمى (الوافر)( ):
فَـذُوهَــاشِ عُرَيتِنَـــــاتِِ عَفَتهَا الرِّيحُ بَعدَكَ وَالسَّمَـاءُ
يَشِمنَ بُرُوقَـهُ وَيَـرُشُّ أَريَ الـ جَنُوبِ عَلَى حَوَاجِبِهَا العَمَاءُ
كَـأَنَّ أَوَابِــدَ الثِّيـرَانِ فِيــهَا هَجَائِنُ فِي مَغَابِنِهَا الطِّـلاَءُ
قائلا : « ذوهاش وعريتنات : أرضان ...الضّمير في ) فيها ( : في الأرضين«( ).
وبهذا الرّبط بين الضّمير ومُفَسِّره في البيت الأوّل يكون ثعلب قد أدرك الإحالة الضّميريّة الدّاخليّة إلى ما سبق ذكره من عناصر إشاريّة فُسِّر في ضوئها الضّمير ؛ وبالتّالي فدلالة البيت متوقّف على دلالة ما سبقه من حيث حضور " ذوهاش وعريتنات " وهما أرضان في الضّمير )فيها( العائد إليهما ؛ فشرحُ ثعلب كما نلاحظ من خلال هذا المثال الّذي أوردنا تحليلَه تعدّى البيت إلى ثلاثة أبيات .
ولم يقف ثعلب في شرحه عند هذا الحدّ بل وسّع الإحالة الضّميريّة على امتداد أربعة أبيات الّتي تفصل بين الضّمير ومُفَسِّره .
يقول زهير بن أبي سلمى في البيت الأوّل (الطَّويل)( ):
غَشَيـتُ الدِّيَـارَ بِالبَقِيـعِ فَثَهمَدِ دَوَارِسَ قَد أَقوَينَ مِن أُمِّ مَعبَـدِ
ثمّ بعد ذلك يقول زهير بن أبي سلمى في البيت الخامس (الطَّويل)( ):
فَلَمـَّا رَأَيـتُ أَنَّـهَا لاَ تُجِـيبُنِي نَهَضتُ إِلَى وَجنَاءَ كَالفَحلِ جَلعَدِ
فيقول ثعلب عن الضّمير )أنّها( الوارد في البيت الخامس : « الهاء للدّيار« ( ) .
ل) العكبريّ )ت616هـ( : وفي السّياق ذاته نجد العكبري من بين شرّاح الشّعر الّذين اهتمّوا بالنّص الشّعري شكلا ودلالة قد تحدّث عن الضّمائر ومرجعيّتها ليس فقط على مستوى بيت أو بيتين بل نظر إلى القصيدة بأكملها حيث يذكر أبو الطّيب المتنبّي في إحدى قصائده سيف الدّولة في أوّل القصيدة ثمّ يعود ليشير إليه بالضّمير بعد عشرين بيتا .
يقول المتنبّي (الطَّويل):
كَفَى بِصَـفَا الـوِدِّ رِقًّا لِمِثلِـهِ وَبِالقُربِ مِنهُ مَفخَرًا لِلَبِيبِ
فيقول العكبري بأنّ الضّمير في كلمة )لمثله( يعود على سيف الدّولة المذكور في البيت الأوّل ( ) .
كما نجده في موضع آخر من شرحه يتحدّث عن الإحالة النّصيّة البعديّة أو اللاّحقة "ataphoric reference " ، ونستشفّ ذلك من قول المتنبّي (البسيط):
أَعِيـذُهَا نَظَـرَاتٍ مِنـكَ صَادِقَةً أَن تَحسِبَ الشَّحمَ فِيمَن شَحمُه وَرَمُ
يذكر العكبري أنّ )الهاء( تحيل إلى )نظرات( ، وهذا إضمار على شريطة التّفسير( ).
خامسًا: التّماسك الضّميري عند علماء النّص المحدثين.
رأينا قبل آراء علماء العربيّة القدامى ونظراتهم التّحليليّة للضّمائر ووظائفها النّصيّة وأهمّيتها الدّلاليّة والتّداوليّة في ربط جمل النّص ومتتالياته بعضها ببعض ، وتفسيرها من منظور المقام الخارجيّ إذا ما حصل اللّبس والغموض في مرجعيّة بعض الضّمائر المرتدّة إلى مُفَسِّرات تداوليّة غير حاضرة في البنية النّصيّة ؛ وهو ما دفع بهم إلى الاهتمام بدور الوسائط التّداوليّة في فكّ اللّبس ودفعا للغموض . وهكذا فـ « للمقام الحسّي هاهنا دور أساسيّ في الرّبط بين المُضمَر الوارد في النّص والمُفسِّر الّذي يرتبط به والموجود خارج النّص«( ) ؛ ولذلك اعتمد علماء العربيّة القدامى في دراستهم للإحالة الضّميريّة من خلال النّص القرآنيّ والدّواوين الشّعريّة على « تصنيف الألفاظ إلى ألفاظ غير مبهمة وهي الألفاظ الّتي لها دلالة والّتي تحيل بمفردها على خارجها في الواقع وألفاظ مبهمة لها دلالة لكنّك لا تعرف لها خارجا إلاّ متى توفّر مُفَسِّرها وهذا المُفَسِّر قد يكون مقاميّا وقد يكون مقاليّا«( ) .
وإذا كان الأمر كذلك في بيئة العلماء القدامى فهل كان علماء النّص المحدثون مختلفين أم مُتخلِّفِين في دراسة الإحالة الضّميريّة ؟ وكيف نظر هؤلاء المحدثون إلى دور الضّمائر في نصّ من النصوص من حيث الرّبط والتّعويض والاختصار والإحالة أو بالأحرى التّماسك النّصيّ ؟ ثمّ هل كان للسّياق المقاميّ مكانة في أدبياتهم وتقاليد دراساتهم ؟
اهتمّ علماء النّص المحدثون بدراسة الضّمائر باعتبارها تحقّق التّماسك الشّكليّ والدّلاليّ والتّداوليّ في نصّ ما ، فتعدّدت إسهاماتهم بخصوص الإحالة الضّميريّة والسّياق التداوليّ الّذي ترتبط به العناصر الإحاليّة المحتواة في نصّ ما بحيث تجعله مفتوحا على كلّ المراجعات والقراءات ليصبح النّص مثل هوائيات الاستقبال ترد عليها برامج شتّى المحطّات، وعلى القارئ أن يفرزها ويحلّل رسائلها ويفسِّر محمولاتها الإشاريّة ويفكّك شفراتها مستعينا بكلّ وسائل التّلقي من إدراك وفهم وتأويل لاستنطاق علامات الفضاء الخارجيّ للنصّ وتأويلها .
ومن الجدير بالإلماع في هذا الصّدد أنّ دراسة الإحالة الضّميريّة من منظور اللسانيات النّصيّة في إطار البنية اللّغويّة الدّاخليّة وتفسيرها في حدودها تطرح إشكال اللّبس اللّغويّ الّذي لم يحظ بمعالجة مرضيّة حيث يرجع السّبب الأساس في ذلك إلى عدم توسيع الجهاز النّحويّ وتدعيمه بمبادئ تداوليّة معرفيّة ؛ فمعالجة الإحالة الضّميريّة من المنظور النّحويّ بمفرده يُبدِي عجزا في وصفها لأنّه يصرف كامل عنايته بالشّكل التّركيبيّ للوحدات اللّغويّة ومعانيها قصد تحديد المحتوى القضوي للجملة المعنيّة بالوصف ، وبالتّالي فالجهاز الواصف للنّحو يظلّ ضيّقا لأنّه يقصي المعارف غير اللغويّة من عمليّة الوصف .
وقد أكّد علماء النّص المحدثون على دور الضّمائر في أنظمة التّواصل ؛ وبذلك يكون تناولها « كظاهرة لغويّة ذات ارتباط مباشر بالعمليّة التّبليغيّة والخطاب يفرض علينا نظرة خاصّة تتضمّن على الخصوص دراسة مرجعيّتها ، وكذا الدّور الّذي تلعبه لضمان تحقيق الإطار التّداولي«( ) لِما لها من وظيفة أساسة في قراءة النّصوص وتأويل دلالاتها المشار إليها باعتبار تلك الضّمائر علامات إشاريّة ذات سمات وظيفيّة دالّة أثناء تسيّيقها لأنّ دلالتها غير ثابتة وقابلة للتّفسير والتّأويل بحيث تتعلّق دلالتها « بالمقام الإشاريّ لأنّها غير ذات معنى ، ما لم يتعيّن ما تشير إليه ، فهي أشكال فارغة في المعجم الّذي يمثّل المقام الصّفر ، وهي تقوم بوظيفة تعويض الأسماء وتتّخذ محتوى ممّا تشير إليه«( ) ، ونستدلّ في هذا السّياق بقول (بول ريكور) : بأنّ « اللّغة مليئة بما يؤمّن الارتباط بين الخطاب وظرفيّته الزّمانيّة والمكانيّة ؛ فأسماء الإشارة وظروف الزّمان والمكان والضّمائر وأزمنة الأفعال ، وعموما كلّ الأدلّة التّعيّينيّة والوصفيّة والإشاريّة تعمل على ربط الخطاب وترسيخ علاقته بالواقع الزّمانيّ والمكانيّ الّذي يحيط بوجوده كخطاب«( ) ؛ فكلّ لغات العالم تحتوي تعبيرات لغويّة يُستنَد في تفسيرها وتأويلها وربطها بمدلولها الّذي تشير إليه إلى السّياق الماديّ الّذي وردت فيه سواء كان مقاليّا أم مقاميّا ؛ فإنتاجها أو تفسيرها رهين بمعرفة سياقها ، خذ مثلا هذه الجملة المجتزَأة من سياقها نحو :
- سوف يقومون بهذا العمل غدا لأنّهم مشغولون الآن ( )
فلا يمكن لأيّ أحد أن يدّعي إدراكه التّامّ لمقصديّة هذه الجملة اللّهمّ بعض المعاني المعجميّة والوظيفيّة للعناصر اللّسانيّة الّتي تتكوّن منها وهو ما يجعل هذه العبارة غير منسجمة لدى المتلقي الّذي يجهل خصوصيّات السّياق المقاميّ الخارجيّ المرتبط بكلّ عنصر من عناصرها ؛ فما ينبغي أن يقوم به متلقي هذه العبارة الإحاطة بالمرجع الّذي تحيل إليه بعض العناصر الّتي ترتبط بصورة مباشرة بسياقها الماديّ كون دورها « ينحصر في تعيّين المرجع الّذي تشير إليه ، وهي بذلك تضبط المقام الإشاريّ (deictic element) «( )؛ إذ نجد في العبارة السّابقة مجموعة من العناصر الإحاليّة ، وهي : واو الجماعة )يقومون ، ليسوا( ، الضّمير )هم( ، ضمير الإشارة )هذا( ، ظرفا الزّمان )غدا ، الآن( ، وظرف المكان )هنا( .
ومن هنا يتّضح أنّ فهم العبارة السّابقة تتطلّب من المتلقي كفاءة عاليّة ثلاثيّة الأقطاب : تركيبيّة ، دلاليّة وتداوليّة .
ونعود الآن إلى التّذكير بأنّ كلّ وسائل الرّبط اللّغويّة الّتي ذكرها (بول ريكور) لا تؤدّي دورها فقط في ربط نصّ ما بالسّياق التّداوليّ ، بل تؤدّي دورها في النّص بصورة تقوّي تماسكه ووحدته ؛ فالضّمائر مثلا تكتسي أهمّيتها في البنية النّصيّة من حيث إنّها «تحيل إلى عناصر سبق ذكرها في النّص ، وميزتا الضّمير "هو" هما : الغياب عن الدّائرة الخطابيّة ، والقدرة على إسناد prédiquer أشياء معيّنة ، وتجعل هاتان الميزتان من هذا الضّمير موضوعا على قدر كبير من الأهمّية في دراسة تماسك cohésion النّصوص«( )؛ فتماسك نصّ من النّصوص يستند إلى وضع الضّمائر فيه واتّجاهها بالإحالة إلى أشياء سبق ذكرها في مقام آخر من النّص إلى جانب الكفاءة الإسناديّة الّتي تتّسم بها ؛ فالضّمائر من وسائل التّضام الّتي « تقوم في ظاهر النّص مقام تعبيرات تتّصف بإثارة محتوى أكثر تعيّينا وتساعد هذه التّعبيرات مستعملي النّص على الاحتفاظ بالمحتوى وهو مهيّأ في مواقع التّخزين النّشط دون حاجة منهم لإعادة ذكر كلّ شيء بتفصيلاته ..كما تقوم مقام الأسماء أو عبارات الأسماء الّتي تشاركها المدلول أي تشترك معها في المدلول والمعنى«( ) .
وقد أكّد علماء النّص المحدثون على الإحالة الضّميريّة النّصيّة " anaphoric reference " الّتي يحدّد فيها الضّمير مُفَسِّره أو مرجعه من تركيب النّص ويتوجّه إليه بالتّعيّين واستحضاره وإعادة تفعيله حيث يقول إلهام أبو غزالة : « يقوم الإضمار بوظائفه في العادة من خلال اشتراك تراكيب ظاهر النّص في مكوّناته البنيويّة ، وأفضل الحالات تمثيلا لذلك هي الإشارة اللاحقة حيث ترد البنية بتمامها قبل ورود البنية المضمرة«( ) ، نحو قوله تعالى :أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ( ) ، وما يتطلّب لقصد فهم هذه الآية إتمام التّركيب الأوّل وهو " بريء من المشركين "، وهنا يبرز دور المتلقي الكفء في ملء الثّغرات باسترجاعه لبنية المسند " بريء من المشركين " بسبب وجود الضّمير الّذي يحيل إلى " اللّه " المسند إليه في التّركيب الأوّل.
وفي السياق ذاته يذكر إبراهيم الفقي فيما ينقله عن هاليداي ورقية حسن أنّ «الضّمائر مع غيرها من الوسائل تكوّن نسيجا نصيّا عاليّا...لذا إذا ظهرت الضّمائر مثل them , they , these ، فإنّها لا تشير إلى أناس أو إلى أشياء فقط بل ترجع أو تشير إلى فقرات مذكورة فيما سبق«( ) ، ويمكننا تأمّل الأمثلة الآتية :
أ( - محمد انتقل إلى منزل جديد .
ب( - منزل محمد جميل .
ج( - هذا المنزل الجديد لمحمد .
د( - هو )محمد( بناه )المنزل( منذ عام .
نلاحظ من خلال هذا المثال المشتمل على أربعة جمل أنّ الضّمير المنفصل في الجملة الرّابعة يعود على اسم العلم )محمد( المسند إليه في الجمل الثلاث الأولى )أ ، ب ، ج( وأمّا ضمير الهاء المتّصل في كلمة )بناه( يحيل إلى المنزل المذكور في الجمل الثّلاث الأولى )أ ، ب ، ج( ممّا يجعل تلك الجمل الثّلاث متماسكة مع الجملة الرّابعة من خلال الضّمائر الّتي تحيل إحالة داخليّة قبليّة " anaphoric reference " ؛ ولذلك حقّق وجود الضّمائر التّماسك الشّكليّ والدّلاليّ بالإضافة إلى الإيجاز والتّعويض فأغنت عن إعادة العنصرين الإشاريّين )محمد ، منزل( ومنعت تكرارهما فأسهمت في اقتصاد الجهد والوقت بإزالة الحشو والإطالة .
وإلى جانب قدرة الضّمائر الإحاليّة الإحالة إلى أسماء وكلمات مفردة تستعيد إحضار أفكار سابقة أو فقرات طويلة فتصبح الضّمائر الّتي قد تعتبر أشكالا فارغة في المعجم تضطلع بوظيفة أثناء تسيّيقها ؛ لأنّ معناها مرتبط بسياق ورودها الّذي يضبط لها معنى تُفَسَّر به بحيث يمكن لها أن تقوم مقام ملفوظات طويلة ، كما تستعمل الضّمائر «عند استبدال شاغلات موقع قصيرة ، وغير ذات محتوى مستقلّ بالعناصر ذات المحتوى ، ويطلق الإضمار على تكرار بنية ومحتواها مع حذف بعض تعبيرات السّطح ، وفي وسع المرء أن يقوم بإدخال إشارات سطحيّة للدّلالة على الارتباطات القائمة بين الحوادث أو المواقف في عالم النّص«( ) ؛ فعندما تروي قصّة لأصدقائك وفجأة يذكّرك أحدهم بقصّة أخرى يعتقد أنّ لها علاقة بموضوع قصّتك فقد تشير إليها ثمّ تقول له :
- ولكن تلك قصّة أخرى .
من هذا المثال يدرك القارئ الكريم أهمّية ضمير الإشارة )تلك( الوارد في الجملة السّابقة حيث اضطلع بما يلي :
1 ضمير الإشارة )تلك( قام مقام قصّة رويت في سياق آخر ، واستحضرت محتواها بإيجاز شديد فضغطت البنية السّطحيّة .
2 ضمير الإشارة )تلك( نظرا لمرونته الإحاليّة أغنى المتكلّم عن رواية القصّة مرة أخرى .
3 ضمير الإشارة )تلك( استُخدم اقتصادا للجهد والوقت واجتنابا لتشتّت الموضوعات ؛ فالمتلقي لا يطيق تتبّع الملفوظات المكرّرة والمشتّتة على نحو يبعث على الإرهاق والملل .
4 إنّ المُرسِل أتى بضمير الإشارة )تلك( في عبارته ؛ لأنّه يعلم أنّ المتلقي على علم بما يحيل إليه هذا الضّمير بناء على الخلفيّة المعرفيّة التّداوليّة المشتركة بين المُرسِل والمُرسَل إليه .
إذن فكلّ ذلك المجهود اضطلع بأدائه ضمير الإشارة )تلك( الّذي اختزل كلّ الأدوار فصار يساويها من حيث الدّور والمقصديّة .
وفضلا عن ذلك قد يقوم ضمير مقام عبارات بكاملها سبق ذكرها في مقام آخر ، وتعاد الإشارة إليها في صورة ضمير، نحو قوله تعالى :
هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ ، يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ( ) .
فهاتان الآيتان تحتويان على مجموعة من الضّمائر الّتي تسهر على تماسكهما وارتباط عناصرهما بعضها ببعض إلى جانب إحالة بعض الضّمائر إلى السّياق التّداوليّ ؛ لأنّ بعض الذّوات الّتي تشير إليها موجودة خارج البنية النّصيّة كونها عناصر إشاريّة غير لغويّة ، فإذا أتينا هذا النّص القرآنيّ نجد ما يلي :
إنّ الضّمير المنفصل )هو( الغائب عن الدّائرة الخطابيّة قد أُسندت إليه بعض الأعمال مثل : إنزال الماء ، إنبات الزّرع ، وإنبات الزّيتون...إلخ ، كلّ هذه المسندات ترتبط بعنصر إشاريّ واحد وهو ذات اللّه سبحانه وتعالى فكلّ الضّمائر الّتي تحيل إلى اللّه سبحانه وتعالى فإحالتها خارجيّة مقاميّة "exophoric reference " غير نصيّة ؛ لأنّ ذات اللّه لم يجر ذكرها في النّص ويمكن أن نلاحظ ذلك فيما يلي : (الشّكل رقم04) هو
الّذي
اللّه سبحانه وتعالى أنزل ) هو (
عنصرإشاريّ يُنبت ) هو (
) مفسّر( عناصر إحاليّة )الضّمائر(
إحالة خارجيّة )تداوليّة( exophoric reference
إنّ الإشارة بضمير منفصل إلى الذّات الإلهيّة يؤكّد هيمنة اللّه سبحانه وانفراده بالملكوت ، ثمّ أُردف بضمير الموصول )الّذي( للرّبط بين السّابق واللاّحق بحيث يشير إلى ارتباط كلّ شيء باللّه سبحانه ؛ فكلّ الأسباب تؤدّي إليه فلا منجأ منه ولا ملجأ منه إلاّ إليه.
يتوجّه هذا النّص القرآنيّ بالخطاب إلى عباد اللّه فيذكّرهم بآيات اللّه ونعمه عليهم ليتدبّروها ويشكروا خالقهم على آلائه كلّها ؛ فتحيل بعض الضّمائر إلى عباد اللّه إحالة خارجيّة تُعرَف من السّياق المقامي كوسيط تداوليّ ؛ لأنّ العنصر الإشاريّ الّذي يُفَسِّر تلك الضّمائر الواردة في النّص غير مذكور في النّص ، ويمكن ملاحظة ذلك فيما يليالشّكل رقم05)
لكم ) كم (
تسيمون ) واو الجماعة(
عباد اللّه لكم ) كم (
عنصر إشاريّ يتفكّرون ) واو الجماعة(
) مفسِّر( عناصر إحاليّة )الضّمائر(
إحالة خارجيّة ) تداوليّة( exophoric reference
كما يوجد في النّص ضمائر أخرى تضمن -على مدار النّص استمراريّة العنصر الإشاريّ )الماء( نظرًا لدوره الحاسم في موضوع النّص ، وبذلك يكون عنصر )الماء( عنصرا إشاريّا عاملا لارتباطه بضمائر تحيل إليه مشكِّلة ضفيرة إحاليّة متواشجة . يقول زتسيسلاف واو رزنياك :« وعادة ما تتعاون في النّص الضّمائر مع الأسماء المتكرِّرة ، وتشكّل معا شبكة اسميّة إحاليّة أو ضفيرة اسميّة إحاليّة ، وحين يضمّ نص ما عدة شبكات اسميّة فإنّ واحدة منها في الغالب هي موضوع النّص«( ) .
ولا مناص من الإشارة في هذا السّياق إلى أنّ أهمّ عنصر إشاريّ في النّص يرتدّ إليه أكبر عدد ممكن من الضّمائر ، وأمّا العناصر الإشاريّة غير العاملة تكون كذلك إذا لم توجد أدوات إحاليّة تسهر على استمرارها وامتدادها على طول النّص فحينئذ تكون غير عاملة نحو : شراب ، الزّرع ، الزّيتون ، النّخيل ، الأعناب ، الثّمرات ؛ فهذه عناصر إشاريّة تشير إلى أشياء بلا واسطة إحاليّة ، أمّا عنصر )الماء( فيمكن ملاحظته فيما يلي : (الشّكل رقم06)
منه ) الهاء (
الماء منه ) الهاء (
عنصر إشاريّ به ) الهاء (
) مفسِّر( عناصر إحاليّة )الضّمائر(
إحالة داخليّة قبليّة Anaphoric reference
ورغم ما قلناه عن بعض العناصر الإشاريّة غير العاملة بناء على خلوّ النّص من الضّمائر المحيلة إليها ، يطلّ علينا ضمير الإشارة )ذلك( كبؤرة تنصهر فيها كلّ العناصر الإشاريّة السّابقة عليه ، فقد أحال هذا الضّمير )ذلك( إلى عبارات برمّتها .
ولو أتينا نتأمّل هذا الضّمير )ذلك( نلفيه مرتبطا بكلّ ما سبق ذكره من أسماء وأفعال وجمل ودلالات ؛ فهذا الماء العذب الفرات الرّقراق مَن أنزله من السّماء ؟ ومَن جعله سائغا للشّاربين ؟ ومَن أنبت منه شجرا وزرعا وزيتونا ونخيلا وأعنابا وكلّ الثّمرات ؟ .
إنّ النّص القرآنيّ يدعو عباد اللّه إلى الوقوف والعودة إلى ما سبق للتدبّر والتّفكّر فيه عبر ضمير الإشارة )ذلك( المحدّد للعناصر الإشاريّة واحدا واحدا نحو : (الشّكل رقم07)
الإنزال من السّماء
الماء
الشّراب
الشّجر
يا عباد اللّه تفكّروا وتدبّروا ذلك الإنبات للزّرع
الإنبات للزّيتون
الإنبات للنّخيل
عنصر إحاليّ الإنبات للأعناب
الإنبات لكلّ الثّمرات
عناصر إشاريّة
) ضمير الإشارة ( ) مُفَسِّر(
إحالة نصيّة قبليّة anaphoric reference
وهذه الإحالة كما نرى إحالة نصيّة قبليّة " anaphoric reference " لأنّ كلّ العناصر الإشاريّة واردة في النّص قبل العنصر الإحاليّ )ذلك( بحيث نخلص إلى أنّ ضمير الإشارة )ذلك( جمع كلّ العناصر الإشاريّة في عقد واحد وشكّل منها ضفيرة إحاليّة متماسكة شكليّا ودلاليّا وتداوليّا ؛ وبذلك ندرك أنّ الضّمائر قد تشير إلى ذوات خارجيّة أو أسماء أو أفعال أو عبارات إضافة إلى قدرتها الاستحضاريّة لخطابات سابقة .
ويطلق أحمد مدّاس مصطلح )المُعَيِّنات( على الضّمائر فيرى أنّها تمتلك « قيمة مرجعيّة داخل عمليّة التّواصل...والمُعَيِّنات بحث في شبكة الضّمائر المحيلة على وظائف لغويّة«( ) ، ويضيف قائلا : « والمُعيِّنات بحث كذلك في أسماء الإشارة والظّروف . زمانيّها ومكانيّها«( ) ، كما يحلو للأزهر الزّنّاد أن يطلق على الضّمائر مصطلح )المُعوِّضات( ويرى بأنّها مزدوجة الدّور في اللّغة؛ فهي«
- تشير وتعيّن المشار إليه في المقام الإشاريّ ؛ فهي غير ذات صلة بما يخرج عن مقام ورودها ، ويكتفي سامعها بها في تحليلها .
- تعوّض المشار إليه فتحيل عليه وترتبط به ؛ وفهمها رهين استحضار ذلك المشار إليه استحضار عهد أو إدراك حسيّ أو غيره«( ) .
وقد اعتبر علماء النّص المحدثون أسماء الإشارة والموصولات ضمائر نظرا للدّور المشترك بينها جميعا في الرّبط والإحالة والتّعويض والاختصار حيث نجد إبراهيم الفقي يقول :« تقوم الإشارة والموصولات بنفس وظيفة الضّمائر من حيث الإشارة والمرجعيّة والرّبط ، فالإشارة قد تكون إلى سابق أو لاحق أو خارج النّص«( ) ؛ فأمّا الاسم الموصول فهو كما يقول إبراهيم خليل- : « من الأدوات الّتي تشدّ من أزر التّلاحم النّحويّ بين ما تقدّم ذكره ، والعلم به ، وما يراه من المتكلّم أن يعلم به ، أو يضمّه إلى ما سبق من العلم به« ( )؛ فاسم الموصول يربط السّابق باللاّحق ويحيل إليه ويعوّضه ويختزله ، ويمكننا ملاحظة هذا من خلال المثال التّالي نحو قول القائل :
- ما فعل الرّجل الّذي كان عندك بالأمس ؟
إنّ ضمير الموصول في هذه الجملة يربط بين جملتين إحداهما معلومة لدى المتلقي سبق ذكرها وهي " الرّجل كان عند المسئول بالأمس " ، أمّا ما يريد السّائل إبلاغه للمخاطَب هو الجملة المجهولة لديه وهي سؤال السّائل عن " فعل الرّجل " ؛ أي ما صدر منه من فعل، وأنت ترى كيف ربط ضمير الموصول " الّذي " بين شيء معلوم وشيء غير معلوم ؛ فقد قام الاسم الموصول " الّذي " مقام الاسم الظّاهر " الرّجل " حيث أنّ الجملة تتكوّن من جزأين وهما :
1( - فعل الرّجل .
2( - الرّجل كان عندك بالأمس .
فقد صدّر السّائل جملته بـ " ما " الاستفهاميّة وعوّض كلمة " الرّجل " في الجملة الثّانية بعد حذفها فانتهت الجملة إلى هذا النّحو :
- ما فعل الرّجل الّذي كان عندك بالأمس ؟ .
وأمّا بخصوص الضّمائر الإشاريّة يقول أزولد وتزيفان :« فالأسماء الإشاريّة وحركة التّعيّين لا تكون في ذاتها مُعرِّفة شيئا ما على وجه مرجعيّ ، ومن ثمّ وجب أن نؤوّل أسماء الإشارة مثل هذا وذاك على أنّها مشيرة إلى اسم عين مثل )الكتاب الّذي أشير إليه ، أو اللّون الّذي للحائط المشار إليه( «( ) ؛ وبالتّالي تكون وظيفتها « التّعيّين أو توجيه الانتباه إلى موضوعها بالإشارة إليه« ( )، ويمكن أن نلاحظ ذلك عبر الحوار الآتي :
أ( - أعرني قلمك .
ب( - تستطيع أن تأخذ ذلك .
فقد أحال ضمير الإشارة في الجملة الثّانية إلى كلمة " قلم " في الجملة الأولى وقام مقامها ، كما زاد من تعلّق الجملة الثّانية بالأولى بالإضافة إلى أنّه يمكن القول بأنّ اسم الإشارة " ذلك " أحال إلى ما سبق ذكره واستحضر كلمة "قلم" في الجملة الثّانية ؛ فأهمّيته لا تقلّ عن أهمّية الضّمائر الأخرى " الشّخصيّة والموصولة " ؛ إذ يقول محمد خطّابي :« المبدأ العام الثّاوي خلف الإشارة وهو جعل الخطاب متماسكا من خلال استحضار عنصر متقدّم أو خطاب بأكمله«( ) ؛ لأنّ دلالة الكلام ترتبط بما يفهم من سابقه ويؤوّل في ضوئه أو من لاحقه فيرتبط بما سيأتي .
إذن فالضّمائر ممّا لا يجد المتكلّم منه بُدًّا لتوظيفها في ربط الجمل بعضها ببعض، باعتبارها ¬ كما يقول محمد خطّابي- :« تقوم بوظيفتين:استحضار عنصر متقدّم في خطاب سابق أو استحضار مجموع خطاب سابق في خطاب لاحق«( ) ؛ فعندما يقول القائل :
- اشتريت كتابا جديدا ثمنه ثلاثمائة دينارا دفعتها نقدا .
فهذا الخبر الّذي يريد القائل إبلاغه للسّامع يحتوي على ثلاثة جمل وهي:
1( - اشتريت كتابا جديدا .
2( - ثمن الكتاب ثلاثمائة دينارا .
3( - دفعت الثّلاثمائة دينارا نقدا .
إنّ اللّجوء إلى توظيف الضّمائر أعفى القائل عنت تكرار بعض العناصر الإشاريّة وما يبعث على التّشتّت ويقلّل من يقظة المتلقي وانتباهه ، فجعلت الضّمائر الجمل الثّلاث كما لو كانت جملة واحدة .
ومن الجدير بالذّكر في هذا الصّدد أنّ علماء النّص المحدثين على أنّ النّص أيّ نصّ تشتغل فيه « شبكة من العلاقات الإحاليّة بين العناصر المتباعدة في فضاء النّص ، فتجتمع في كلّ واحد عناصره متناغمة ، وهذا مدخل الاقتصاد في نظام المُعوِّضات في اللّغة؛ إذ تختصر هذه الوحدات الإحاليّة العناصر الإشاريّة وتجنّب مستعملها إعادتها وتكرارها«( ) ؛ فالإحالة بوساطة الضّمير من وسائل الرّبط الّتي تفيد الكلام اتّساقا وانسجاما، وتنفي عنه التّكرار ، وتجنّبه التّشتّت والتّفكّك ، وتُسهِم «بشكل فعّال في اتّساق الخطاب«( ).
سادسا:خاتمة.
لقد كانت غايتنا لدى وقوفنا عند دراسة الإحالة الضّميريّة بين علماء اللّغة العربيّة القدامى وعلماء النّص المحدثين إقامةَ تأثيلٍ للفكر اللّغوي العربي القديم وتأصيله محاولين اكتشاف نظريّة عربيّة للإحالة ، ومَوضَعَتها داخل إرثٍ نظريٍّ عربيٍّ أصيلٍ ، وملامسة أوجه التّقاطع والتّطابق من جهة الجهاز المفاهيمي الموظَّف عند كليهما في التّحليل اللّغويّ من حيث المنهج والمصطلحات .
لقد اكتشفنا أوجه التّطابق شبه التّام بين الفريقين رغم ما بينهما من حقب زمنية طويلة ، واختلاف السّياقات التّاريخيّة والحضاريّة والوسائل الإجرائيّة والآليات المساعدة ، وهذا فضلاً عن اختلاف الذّهنيّة العلميّة الّتي تقوم بالبحث والاستقصاء والاستنباط والتّجريد والتّقنين والتّفسير وما إلى ذلك .
إنّ التداوليات pragmatics منهجٌ تحليليٌّ وصفيٌّ وتفسيريّ يتوخّى فهم الظّاهرة اللّغويّة وكشف قوانينها الّتي تحكم النّص/الخطاب؛ إنّه منهجٌ يبدأ بالنّص وينتهي به ، وبينما مال المُحدَثون إلى الكلّية والشّموليّة مال اللّغويون القدامى إلى الجزئيّة في إطار نحو الجملة اللّهمّ المفسِّرون الّذين عكفوا على النّص القرآنيّ في علاجهم للإحالة وأهمّيتها في تحديد دلالات الآيات وتحكّمها بالسّياق النّصي الداخليّ والمقام التّداوليّ إلى جانب شُرّاح الشّعر الّذين عالجوا الضّمائر في فضاء نصيّ يتجاوز الجملة إلى النّص برمّته بل قد يتجاوز السّياق اللّغويّ إلى المقام الخارجيّ التّداوليّ .
للرّوابط الإحاليّة دورٌ مهمٌّ في تحقيق التّماسك بين أجزاء النّص كما تكشف عن مواضع الغموض والتّعمية .
إنّ الأسس المعرفيّة للإحالة الضّميريّة كانت حاضرة في الدّرس اللّسانيّ العربيّ القديم وخاصة عند البلاغيين والمفسِّرين وشرّاح الشّعر .
درس علماء العربيّة القدامى من نحاة ومُفسِّرين وشُرَّاح الشِّعر ونُقّادٍ وغيرهم الإحالةَ في شتَّى مستوياتها: الدّاخليّة والخارجيَّة ، واتِّجاهاتها القبليَّة والبعديَّة ؛ وبذلك لم يكونوا بعيدين عن علماء النّص المُحدَثين في درسهم للإحالة الضّميريَّة ، ويمكن تلخيص ما انتهى إليه الفريقان قدامى ومحدثين في باب الإحالة الضّميريَّة في النّقاط التَّالية:
1) المعوِّضات تفتقر إلى مرجع يُفسِّرها .
2) ضرورة التَّطابق في الخصائص الدّلاليّة بين العنصر الإشاريّ والعنصر الإحالي .
3) للسّياق الخارجيّ دور حاسمٌ في تفسير بعض العناصر الإحاليّة .
4) للضّمائر دور فعّال في: الرّبط ، والإحلال ، والتّعويض ، والاختصار ، والانسجام المعنوي بين العناصر المتباعدة في نصّ ما .
مبحث الإحالة واسعٌ يشمل الإحالة النّحويّة داخل الجملة من خلال الضّمائر ، ويشمل تعلّق الجمل بعضها ببعض وهو المطلق عليه: الإحالة النّصيّة.
لموضوع الإحالة قسمان: إحالة داخليّة بين عناصر النّص وإحالة خارجيّة تكون علاقة النّص أو بعض عناصره ذات علاقة مع السّياق الخارجيّ.
الإحالة عَودٌ على بدء وربط للآخِر بالأوّل.
كلّ لفظ عام أو مجمل يحمل قيمة إحاليّة لأنّه يختصر كلاما كثيرا أو يُحيل على جزء من نصٍّ أو على جملٍ أو على كلام كثيرٍ.
وبذلك يبقى دائمًا البحث في الإحالة الضَّميريّة و تفسيرها خاضعا للكفاءات التّقارئيّة ، وامتلاك الأدوات النّصيّة: الشّكليّة والدّلاليّة والتّداوليّة بل يقتضي فكّ شفراتها وتأويلها من المتلقي أن يَتَمَوضَع في مكان المخاطِب والمخاطَب ليستطيع دخول عالم النّص بالإضافة إلى تجاوزه البنية اللِّسانيَّة الدّاخليّة المُغلَقة إلى الفضاءات التَّداوليَّة للنّص ؛ ومن ثمّ الانفتاح على أغلب المرجعيات الثّقافيّة والاجتماعيّة والدّينيّة والسّياسيّة الّتي ينتمي إليها الخطاب ، وكذا الملابسات التّأويليّة المحيطة لاستنطاق علامات الفضاء الخارجيّ ؛ وذلك بتجاوز تلك الأطر البنيوية المُغلَقة إلى تناول معطيات البنيّة الرّأسيّة ، واستثمار كلّ الأنظمة الدّالّة ، وتفجير المرجعيّات عبر فكّ شفرات عناصر الإحالة المقاميّة في النّص ، واستكناه المعاني الغائبة.
محمد بن زعبار- عضو مبدع
- عدد الرسائل : 1062
نقاط : 2133
تاريخ التسجيل : 02/11/2008
مواضيع مماثلة
» نحو نظريـــة عربية للإحالة الضميرية ( دراسة تأصيلية تداولية ) ـ الهوامش والاحالات ـ
» من أجل صحتكم ..الجزء الثاني
» ذكرى 8 ماي ... ( الجزء الثاني ) .
» هام جدا ...من أجل صحتكم الجزء الثاني والأخير
» المقامة الاعترافية ـ الجزء الثاني
» من أجل صحتكم ..الجزء الثاني
» ذكرى 8 ماي ... ( الجزء الثاني ) .
» هام جدا ...من أجل صحتكم الجزء الثاني والأخير
» المقامة الاعترافية ـ الجزء الثاني
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة أبريل 12, 2024 4:10 pm من طرف سعداوي ربيع
» المتألقه ياسمين ابراهيم
الثلاثاء أكتوبر 10, 2023 8:54 pm من طرف سعداوي ربيع
» إستمتع بخدمة ultimate game pass لجهاز الإكسبوكس و الحاسوب
الخميس نوفمبر 24, 2022 10:35 pm من طرف lmandoo
» ربيع المؤمـــــــــــــــــــن
الثلاثاء نوفمبر 08, 2022 8:11 am من طرف سعداوي ربيع
» مشروع واحة الشاطيء شقق للبيع في مدينة دبي للاستديوهات
الخميس نوفمبر 03, 2022 9:21 pm من طرف lmandoo
» شركة حلول ميج للاستشارات وتطوير الأعمال
الثلاثاء أكتوبر 18, 2022 11:26 am من طرف lmandoo
» نانا اليوم اقوى الخصومات على كل المنتجات
الأربعاء أكتوبر 12, 2022 11:28 pm من طرف lmandoo
» مرام مالك فنانة غنائية سعودية
الإثنين سبتمبر 05, 2022 5:12 am من طرف lmandoo
» موقع تعليمي سعودي لتغطية كافة المناهج
الخميس أغسطس 25, 2022 11:44 pm من طرف lmandoo
» يونيريم للرعاية المنزلية UNIREM Home Care
الأربعاء أغسطس 17, 2022 3:49 am من طرف lmandoo
» ايه افضل بيوتى صالون فى حدئق الاهرام واكتوبر وزايد
السبت أغسطس 13, 2022 3:57 am من طرف lmandoo
» اشطر جراح عام دكتور عبد الوهاب رأفت
السبت أغسطس 13, 2022 2:21 am من طرف lmandoo
» اشطر جراح عام دكتور عبد الوهاب رأفت
الثلاثاء أغسطس 09, 2022 1:47 am من طرف lmandoo
» ايه افضل بيوتى صالون فى حدئق الاهرام واكتوبر وزايد
الثلاثاء أغسطس 09, 2022 1:37 am من طرف lmandoo
» مصممة الازياء رنا سمعان من نينوى العراق إلى العالمية
الإثنين أغسطس 08, 2022 3:45 am من طرف lmandoo